وضع بنيامين نتنياهو كل ثقله خلف دونالد ترامب، وبشكل سافر، تقريبا، فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، التى جرت العام الماضى، وفعل كل شىء ممكن من أجل فوزه فى مواجهة كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكى السابق، جو بايدن، وهو أمر يراه، ناحوم برنياع، خطأً كبيرًا: «وضع نتنياهو كل البيض فى سلة ترامب. وهو خطأ نتائجه معروفة سلفًا.

لقد خسر، بسببه وإلى الأبد، الحزب الديمقراطى واليهود الأمريكيين الليبراليين، الذين يكره بعضهم نتنياهو أكثر من كرههم لترامب. إنه مغرور مع اختياره. ليس لديه خط رجعة».

احتفل مؤيدو نتنياهو، وأبواقه الإعلامية، ووزراء، وأعضاء كنيست من حزبه- «ليكود»- بفوز ترامب، وظنوا أن الأمور تسير لصالح نتنياهو، وأن له رفيقًا مقربًا، أو «مسيحًا مخلصًا» فى البيت الأبيض، بحسب تعبير، سيما كدمون؛ وذهبوا مدى أبعد حين تصوروا أن ترامب سيحقق حلم نتنياهو ويهاجم إيران، وسيترك له الحبل على الغارب ليفعل ما يريد بغزة وبأهلها، وربما يتيح له، حتى، ضم الضفة الغربية المحتلة.

 لكن إسرائيل، «صُدمت»، بحسب تعبير، باراك سرى، عقب زيارة ترامب لمنطقتنا فى 13-16 من شهر مايو 2025م. عبَّر مقرَّبون من نتنياهو عن هذه «الصدمة». إذ تطرق، دافيد أمسالم، وزير التعاون الإقليمى، خلال خطاب له فى الكنيست، إلى التغيرات المتلاحقة فى مواقف الرئيس الأمريكى بقوله: «فى كثير من المرات يتقلب ترامب من النقيض إلى النقيض، مثل الطقس. إنه حالة مزاجية، لذا نحن نأخذ هذا الأمر فى الاعتبار». وفى مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية، صعَّد أمسالم من لهجته، معربًاعن خيبة الأمل من سلوك ترامب، خاصة فيما يتعلق بقراره وقف الهجمات على «الحوثيين»، ووصف ترامب بأنه «غير متوقع، يصحو كل يوم على جنب آخر».

الأصل فى العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية أنها علاقات استراتيجية، لا تتأثر بوجود «الديمقراطيين» أو «الجمهوريين» فى سدة الحكم. علاقات تحالف راسخة، قد تشهد صعودًاوهبوطًا، وخلافات فى الرؤى تجاه بعض القضايا، لكن التشاور المتواصل يذيب كثيرًا منها. من المبادئ الحاكمة لهذه العلاقات ألا يفاجئ طرفٌ الطرف الثانى. وقد جرت العادة، أن يطلع المسئولون الإسرائيليون، أولًا، على أى تصريح قد يدلى به الرئيس الأمريكى بشأن الشرق الأوسط، له علاقة بأمن إسرائيل، بخاصة، وأن يقدموا ملاحظاتهم عليه، إذا كانت لهم ملاحظات. هكذا حدث، كما يقول، مايكل أورن، السفير الإسرائيلى السابق فى واشنطن، مع خطة «خريطة الطريق»، التى اقترحها الرئيس الأمريكى، الأسبق، جورج بوش، الابن، عام 2002م، لحل المشكلة الفلسطينية؛ حيث أرسلت نسخة من الخطة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، فى حينه، أريئيل شارون، قبل الإعلان عنها بأسبوعين.

