الدكتور خالد فتحي يكتب: الزلزال.. التحدي والاستجابة
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
بقلم: د.خالد فتحي
لم يتبن الحساب الخصوصي الذي دعا إليه جلالة الملك في البيان الصادر عن الديوان الملكي تسمية زلزال الحوز التي شاعت اعلاميا منذ حلت بنا الفاجعة باعتبار الحوز بؤرته والاقليم الأكثر تضررا، وإنما جعل تسميتة " الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذى عرفته المملكة المغربية، وهو تصويب في محله أصاب كبد الحقيقة، فالمأساة ليست خاصة بالمنطقة التي دمرت، وإنما هي مأساة الوطن كله، وما الجهتان المنكوبتان إلا جهتين قد نابتا عن البلد في أداء الفاتورة و التحمل المباشر لآثار هذه الكارثة الطبيعية، ولذلك طبيعي جدا أن يتداعى كل الوطن لهما بالسهر والحمى لأن المغاربة ينبغي لهم ان يكونوا مثل البناء المرصوص يشد بعضه بعضا وفق حديث رسولنا الكريم صلعم .
لاريب ان الزلازل فاجعة كبرى، ولكن مع ذلك، فنوائب بهذا الحجم، وبهذه الفداحة والجسامة ليست في النهاية إلا اختبارا لصلابة الدول وتجذر نموذجها الحضاري و لقدرتها على الصمود وتجاوز المطبات التاريخية وقهر الصعاب، إن لم أقل تذليل المستحيل.
الزلزال على قساوته مثل الأوبئة يفجر فينا احسن ما فينا من قيم و مبادئ .هو يعيد بعثها وإنتاجها من جديد مزيلا عنها ما علق بها من صدأ،فيعيد غرس فضائل التضامن والنجدة والتراحم فينا، بل ويفتح لنا آفاقا جديدة للتفكير في كيفيات بناء المواطن الجاد المسؤول الذي يحب وطنه ،والذي يدفع دماءه فداء له.
لكم هي معبرة بالمناسبة هاته الطوابير الطويلة أمام مراكز تحاقن الدم على طول المملكة الصامدة رغم الانواء والزلزال والأعداء،فهذا الإصرار على الوقوف عندها لساعات دليل على ان التضحية بالدماء لم تعد في زمن الزلازل حكرا على الجنود الذي يحرسون الحوزة والوطن فقط ،بل صارت فعلا فدائيا متاحا للجميع .
هذا الزلزال الذي كلم النفوس وفطر القلوب واوجعنا جميعا، وأحالنا على الحداد، ونكس أعلامنا حين حول قرى ومداشر عزيزة علينا إلى أطلال وإلى أثر بعد عين، هو أيضا صياغة جديدة تأتي من رحم المعاناة وتتمخض في أتون المأساة لمفهوم تمغربيت الذي يميزنا، حين فرض علينا تحديات جديدة لم تكن بالحسبان نحن الذين بالكاد فرغنا من جائحة كورونا، تحديات لاخيار لنا سوى كسبها كي نستمر أباة عصيين على الانكسار والهزيمة.
بلاغ الديوان الملكي كان استشعارا لدقة ما نمر به من ظروف عصيبة ،كان عبارة عن استراتيجية اقتضبت كل برنامج المرحلة، هناك مشروع مارشال مغربي بانتظارنا إذا جاز الاقتباس مطلوب منا ان ننجزه ملكا وشعبا لإعادة إعمار الأقاليم والمدن المنكوبة للانتصار في هاته الحرب الشنيعة التي شنتها علينا الطبيعة .
لكن، حقا ما أشبه اليوم بالبارحة ،لايزال زلزال أكادير والمدينة ،الوليدة البهيجة البهية التي انبعثت من تحت رماده او غباره مثالا ساطعا الى الان على ما يمكن ان تحققه العبقرية المغربية حين تدلهم الظروف، وتستفحل الضغوط،فيلتحم العرش بالشعب، ليبدعا أيما إبداع في الإنجاز وصنع الملحمات .
كل أزمة هي فريدة من نوعها، إذ لكل منها شكل وحجم مختلف، وهذه الأزمة بالذات تحتاج منا استجابة خاصة واستثنائية. إنها تمتحن فينا مقدراتنا ،صبرنا ،تحملنا ،أهليتنا لنعيش،في عالم الغد الذي تؤثثه المخاطر والتهديد من كل صنف ولون .و المعادلة التي يجب أن ننجح فيها باستعجال هي تحقيق التوازن بين أعداد المواطنين الذين شملتهم الكارثة بخساراتها الجسيمة والمتنوعة، وبين أعداد المنقذين والمسعفين والوسائل التي يستعملونها، وكذا حجم الموارد المرصودة لتعويض الخسائر وتجاوز هذه المحنة الكبيرة..وهي الموارد التي لا تعني المال بقدر ماتعني توفر الرجال والنساء الأ كفاء ذوي العزيمة الفولاذيةوالذكاء الوقاد المبتكر .
