ما هي علاقة جماعة الإخوان الإرهابية بهجمات 11سبتمبر؟
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
كشفت هجمات 11سبتمبر2001 الإرهابية عن الوجه البشع للتنظيمات الدينية المتطرفة، التي انطلقت تنشر رعبها بأذرع وفروع عدة، كلها تأسست على فكر جماعة الإخوان الإرهابية، ورموزها أمثال حسن البنا مؤسس الجماعة، وسيد قطب منظر التطرف العالمي، حيث نبهت العلميات الإرهابية العالمية إلى خطورة الحركات الإرهابية وتأثيرها العداوني على الجميع.
في كتابه "الإرهاب.. مقدمة قصيرة" شرح البريطاني تشارلز تاونزند، أستاذ التاريخ الدولي بجامعة كيل، تصاعد المد الإرهابي منذ تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية مرورا بالعمليات الإرهابية التي نفذتها جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، وصولا للهجوم على برجي التجارة العالمية في أمريكا على يد عناصر تنظيم قاعدة الجهاد.
وأشار مؤلف كتاب "الإرهاب"، إلى أن حركة الإسلام السياسي كانت حركة مهمة في مصر منذ تأسيس جماعة الإخوان على يد مدرس وهو حسن البنا، في عام ١٩٢٨، كان البنا يهدف إلى مكافحة تقويض القيم الإسلامية من جانب النظام التعليمي الغربي، وكان من بين أول من وضعوا في عبارات واضحة الإسلام في مقابل «الغرب» باعتبارهما نظامي قيم غير متوافقين بالمرة.
ووفقا لمؤلف الكتاب، فإن المقابلة بين الغرب والإسلام التي زرعها حسن البنا في أتباعه، ظلت تتصاعد، وأصبح أتباعه من الجماعات الإسلامية يؤمنون بأن قيام الإسلام ونهوضه يمر بمواجهة الغرب ومحاربته.
في نفس الوقت أشار "تاونزند" عدة مفارقات وتناقضات وقعت فيها هذه الجماعات التي تزعم مقاومة الغرب ومناهضته، أولها أن التمدد السريع والانتشار الكبير الذي شهدته جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ نشأتها وحتى عام 1946 كانت مصر آنذاك خاضعة للهيمنة البريطانية، وهنا يعتقد المؤلف أن وجود الإنجليز في مصر كان يزيد من الإحساس بالتوتر مع الغرب ما دعم فكرة حسن البنا وجماعاته في أنهم تأسسوا لمقاومة هذا الغرب الذي يهدد القيم الإسلامية.
وعن بداية العمل الإرهابي، أشار المؤلف إلى أنه بداخل الجماعة كانت هناك "منظمة داخلية صغيرة من الرُسل الروحانيين الذين كانوا ينفذون عمليات إرهابية متفرقة، تهدف أولًا إلى قتل الخائنين للإسلام". وفيها إشارة لعمليات التنظيم الخاص التي وجهت ضد عدة شخصيات محلية.
وأشار أستاذ التاريخ لتنامي الصدام بين الجماعة والدولة بعد تأسيس جمهورية مستقلة على يد الرئيس جمال عبدالناصر، وخاصة بعد محاولة الإخوان لاغتياله في العام 1954 وصولا لإعدام أكثر خلفاء "البنا" وهو سيد قطب، المؤسس الثاني والأكثر تطرفًا في الجماعة.
لفت المؤلف إلى ظهور جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية، كما أوضح دور الرئيس السادات في دعم نفوذ قوة الإسلام السياسي، حيث رفع الحظر عن الجماعة، حتى تم اغتياله في العام 1981 في مشهد درامي كرد فعل على تصالح السادات التاريخي مع إسرائيل، وعلى حملات الاعتقال الواسعة للمتطرفين الدينيين، لكنه كان يمثل أيضًا إشارة على الهجوم المتزايد على حياة الدولة المصرية العلمانية، من قبل جماعتين مروعتين انبثقتا عن جماعة الإخوان المسلمين؛ ألا وهما الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد.