 لكن ثمة انطباعًا فى الشهور الأخيرة، تعزز خلال زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة، بأن هذا المبدأ قد تلاشى. تجلَّى الأمر فى إعلان ترامب عن إجراء مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووى، من دون علم إسرائيل، وفى استثنائه إسرائيل من برنامج زيارته للمنطقة، وفى اتفاقه على إطلاق سراح الأسير الإسرائيلى ــ الأمريكى الجنسية، عيدان ألكسندر، عبر مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة «حماس»، حتى قبل توجهه إلى المنطقة، من وراء ظهر إسرائيل، وفى توصله إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع «الحوثيين» فى اليمن، من دون التشاور مع إسرائيل، أو إدراجها ضمنه، وفى موافقته على إمداد السعودية بمفاعل نووى مدنى من دون ربط ذلك بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، كما تمنت الأخيرة، وفى لقائه المفاجئ والتاريخى مع الرئيس السورى، أحمد الشرع، فى الرياض، وفى امتداحه إيَّاه بشكل لافت، وفى رفعه العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا ــ قانون «قيصر» ــ رغم معارضة إسرائيل لرفعها، وفى إبرامه صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع بعض الدول الخليجية، قد تؤثر على التفوق العسكرى النوعى لإسرائيل فى المنطقة.

يرى كثيرٌ من المراقبين الإسرائيليين، أن نتنياهو تلقى، فى كل محطة، تقريبًا، من محطات ترامب فى المنطقة، صفعة مدوية، على الأقل، إن لم يكن هزيمة سياسية قاسية، بل إن طال شاليف، تذهب إلى أن من شأن كل هذه الأمور، أن تمثل بداية انهيار سياسى، سيضطر نتنياهو إلى مواجهته إذا استمر فى إبقاء إسرائيل خارج الصورة، وأن الرسالة القاطعة التى لاحت من جولة ترامب فى المنطقة هى أنه يبنى تحالفًا إقليميًا، يستبعد نتنياهو، المكبَّل بائتلاف مع بن جفير وسموتريتش». وهو ما يتفق معه، باراك سرى، الذى يقول: «إن إسرائيل، بعد كل هذه المفاجآت، خارج الشرق الأوسط الجديد الذى يتشكل أمام أعيننا»، وأن نتنياهو «زعيم من الأمس. محافظ، ومتردد، ورافض مزمن، وفاشل تمامًا فى الساحة السياسية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية».

 الأزمة الحالية، فى العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية، إذا جازت التسمية، أزمة بين ترامب وشخص نتنياهو، فى نظرى، وليس بينه وبين دولة إسرائيل الحليف الاستراتيجى الأهم لأمريكا فى العالم. وهى أزمة واضحة، رغم تجاوزها، للوهلة الأولى، خلال انتخابات 2024م. يبدو أن ترامب لم ينس لنتنياهو أنه كان أول من هنَّأ بايدن بالفوز على ترامب فى انتخابات 2020م، إذ قال عنه، فى حينه: «نتنياهو، هذا الكذَّاب، ناكر الجميل، كان أول المهنئين لبايدن، ما الذى لم أفعله من أجل إسرائيل؟! لقد أسقطته تمامًامن حساباتى».

لا يتعلق الأمر بالغضب من مجرد تهنئة من الماضى، وإنما بسلوك نتنياهو، الذى يسعى لجر أمريكا إلى حروب. لقد ضاق ترامب، على الأرجح، بمراوغات نتنياهو. يقول، ناداف إيال: «ثمة حساسية آخذة فى الازدياد لدى الإدارة الأمريكية تجاه سلوك نتنياهو ورون ديرمر، وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية. تستشعر الإدارة الأمريكية، أن الاثنين يماطلان ويسوفان، ويدفعان فى اتجاه توريط الولايات المتحدة الأمريكية فى حرب ليس مع إيران فقط، مضيفًا أن مسئولًا أمريكيًا سابقًا رفيع المستوى بعث، مؤخرًا، برسالة لمسئولين إسرائيليين يحذر فيها من أنه إذا استمر نتنياهو فى التصرف بهذا الشكل «فسيكتشف فى الصباح أن البيت الأبيض مضى قدمًا، لحل مشكلة غزة، بدونه، ولوقف الحرب».

بيد أن ثمة عوامل أخرى، بعضها يتعلق بشخصية ترامب نفسه، وبعضها يتعلق بالداخل الأمريكى، تقف وراء هذا المنحى الجديد، منها أن أسلوب المفاجآت سمة من سمات ترامب، فى إدارة السياسة، الداخلية والخارجية على حد سواء. وهو أمرٌ بدا بوضوح، فى قراراته تجاه حلف «الناتو»، ودول الجى 7 والصين، وفى تعامله مع رئيس أوكرانيا، زيلينسكى، ومنها، على صعيد الداخل الأمريكى، أن شريحة كبيرة من حركة MAGA ــ شعار الحملة الانتخابية لـ ترامب فى انتخابات 2016م: «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» ــ الوفية للرئيس ترامب تنتقد إسرائيل، خاصة نتنياهو.