إن لنا مهاما جسيمة على المدى الآني تتمثل في إغاثة الناجين المحتملين الى آخر بصيص أمل ،وهنا ينبغي أن نقر للدولة المغربية بكونها قد حافظت على رباطة جأشها، وأنها فعلت كل الممكن من المستحيل حين واصلت الليل بالنهار وسابقت الساعة بجيبها وأطباءها ومختلف أطرها وسلطاتها لأجل تقديم الغوث والإسعاف بل ولقد قدمت هي وكل أطياف الشعب صورة مشرفة عن هذا المغرب الصاعد باعتراف الجميع ،المغرب الذي أفرح وابكى العالم في بحر عام واحد ....البلد الجميل و الحزين اليوم بأنفة وكبرياء وشموخ، البلد الذي يؤمن بالاخاء بين الشعوب ويدعو للسلام والانكباب على الهموم الملحة للبشرية التي تهددها مخاطر وجودية جمة . ماأظلمك ايها الزلزال، وما أجبنك ،كيف غدرت بنا في الليل البهيم ؟ .كيف قسوت على كل هؤلاء الصغار، و فجعت هؤلاء البسطاء من الناس ؟ وكيف افتيت قرى هادئة قانعة بحياتها التي كانت تسير بدعة وسكينة ؟ .
ان مهامنا لتمتد ايضا على المدى المتوسط ،فالمغرب مطالب بأن يعيد البسمة للمنكوبين ويعيدهم بالخصوص الى الحياة الطبيعية التي كانت لهم ، بل إلى حياة يجب أن تكون افضل مما سلف، وهذه لعمري هي الأهداف البعيدة المدى التي ينبغي أن نضطلع بها في الإعمار والبناء وتضميد الجراح بشكل فعال يذهب الكمد و ينهي الحزن والألم.
المغرب لازال تحت وقع الصدمة ،وستتطلب منا هذه الفاجعة الكثير من الوقت لنستوعب حقيقة وفداحة الرزء ،ولكن ليس لنا من ترياق سوى ان نركب زورق الأمل، ونتمسك بروح التفاؤل ،و نعلن فضيلة الجدية التي كانت محور خطاب العرش شعارا لنا بل مذهبا وعقيدة لنا في العمل .إننا مطالبون في المرحلة الراهنة والمقبلة بأن نحمي مكتسباتنا، و ان نستبسل جميعا في التصدي لآثار هذا الزلزال بالتبرع والتطوع و التفاني في خدمة الوطن. يكفيه منا أنه دمر المباني وأزهق أرواح الشهداء،.فلانتركه يحطم معنوياتنا، و يهدم ثقتنا بأنفسنا كما هدم قرانا الجميلة عند قمم الجبال ..نعم نحن نستطيع أن نكسب هذا التحدي .فقديما انشد الشاعر :
على قدر اهل العزم تأتي العزائم
وعلى قدر اهل الكرم تأتي المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم.
ألسنا نحن المغاربةمن ينطبق عليهم انهم أصحاب عزيمة وكرم؟ .ألسنا شعبا وأمة عظيمة تحقق المعجزات ؟.
اني لأعتقد أننا فعلا كذلك ،وأننا بعون الله لقادرون. .لا يأتي بعد العسر إلا اليسر.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
وفاة الأديب والناقد الدكتور حلمي القاعود
خيمت حالة من الحزن على الأوساط الثقافية والأدبية في مصر والعالم العربي بعد رحيل الأديب والناقد الدكتور حلمي محمد القاعود، الأستاذ بكلية الآداب جامعة طنطا، صباح اليوم الثلاثاء، عن عمر ناهز الـ 79 عامًا، بعد صراع مع المرض.
وفاة الأديب والناقد الدكتور حلمي القاعودوأعلن نجل الدكتور القاعود نبأ الوفاة عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، حيث كتب: «إنا لله وإنا إليه رَاجعُون، توفي إلى رحمة الله تعالى والدي الحبيب الغالي، العالم الجليل، الأستاذ الدكتور حلمي محمد القاعود.اللهم أجرنا في مصيبتنا واربط على قلوبنا».
ولاقى المنشور تفاعلا كبيرا من قبل تلامذة ومحبي الدكتور حلمي القاعود، ونعوه بكلمات حزينة ومؤثرة، مسترجعين ذكراه بإرثه الأدبي والفكري الكبير، وداعين له بالرحمة والمغفرة.
من هو الدكتور حلمي القاعود؟ولد حلمي القاعود في 5 أبريل 1945 بقرية المجد في مركز الرحمانية بمحافظة البحيرة.
وفي عام 1984حصل على درجة الدكتوراه في البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
تولى القاعود عدة مناصب أكاديمية بارزة، من بينها عمله أستاذًا مشاركًا في كلية المعلمين بالرياض بين عامي 1989 و1994.
كما شغل منصب رئاسة قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة طنطا في الفترة من 2000 إلى 2004.
وتم تكريم الراحل في عدد من المحافل الثقافية، أبرزها «اثنينية عبد المقصود خوجة» بمدينة جدة عام 2005.
ونال القاعود جائزة المجمع اللغوي بالقاهرة عام 1968، كما حصل على جائزة المجلس الأعلى للثقافة عام 1974.
وألف الدكتور حلمي القاعود المكتبة العربية عشرات المؤلفات في مجالات الأدب والنقد الأدبي والفكر الإسلامي والكتابة للأطفال.
كما صدر عنه كتاب بعنوان «على شاطئ المجد.. دراسات وشهادات مهداة للدكتور حلمي محمد القاعود» بمناسبة بلوغه السبعين، إعداد وتقديم الكاتب أبو الحسن الجمال.
اقرأ أيضاًوفاة الفنان شريف ليلة بشكل مفاجئ
وفاة المستشار شعبان الشامي بعد صراع مع المرض