ورأى المؤلف أن جماعة الجهاد أكملت منطق حجة تيار الإسلام السياسي بالإصرار على مركزية «الفريضة الغائبة»؛ أي الصراع المسلح، لم يكن ذلك يعني الإرهاب بعد؛ إذ إن جماعة الجهاد خططت لاغتيال السادات باعتبار ذلك «انقلابًا» سيكون بمنزلة الشرارة الأولى لتمرد جماهيري عام، وهو ما لم يتحقق قط.هجمات إرهابية في مصر 2006
عانت الجماعة من قبل نظام حسني مبارك في السنوات التالية؛ إلا أن التجنيد في تلك الجماعات يبدو أنه يزداد، لا ينحسر، في ظل القمع، وفي هذه الحالة عوضوا أكثر من الخسائر التي تكبدوها مع عودة المئات من المتطوعين، الذين ذهبوا إلى أفغانستان للمحاربة في صفوف «مجاهدي» طالبان ضد الحكومة الماركسية.
وهنا لا يفوت المؤلف أن يشير إلى أن محاربة الجماعات الإسلامية ضد الروس في أفغانستان كان ممولا من الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة التي تعاندها الجماعات وتعتبرها عدوا، لكنه من الواضح أن أمريكا لعبت بهذه الجماعات واستخدمتها في حربها ضد الروس.
في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، تحولت الجماعات إلى إطلاق حملة إرهابية بالكامل تستهدف صناعة السياحة، وهو الهدف الذي كان صادمًا بصورة خاصة في الغرب، وأيضًا يتضمن هجومًا على الغرب نفسه من خلال الإضرار الاقتصادي بالدولة المصرية.
وتبع ذلك سلسلة من حملات إطلاق النار على الحافلات السياحية والرحلات النيلية في أواخر عام ١٩٩٢، سلسلة من الهجمات واسعة النطاق باستخدام البنادق الآلية والقنابل اليدوية على أهداف واضحة مثل فندق أوروبا في القاهرة في عام ١٩٩٦، ثم مذبحة قتل ٥٨ سائحًا في معبد الأقصر في عام ١٩٩٧.
كان الضرر الاقتصادي هائلًا؛ إذ فقدت الدولة فرصة تحقيق عوائد تصل إلى ملياري دولار أمريكي مع بداية القرن. وهكذا على الرغم من أن الآلية النهائية التي تستشهد بها هذه الجماعات هي الله، إذ أعلنت الجماعة الإسلامية في عام ١٩٩٦ أنها ستواصل معركتها في ثبات حتى يمن الله علينا بالنصر.
ومن الواضح أنه أينما توفر للجماعات الإسلامية القوة العسكرية اللازمة مثلما هو الحال في أفغانستان فإنها لا تقصر استخدام العنف على ما يعكس حوارها البياني أو الرمزي مع الله، بل ينتقلون بمفهوم الجهاد إلى مجال الحرب المفتوحة.
حرب الخليج أيضا فتحت الباب أمام الجماعات لاعتبار أن الغرب يزيد من تدخله في العالم الإسلامي والعربي. وعن تنظيم القاعدة أكد "تاونزند" أن هيكلهم ظل سرًّا غامضًا، بالطبع بالنسبة للوكالات الاستخباراتية الأمريكية، على الأقل حتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكان يجمع أعضاء تنظيم القاعدة فكرة جوهرية أكثر من تنظيم رسمي يوحدهم، وكانت أحداث حرب الخليج في عام ١٩٩١ سببًا في تحوُّل أسلوبها في الدفاع عن الإسلام. حتى الوقت الذي رفضت فيه الحكومة السعودية عرض بن لادن بإنشاء قوة عسكرية للدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد تهديد الغزو العراقي، كان بن لادن ينظر إلى العمل العسكري التقليدي باعتباره عملًا في غاية الأهمية. لكن قبول السعودية التدخل الأمريكي ضخَّم بشدة في عيني بن لادن الخطر الذي يمثله الغرب، والذي تنبأ به البنا وقطب قبل وقت طويل.
وهكذا فإن جماعة الإخوان الإرهابية أطلقت عبر كتابات رموزها المتطرفة وعبر الجماعات التي تخرج من مطبخها السري، أن الغرب يمثل عودة عصرية للصليبيين، ويجب مقاومتهم، بغض النظر عن الخسائر الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد العربية من وراء ضرب المواسم السياحية مثلا، لقد أطلقت الجماعات صيحات متوارثة تمثلت في مقاومة الصليبيين الجدد.