وقد نُقل، مؤخرًا، عن ستيف ويتكوف، مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية الخاص إلى الشرق الأوسط، قوله لأسر الأسرى الإسرائيليين إنه «يجرى إطالة الحرب بدون داع»، كما ظهرت فى وسائل الإعلام الأمريكية تصريحات للرئيس الأمريكى، نفسه ــ وللمرة الأولى ــ ضد استمرار الحرب فى غزة. يقول بن درور يمينى: «نحن نصغى إلى تلك الأصوات الأمريكية التى أحدثت هذا التغيير لهم أيديولوجيا ركيزتها: أمريكا أولًا. هم يدعمون انعزال أمريكا عن قضايا العالم. لا يريدون تدخلًا أمريكيًا فى العالم».

على ضوء هذه التحولات، يدعو، ناحوم برنياع، الإسرائيليين إلى الاستفاقة، مشيرًا إلى أن ترامب «مشكلة ستلازمنا فى الثلاث سنوات ونصف القادمة، وربما أكثر من ذلك. إسرائيل رهينة نواياه الحسنة، وأكاذيبه، ونزواته، لا تستطيع أن تسمح لنفسها بأن تكون خارج اللعبة». هذه هى رؤية كثير من المراقبين الإسرائيليين للمنحى الجديد، الذى انتهجه، دونالد ترامب، تجاه بنيامين نتنياهو.

إلا أن النظر إلى الأمور نظرة واقعية يدحض الرؤية المتباكية للمراقبين الإسرائيليين، فالرئيس الأمريكى، لم يُقدم للدول العربية، وللحرب على غزة، بخاصة، خلال زيارته للمنطقة، سوى بضع تصريحات عامة، بائسة، لا سند واقعيًا لها، فلم يتخذ موقفًا عمليًا ملموسًا لوقف الحرب على غزة، ولم يوقف خطط الجيش الإسرائيلى لتوسيع الحرب -خطة «مركبات جدعون»- ولم يوقف ضخ الأسلحة الفتاكة والذخيرة إلى آلة الحرب الإسرائيلية، ولم يتخل عن دعمها سياسيًا، ولم يتخل عن أحلامه، هو شخصيًا، فى الاستيلاء على غزة، وتحويلها إلى «ريفييرا»، ونفى سكانها إلى دول أخرى، ولم يتخل، بعد، عن خطط ضرب إيران، لصالح إسرائيل، حيث ما تزال القاذفات الأمريكية الثقيلة، ترابط فى جزيرة دييجو جارسيا بالمحيط الهندى، ولم تعد إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

 ويلخص عاميت جور، الرأى الآخر بقوله: «الصورة ليست سوداء أو بيضاء. الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بينهما تنسيق من حيث المبدأ، وكل التقارير التى تتحدث عن زيارة سوبر ناجحة لترامب فى الشرق الأوسط نبذ خلالها إسرائيل ليست صحيحة ببساطة». ربما أسقط ترامب نتنياهو وشركاءه من المتطرفين من حساباته، لكنه لم يسقط إسرائيل منها. فما يزال الدعم الأمريكى لإسرائيل، على كل المستويات، مستمرًا بوتيرته المعتادة، بل إن أمريكا لا تملك، حتى، ترف التخلى عن حليفها الاستراتيجى، المدلل.

(الشروق المصرية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه نتنياهو ترامب امريكا نتنياهو ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الأمریکیة الرئیس الأمریکى الشرق الأوسط ترامب فى

إقرأ أيضاً:

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. «10» الجدار الواقي ومفهوم نتنياهو

لم يكن نتنياهو داعمًا لعملية السلام في أي مرحلة من مسيرة حياته سواء عندما كان طالبًا في الولايات المتحدة أو عندما انخرط في جيش الاحتلال الإسرائيلي وعملياته المختلفة، أو حتى عندما أصبح زعيمًا لحزب الليكود ورئيسًا للوزراء الإسرائيلي.

