تشكيك دانماركي بدور أميركا في ضمان أمن أوروبا
تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT
شككت المخابرات العسكرية الدانماركية في دور الولايات المتحدة في ضمان أمن أوروبا وقالت إن الدانمارك تواجه في الوقت الراهن أكبر قدر من التهديدات الخارجية منذ سنوات طويلة، في ظل تصاعد الصراعات الجيوسياسية وتزايد الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا.
وأضافت في تقريرها السنوي الصادر اليوم الأربعاء أن "القوى العظمى في العالم باتت تعطي الأولوية بشكل متزايد لمصالحها الخاصة، وتستخدم القوة لتحقيق أهدافها"، مشيرة إلى روسيا والصين كأبرز الدول التي تشكل تحديات للدانمارك.
وأوضحت أن الحرب التي تشنها موسكو ضد أوكرانيا عامل رئيسي في تشكيل التطورات الأمنية في أوروبا.
وحسب تقرير المخابرات العسكرية الدانماركية "نشأت حالة من الضبابية بشأن دور الولايات المتحدة كضامن للأمن الأوروبي، وهذا سيزيد من استعداد روسيا لتكثيف هجماتها ضد حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
كما اعتبر التقرير أن التهديد العسكري من روسيا لحلف شمال الأطلسي سيزداد، على الرغم من عدم وجود تهديد بهجوم عسكري نظامي ضد مملكة الدانمارك في الوقت الحالي".
وخلال استضافتها قمة قادة الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حذرت رئيسة الوزراء الدانماركية مته فريدريكسن، من أن أوروبا في خضم حرب هجينة تشنها روسيا، مؤكدة أن على القارة تسليح نفسها.
وقالت فريدريكسن إن "هناك بلدا واحدا على استعداد لتهديدنا، وهو روسيا، ونحن في حاجة إذن إلى رد قوي جدا".
وجاء تصريحها بعدما حلقت طائرات مسيرة -لم يتم التعرف على هويتها- مرارا فوق بلادها في سبتمبر/أيلول الماضي.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أميركا أولًا… لا الديمقراطية
#أميركا أولًا… لا #الديمقراطية: كيف تعيد #استراتيجية_ترامب للأمن القومي #تشكيل_العالم؟
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، فجاءت الوثيقة بمثابة بيان سياسي يعكس تحولًا عميقًا في رؤية الولايات المتحدة للعالم ولدورها فيه. ليست هذه مجرد مراجعة تقنية للأولويات الأمنية أو الدفاعية، بل إعلان صريح عن نهاية مرحلة تاريخية في السياسة الأميركية، عنوانها التخلي عن “الليبرالية التبشيرية” التي حكمت السلوك الأميركي منذ نهاية الحرب الباردة، لصالح مقاربة واقعية قوامها المصالح الاقتصادية الضيقة، والأمن الداخلي، وإعادة تعريف العلاقة مع الحلفاء والخصوم على حد سواء.
تنطلق الاستراتيجية الجديدة من نقد جذري لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، التي ترى أنها أرهقت الولايات المتحدة، واستنزفت مواردها، وأضعفت قاعدتها الصناعية وطبقتها الوسطى، في مقابل حماية حلفاء اعتادوا – وفق الرؤية الأميركية الجديدة – الاتكال على واشنطن في أمنهم وازدهارهم. وعليه، تعيد الوثيقة ترتيب الأولويات، فالأمن الداخلي والحدود في الصدارة، يليه نصف الكرة الغربي عبر إحياء مبدأ مونرو بصيغته “الترامبية”، ثم الأمن الاقتصادي، وأخيرًا الصين ومنطقة الإندو-باسيفيك.
مقالات ذات صلةاللافت في هذه الاستراتيجية هو الارتفاع غير المسبوق لمكانة الاقتصاد باعتباره جوهر الأمن القومي. فإعادة التصنيع، وتأمين سلاسل الإمداد، وحماية التفوق التكنولوجي الأميركي، باتت تتقدم على أي التزام أيديولوجي بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. فالأمن، وفق هذا المنطق، لم يعد مرتبطًا بانتشار القيم الأميركية، بل بقدرة الدولة على حماية مصالحها المادية، حتى لو كان ذلك على حساب صورة أميركا ودورها الأخلاقي في العالم.