في رسمه لخريطة ذهنية تقريبية لوضع الجماعات الدينية في موضعها من حيث الدور التي تقوم به، عدَّ الكاتب والمفكر طارق حجي الكتابات الفقهية للحنابلة وخاصة كتابات ابن تيمية وابن قيم الجوزية والشيخ محمد بن عبدالوهاب بمثابة الجذور لشجرة الإرهاب، فمنها يمتد كل تنظيم متطرف، يستقي معلوماته، ويبرر سلوكه العدائي من فتاوى هذه المدرسة السلفية، أما ساق الشجرة فيراه "حجي" متمثلا في جماعة الإخوان، لأن كتابات حسن البنا مؤسس الجماعة وكتابات سيد قطب التي طرحت تفسيرا حركيًا لهذه السلفية، وصبغت تفكير كل التنظيمات الآتية بعدها، لأن هذه التنظيمات تعود بشكل أساسي لأفكار سيد قطب وتتمثلها جيدا.
فروع الشجرة، بحسب "حجي" هي "التنظيمات العديدة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد وحماس والقاعدة وبوكو حرام غرب أفريقيا، والشباب في الصومال، وداعش والنصرة وبيت المقدس. إلخ. وكل هذه الكيانات، كيانات الجذور وكيانات الساق وكيانات الفروع، تشترك فى الأدبيات التى تشكّل أسسها الفكرية، وتشترك فى الأهداف الاستراتيجية، ولكنها توزع المهام فيما بينها".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحركات الإرهابية جماعة الاخوان الارهابية تنظيم القاعدة جماعة الإخوان الإرهابیة الجماعة الإسلامیة حسن البنا فی عام فی مصر
إقرأ أيضاً:
حروب المستقبل: الدرونز والمعضلة الأمنية في أفريقيا
يُظهِر هجوم “شبكة العنكبوت” الأوكراني في الأول من يونيو 2025 بطائرات مسيّرة على قواعد جوية روسية مدى فعالية الطائرات المسيّرة المسلحة، سواءً داخل ساحة المعركة أو خارجها. هذا التحول في طبيعة الحروب الحديثة لم يقتصر على أوروبا الشرقية، بل امتد تأثيره إلى القارة الأفريقية، حيث باتت الطائرات المسيّرة تلعب دورًا متزايدًا في النزاعات المسلحة. فقد أصبحت ساحات القتال الأفريقية، من ليبيا إلى منطقة الساحل وقرن أفريقيا، مسرحًا لتجارب جديدة في استخدام هذه التكنولوجيا، سواء من قبل الجيوش النظامية أو الجماعات المسلحة غير الحكومية. ولم تعد الطائرات المسيّرة مجرد أداة استطلاع، بل تحولت إلى عنصر حاسم في تغيير موازين القوى، وإعادة تشكيل المشهد الأمني في القارة، ما يفرض تحديات جديدة على الدول الأفريقية ويثير تساؤلات حول مستقبل الأمن والاستقرار في ظل تصاعد سباق التسلح التكنولوجي .
تطور تكنولوجيا المسيرات: الحرب عن بعد
تم تطوير الطائرات المسيّرة في البداية لأغراض الاستطلاع العسكري والمراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية في أوائل القرن العشرين، حيث ظهرت أولى النماذج في إنجلترا عام 1917، ثم تطورت لاحقًا في الولايات المتحدة وألمانيا، واستخدمت في البداية كأهداف تدريبية للمدفعية وأغراض المراقبة الجوية. وخلال الحرب العالمية الثانية، زُوِّدت بعض هذه الطائرات بالقنابل والصواريخ، واستخدمتها الولايات المتحدة في الأغراض التدريبية وكصواريخ موجهة، لكنها لم تكن مخصصة بشكل مباشر لمواجهة اليابانيين، بل كان استخدامها العسكري في تلك الفترة يتركز على التدريب وبعض المهام الهجومية المحدودة.
بيد أن دور الطائرات المسيرة برز واضحًا في جمع المعلومات الاستخباراتية بعد حرب فيتنام، ومع مطلع الثمانينيات، بدأت القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية في دمج هذه الطائرات ضمن خططها القتالية، ما أدى إلى توسع استخدامها في العمليات العسكرية وعمليات الاستهداف الدقيق، خاصة من قِبل إسرائيل والولايات المتحدة. ومع هجمات 11 سبتمبر 2001، أصبحت الطائرات المسيرة أداة مركزية في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية لشن الحروب الخارجية وتنفيذ عمليات القتل المستهدف.