وقد عبر نتنياهو عن موقفه من خلال رؤيته لمعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، فهو يقول في كتابه «مكان تحت الشمس» وعلى الرغم من إعادة سيناء إلى مصر، أتفق على أن تبقى شبه جزيرة سيناء منزوعة السلاح، وأن لا يدخل الجيش المصري إلى شرق القناة سوى «قوة صغيرة»، كما تم تشكيل قوة مراقبة فعالة اشتملت على قوة مراقبين متعددي الجنسيات بهدف ضمان بقاء سيناء منزوعة السلاح.

وقال: إن مساحة شبه جزيرة سيناء، كبيرة جدا، (تصل إلى ضعفي مساحة إسرائيل داحل حـدود عـام 1967، والضفة الغربية معا)، بحيث تتوفر لاسرائيل، في حالـة أي خـرق لاتفاقيـة نـزع الـسلاح، الفرصـة والوقـت لمواجهة أي هجوم مصري، قبل أن تتمكن القوات المصرية من الوصـول الى مـشارف النقـب. ولفـصل هـذا الحاجز الواسع المتمثل بصحراء سيناء، كان من السهل نسبيا تحقيق مثل هذه الظروف، على طول الحدود مع مصر.

ويقول نتنياهو: «يتوفر على الجبهة المصرية، الشرط الأساسي المطلوب لمعاهدة سلام بين إسرائيـل ودولـة عربية: إمكانية مناسبة لإسرائيل للدفاع عن نفسها في حالة خرق المعاهدة. غير أنه على بقية الجبهات، من الصعب جدا توفير ظروف كهذه. فالجبهة الشرقية تشمل، أولا وقبـل كـل شيء، سـوريا والعـراق، الـدولتين العسكريتين العربيتين الكبيرتين، اللتين رغم مـا بيـنهما مـن خـصومة، تعاونتـا في الـسابق في الحـروب ضـد إسرائيل. ويقول: يجب أن نأخذ بالحسبان أيضا، العربية السعودية، التي قد تضع ترسانتها من الأسلحة، في ظروف معينة، في خدمة حرب مستقبلية. كما أسلفنا استبعاد إمكانية دخول الأردن إلى دائـرة الحـرب، مـثلما أن معاهدة سلام مع سوريا، ليست ضمانا لعدم خرقها في المستقبل.

ويرى نتنياهو أن هناك شروطًا يجب توفرها لإدامة سلام مـع الجبهـة الـشرقية.

ومن بين هذه الشروط قدرة إسرائيل على الردع، والتي تعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية: قوتها العسكرية، مقابل القوة العسكرية العربية، المدة الزمنية للإنذار المبكر المتوفرة لديها لتمكينها من تجنيد قوات الاحتياط لديها، والحـد الأدنى من المساحة المطلوبة للجيش الإسرائيلى كي يستطيع الانتشار لمواجهة أي خطر محتمل.

الحلقة 10 من كتاب نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى

وهو يرى أن تفوق العرب على إسرائيل من حيث القوة العسكرية، في التـسليح والوسـائل القتاليـة، أخـذ بالتزايـد منذ سنوات. فمنذ حرب «يوم الغفران»، أنفق العرب ما يزيد على (150) مليار دولار على شراء الأسلحة وإنـشاء المنشآت العسكرية، في هذا الوقت- فالعربية السعودية وحدها، تخصص لجيشها سنويا مبلغـا مـن المـال، يـضاهى مـا تنفقـه دولة عظمى على جيشها مثل بريطانيا. أما الجيش السوري فيملك الآن دبابات يزيد عـددها عـلى تلـك التي كانت بحوزة ألمانيا عندما غزت روسيا ويقول: صحيح أن إسرائيل تتفوق على العرب من حيـث النوعيـة، وخاصـة في مجالات التدريب وتأهيل الجيش، غير أن الكميات الهائلة من الأسلحة التي تتدفق على الـدول العربية، مـن شأنها تغيير ميزان القوة بسرعة، بحيث تصبح كميات الأسلحة الزائدة لدى العرب، جزءا مـن التفـوق النـوعي أيضا. كما أن القوة العسكرية، لها علاقة بحجم السكان. ففي عام 1993، حيث بلغ عدد سـكان إسرائيـل حـوالى (5)ملايين نسمة، مقابل 32 مليون نسمة في سوريا والعراق، وهما الدولتين الرئيستين اللتـين تـشكلان الجبهـة الـشرقية، وهذه الميزة تمكن الدول العربية من الاحتفاظ بجيـوش نظاميـة كبـيرة، خلافـا لإسرائيـل التي يتكـون معظـم جيشها من رجال الاحتياط الذين يتطلب الأمر تعبئـتهم للحـرب. لـذا، فالـدفاع الإسرائـيلي يتطلـب ردا عـلى هجوم يكون فيه الجيش الإسرائيلي منذ البداية أقل عددا بنسبة 5:1أو 7:1، مقابل الجيوش العربية.

