جريدة الوطن:
2025-05-25@06:04:50 GMT

طلليات صحفية فـي الذاكرة

تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT

طلليات صحفية فـي الذاكرة

ثمَّة تقاليد صحفيَّة طريفة، بل ومفيدة، لَمْ تزَلْ عالقةً في ذاكرتي وذاكرة أبناء جيلي، بكُلِّ تأكيد. وهي تقاليد لَمْ تكُنْ لِتخلوَ مِنْها أيَّة مجلَّة، بل وأيَّة صحيفة عربيَّة: فكانت تظهر للمتصحِّف «زوايا» التعارف وكتابات القرَّاء على الصفحات الأخيرة، ذلك أنَّ الصفحات الأولى من الصحف والمجلَّات غالبًا ما كانت حكرًا على المحرِّرين المحترفين الذين يستثمرونها لتسجيل أفكارهم وعرض آرائهم أو للدعاية والإعلان التجاري أو السِّياسي.


زوايا التعارف هذه كانت ظاهرة صحفيَّة عربيَّة بامتياز، خصوصًا عَبْرَ عقدَي الخمسينيَّات والستينيَّات، وغالبًا ما كانت تظهر الأسماء مع صورة فوتوغرافيَّة للشخص الراغب «بالتعارف»، زيادة على تعريف مختزل به وبتحصيله العلمي مرفقًا بعنوانه الكامل كَيْ تتيسرَ عمليَّة المواشجة بَيْنَه وبَيْنَ مَن يجد فيه أو فيها مرشَّحًا مناسبًا للتعارف وللصَّداقة: وكان هناك مَن يعلن أنَّ هوايته هي: «المراسلة»، ثمَّ هناك مَن يكتب أنَّ هوايته جمع الطوابع، ناهيك عن هؤلاء الذين يتمسَّكون بـ»التعارف» و»المراسلة» كهواية بحدِّ ذاتها. زِدْ على ذلك الهوايات التي كانت تعكس ميولات وشغف الشبيبة والنشء حقبة ذاك، من نوع هواية السِّباحة وهوايات السَّفر وهواية جمع وتبادل الطوابع. وتجدر الإشارة إلى أنَّ المحرِّرين كانوا يخصُّون القرَّاء الموهوبينَ ببضع صفحات لنَشْرِ كتاباتهم على سبيل التشجيع، وهي ظاهرة صحفيَّة اختفت منذ زمن كذلك! لقَدْ خدمت زوايا التعارف إيَّاها في مجلَّات مِثل (الموعد) المصريَّة و(والشَّبكة) اللبنانيَّة و(المتفرِّج) العراقيَّة كقنوات تواصل وتوائم ومَحبَّة بَيْنَ الشبَّان والشابَّات العربيَّات دُونَ تجاوز حدود اللياقة والمَحبَّة البريئة. ومن غرائب الصحافة العربيَّة، من المحيط إلى الخليج، هي ظاهرة خفوت وانكماش زوايا التعارف تدريجيًّا حتى اختفائها تمامًا، كما نلاحظ ذلك اليوم، ربَّما بسبب طغيان السِّياسة على روح الأخوَّة الحقَّة التي كانت سائدة آنذاك. وربَّما كان تطوُّر وسائل الاتِّصال السريعة والفوريَّة سببًا وراء تغييب «ركن التعارف»، زِدْ على ذلك التغيُّرات النوعيَّة في الأمزجة والذَّائقة العامَّة عَبْرَ مُجتمعاتنا العربيَّة المتغيِّرة على نَحْوٍ متواصل. أمَّا الخلافات السِّياسيَّة الحكوميَّة العربيَّة/العربيَّة، فقَدْ أدَّت دَوْرًا مُهمًّا في تقطيع خيوط التواصل بَيْنَ الشبَّان العراقيِّين وإخوانهم السوريِّين والمصريِّين في مراحل تاريخيَّة معروفة، على سبيل المثال لا الحصر. في عراق الستينيَّات، على سبيل المثال، كان يندر أن تجدَ شابًّا في مرحلة الدراسة الثانويَّة أو الجامعيَّة دُونَ «دفتر عناوين الأصدقاء»، حيث يضمُّ هذا الدفتر أسماء وربَّما صورًا لأصدقائه وصديقاته من المغرب أو السودان، لبنان أو الأردن. بَيْدَ أنَّ هذا الاتِّجاه الاجتماعي والذَّوقي سرعان ما أخذ ينكمش لبالغ الأسف، خصوصًا بعدما طرأ من توافر وتيسير لسُبل النقل والسَّفر، ناهيك عن التطوُّرات والتقنيَّات المعقَّدة في وسائل الاتِّصال الصوتي والصوري، حيث استحال العالَم العربي إلى «قرية» عربيَّة صغيرة بسبب هذه الخدمات والتقنيَّات الحديثة.
أمَّا زوايا وأبواب «كتابات القرَّاء»، فهي تنكمش الآن وفي طريقها إلى الزوال، خصوصًا بعد تسييس الإعلام في العديد من الدوَل.

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

نحن نعيش الموت: صحفي من غزة يروي مأساة التهجير واليأس

يقدم الصحفي رامي أبو جاموس في يومياته لـ"أوريان 21″ شهادة مؤثرة وعميقة عن المأساة المستمرة التي يعيشها سكان قطاع غزة.