وجدير بالذكر أن فعالية الطائرات المسيرة تعتمد على بنية تحتية بشرية ومادية متكاملة، تشمل أنظمة القيادة والتحكم، ومرافق الصيانة والتدريب، إضافة إلى منصات الإطلاق ومراكز جمع البيانات الاستخباراتية. وقد تتنوع هذه البنية التحتية بين حاويات شحن متنقلة يمكن نشرها وتشغيلها بسرعة، أو بنى تحتية ضخمة شبيهة بالمطارات تُستخدم لصيانة الطائرات وتخزينها وتوفير مرافق القيادة والتحكم والتدريب. ويلاحظ أن التحول المحوري هنا والذي يؤثر على مستقبل الحروب الحديثة يتمثل في أن هذه “التقنيات” تُمكّن مُشغّليها من البقاء بعيدًا عن ساحات القتال، حيث يُمكنهم اتخاذ قرار القتل أو إنقاذ الأرواح، مما يُقوّض أخلاقيات الحرب من خلال تمكين عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والمخاطرة بأرواح المدنيين، وتقويض المساءلة والكرامة الإنسانية من خلال القتال عن بعد.
أفريقيا وحرب المسيّرات
تشهد أفريقيا توسّعًا سريعًا في مجال الطائرات المسيّرة من حيث التصنيع والنشر والاستخدام من قبل أطراف حكومية وغير حكومية، مما يُبرز مجموعةً مُعقّدةً من الجهات الفاعلة والوكلاء. ومن المعروف أن الطائرات المسيّرة لا تُوفّر أثناء القتال معلوماتٍ استخباراتيةً وقوةً فتّاكةً فحسب، بل تُمكّن الجماعات المسلحة غير الحكومية من نشر الدعاية والسرديات المضادة على نطاقٍ واسعٍ وسريع.
من الشائع في التقارير الإعلامية القول بأن الولايات المتحدة ليس لها وجود يُذكر في أفريقيا، وأن لديها قاعدة عسكرية واحدة فقط، وهي معسكر ليمونيه في جيبوتي. إلا أن الحقيقة هي أن الجيش الأمريكي يحتفظ بحوالي 52 قاعدة عسكرية في أفريقيا؛ من بينها 10 قواعد تُستخدم كقواعد للطائرات المسيرة. ولا يشمل هذا العدد القواعد التي كانت موجودة في النيجر. ويبدو أن الإدارة الأمريكية في طريقها للحصول على قاعدة في كوت ديفوار بعد خروجها من النيجر العام الماضي. وقد استمر الاستخدام العسكري للطائرات المسيّرة في التزايد في السنوات الأخيرة، سواءً للتجسس على الناس أو لتفجيرهم. وغالبًا ما تُطلق هذه الطائرات من قواعد قريبة نسبيًا من أهدافها، ولكن يتم توجيهها من قواعد أخرى أبعد بكثير، عادةً في الولايات المتحدة.
وفي حين أن بعض القواعد العسكرية، مثل مطار شابيلي في جيبوتي، تُستخدم كمنصات لنشر الطائرات المسيرة، فإن بعض البنى التحتية مخصصة حصريًا لعمليات الطائرات المسيرة. وقد بُنيت هذه القواعد واستخدمت في دول أفريقية مختلفة من قبل دول غربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا. ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم امتلاكها لقواعد طائرات المسيرة، فإن دولًا أخرى، مثل تركيا، تُنفذ ضربات بطائرات مسيرة في بعض الدول الأفريقية، على سبيل المثال، لتوفير الدعم الجوي للقوات الحكومية الصومالية. ومن أبرز الأمثلة الأخرى على تنامي استخدام مفهوم الحرب عنن بعد من قبل القوى الدولية في أفريقيا أن أكثر من 40% من الضربات الجوية لعملية برخان في بوركينافاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر نُفذت في مرحلة ما باستخدام طائرات مسيّرة؛ ومن الجدير بالذكر أن قواعد الطائرات المسيّرة في النيجر كانت حاسمة للعملية .