ويرى نتنياهو أن هــذه الفجــوة الكبــيرة لــصالح العــرب، في مجــالى الــسلاح والطاقــة البــشرية، التــى لايمكــن لإسرائيـــل تغطيتهـــا تزيـــد مـــن أهميـــة العنـــصرين الآخـــرين مـــن عنـــاصر الأمـــن الاسرائـــيلي، فالمدة الزمنية للإنذار المبكر، تعتبر شرطا ضروريا لبقاء إسرائيل، ومن ثم فإن إسرائيـل بحاجـة ماسـة إلى وقـت كـاف لتعبئة جنود الاحتياط الذين يشكلون القوة الرئيسة في الجيش. وهذه التعبئة، تتطلـب اسـتدعاء مـواطنين من بيوتهم في جميع أنحاء الدولـة، وتجمـيعهم في وحـداتهم، وتزويـدهم بالأسـلحة والمعـدات العـسكرية الأخرى، وتوجيههم ومن ثم نقلهم إلى خطوط الجبهة.

ويقول: إن تجنيد مئات الآلاف من الجنود الاحتياط في وقت واحد، يعتـبر مهمـة صـعبة جـدا، لا يمكـن، بـأي حال من الأحوال، تنفيذها بأقل من 48-72 ساعة، بينما لا توجد لدى سوريا مشكلة مماثلة، حيـث إن جيـشها النظامي يعادل من حيث الحجم قوة الاحتياط الإسرائيلية بأكملها، وربما يكون منتـشرا في المنطقـة، ولـيس بحاجة إلا إلى بضع ساعات فقط للخروج إلى الحرب.

ويقول: وحتى يتم الانتهاء من عملية تعبئة الاحتياط، تكون مسؤولية المحافظة على بقاء إسرائيل، ملقاة عـلى كاهل القوات النظامية المرابطة على خطوط الجبهة، وإذا فشلت هذه القوة النظاميـة في الاحتفـاظ بهـذه الخطوط حـيثما يتم إلحاق قوات الاحتياط، فقط تصل الحرب بسرعة كبيرة إلى المستوطنات والمدن الكبيرة في إسرائيل.

ويقول: إن الأخطر من هذا، هو المجال الجوي. فالطائرة المقاتلة التي تقلع عن مطـار عـسكري في غـرب العـراق، أو سوريا تحتاج ما بين 5-10 دقائق فقط للوصول إلى التجمعات السكانية في إسرائيل، وأقل مـدة زمنيـة مطلوبـة لإقلاع طائرة معترضة لمواجهة طائرة مهاجمة، هي ثلاث دقائق، وهذا أيضًا إذا كانت الطائرة المعترضـة في حالـة تأهب قصوى على مدرج المطار، ويضيف: بعبارة أخرى، بـدون انـذار مـسبق، قـد تتعـرض المـدن الاسرائيليـة والمطـارات فيها للقصف الجوي دون أي مقاومة. والدليل على حدوث مثل هذه الامكانية، هو أن إسرائيل وجدت نفـسها في حـرب الخلـيج، مـضطرة للاحتفـاظ بجـزء مـن سـلاحها الجـوي، محلقـًا في الجـو، فقـد كانـت الطـائرات المقاتلة تحلق في سماء إسرائيل ليلاً نهارا طيلة فترة حـرب الخلـيج. وقـد تمكنـت إسرائيـل مـن اتخـاذ هـذا الإجراء لأن الأمريكيين أبلغونا سلفا بموعد بدء الحرب.