ويُعدّ غياب البعد القيمي من أخطر ما في الوثيقة. فعلى عكس الاستراتيجيات السابقة، لا نجد أي حديث عن “صراع الديمقراطية مع الاستبداد”، ولا عن “النظام الدولي القائم على القواعد”، ولا عن نشر الحكم الديمقراطي بوصفه مصلحة أميركية طويلة الأمد. بل تؤكد الوثيقة بوضوح أن السياسة الأميركية الجديدة “ليست مبنية على أيديولوجيات سياسية تقليدية”، وأن واشنطن تسعى إلى علاقات طيبة مع دول تختلف أنظمتها السياسية عنها، من دون فرض تغييرات ديمقراطية أو اجتماعية تتعارض مع تاريخ تلك الدول وثقافاتها. بهذا المعنى، نحن أمام إعلان رسمي بانتهاء عصر الليبرالية الدولية التبشيرية.
هذا التحول له آثار عميقة على وضع الديمقراطية عالميًا. فقد كانت الولايات المتحدة، رغم ازدواجية معاييرها، تشكل مرجعية رمزية وداعمة – ولو جزئيًا – للحريات وحقوق الإنسان. أما اليوم، فإن تخليها الصريح عن هذا الدور يفتح المجال أمام تمدد نماذج الحكم السلطوي، ويمنح الأنظمة غير الديمقراطية شرعية إضافية، في ظل غياب أي ضغط قيمي حقيقي من القوة الأعظم في العالم. وهنا يتقاطع هذا التحول مع ما تشير إليه الأدبيات الحديثة حول “عدوى السلطوية” وتراجع الديمقراطية عالميًا في نظام دولي بات أكثر تعددية وأقل تمركزًا.
أما الصين، فقد أعيد تعريفها في الوثيقة بوصفها منافسًا اقتصاديًا لا عدوًا أيديولوجيًا. لم تعد “التحدي المُحدد للوتيرة”، بل مصدر تهديد لسلاسل الإمداد، ومنافس على الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية. وحتى في ملف تايوان، تتراجع اللغة الحاسمة، ويُلمّح لأول مرة إلى أن التفوق العسكري الأميركي “غير مضمون”، وأن الدفاع عن الجزيرة قد يصبح مستحيلاً إذا لم يتحمل الحلفاء أعباء أكبر. هذا الاعتراف يعكس وعيًا أميركيًا بتغير موازين القوى، وبأن الاقتصاد – لا القيم – هو ساحة الصراع الحقيقية.
غير أن الاستراتيجية تعاني من تناقض بنيوي واضح: كيف يمكن لواشنطن بناء تحالف اقتصادي واسع في مواجهة الصين، بينما تشن في الوقت نفسه حروبًا تجارية على حلفائها، وتطالبهم بزيادة إنفاقهم الدفاعي، وتتعامل معهم بمنطق الصفقة لا الشراكة؟ هذا التناقض يهدد بتآكل الثقة الأميركية، ويدفع الحلفاء إلى التساؤل عن جدوى التضحية بمصالحهم من أجل دولة لم تعد تقدم قيادة أخلاقية، ولا حتى ضمانات اقتصادية مستقرة.
في المحصلة، تكشف استراتيجية ترامب للأمن القومي عن أميركا أكثر انكفاءً، وأقل التزامًا بالقيم التي رفعتها لعقود، وأكثر تركيزًا على ذاتها ومصالحها المباشرة. وهو تحول لا يعني فقط خسارة الولايات المتحدة لرصيدها الرمزي في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل يسرّع أيضًا من تراجع الليبرالية عالميًا، ويدشن مرحلة جديدة في النظام الدولي، عنوانها الواقعية الخشنة، وتعددية بلا قيم، وعالم أقل ديمقراطية وأكثر اضطرابًا.