أثير- عبدالرزّاق الربيعي

التقيتُ كثيرا بالموسيقي الراحل حسين بن خميس العجمي في منزل شقيقته الفنانة فخرية خميس، وخارجه، وأصغيت إلى عزفه في الحفلات التي أقامتها الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية، عندما كان عضوا فيها، وحين أقامت “أثير” الدورة الأولى من مهرجان “أثير” للشعر العربي في عام 2015م لم تجد أفضل من المعزوفة الموسيقية التي خصّ بها المهرجان، وعزفها في حفل الافتتاح، ببراعة، جعلت الضيوف والمشاركين، وهم نخبة من الشعراء العمانيين والعرب، يصفّقون له بحرارة بعد انتهائه من عزفها، ففي تلك الليلة تألّق الراحل الذي يُعدّ العازف الأول في سلطنة عمان على آلة الكلارينيت، وهي آلة نفخية، كثيرا ما سمعنا نغماتها في العروض، والمسيرات العسكرية وحفلات الموسيقى الكلاسيكية.

نشأ حسين بن خميس في بيئة فنّيّة محفّزة، لذا وجدتْ موهبته من يهتمّ بها، فأخذت شقيقته الكبرى الفنّانة فخرية خميس بيده، وكذلك الفنانة بتول خميس، وبقية أفراد العائلة، ولم يكتفِ الفنّان الراحل بعلوّ كعب موهبته، وتشجيع الأهل، فكان لابدّ لهذه الموهبة أن تصقل بالدرس الأكاديمي، فعكف على دراسة الموسيقى، وجعلها خياره الأمثل، وبدأ خطواته الأولى مع عالم الموسيقى في عام 1985 فلفتت معزوفاته أنظار أساتذته، وحقّق نجاحات أهّلته لتقديم معزوفات انفراديّة مع الأوركسترا السلطانية في حفلات موسيقية أقيمت داخل السلطنة وخارجها، ولأنه كان يشعر أن بلوغ الأهداف العليا المنشودة في رحلته بعالم الموسيقى، يحتاج إلى صبر ودأب، واشتغال، وتدريب للمهارات، سافر إلى المملكة المتّحدة مواصلا دراسته العليا فالتحق بجامعة لندن، وتكلّلت دراسته الموسيقية بنيله درجة الماجستير في الفنون الموسيقية من الأكاديمية الملكية للموسيقى، وهي الدرجة الثانية التي يحصل عليها بعد نيله شهادة الزمالة في الأداء الفردي لآلة الكلارنيت من مجلس اتحاد المدارس الملكية للموسيقى ببريطانيا، ولم يكتفِ بذلك بل اندفع بكلّ عزيمة، وإصرار لمواصلة دراسته لنيل شهادة الدكتوراه، وخلال وجوده في لندن حضر العديد من الحفلات الموسيقيّة، وجال بين المكتبات والتقى الكثير من الموسيقيين الأجانب، فخرج بحصيلة رائعة من المعارف، طوّرت موهبته، ووجد فيها الطريق السالك لتحقيق طموحاته، وبقي يواصل تحصيله الأكاديمي، بروح وثّابة، لم تضعف حتّى بعد أن بدأت آثار المرض بالظهور، وكانت قوّة عزيمته تجعله يشعر أنّه سوف ينتصر على المرض، الذي شنّ هجمته على جسده باستهداف جهازه العصبي، وجعلته لصيقا بكرسيّ متحرّك، فسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، لكنّ الطب وقف عاجزا عن تعزيز قدرته على استرداد قوّته وسيطرته على أعصابه التي بدأت بالضمور، حتى فقد القدرة على الحركة إلّا قليلا، وعاش بهذا القليل شهورا عدّة اختتمها بالسفر إلى الهند، وعاد ليلفظ أنفاسه الأخيرة في (مسقط) بين أحضان عائلته، فغادر عالمنا وهو في زهرة عمره، ولم أجد أبلغ من وصف الشاعر محمد مهدي الجواهري في التعبير عن الحزن على مثل هذا الغياب، بقوله:

تَعَجَّلَ بِشْرَ طلعتِكَ الأفُولُ
وغالَ شبابَكَ الموعودَ غُولُ
وطافَ بربعكَ المأنوسِ ليلٌ
تزولُ الدَّاجياتُ ولا يَزولُ
وأثقلكَ الحِمامُ فلستَ تصحو
ويصحو الرَّوضُ أثقلَهُ الذُّبولُ
وقاسَمَكَ الرَّدى مَنْ تَصطفيهِ
كما يَتقاسَمُ الشَّفَقَ الأصيلُ

لقد أفل نجم عازف الكلارينيت الأوّل، لكنّ معزوفاته بقيت حاضرة تؤّثث أسماعنا بعذوبتها.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

محمد الموجي.. مهندس الألحان الذي غيّر وجه الموسيقى العربية

في مثل هذا التوقيت من كل عام، يستحضر الوسط الفني والجمهور العربي ذكرى رحيل أحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية، الموسيقار محمد الموجي، الذي رحل عن عالمنا في 1 يوليو عام 1995. ورغم مرور 29 عامًا على وفاته، لا تزال ألحانه حيّة، تملأ الفضاءات بالمشاعر وتُرددها الأجيال، فقد كان بحق "مهندس الألحان" وصاحب البصمة الذهبية في مسيرة عمالقة الطرب.

 

 

 

نشأة موسيقار من طراز خاص

وُلد محمد أمين محمد الموجي في 4 مارس عام 1923 بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ. نشأ في أسرة متذوقة للفن، وكان والده يعزف على العود والكمان، مما جعله يكتشف شغفه بالموسيقى منذ الصغر، ليبدأ تعلم العزف على العود في سن مبكرة.

 

 

 

ورغم أنه التحق بكلية الزراعة وحصل على الدبلوم عام 1944، إلا أن شغفه بالموسيقى كان أقوى، فعمل في البداية في وظائف زراعية، قبل أن يلتحق بفرق موسيقية صغيرة ويبدأ رحلته الفنية من بوابة الغناء، التي لم تحقق له ما أراد، فتحول إلى التلحين، وهو القرار الذي غيّر مسيرة الموسيقى العربية.

 

 

 

البدايات الفنية والانطلاقة الحقيقية

في عام 1951، قُبل محمد الموجي كملحن في الإذاعة المصرية، بعد أن رُفض كمطرب، وكانت تلك نقطة تحول حقيقية، كانت انطلاقته القوية من خلال التعاون مع عبد الحليم حافظ في أولى أغنياته "صافيني مرة"، التي شكلت بداية صعود "العندليب" وصعود الموجي كأحد أبرز ملحني الجيل.

 

 

 

 

محمد الموجي وعبد الحليم حافظ.. ثنائي غيّر الطرب

شكّل محمد الموجي مع عبد الحليم حافظ ثنائيًا فنيًا استثنائيًا، حيث لحّن له ما يزيد عن 88 أغنية، أبرزها: "حُبك نار"، "قارئة الفنجان"، "أنا من تراب"، و"اسبقني يا قلبي"، وكان لحن "قارئة الفنجان" الذي غناه عبد الحليم عام 1976 آخر تعاون بينهما قبل وفاة العندليب، واعتُبر تتويجًا لمسيرة طويلة من النجاح المشترك.

 

 

 

تعاون مع الكبار من أم كلثوم لفايزة أحمد

لم يقتصر إبداع محمد الموجي على عبد الحليم، بل امتد ليشمل عمالقة الطرب، على رأسهم أم كلثوم، التي لحن لها أعمالًا خالدة مثل "للصبر حدود"، و"اسأل روحك"، و"حانة الأقدار".

كما قدّم ألحانًا خالدة للمطربة فايزة أحمد مثل "أنا قلبي إليك ميال"، و"تمر حنة"، إلى جانب ألحانه لنجوم آخرين مثل شادية، وردة الجزائرية، نجاة الصغيرة، سميرة سعيد، وغيرهم من رموز الغناء في مصر والعالم العربي.

بصمة لا تُنسى في الأغنية الوطنية

كان لمحمد الموجي دور كبير في الأغنية الوطنية، إذ لحن عددًا من الأعمال الخالدة التي عبّرت عن روح مصر وقضاياها، مثل "يا صوت بلدنا" و"أنشودة الجلاء". وكانت ألحانه الوطنية تحمل دومًا مزيجًا من الحماس والشجن، بتوقيع موسيقي خاص لا يُخطئه المستمع.

أسلوبه الفني.. هندسة اللحن وروح الشرق

تميّز أسلوب محمد الموجي بالمزج بين المقامات الشرقية الأصيلة والتقنيات الغربية الحديثة، وابتكار فواصل موسيقية غير مسبوقة، لم يكن الموجي مجرد ملحن تقليدي، بل كان يجيد التعبير عن الكلمات بألحان نابضة بالحياة، تبكي، وتفرح، وتُشعل الحنين في آنٍ واحد، مما جعله يُلقب عن جدارة بـ "مهندس الألحان".

رحيله واحتفاء لا ينتهي

في الأول من يوليو عام 1995، رحل الموسيقار محمد الموجي عن عالمنا عن عمر ناهز 72 عامًا، بعد أن قدّم للموسيقى العربية أكثر من 1800 لحن، ورغم رحيله الجسدي، لا يزال صوته حاضرًا في كل نغمة، وأثره باقيًا في ذاكرة كل من عشقوا الطرب العربي الأصيل.

وتُحيي وسائل الإعلام ووزارة الثقافة المصرية ذكراه سنويًا، من خلال التقارير والبرامج، وتُعرض أعماله في المناسبات الفنية، لتُذكر الأجيال الجديدة بإرث موسيقي لا يُقدّر بثمن.
 

مقالات مشابهة

  • محمد عبد الله: الموسيقى علم والنقد لا يُمارَس دون دراسة وتأهيل
  • دعوى قضائية ضد نقيب المهن الموسيقية لهذا السبب
  • محمد الموجي.. مهندس الألحان الذي غيّر وجه الموسيقى العربية
  • المسرحية الموسيقية «هاميلتون» والمؤرخ رون تشيرنو يحصلان على جائزة ميدالية الحرية
  • يوسف خميس: لا أعرف هذا النصر.. فيديو
  • يعلن فرع الهيئة العامة للموارد المائية فرع إب بأن الأخ نصيب الربيعي تقدم بطلب ترخيص حفر بئر
  • قوى الأمن الداخلي تشيّع شهيدها المعاون الأوّل إلياس طوق
  • بيونسيه تتجاوز لحظات حرجة خلال حفلها في هيوستن ضمن جولتها الموسيقية Cowboy Carter
  • خميس عطية يطالب بالغاء قراري معدلات القبول للطب وتخفيض أعداد المقبولين
  • رئيس مجلس النواب يطالب لجنة مشروع تعديل قانون التعليم بسرعة دراسته