أفريقيا والكابوس الأمني الجديد
على أن للقصة وجهًا آخر قد يغير من قواعد اللعبة في الصراعات الأفريقية. لقد حصلت حتى الآن حوالي تسع جماعاتٍ مسلحة في أفريقيا على طائراتٍ مسيّرةٍ عسكريةٍ – في بوركينافاسو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكينيا، وليبيا، ومالي، وموزمبيق، ونيجيريا، والصومال، والسودان. وهذا يُشير إلى اتساع نطاق استخدام الطائرات المسيّرة لمهامٍ مُتعددة من قبل أطراف غير حكومية. ولا يخفى أن هذه التقنيات الحديثة تمكن الجهات الفاعلة من إبراز قوتها جوًا وبرًا. كما أن رخص أسعار الطائرات المسيرة ونقل الخبرة بين الجماعات المسلحة وفروعها يزيد من احتمالية دمجها في ترساناتها العسكرية. وجدير بالذكر أن هذه الجماعات، بما فيها تنظيم داعش، كانت من أوائل الجهات التي اعتمدت تكنولوجيا الطائرات المسيّرة في الشرق الأوسط.
وتُظهر الطائرات المسيّرة بوضوح سهولة نقل وامتلاك هذه التكنولوجيا. إذ تستخدم الجيوش الأفريقية والجماعات المسلحة غير الحكومية سواء بسواء الحكومية نماذج من هذه المسيّرات – مما يُسهم في سد الفجوة بين قدرات كل منهما (الحقيقية أو المُتصورة). وإلى جانب الضرر المادي الذي تُلحقه الطائرات المسيّرة، هناك قيمتها الدعائية – وهو مجال جذب اهتمامًا إعلاميًا وأكاديميًا أقل بكثير من مهام الضربات الجوية التي تقودها الطائرات المسيّرة. في حين أن الحكومات تمتلك آلتها الدعائية المجهزة جيدًا، هناك طريقتان تستخدمهما الجماعات المسلحة غير الحكومية للطائرات المسيّرة للتأثير.
أولًا، التأثير النفسي، إذ أن مجرد الادعاء باستخدام الطائرات المسيّرة يُرسل رسالة نفسية مهمة. وينطبق هذا بشكل خاص على “سباق التسلح”، حيث يُزود الوكلاء الجماعات المسلحة بطائرات مسيّرة، مما يُمكّنهم من إبراز قوتهم بما يتجاوز قدراتهم الحقيقية. وعليه فإن المكانة والهيبة المرتبطتين بامتلاك الطائرات المسيّرة يمكن أن تصبح في حد ذاتها هدفًا رئيسيًا، وفقًا لمقتضيات الحرب النفسية.
ثانيًا، تُستخدم الطائرات المسيرة كأدوات لجمع المعلومات، حيث توفر مقاطع فيديو وصورًا ثابتة وصوتية لمشاركتها عبر الإنترنت وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتوجد أمثلة على كلا النوعين في أفريقيا. فقد قادت ميليشيا الدعم السريع في السودان، حربًا بالطائرات المسيرة كانت لها آثار مدمرة. وقد منحتهم هذه التكنولوجيا نجاحات تكتيكية ورمزية، مما قد يشجع بعض الجماعات الأخرى في القرن الأفريقي أو الساحل على التوسع في استخدام هذه التقنية العسكرية. ومع نجاح الحوثيين في استخدام حرب المسيرات فقد تتوسع دعاية حركة الشباب باستخدام الطائرات المسيرة مع تعميق علاقاتها مع جماعات مسلحة أخرى، ولا سيما الحوثيين.
المسيّرات وتنامي خطر الإرهاب
ليس بخافٍ أن لأدوات الاتصال والصور المرئية قيمة رمزية كبيرة. في حالة داعش وأخواتها من الجماعات التابعة لها، وجد الباحثون أن صور الطائرات المسيّرة تُشكل عنصرًا مهمًا في آلة الدعاية الإعلامية الخاصة بها. وبينما احتكرت الدول تقليديًا السيطرة على المجال الجوي، فإنهم يجادلون بأن الطائرات المسيّرة التي تُشغلها جهات مسلحة غير حكومية يمكن أن تُقوّض رمزيًا السلطة السيادية للدولة. وبالمثل استغلت حركة الشباب في الصومال هذه التكنولوجيا. ففي عام 2016 قدمت صور طائرة مسيّرة عسكرية تم إسقاطها، عُرضت على قنوات أخبار الجماعة، مؤشرًا على إمكانات الطائرات المُسيّرة في الدعاية – إما بامتلاكها أو باختطاف الأصول الجوية للعدو والتباهي بذلك علنًا. وبالطبع تستخدم الجيوش الحكومية النظامية نفس التكتيك. علاوة على ذلك، أظهرت لقطات فيديو لهجوم خليج ماندا المميت في يناير 2020 في كينيا أن الجهاز الإعلامي لحركة الشباب ماهر بشكل خاص في عمليات الحرب النفسية، وفقًا لمركز مكافحة الإرهاب. في الواقع، قد يتوسع برنامج الدعاية للطائرات المسيّرة التابع لحركة الشباب مع تعميق علاقاتها مع جهات أخرى.
أما في منطقة الساحل، تُجري جماعات مثل بوكو حرام وداعش (ولاية غرب أفريقيا) تجارب أيضًا على مقاطع فيديو دعائية تُنشر عبر الطائرات المسيرة. ولا تُستخدم هذه المقاطع فقط كأداة للتجنيد، بل أيضًا لإظهار البراعة التكنولوجية، مما يُعزز شرعية الجماعة وقوتها. كما قد تُساعد في جمع الأموال من خلال تصوير الجماعة على أنها متقدمة تكنولوجيًا. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجد معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح عام 2024 أن قوات التحالف الديمقراطي استخدمت الطائرات المسيّرة لتسجيل مقاطع فيديو والتقاط صور لمعسكراتها لأغراض دعائية. واستند هذا التقييم إلى مقابلات مع مقاتلين سابقين ومختطفين سابقين من خلال فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بجمهورية الكونغو الديمقراطية.
بالإضافة إلى جمع مقاطع فيديو أو صور ثابتة عبر الطائرات المسيّرة لأغراض التأثير أو تحديد المواقع الاستراتيجية، يُمكّن الذكاء الاصطناعي من مضاعفة مكاسب الدعاية بشكل كبير. إذ أن إدخال الصور إلى الإنترنت يساعد على ترشيد إنتاجهم الدعائي ونشره على نطاق واسع.
ختامًا، يمكننا القول إن المنظمات الإرهابية في أفريقيا تتجه نحو توسيع نطاق استخدام الطائرات المسيّرة في سيناريوهات متعددة، مدفوعة بتطورات تكنولوجية وتكتيكات مستوحاة من النزاعات العالمية مثل الحرب الأوكرانية-الروسية. وتشير التوقعات إلى أن هذه الجماعات سوف تطور اعتمادها على الطائرات المسيّرة في الهجمات المنسقة واسعة النطاق، مستفيدة من تقنيات “الأسْراب الذكية” القادرة على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي عبر الهجمات المتزامنة، كما ظهر في هجوم “شبكة العنكبوت” الأوكراني الذي استهدف قواعد جوية في العمق الروسي. ومن المتوقع أيضًا أن تُدمج الجماعات الإرهابية تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة الاستهداف، خاصة في الهجمات على البنى التحتية الحيوية مثل محطات الطاقة وخطوط الأنابيب، وهو ما تم توثيقه في هجمات سابقة في أفريقيا.
ومن المرجح أن تستمر الجماعات في توظيف الطائرات المسيّرة لأغراض الدعاية، حيث تُستخدم لتصوير الهجمات وتحركات القوات لنشر الرعب وجذب المزيد من الأنصار، كما فعلت حركة الشباب في الصومال والحوثيون في اليمن. وفي السياق الأفريقي، قد تشهد الفترة المقبلة تصاعدًا في استخدام الطائرات المسيّرة المحلية الصنع، التي تُطورها الجماعات بالتعاون مع شبكات إقليمية، مما يزيد من صعوبة تعقبها نظرًا لانخفاض تكلفتها وعدم احتياجها لبنى تحتية معقدة.
وقد اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العديد من القرارات التي تُعالج إساءة استخدام الطائرات المسيّرة، ولكن ينبغي أن تُركّز الإجراءات المستقبلية على الرصد والتوعية بالمخاطر، مع مراعاة الفوائد التنموية لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة.
وقد تضمنت مبادرةٌ لإطلاق مذكرة برلين بشأن الممارسات الجيدة لمكافحة استخدام الإرهابيين للطائرات المسيّرة ندواتٍ إلكترونيةً وتوعيةً عامةً أوسع. ولكن في أفريقيا، حيث ينتشر تهريب الأسلحة، قد يكون الاتجار غير المشروع بأجزاء الطائرات المسيرة جديرًا بمزيدٍ من الدراسة.
إنّ صعوبة كشف أو اعتراض الطائرات المسيّرة المهربة، مثل تلك التي نشرتها أوكرانيا مؤخرًا، تُذكّر بمدى فعالية الطائرات المسيّرة المُسلّحة.
أ. د. حمدي عبد الرحمن حسن – بوابة الأهرام
أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة