دخلت مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان من ناحية وإثيوبيا من ناحية أخرى إلى نفق مظلم مجددا بعد فشل الجولة الأخيرة، التي عقدت في القاهرة بعد نحو 3 أعوام من توقفها إثر جمود المواقف وتبادل الاتهامات بين الأطراف الثلاثة.

ونددت القاهرة بإعلان إثيوبيا، الأسبوع الجاري، إتمام الملء الرابع والأخير لخزان سد النهضة، واعتبرته مخالفة قانونية وانتهاك لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين إثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان، في 2015، والذي لم ينص على قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي.

وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان عقب إعلان أديس أبابا إن “اتخاذ إثيوبيا لمثل تلك الإجراءات الأحادية يُعد تجاهلاً لمصالح وحقوق دولتي المصب وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي”، في إشارة إلى دولتي مصر والسودان.

ما هو اتفاق المبادئ

في 23 آذار/ مارس 2015، وقع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، على “اتفاقية إعلان المبادئ”، التي بموجبها تعترف مصر رسميا بحق إثيوبيا الشرعي في بناء سد النهضة مقابل تعهد أديس أبابا بإشراك مصر في إدارتها للسد.

ينص إعلان اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث على ضرورة اتفاق الأطراف على قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي قبل الشروع في عملية الملء.

ويشمل الاتفاق عشرة مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية؛ مثل: التعهد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأي دولة، والاستخدام المنصف والعادل للمياه، والتعاون في عملية الملء الأول لخزان السد، وتشغيله السنوي.

ويتضمن الاتفاق عدم المساس بالاتفاقيات التاريخية لمياه النيل، ولا يتناول حصص المياه أو استخداماتها، إنما يقتصر فقط على ملء وتشغيل السد، على أن يعقب اتفاق المبادئ اتفاقات أخرى. اعتبر العضو السابق في اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة الإثيوبي، الدكتور محمد محيي الدين أن “إثيوبيا استطاعت أن تحقق ما تريده حتى الآن، وما ساعدها على ذلك توقيع مصر والسودان على ما يسمى اتفاق إعلان المبادئ عام 2015 في الخرطوم، ولم يبق لدول المصب سوى الرضوخ لما سوف تمليه أديس أبابا”.

وبسؤاله إلى ماذا تستند إثيوبيا في صلابة موقفها من أزمة سد النهضة، أوضح محيي الدين في حديثه لـ”عربي21″ أن “هناك مساندة ودعم إقليمي ودولي لإثيوبيا في ظل تراجع دور مصر في المنطقة، وأن مصر والسودان وقعتا بالفعل على اتفاق المبادئ الذي يقر بحق الإثيوبيين في بناء سد النهضة، ولكنه افتقد للضمانات اللازمة لإجبار أو إلزام دولة المنبع بعدم الملء والتشغيل دون التوصل إلى اتفاق مكتوب وملزم يحمي حصص دولتي المصب”.

تكمن المشكلة الأكبر، بحسب محيي الدين، في تحول المشروع من توليد الكهرباء إلى التحكم في مياه النيل من خلال غلق وفتح منافذ المياه في أوقات الجفاف أو تراجع كميات الأمطار، وبالتالي تصبح مصر التي تعتمد على مياه النيل كمصدر رئيسي للمياه تحت سيطرة إثيوبيا المتحكم الوحيد في مياه النهر وما ينتج عنه من إملاءات وشروط خارجية مستقبلا.

قبل أيام، هنأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الإثيوبيين بمناسبة اكتمال تعبئة السد بنجاح، وقال في تغريدة على منصة “إكس”، “لقد أثمرت مثابرتنا الوطنية في مواجهة كل الصعاب”.

ويأتي الإعلان الإثيوبي بعد أسبوعين من جولة مفاوضات جديدة بشأن تعبئة السد بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة والتي استؤنفت بالقاهرة في 27 أغسطس/آب الماضي، بعد توقف استمر أكثر من عامين. وكان السيسي وآبي أحمد قد وضعا مهلة 4 أشهر للتوصل إلى اتفاق بشأن تعبئة السد وتشغيله، وذلك خلال اجتماع على هامش قمة اجتماع دول جوار السودان في 13 تموز/ يوليو 2023.

ويحتجز سد النهضة المياه على النيل الأزرق، الفرع الرئيسي لنهر النيل، في منطقة “بني شنقول-قمز” على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود مع السودان، ويبلغ طوله 1800 متر وارتفاعه 145 مترا، ومن المقرر أن يخزن 74 مليار متر مكعب. يعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور ياسر محجوب الحسين، أن “بداية التحول التاريخي في موقف مصر من مسألة بناء السد كان بالتوقيع على اتفاق المبادئ بالخرطوم حيث تحول الرفض التام إلى خلافات حول برنامج الملء والتشغيل، ومنح إثيوبيا الضوء الأخضر في استكمال والضوء الأخضر للدول المانحة في مواصلة الدعم للمشروع الذي يتكلف مليارات الدولارات”.

وفي حديثه لـ”عربي21″ أوضح “أنه منذ ذلك الوقت استغلت أو استدرجت إثيوبيا مصر والسودان إلى سلسلة لا نهائية من المفاوضات والجولات بين عواصم دول العالم المختلفة لكسب المزيد من الوقت لاستمرار عملية بناء السد وتخزين المياه، ونجحت بالفعل في جعل السد وبحيرته أمرا واقعا لا يمكن إنكاره أو تهديده، وبالتالي فأديس أبابا هي المستفيد من توقف وتعطل المفاوضات”.

وأكد المحجوب “فعالية سياسة شراء الوقت التي اتبعتها إثيوبيا في مفاوضاتها مع السودان ومصر، وبالتالي فإن مصير عمليات الملء وتشغيل السد أصبح مرهونا بإرادة لإثيوبيا فقط هي من تقرر متى وكيف وكم وهذه المرحلة قد تمتد إلى عام 2027، ومصر والسودان في مسارهما المعتاد من التنديد والإدانة والرفض للممارسات الأحادية من الجانب الإثيوبي، وأي اختراق للملف مرهون بتطورات إقليمية قد تغير من معادلة موازين القوى الداعمة لأديس أبابا”.

عربي 21

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ملء وتشغیل السد اتفاق المبادئ مصر والسودان سد النهضة

إقرأ أيضاً:

ملف الطاقة بين المركز والإقليم في دوامة لا تنتهي رغم التفاهمات والاجتماعات

25 مايو، 2025

بغداد/المسلة: يُشعل توقيع إقليم كردستان عقدين مع شركتي “إتش.كيه.إن إنرجي” و”وسترنزاجروس” الأمريكيتين لتطوير حقلي غاز ميران وتوبخانة-كردمير في السليمانية بقيمة 110 مليارات دولار، خلافاً جديداً مع بغداد، إذ اعتبرت وزارة النفط العراقية هذه الاتفاقيات “باطلة” لعدم حصولها على موافقة اتحادية، مستندة إلى قرارات المحكمة الاتحادية التي تؤكد أن النفط والغاز أصول اتحادية.

ويُبرز هذا التصعيد التوتر المزمن بين أربيل وبغداد حول إدارة الموارد الطبيعية، حيث تتمسك الحكومة الاتحادية بمركزية القرار، بينما تدافع حكومة الإقليم عن حقها في استغلال مواردها استناداً إلى الدستور العراقي.
ويعكس العقد الأمريكي طموح إقليم كردستان لتعزيز قدراته الإنتاجية، إذ يهدف إلى إنتاج الغاز الجاف لتلبية احتياجات الإقليم من الطاقة، مع إمكانية تصدير الفائض، خاصة في ظل نقص الطاقة بأوروبا الناجم عن الحرب الروسية-الأوكرانية.

ويُضيف هذا المشروع بُعداً جيوسياسياً، حيث يُنظر إليه كجزء من الدعم الغربي للإقليم، مما يثير حساسيات سياسية داخل العراق، خاصة مع نفوذ القوى المتحالفة مع ايران التي لا ترغب في شركات الطاقة الأجنبية.

ويُعقّد الخلاف السياسي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني المشهد، إذ يتطلب تنفيذ المشروع موافقة الاتحاد الوطني الذي يسيطر على مناطق السليمانية. ويُثير هذا الوضع تساؤلات حول قدرة الإقليم على تجاوز الانقسامات الداخلية لتحقيق أهدافه الاقتصادية.

وتُفاقم ردود فعل بغداد، التي تتراوح بين الرفض القانوني والتهديد بتدابير إضافية، من احتمال التصعيد، خاصة مع استمرار الخلافات حول قانون النفط والغاز الذي لم يُشرّع بعد.

ويبقى ملف الطاقة بين المركز والإقليم في دوامة لا تنتهي رغم التفاهمات والاجتماعات.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • ألمانيا تدعو الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات جادة بشأن الرسوم الجمركية
  • لإتمام الفريضة دون متاعب.. استشاري لـ"اليوم": 10 نصائح لمرضى الكلى في الحج
  • منظمة الصحة العالمية: 60% من الأمراض المعدية بين البشر سببها الحيوانات
  • ملف الطاقة بين المركز والإقليم في دوامة لا تنتهي رغم التفاهمات والاجتماعات
  • من القصف الى القيد
  • طالبان تجري محادثات مع روسيا والصين لإتمام المعاملات التجارية بالعملات المحلية
  • مفاوضات النووي في روما.. بحث في اتفاق إطاري وعرض إيراني
  • مرصد الأزهر يدين هجوم محطة هامبورغ: أفعال تتنافى مع المبادئ الإنسانية
  • ماذا حققت جولة مفاوضات واشنطن وطهران الخامسة؟ وما علاقة إسرائيل؟
  • «3/15» تضع خورفكان في دوامة النتائج السلبية