حكاية السينمائي عبد الرحمن نجدي مع المغاربة ، وأصلا لنا معهم مصاهرة
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
حكاية السينمائي عبد الرحمن نجدي مع المغاربة ، وأصلا لنا معهم مصاهرة ، وقد برعوا في لبس الثوب السوداني ، وكم تخرج في جامعاتهم طلابنا ، وعاش بينهم طلحة جبريل طالبا نابها وصحفيا كم حصد من جوائز صحيفة الشرق الأوسط في حسن التغطية !!..قلوبنا معكم يامغاربة ومصاب
هبط السينمائي عبد الرحمن نجدي ( يعمل حاليا مديراً لمؤسسة السينما في قطر ) في مطار الرباط قادماً للمملكة المغربية في رحلة عمل تتعلق بمهرجان سينمائي وكان في عجلة من أمره يريد إجراءات دخوله أن تتم علي جناح السرعة ولكن ضابط الجوازات بعد أن لمح الاسم في الجواز أشار إليه أن ينتظر قليلا لانه يريد أن يتحدث إليه , وقد ظن ابن نجدي إن هنالك مشكلة يمكن أن تضيع عليه حفل الافتتاح ولكنه انصاع للتعليمات وتنحي جانبا لأي طارئ أو مفاجآت !!.
ناداه الضابط وفي هنيهة اكمل له الإجراءات وسلمه وثيقة السفر مع ابتسامة عريضة وقال مخاطباً الضيف : مرحباً بك يانجدي في بلادك بين عشيرتك ورهطك وقد نزلت أهلا وحللت سهلا فأنا هذا الذي أمامك احمل اسم نجدي أنتمي لجماعة تحمل نفس الإسم وانتم فرعنا في السودان الحبيب ولنا فروع في شتي بلاد العرب !!..
وواصل الضابط حديثه المضياف : وطالما أننا ذوو قرابة ( وان الدم عمره لم يكن ولن يكن مية ) وان الخواجات يقولون في هذا الصدد (Blood is thicker than water ) فاليوم انت ليس ضيفي وانما صاحب دار ( وسيبك من الفندق ومن الواجب أن تنزل عندنا في بيتنا وان لم يشيلك الكتف سيشيلك الرأس ) !!..
طرب نجدي لهذا الحديث العذب الاشهي من الشهد واعتذر بكل صدق وممنونية بأن أمامه مهمة مستعجلة وان رحلته في مجملها عبارة عن يوم واحد وان وراءه في قطر اعمال لاتقبل التأجيل ولا بد له من سرعة الرحيل !!..
وغادر المطار لداخل المدينة بعد وعد منه أنه سيعود في وقت أرحب للتعرف علي القبيلة ، قبيلة آل نجدي في بلاد المغرب !!..
نعود للسودان وبالتحديد في حوش بإنقا حيث عاش مواطن مغربي اسمه محمد علي نجدي لونه فاتح وشعره تجلله مهابة الشيب وكان انيق الملبس وحسن السمت عمل فيما بعد في تجارة الزيوت وكانت له عصارات في الموضع الذي يحتله سوق ام درمان الكبير الآن !!..
وقد استفادت منه دولة الخليفة عبدالله ولما له من خبرة في التجارة والاقتصاد اسندوا إليه وظيفة وزير دولة في هذا المجال !!..
وكانت له ذرية صالحة من الذكور والإناث ومنهم عبد الرازق ( المسمي علي عبد الرازق ، ابو قرون حديد ، من الذين اشتهروا بالزهد والصلاح في ذلك الزمان الجميل ) وهذا الخال عبد الرازق انجب البنين والبنات ومنهم عبدالرحمن عبد الرزاق نجدي السينمائي المعروف وقد درس في معهد الموسيقى والمسرح وابتعث الي لندن وتخصص في الفن السابع والف كثيراً من الكتب وقلمه متابع لكل مايستجد وكم اثري وسائل الإعلام والصحف والدوريات بالبحوث والدراسات الرصينة وكل هذا النشاط الجم المتعمق في هذه المعارف الراقية أهلته أن يقود مؤسسة السينما في قطر وكان عند حسن الظن وادي ماعليه بكل حنكة وفن !!..
إذن ذاك الضابط في المطار مايربطه بنجدي اختصاصي السينما جدهم محمد علي المغربي الذي احتضنته حوش بإنقا وأم درمان وإدارة الدولة وقد صار من كبار موظفيها !!..
وهنالك في الكاملين يوجد فرع كبير للمغاربة تميزوا بلونهم الفاتح وانصهروا في بوتقة واحدة مع بقية السكان وكذلك يوجد هذا الفرع في جزيرة توتي ولهم وجود في بقية البلاد !!..
وكلنا جميعاً في أرضنا الطيبة أرض النيلين وبما لنا من أوثق الوشايج بالمصاهرة وهذه الأجيال التي تحدرت من ارومة كريمة المحتد جعلت الدماء الجارية في العروق واحدة وجعلت البشائر والامنيات والقلوب النابضة تخفق في تناغم منذ آلاف السنين وحتى اليوم وقد تعرض أهلنا في المغرب الحبيب لاقسي محنة لم يشهدوها منذ قرن ونحن رغم هذه الحرب اللعينة العبثية معكم بكل جوارحنا وكان الواجب أن نكون قربكم نواسي بعضنا في هذه الظروف الصعبة ولن ننساكم ولن ننسي جامعاتكم الذي ظلت مشرعة لأبنائنا وقد نهلوا من علومها النافعة ومن ثلة العلماء والأدباء الذين عرفتهم كافة الدوائر بجودة التأليف ورصانة الفكر والفلسفة وغيرها من العلوم !!..
ولا تكاد وانت سوداني تقابل مغربيا في الخليج أو في بلاد الغرب الا ويحتفي بك أجمل احتفاء وهذه المشاعر لم تنتج عن فراغ وقد أحكمت برباط المصاهرة وأجيال أتت تحمل نفس الجينات وحب يتدفق من جميع الجبهات !!..
رحم الله سبحانه وتعالى شهداء الزلزال ونرجو منه سبحانه وتعالى عاجل الشفاء للجرحي وعودا حميدا للمفقودين ( امين يا رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
لاجيء بمصر .
ghamedalneil@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبد الرحمن
إقرأ أيضاً:
حكاية «المكان والناس» وأزيد بكثير
بعد صدور روايتها السادسة (حارة العور) سألت السيدة د. غالية بنت فهر بن تيمور آل سعيد عن مشروعها القادم، أجابت أنها تعكف على وضع كتاب عن متحف (المكان والناس)، فظننت أنه لن يكون أكثر من كتاب تعريفي بالمتحف ومحتوياته، ومثل هذه الكتب لا يستغرق تأليفها وقتا طويلا، لكن السيدة أنفقت خمس سنوات في وضع الكتاب، وبغضّ النظر عن تأنيها في الكتابة، وهو أمر اعتادت عليه، في رواياتها، فإن المدّة التي استغرقتها في الكتابة، والمراجعة في كتاب المتحف طويلة، وبقينا ننتظر صدوره حتى خرج للنور، وبعد قراءتي للكتاب الذي حمل عنوان (المكان والناس - حكاية متحف وأكثر بقليل) عرفت السبب الذي جعل الكتاب يستغرق تأليفه حوالي خمس سنوات، فهو ليس كتابا تعريفيّا بالمتحف، مثل بقيّة الكتب التعريفيّة، بل قراءة في التحوّلات التي طرأت على حياة العمانيين منذ السبعينيات إلى اليوم، فالمتحف أرّخ لها،
وقد روت الكاتبة تلك التحوّلات بأسلوب سرديّ آسر، ملقية الضوء «على تاريخ التطوّر الثقافي، والاجتماعي العماني، ومراحله الزمنية المتعاقبة في محاولة حثيثة للتعرّف على موضوع الحداثة، وفهم دور الحداثة في تشكيل موروثات ثقافية جديدة تتولّد في رحم الأصالة؛ بعين ثاقبة، وفكر منفتح» كما جاء في المقدّمة، إلى جانب ذلك عرّفت الكاتبة بالمتحف وروت قصّة تأسيسه، وقدّمت معلومات كافية عن محتوياته، وقامت بالتعريف بشخصيات ساهمت في رفده بالمعروضات، كالحاج محمد علي البلوشي تاجر التُحَف المعروف في سوق مطرح، والمرأة البسيطة (سعادة)، وبيتها، وتاريخ (مصبّح) ومقتنياته، ومأساة (السيدة)، وضياع منزلها الأثري، وتطوّر الحداثة في عمان منذ العام 1970 مجيبة عن بعض الأسئلة التي تدور بخلد زائر المتحف، من خلال سرد بعض القصص، ومن أين أتت؟، ولماذا اختيرت دون غيرها من القطع وعن الناس،
وكيف استعملوها في حياتهم اليومية، موضّحة العلاقة بين الناس، والمعروضات والمكان، والزمان في متحف تمّ إنشاؤه «ليعيد الناس إلى السنين الخوالي، حين مثّلت القطع المعروضة أهمية في الحياة، وسبل المعيشة.
قسّمت المؤلّفة الكتاب، المطبوع بمطابع مزون، في مسقط، بغلاف مجلّد وورق صقيل، وطبعة فاخرة وصور ملوّنة على امتداد (٢٣٩) صفحة من القطع الكبير، إلى فصول حملت عناوين لافتة، وتتحدّث الكاتبة في النصف الأول من الكتاب عن علاقتها بالمتاحف، والفنون، وشغفها المبكّر بها، فهي تقول» منذ الصغر، وضح اهتمامي بكلّ شيء له صلة بالناس وأمور حياتهم، وأحببت المقتنيات التراثية التي كنت أجمعها، وكانت لها صلة بالناس، وحياتهم اليومية، وكنت أزين بما جمعت ردهات بيتنا في مسقط لأمتّع بها نظري»
وتتطرّق إلى علاقتها بالمقتنيات التراثية التي كانت تقتنيها من سوق مطرح، أو أماكن أخرى، مهما كان الثمن غاليا، وتروي قصصا عن تأثيرها على نفسها، وعدم استطاعتها مقاومة التغلّب على إغرائها، والرغبة في اقتنائها.
ومن أهم ما ورد في الكتاب رصد الكاتبة للتغيرات التي طرأت في عُمان عامة، وولايتي مسقط ومطرح خاصة، وحديثها عن التغيرات الكثيرة التي حصلت في العالم بعد انقضاء السبعينيات، وأثّرت على الفكر السائد في عُمان، وفي المجتمعات الأخرى، فتقول «ساد انتقاد للحداثة، والحركات الإبداعية، والفنيّة المشابهة، على اعتبار أنّها لم تأتِ في إطار مبدأ معيّن، وواضح، وتسرّب الشكّ، وطرحت التساؤلات عن جدوى الحداثة، وهل معاييرها تناسب حياة الشعوب خارج العالم الأوروبي، حيث بدأ نمط الحداثة؟ ثمّ ظهر تناقض بين الحداثة، وبين واقع الشعوب خارج أوروبا؛ كونها لا تعكس روح مجتمعاتهم، وثقافاتهم، وبدأ الارتداد عن الحداثة وحلّت الرغبة للعودة لما يسمّى بالجذور»
وكلما نتوغل في الكتاب نقترب من مواضيع متعدّدة تخصّ المتحف: الفكرة، التخطيط، خطوات التنفيذ، الترتيب، المتابعة، ومحتوياته، من متروكات البيوت، والرسائل الخاصّة وأوانٍ، ونحاسيّات، وأبواب، ونوافذ، وأوراق، وقراطيس، ووثائق عديدة، وجوازات سفر قديمة، وعلب، وزجاجات الأدوية، وأنابيب المراهم، وأكياس الحلويّات، والمشروبات السكّرية، وتكشف سرّ كثرة زجاجات شراب (الفيمتو) الموزّعة في زوايا، وأركان المتحف المتفرّقة، فتقول « لهذا صلة بحقبة ما قبل السبعينيات، والظروف الاقتصادية التي أدّت إلى ندرة في السكريّات، والحلويّات عامّة، وشراب الفيمتو السائل هذا صنع في مقاطعة لانكشير البريطانية، واستورد بكمّيّات من هذا الشراب السكري حتّى وصل عمان، وكان يُباع في المتاجر الصغيرة»، وتروي قصصا طريفة من بينها، قصّة الشابّة التي زارت المتحف بصحبة زوجها، وحين شاهدت زوجها يقترب من مجسّم العروس الموضوع في( غرفة العروس) فقدت الوعي، فقاموا بإسعافها!
وتعزو الكاتبة سبب كثرة تواجد زجاجات، وقوارير، وكارتونات الأدوية في المتحف، إلى أنّه في تلك الحقبة، التي سبقت السبعينيات، كانت الأدوية، والعقاقير محدودة، والقليل منها يُباع في الأسواق، فلم تكن هناك صيدليات، وقليل من المستشفيات متمركزة في ولايتي مسقط، ومطرح البعيدتين عن أغلب الولايات، والمدن الأخرى.
إنّ كتاب (المكان والناس - حكاية متحف وأكثر بقليل) يقف شاهدا على تحوّلات المكان وانعكاسها على حياة الناس، وأزيد من هذا بكثير.