العسومي: الإعلام البرلماني الرقمي ضرورة ديمقراطية ومؤشر لقياس حالة الرضاء الشعبي حول أداء البرلمان
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
تابعنا أيضا عبر تليجرام t.me/alwatanvoice رام الله - دنيا الوطن
أكد عادل بن عبدالرحمن العسومي رئيس البرلمان العربي، أن الإعلام البرلماني خاصةً في شكله الرقمي، المعتمد بشكل أساسي على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح ضرورة ديمقراطية ومؤسسية في كل البرلمانات الحديثة، وأداة مهمة ومؤشر فعَّال، لقياس حالة الرضاء الشعبي حول أداء البرلمان بشكل عام،
مضيفاً أن العلاقة الجيدة بين البرلمان ووسائل الإعلام، تنعكس دائماً على أداء البرلمان ككل.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها رئيس البرلمان العربي في افتتاح أعمال الملتقى العربي الأول للإعلام البرلماني، الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة، تحت عنوان "الإعلام البرلماني والرقمنة ... الفرص والتحديات"، والذي نظمته المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية.
وأضاف "العسومي" في كلمته أن الثورة التكنولوجية والتحول الرقمي قد انتقلت إلى مجال الإعلام البرلماني، بصوره المختلفة، مما خلق واقعاً جديداً مليء بالكثير من الفرص، بسبب ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي، من سرعة كبيرة في وصول المعلومات، وكذلك سرعة في تفاعل الجمهور العادي معها.
وأكد رئيس البرلمان العربي في كلمته على أنه بقدر ما تُقدم الرقمنة آليات وطرقاً جديدة للتواصل والمشاركة مع الجمهور والتشاور بشأن التشريعات بما يساهم في دعم وتعزيز الشفافية والمشاركة العامة في العملية الديمقراطية وصنع القرار، فإنها قد تفرض تحديات، إذا أُسيء استخدامها وتم توظيفها لأغراض تضر بالدولة والمجتمع معاً، وهو ما يتطلب وضع بنية تشريعية مُحكمة ومتطورة، تهدف إلى تحقيق الانضباط المهني في وسائل الإعلام البرلماني الرقمي، حتى يحقق أهدافه النبيلة التي تخدم المجتمع، وتعزز من تفاعل الجمهور مع مجريات الحياة النيابية.
واختتم "العسومي" كلمته بالتأكيد على أن الإعلام البرلماني الرقمي أصبح الوسيلة التي تتابع من خلالها كافة فئات المجتمع التطورات التي تشهدها مسيرة التجربة البرلمانية في كل دولة وهو ما يفرض أن تبقى العلاقة ما بين البرلمان والإعلام في دائرة المسؤولية الوطنية والاجتماعية والأخلاقية، فالإعلام هو الذي يقود الرأي العام ويحدد اتجاهاته، ويجب أن تكون المصلحة الوطنية والمجتمعية هي البوصلة الموِّجهة له على الدوام.
المصدر: دنيا الوطن
كلمات دلالية: الإعلام البرلمانی
إقرأ أيضاً:
الاستبداد الشبكي وزمن الصمت العربي
هل جربت أن تستخدم حساباتك على منصات التواصل الاجتماعي لكي تعبر عن رأي معارض لزيارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة إلى ثلاث عواصم خليجية والاستثمارات التريليونية التي حصل عليها من الأموال العربية، أو لكي تدين أو تستنكر استمرار الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة منذ ما يقارب العامين، دون موقف عربي واضح منها؟
الإجابة المتوقعة لهذا السؤال أن أغلبنا لم يجرب أن يفعل ذلك لسببين، الأول لأننا نعلم أن أي رأي مخالف للمصالح والرؤية الصهيونية العالمية سيتم حظر نشره في منصات التواصل الاجتماعي، وربما تعليق الحساب أو حذفه، والثاني لأننا نعلم أيضا أن أي نقد ولو موضوعي لدولة عربية في هذه الملفات الشائكة قد يمنعك مستقبلا من دخول هذه الدولة، فضلا عن إطلاق جحافل الذباب الإلكتروني عليك. ونتيجة لذلك لا يكون أمامك، كمستخدم فرد، سوى الاستسلام والانضمام إلى عشرات الملايين الذين يعيشون في «دوامة الصمت» ولا يستطيعون التعبير عن آرائهم بحرية ليس فقط خوفا من العزلة الاجتماعية، كما كانت تقول «اليزابيث نيومان» صاحبة هذه النظرية المهمة في الإعلام والرأي العام، ولكن أيضا خوفا على حياتك ومستقبلك وضمان بقاء واستمرار وسائل اتصالك بالآخرين.
واقع الأمر أنه منذ اندلاع ما سمي وقتها بـ «ثورات الربيع العربي» قبل أكثر من عقد من الزمن، شهدت حرية التعبير في العالم العربي تحولات هيكلية غير مسبوقة بفعل الثورة الرقمية، التي أعادت تشكيل المشهد الإعلامي، وفتحت المجال أمام صحافة المواطن، والتعبئة الشعبية، وحرية التعبير. ومع صعود شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، اكتسب المواطن العربي أدوات لم يكن يحلم بها يومًا، ليصبح هو نفسه صانعًا للخبر، وفاعلًا ومشاركا في تشكيل الرأي العام.
المفارقة التي لا تخلو من تناقض تتمثل في أنه كما منحت المنصات الإعلامية والاتصالية الرقمية الجديدة حرية التعبير آفاقا جديدة، فإنها في الوقت ذاته دفعت الأنظمة السياسية إلى تطوير أدوات رقابة جديدة، أقل وضوحا وأقل صخبًا، ولكن أكثر فاعلية وتأثيرا من أساليب الرقابة التقليدية التي حافظت على استخدامها سنوات طويلة ترجع إلى بدايات ظهور وسائل الإعلام فيها. إنها «الرقابة الناعمة»، التي لا تُمارس بالمنع المباشر أو إغلاق الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية والمواقع والمنصات الإلكترونية غير المرضي عنها، بل بطرق غير مباشرة وغير ظاهرة للعيان، مثل التلاعب بالخوارزميات، والتحكم في وصول المحتوى إلى الجمهور، والضغط الاقتصادي على منصات الإعلام المستقلة، وممارسة الرقابة الآلية على حسابات الأفراد الشخصية.
في البداية، فوجئت الحكومات العربية بقوة التأثير التي أتاحها الفضاء الرقمي للنشطاء والصحفيين المستقلين، وعدم قدرتها على ملاحقة كل كلمة ينشرها الناس على المنصات الرقمية، ومن هنا اتجهت إلى تبني استراتيجية جديدة تقوم على التحول من أساليب الحظر والمطاردة التقليدية، إلى التركيز على بناء منظومة كاملة لإدارة المشهد الرقمي، تتحول فيها عملية الرقابة من مجرد «حراسة البوابات الرقمية» لمنع نشر ما لا ترضى عنه الحكومة من معلومات وآراء، إلى تأسيس بنية متكاملة توظف التكنولوجيا، والقوانين، والجيوش الإلكترونية، للتأثير في السرديات وتوجيه النقاش العام في الأحداث والقضايا المختلفة.
توظف هذه الرقابة الجديدة أساليب متعددة، أبرزها التلاعب بالخوارزميات لإخفاء المحتوى الحساس أو تقليل انتشاره، وحظر الناشطين المؤثرين، وسحب الإعلانات من المنصات غير المنسجمة مع الخط الرسمي، بالإضافة إلى القوانين السيبرانية التي تجرّم «نشر الأخبار الكاذبة» بعبارات فضفاضة، والجيوش الإلكترونية التي تهاجم الصحفيين وتشوّه المعارضين، وتخلق حالة من الدعم الشعبي الزائف للحكومات.
إنها باختصار رقابة بلا رقابة. فبعيدا عن أدوات المنع التقليدية، تقوم الرقابة الناعمة على مفهوم «التأثير غير المباشر». لا أحد يمنعك صراحة من النشر، لكنك تدرك أن الحديث في موضوعات معينة سيؤدي إلى تقليص مشاهدة ملصقاتك أو تغريداتك، أو خسارة مصدر دخلك، أو ربما استدعائك للتحقيق. وهكذا تُنتج الرقابة الناعمة ما يمكن تسميته بـ «الرقابة الذاتية الطوعية»، حيث يتحول الصحفي أو صانع المحتوى أو حتى المستخدم العادي إلى رقيب على نفسه. وعلى هذا أصبحت «الرقابة الناعمة» الشكل الأكثر انتشارًا وتأثيرا في إدارة الإعلام الرقمي في العالم العربي، وهي الرقابة التي تفسر ظاهرة تجنب أعداد كبيرة من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي تناول الموضوعات السياسية أو الحقوقية الوطنية والإقليمية وربما العالمية تجنبًا للعواقب الرقمية أو الواقعية.
على هذا النهج طور المنظرون في مجال الإعلام السياسي نظريات ونماذج جديدة تفسر لنا هذه الظاهرة الجديدة، ظاهرة الرقابة الناعمة» التي يجب أن نركز عليها عندما نتناول بالشرح والتحليل أنماط الرقابة الجديدة على الإعلام الرقمي. من أبرز هذه النماذج «نموذج الدعاية» الذي وضعه المفكران الأمريكيان إدوارد هيرمان ونعوم تشومسكي، والذي يفسر كيف تخدم وسائل الإعلام مصالح النخب، من خلال خمس أدوات: الملكية، والإعلانات، وانتقاء المصادر، والعقوبات، والأيديولوجيات المبررة للقمع (مثل مكافحة الإرهاب). وفي السياق العربي، باتت الحكومات تمتلك أو تتحكم في وسائل الإعلام والمنصات المؤثرة، وتستخدم شعار «مكافحة الإرهاب» كمسوغ دائم لتقييد وصول المحتوى المعارض إلى الجمهور. وحتى الصحافة الرقمية المستقلة، باتت تعتمد على الإعلانات التي تتحكم بها الدولة أو الشركات الكبرى المرتبطة بها، مما يجعل استقلالها هشًّا للغاية.
ولعل من أبرز المفاهيم النظرية المرتبطة بالرقابة الناعمة، مفهوم «الاستبداد الشبكي»، الذي يشرح كيف تستخدم الحكومات في غالبية دول العالم الحرية التي يتيحها الفضاء الرقمي ضد حرية الأفراد في التعبير عن آرائهم. هذا المفهوم الذي طوّرته الباحثة «ريبيكا ماكينون»، يصف بدقة الأنظمة السياسية التي تسمح بهامش من التعبير على المنصات الرقمية، لكنها تسيطر في الوقت نفسه على الفضاء الرقمي بالكامل عبر المراقبة والسياسات الخوارزمية والتحكم بالمحتوى. ومن خلال هذا الاستبداد الجديد لم تعد هناك حاجة لحجب المواقع أو إغلاق الصحف، بل يكفي إحداث تعديل بسيط في خوارزميات المنصات، أو توجيه حملة تشويه رقمية منظمة ضد شخص أو جماعة، أو إصدار قرار من هيئة إعلامية بحظر الوصول إلى منصات محددة، لقتل أي صوت مستقل دون ضجيج. قد يبدو المشهد الإعلامي في العالم العربي أكثر تنوعا من أي وقت مضى، لكن ما يجري خلف الكواليس من رقابة ناعمة يثير القلق. فحرية التعبير لا تُقاس فقط بما يُقال، بل أيضا بما لا يُقال خوفا من العواقب.
وفي زمن تتحكم فيه الخوارزميات بمصير التعبير الحر عن الرأي، وتدير فيه الدول حرب سرديات خفية، تصبح الرقابة الناعمة أخطر من الرقابة الصريحة. الرقابة الناعمة التي تشارك فيها شركات التقنية العالمية العملاقة تقتل الكلمة لا بالسجن والتهديد فقط، بل بالتجاهل أيضا، ومن خلالها يمكن إغلاق المنصة لا بقرار حكومي، بل بتجفيف تفاعل الجمهور عليها. ولعل أكبر تحد أمام الإعلام الحر اليوم، هو أن ينجو من قبضة هذه «الرقابة الخفية»، ويعيد تعريف الحرية في زمن الصمت الرقمي.