موسكو- جاء الإعلان السريع للسلطات الانفصالية في قره باغ عن وقف إطلاق النار، وتعليق أذربيجان عملية "مكافحة الإرهاب الموضعية" -كما سمتها- في الإقليم بعد التوصل إلى اتفاق اقترحته قوات حفظ السلام الروسية؛ ليفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات كثيرة تحيط بـ"الشرارة" التي كادت أن تشعل حربا ثالثة في الإقليم الذي تنازعت عليه أذربيجان وأرمينيا لعقود كثيرة.

وفي واحدة من أهم جوانب معضلة قره باغ، شكل احتمال خروج الأوضاع في الإقليم عن السيطرة ولربما تدحرجها نحو حرب شاملة، تحديا خطيرا بالنسبة إلى روسيا التي تملك أكثر من ألف جندي حفظ سلام هناك، مناطا بهم حماية سكان الإقليم من عواقب اشتباكات عسكرية يمكن أن تتجدد.

وتثير التصريحات المناهضة لروسيا التي أدلى بها رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان مؤخرا، تساؤلات حول استمرار نفوذ موسكو في المنطقة في المستقبل، وهل ستبقى على الحياد في ما يخص مستقبل علاقاتها مع الجانبين، لا سيما على ضوء التوتر الذي تصاعد بشكل لافت مؤخرا بين موسكو ويريفان.

بين تحديين

وجدت موسكو نفسها أمام تحديين، الأول هو الحفاظ على صورتها وهيبتها في القوقاز كضامن "مسلح" للتفاهمات الأذربيجانية الأرمنية، والتحدي الآخر هو خطر اندلاع حرب جديدة في المنطقة، مما يهدد مستقبل وجودها هناك والذي يمتد إلى قرون.

وتفسير ذلك هو أن موسكو تسارع إلى عرض مبادرتها لوقف إطلاق النار، وهي مشغولة بالحرب في أوكرانيا، وتحرص في الوقت نفسه على زيادة نفوذها في القوقاز. وذلك رغم ميل الجانب الأذري للهيمنة في هذا النزاع العسكري والسياسي، بعد أن اعترفت يريفان بسيادة باكو على المنطقة، وهو ما يعني أن أي تغيرات تحدث فيه ستكون مسألة داخلية أذربيجانية بحتة.


في دائرة الاستهداف

توقيع بيان براغ في عام 2022 من قبل يريفان وباكو أدى إلى الاعتراف بإعلان "ألما آتا" لعام 1991، وهذا الإعلان يعتبر جمهورية قره باغ أراضي أذربيجانية، وقد أدى هذا البيان بشكل عام إلى تقييد قدرات قوات حفظ السلام الروسية، في حين قدم أرضية إلى باكو للقيام بعمليات عسكرية.

لذلك يؤكد الخبير في الشؤون الدولية، رولاند بيجاموف، أن أي محاولة لزعزعة الاستقرار جنوب القوقاز يجب ألا تؤخذ خارج سياق محاولة إخراج روسيا من الإقليم، وفي ذات الوقت مواجهة استخدام هذه المنطقة الحيوية في المستقبل من قبل موسكو وبكين لتنفيذ مشاريع جيوسياسة واقتصادية عابرة للقارات.

أوكرانيا من جديد

ويرجح بيجاموف أنه ستندلع في أرمينيا خلال الأشهر القليلة المقبلة "ثورة ملونة" تؤسس لسلطة جديدة، تكون أكثر تماشيا مع الرغبات الأميركية في إرباك موسكو في جنوب القوقاز.

ومن الممكن أن تتدهور العلاقات مع يريفان إذا استمر التعاون مع الغرب وتجاوز المناورات العسكرية المشتركة المحدودة مع الولايات المتحدة، وذلك عن طريق تعزيز ملف القاعدة الروسية في أرمينيا وطلب الانضمام إلى حلف الناتو، في سيناريو يشبه عملية تدحرج العلاقة مع أوكرانيا إلى خيار الحرب.