فبعد أن اضطر إلى مغادرة منزله في مدينة غزة مع عائلته في أكتوبر/تشرين الأول 2023 تحت تهديد الجيش الإسرائيلي، تنقل أبو جاموس وعائلته قسرا بين رفح ودير البلح والنصيرات، ليجسدوا بذلك معاناة مئات الآلاف من النازحين داخل هذه "المنطقة البائسة والمكتظة".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوجون أفريك: شعب الفلان بغرب أفريقيا عالق بين المسلحين والعسكريينlist 2 of 2إندبندنت: لماذا تأخرت حكومة ستارمر باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل؟end of list

تبرز شهادة أبو جاموس الجانب المأساوي في خطة التهجير القسري والدمار الشامل. فبالنسبة له، فإن العملية الإسرائيلية المسماة "عربات جدعون" لا تخفي هدفا غير معلن، بل تسعى علنا إلى "دفع جميع سكان غزة للتحرك نحو البحر، نحو الجنوب، نحو رفح، المدينة التي دمرهاجيش الاحتلال بالكامل تقريبا".

نحن نواجه أسدًا يمزقنا، ويقتلنا، ويذبحنا، ولكنه ليس وحيدا، فخلف هذا الأسد هناك نمور وفهود وتماسيح تدعمه

ويرى أبو جاموس أن الاسم الرمزي للعملية الإسرائيلية الجديدة مثير للاهتمام، قائلا "كما هو الحال دائمًا، هناك دلالة دينية، لكنها تشير أيضًا إلى التاريخ، فقد أطلق اليهود عام 1948 اسم "عملية جدعون" على الهجوم الذي شنته المليشيات اليهودية على قرية بيسان الفلسطينية الإستراتيجية، والتي تم تهجير سكانها باتجاه الأردن، وليس من قبيل المصادفة أن يختار الجيش الإسرائيلي هذا الاسم لعملية التهجير الجديدة"، وفقا للكاتب.

إعلان

ويلفت هنا إلى أن 90% من المساكن قد دمرت في رفح، مؤكدا أن الهدف هو ترحيل 2.3 مليون شخص إلى بلدان أجنبية. ويصف أبو جاموس ما يحدث بأنه "نكبة جديدة" تهدف إلى استكمال ما بدأ عام 1948، ليتم احتلال فلسطين كلها من قبل إسرائيل.

ويزداد المشهد قتامة مع إشارته إلى الاستخدام الإسرائيلي للمرجعيات الدينية لتبرير الدمار، فاستخدام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمصطلح "عماليق" في بداية الحرب كان إشارة إلى نص في التوراة يدعو إلى دمار كامل لا يستثني "رجالا ولا نساء ولا أطفالا ولا رضّعا ولا أجنة، فضلا عن الماشية والخيول والمساكن".

ويصف أبو جاموس هذا بأنه "أسوأ إرهاب دولة ممكن"، متسائلا: لماذا لا يطلق عليه اسم "الإرهاب اليهودي". كما يكشف عن خطة إسرائيل لتقسيم غزة إلى 5 أجزاء، مع "ممرات للتعذيب" حيث تتم تصفية النازحين ودفعهم جنوبا، مع استمرار "المجازر".

ويشير إلى أن ما بين 400 ألف و600 ألف شخص بقوا في الشمال محاصرين يتضورون جوعًا، "يأكلون التبن والعشب في الشارع، ويغلون الماء الملوث ليشربوه".

وفي خضم هذا اليأس، يبرز أبو جاموس صلابة سكان غزة ووصولهم إلى نقطة اللامبالاة بين الحياة والموت.

فرغم معرفتهم بقوة الجيش وقدرته على ارتكاب المجازر بحق من لا يطيع أوامر الإخلاء، فإن كثيرين قرروا البقاء.

ويضيف أبو جاموس بحسرة: "حياتهم أو موتهم، الأمر سيان بالنسبة لهم. هم منهكون جدا ليتنقلوا مرة أخرى".

ويضيف أن المنطقة التي تدعى "إنسانية" في المواصي تتعرض "للقصف يوميا تقريبا… ويستهدفون خيام النازحين، وتُقتل عائلات بأكملها".

ويوضح أننا "نواجه أسدًا يمزقنا، ويقتلنا، ويذبحنا، ولكنه ليس وحيدا، فخلف هذا الأسد هناك نمور وفهود وتماسيح تدعمه"، مبرزا أن الوضع يتطلب من الفلسطينيين في الوقت الحالي الحكمة أكثر مما يتطلب الشجاعة، إذ إن النجاح الحالي هو في تفادي تهجير أهل غزة عن أرضهم.

إعلان

ويختتم أبو جاموس شهادته بعبارة تختصر المأساة الوجودية: "نحن أحياء، نتنفس، لكننا نعيش الموت، ولن نغادر". ويعتقد أن العالم رغم إحجامه عن نطق كلمة "إبادة جماعية"، قد "فهم أننا نعيش إبادة جماعية".

مقالات مشابهة

  • رابطة صحفية تنتقد قيود وزير الدفاع الأمريكي على دخولهم إلى البنتاغون
  • بدور القاسمي: المكتبات حلقات وصل بين الذاكرة الإنسانية والمستقبل
  • رصاصة في الذاكرة.. اغتيال المثقف الفلسطيني في معركة الهوية
  • عذابات الروهينغا.. وجود غير قانوني وموت خارج الذاكرة
  • استشاري: التمارين العقلية لها تأثير إيجابي على الذاكرة .. فيديو
  • مي كساب.. صحفية وخبيرة تجميل
  • جمعيات صحفية فرنسية تطالب باريس بإجلاء زملائهم من غزة
  • دوي إطلاق نار يقطع مقابلة صحفية لفيليبي كوتينيو لاعب ليفربول السابق.. فيديو
  • أمسية “مؤسسة فلسطين الدولية”: حين يتوّج الإبداع الذاكرة ويُغنّي الجمال في وجه العتمة
  • نحن نعيش الموت: صحفي من غزة يروي مأساة التهجير واليأس