ولهذا يعتقد نتنياهو أن هذا المستوى من التأهب، غير ممكن ضد هجـوم مفـاجئ، وهو أمر يجعـل سـلاح الجـو الإسرائيلى بحاجة إلى أنظمة مراقبة إلكترونية، تمكنه من تـوفير دقـائق ثمينـة، في حالـة اسـتعداد الطيـارين لمواجهة هجوم كهذا.

ومن ثم يرى نتنياهو أن مهمة محطات الإنذار المبكر التي أقامتها إسرائيل على قمم جبال نـابلس وهـضبة الجـولان، أقيمت على ارتفاعات توفر إمكانية مراقبة تحركات الجيش الـسوري، وكـل جـيش عـربي يتحرك داخل الأراضي الأردنية، وكذلك النشاطات الجوية في هاتين الدولتين، ولو أن دولة معادية نجحت في السيطرة على هذه المرتفعات، لأصبح الوضع معكوسا: وسيكون باستطاعة العرب مراقبة كل مـا يجـري عـلى السهل الساحلي والجليل، ولأصبحت إسرائيل عمياء وفاقدة لجزء كبير مـن قـدرتها عـلى تحقيـق الإنـذار المبكر. لذا فإن لهذه المحطات، أهمية حاسمة، ولا بديل لها في حالة الاستعداد لمواجهـة هجـوم عراقـي أو سوري، ويضيف: لو كانت هذه المواقـع في جبـال نـابلس والجـولان، بأيـدي العـرب، خـلال حـرب الخلـيج، لكانـت محطات الإنذار هذه تزود صدام حسين بكل ما يجرى في الجيش الاسرائـيلي، خاصة أن الأردن كما يقول نقلـت الى العـراق معلومات استخبارية بصورة دائمة طيلة أيام الحرب).

ويضيف: صحيح أن إمكانيات المراقبة بواسطة الأقمار الاصطناعية والطائرات قد تحسنت كثيرا، غير أن هذه الوسائل الاستخبارية معرضة لتقلبات الجو، والأعطال، وصعوبة الصيانة، بالإضافة إلى أثمانها المرتفعـة. كما أن العـدو قـد يسقط الطائرات التي تحمل أجهزة الإنذار المبكر. لذا، لا زالت إسرائيل لا تجد بديلاً عن قمة مرتفعـة كمـصدر للحصول على معلومات استخبارية.

ويقول نتنياهو: إن أحــد أهــم الــثروات المتــوفرة لــدى الجــيش الإسرائــيلى خــلال الــساعات الـــ (72) الأولى الحاســـمة في الحـــرب، هـــى المجـــال الأرضي. فـــالجيش الاسرائـــيلى بحاجـــة إلى مـــساحة جغرافيـــة تمكنه من الاستعداد عـلى صـعيدي الطاقـة البـشرية والـسلاح، بعـد انـدلاع الحـرب. ولهـذا، فـان الجـيش الاسرائيلي المضطر حاليا لضغط نفسه داخل الحدود الحالية لإسرائيل، لن يستطيع الانتشار بفعالية فيما لو حرم من مناطق الانتشار المتوفرة في الضفة الغربية، وكنتيجة لهذا سيجد نفسه مضطرا للانتشار في شـوارع القدس ومداخل تل ابيب. والأسوأ من هذا هو أن كل منـاطق التجمـع والانتـشار للجـيش سـتكون ضـمن مدى قذائف مدفعية. العدو التى يستطيع اطلاقها من جبال الضفة الغربية، الأمر الذى يؤدى الى تشويش خطير فى شبكة التجنيد باسرها.

وقال: إن سور الضفة الغربية، الحاجز الطبيعي، الـذى يحمـى الـسهل الـساحلي مـن أي هجـوم، لا يحمـى بصورة مباشرة سكان إسرائيل الذين يعيشون على الـساحل فحـسب، إمنـا يمنح الجـيش الاسرائـيلي الوقـت المطلوب، لنقل قوات الاحتياط الى الجبهة.

ويرى أن الشيء الأهم الذى ينبغي أخذه بعين الاعتبار، لـدى الحـديث عـن منطقـة عازلـة عـسكرية هـو: مسافة تمنح الوقت. فالمسافة التي سيـضطر العـدو لقطعهـا، قبـل أن يتغلغـل داخـل المنـاطق الاسرائيليـة المأهولة بالسكان، ويلحق بها خسائر فادحة، تساوي من حيث القيمة والأهمية، الوقت اللازم لتجنيد قوات الاحتياط الإسرائيلية. وكلما اتسعت المنطقة التي سيضطر العدو لاجتيازها ازدادت احتمالات نجاح الجـيش الإسرائيلي في وقف تقدم العدو، من خطـر الهجمات الجويـة والبريـة والحـصول عـلى وقـت ثمين لتعبئـة الاحتياط، والساحة التي توفر إمكانية استخدام تكتيك الإعاقة، تسمى «العمق الاستراتيجي».

وللتأكيد عل أطماع إسرائيل في الضفة الغربية يقول: لقد وضعت قوات «النـاتو» في المانيـا خطـة الـدفاع عـن ألمانيـا في وجـه التهديـد الـسوفييتي، عـلى أسـاس عمـق اسـتراتيجي يبلـغ 230 كيلـو مـترًا، وذلـك في مواجهـة عـدد الـدبابات التـي كانـت تحـت تـصرف حلـف وارسـو، والتـي كانـت مماثلـة تقريبـا لعـدد الـدبابات في الجبهـة الشرقية لإسرائيل، ومن ثم لا نستطيع القول إن مناطق الضفة الغرييـة، تمنـح إسرائيـل مثـل هـذا العمـق الاستراتيجي، لكنها توفر شيئا ما، ودون هذا الشيء، سيكون وضع إسرائيل خطيرًا، حيـث أن منـاطق الـضفة الغربية لا تمنح إسرائيل عمقًا استراتيجيا فقط، بل تمنحها ارتفاعا استراتيجيا أيضا.

ويقول: ان الطبوغرافية الجبلية لجبال الضفة الغربية، تتلاءم جيدا مع عمليات الإعاقة المطلوبـة للـدفاع عـن إسرائيل، فهذه السلسلة الجبلية تشكل عائقا يصعب جدا اجتيازه بالنسبة للمهاجم من جهة الـشرق. إذ أن القوة المهاجمة ستدخل إلى مناطق الضفة الغربية عن طريق غور الأردن، الأكثر انخفاضا في العـالم، ( يزيـد على 300 م تحت سطح البحر)، ومن هناك ستضطر القوة المهاجمة لتسلق هـذه المرتفعـات الـصعبة مـن خلال القتال، وهذه المنطقة غير قابلة تقريبا للاجتياز بالـدبابات والآليـات الثقيلـة الأخـرى، مـا عـدا بعـض المحاور الصعبة والملتوية، وأن أي نظام إلكترونى، مهما كان حديثا، لن يستطيع أن يحل محل جـدار جـبلي يزيد ارتفاعه على ألف متر، كحاجز أمام قوة مهاجمة.

اقرأ أيضاً«مصطفى بكري»: الرئيس لا ينام الليل لنهضة البلد.. واللي مش شايف يشرب من البحر

«مصطفى بكري»: أزمة غش البنزين متعمدة لإثارة الفوضى والرئيس وجه بالكشف عن المتسببين

مصطفى بكري: فرنسا تتجه لحظر الإخوان وتصنيفها جماعة إرهابية

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يُقيل غالبية أعضاء لجنة التعيينات العليا في إسرائيل تمهيدًا لإحكام السيطرة على المناصب الحكومية
  • وصول رئيس الوزراء لافتتاح المنتدى الاقتصادى المصرى - الأمريكى
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. «10» الجدار الواقي ومفهوم نتنياهو
  • ترامب يتجه للشركات الأمريكية.. تهديد لـأبل بضرائب تصل لـ25%
  • "الغارديان": ترامب خيّب آمال أوروبا بعد مكالمته مع بوتين
  • نتنياهو: داعموا حماس يريدون تقويتها لتدمير إسرائيل
  • تفاصيل مباحثات ترامب ونتنياهو حول السفارة الإسرائيلية ومفاوضات حماس وإيران
  • وزيرة العدل الأمريكية تكشف معلومات جديدة بشأن مقتل موظفين بالسفارة الإسرائيلية
  • عاجل | يسرائيل هيوم: نتنياهو قرر إعادة جميع أعضاء وفد المفاوضات في الدوحة إلى إسرائيل