وجود عسكري

وحاليا، تقع القاعدة العسكرية الروسية رقم 102 بمدينة غيومري الأرمينية، والتي تم إبرام اتفاقية إنشائها بين يريفان وموسكو عام 1995. وتحتوي القاعدة على حاميتين عسكريتين تقعان في غيومري والعاصمة يريفان. ويبلغ عدد الأفراد فيها نحو 4 آلاف شخص.

وفي 27 سبتمبر/أيلول 1996 وقع البلدان على اتفاقية جديدة بشأن نشر القواعد الروسية في أرمينيا، وفي عام 1999، تم إدخال عدد من التعديلات عليها، والتي نصت على زيادة الوجود العسكري الروسي في الجمهورية.

وفي البداية تم إبرام اتفاقية تشغيل القاعدة مدة 25 عاما، ومن ثم جرى تمديدها مدة 49 عاما أخرى (حتى عام 2044) خلال زيارة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف لأرمينيا عام 2010.

آخر نقاط سيطرة أذربيجان داخل إقليم قره باغ (الجزيرة) باقون

محلل الشؤون العسكرية إيفان بتروف يؤكد أنه مهما حدث الآن وسيحدث في المستقبل في العلاقات الروسية الأرمنية، فينبغي ألا يؤثر ذلك في القاعدة العسكرية في أرمينيا.

ويشير إلى أن السلطات السابقة في يريفان كانت تدرك أهمية وجود القاعدة العسكرية لضمان أمن البلاد، لذلك لم تتلقَ أموالا من روسيا مقابل استخدام القاعدة فحسب، بل على العكس من ذلك، تتحمل تكاليف وجودها.

ويتابع بأن المزاج الحالي في المجتمع الأرمني تجاه وجود القوات الروسية بات غامضا للغاية، لا سيما مع تكثيف المشاعر المعادية لروسيا بشكل نشط للغاية، والتي تلقى استجابة بين الأرمن، فضلا عن انجراف القيادة السياسية في يريفان نحو الغرب، والذي بات أكثر وضوحا مؤخرا.

ويقول إن موسكو لا تنوي المغادرة الفورية لأراضي أرمينيا، وتعتزم البقاء حتى عام 2044 على الأقل. وإن يريفان تعزز اتصالاتها مع "الأعداء"، وهو أمر يجب أن ينظر إليه على أنه قرار غير ودي، كما أن القاعدة المدعمة بنظام دفاع جوي متطور ليست لضمان أمن روسيا فقط، بل أمن أرمينيا نفسها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی أرمینیا قره باغ

إقرأ أيضاً:

عائلات الأسرى الإسرائيليين: تلقينا معلومات باستئناف المفاوضات

كشفت وسائل إعلام عبرية نقلا عن مسؤولين مطلعين على ملف التفاوض، أن مفاوضات تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية حماس والاحتلال الإسرائيلي تشهد تطورات إيجابية في الكواليس، رغم التصعيد العسكري المستمر بين تل أبيب وطهران. ويجري التفاوض بهدوء بمشاركة فاعلة من الولايات المتحدة وقطر، في مسعى لإحياء مبادرة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وأكدت عائلات الأسرى الإسرائيليين أنهم تلقوا إشارات من مسؤولين بشأن احتمال مغادرة وفد تفاوضي إسرائيلي إلى العاصمة القطرية الدوحة قريبا.

وفي أول تعليق رسمي، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، عن وجود "اختراق" في المفاوضات، مؤكداً في رسالة مصورة أنه أعطى تعليمات بالتقدم في المباحثات، ومشدداً في الوقت نفسه على تصميمه القضاء على "التهديد النووي والبالستي الإيراني".

وقال نتنياهو: "أصدرت تعليمات قبل ثلاثة أيام للمضي قدماً في مفاوضات غزة. هناك اختراق، ولن أتخلى عن أحد"، في إشارة إلى الأسرى الذين لا تزال حماس تحتجزهم.

لكن تصريحات نتنياهو قوبلت بانتقادات من قبل عائلات الأسرى٬ حيث وصفوا تصريحاته بأنها "وعود فارغة غير مدعومة بأفعال"، وطالبوا بإرسال وفد تفاوضي جاد إلى الدوحة يحمل تفويضاً واضحاً لاستعادة جميع الأسرى٬ معتبرين أن "النصر الكامل أو الجزئي لا يتحقق دون عودتهم".


وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، لا تزال حركة حماس تحتجز 55 أسيرا من أصل 251 أُسروا خلال هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، في حين نقلت يديعوت أحرونوت أن حكومة الاحتلال قدمت مؤخراً رداً رسمياً على مقترح قطري يقضي بما يلي:(إطلاق سراح ثمانية أسرى أحياء في اليوم الأول من وقف إطلاق النار - الإفراج عن رهينتين إضافيتين بعد مرور 60 يوماً - إعادة جثامين نصف المختطفين على ثلاث مراحل - التزام إسرائيل بعدم خرق التهدئة خلال هذه الفترة).

لكن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يرفض صيغاً قد تفضي إلى وقف شامل للعمليات العسكرية، ما لم تتحقق شروطه والتي من أبرزها طرد كبار قادة حماس من غزة، ونزع سلاح المقاومة من القطاع، وضمان عدم عودة الحركة إلى السلطة.

وأشارت مصادر مطلعة على المفاوضات إلى أن واشنطن قدمت لحماس ضمانات تتضمن وقفاً تدريجياً للقتال طالما استمرت المفاوضات بنية حسنة، واقترحت أن يتولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دور الضامن في حال التوصل إلى اتفاق.

في السياق ذاته، بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في اتصال هاتفي، مع مبعوث الولايات المتحدة للشرق الأوسط سيتف ويتكوف، مقترحات تهدئة الوضع، وأهمية استئناف المحادثات على قاعدة الحلول السياسية والدبلوماسية، وسط تحذيرات متزايدة من اتساع رقعة الحرب الإقليمية.

من جهته، أصدر المكتب الإعلامي الدولي في قطر بياناً أكد فيه وجود مفاوضات جارية واقترابها من "تحقيق تقدم حقيقي"، ما يعزز الانطباع بأن الأطراف باتت أقرب من أي وقت مضى إلى صيغة لوقف مؤقت لإطلاق النار.

في غضون ذلك، تستمر الكارثة الإنسانية في قطاع غزة مع دخول الحصار الإسرائيلي الخانق شهره الرابع، منذ إغلاق المعابر في 2 آذار/مارس الماضي، ومنع إدخال الغذاء والدواء والمساعدات والوقود، وسط تصعيد غير مسبوق لوتيرة القصف والإبادة الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين.


وتشير تقديرات وزارة الصحة في غزة إلى أن عدد الضحايا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر تجاوز 184 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات آلاف النازحين الذين يعيشون في ظروف مأساوية.

وجاءت هذه التطورات الإنسانية والسياسية في ظل أكبر تصعيد عسكري إسرائيلي ضد إيران منذ سنوات، حيث شنت تل أبيب فجر الجمعة الماضي، بغطاء أمريكي ضمني، هجوماً جوياً واسعاً أطلقت عليه اسم "الأسد الصاعد"، استهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وعلماء ومسؤولين عسكريين بارزين في مناطق متفرقة من إيران.

وردت طهران في وقت لاحق من اليوم نفسه بسلسلة من الضربات الباليستية والمسيرات.

مقالات مشابهة

  • حماس تكشف حقيقة وجود "تقدّم" في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة
  • مندوب مصر لدى الأمم المتحدة: القاهرة تواصل مساعيها لوقف إطلاق النار في غزة
  • ترامب: سأفعل ما هو أفضل من وقف إطلاق النار في إيران
  • الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
  • ترامب: لا علاقة لعودتي إلى واشنطن بوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
  • مصر وفلسطين تبحثان جهود استئناف وقف إطلاق النار بغزة
  • ترامب يشن هجوما لاذعا على ماكرون بسبب تصريح وقف إطلاق النار بين إيران وإٍسرائيل
  • ماكرون: انسحاب ترامب من قمة السبع إيجابي من أجل دفع وقف إطلاق النار
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين: تلقينا معلومات باستئناف المفاوضات
  • إيران طلبت من عدة دول حث ترامب على الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار