قضية منشطات «أون لاين» عبر «أبواب مغلقة»
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
برلين (د ب أ)
بدأت محكمة التحكيم الرياضي الدولية «كاس» اليوم «الثلاثاء» جلسات الاستماع، التي تستمر لثلاثة أيام، في قضية المنشطات الخاصة بلاعبة التزلج الفني الروسية كاميلا فالييفا، والتي ألقت بظلالها على أولمبياد بكين 2022 الشتوي. ومن المقرر أن تدلي فالييفا، 17 عاماً، بأقوالها عبر الاتصال المرئي، في القضية التي تشهد استئناف الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات «وادا» والاتحاد الدولي للتزلج والوكالة الروسية لمكافحة المنشطات «روسادا» ضد قرار اللجنة التأديبية لمكافحة المنشطات في روسادا.
وتجرى جلسات الاستماع خلف أبواب مغلقة في مقر محكمة كاس بلوزان، ومن المقرر أن تستمر لمدة ثلاثة أيام، لكن يحتمل أن تتواصل ليوم رابع، ولم تعلن المحكمة موعداً لصدور الحكم.
وفي عمر الـ 15 عاما، كانت فالييفا قد ساعدت روسيا في التتويج بلقب التزلج الفني لفئة الفرق في أولمبياد بكين 2022، لكن تبين بعدها أن اختبارات المنشطات كشفت عن تناولها مادة «تريميتازيدين» المحظورة، وذلك في 25 ديسمبر 2021 خلال بطولة روسيا.
وسمحت لجنة تابعة لمحكمة «كاس» في الصين، لفالييفا بالمشاركة في منافسات الفردي في أولمبياد بكين 2022 وقد احتلت المركز الرابع. وفي وقت لاحق من عام 2022، قضت اللجنة التأديبية لمكافحة المنشطات في روسادا بأن فالييفا مدانة بتهمة المنشطات، لكنها لم ترتكب أي خطأ أو إهمال، وأقصيت اللاعبة فقط من بطولة روسيا. لكن وكالة وادا والاتحاد الدولي للتزلج وكذلك روسادا، أبدوا احتجاجاً على القرار.
وتسعى وادا لفرض عقوبة الإيقاف على اللاعبة لمدة أربعة أعوام، اعتباراً من ديسمبر 2021، مع شطبها من جميع المنافسات التي أقيمت خلال تلك الفترة، بما في ذلك أولمبياد بكين 2022. كذلك ينادي الاتحاد الدولي للتزلج بفرض الإيقاف أربعة أعوام، أو لمدة عامين على الأقل، مع شطبها من كل المنافسات في الفترة الماضية.
وقال جيمس فيتزجيرالد المتحدث باسم وادا: «نريد نتيجة عادلة للقضية، بناء على الحقائق» أما روسادا، فترغب في معاقبة فالييفا بتهمة المنشطات بشكل مناسب وفقاً لقواعدها، وهو ما قد يقتصر على التوبيخ.
وتقول فالييفا وفريقها القانوني إن محكمة كاس ليس لها اختصاص قضائي فيما يتعلق بمطالبات وادا والاتحاد الدولي للتزلج وروسادا، وتطالب اللاعبة بتسجيل نتائجها في بطولة روسيا مجددا.
ويتمثل الطلب البديل للاعبة وفريقها القانوني في أن تؤيد محكمة كاس عدم ارتكابها أي خطأ أو إهمال، وإيقافها لمدة عامين على الأكثر دون شطبها من المنافسات التي شهدتها الفترة الماضية، بما فيها أولمبياد بكين.
وجاء الإعلان عن القضية ليدفع اللجنة الأولمبية الدولية لتأجيل مراسم التتويج بمسابقة الفرق حتى صدور حكم نهائي. وفي حال شطب نتائج فالييفا، وبالتالي نتائج الفريق الروسي الذي يضمها، ستكون الميدالية الذهبية من نصيب الفريق الأميركي الذي كان قد أحرز المركز الثاني. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: مكافحة المنشطات محكمة التحكيم الرياضي دورة الألعاب الأولمبية لمکافحة المنشطات
إقرأ أيضاً:
بكين تنسحب والسودان على المحك
✍️ محمد هاشم محمد الحسن
يمثل طلب جمهورية الصين الشعبية مؤخرًا من رعاياها مغادرة السودان تطورًا لافتًا في المشهد الجيوسياسي والأمني الأفريقي، ويحمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز مجرد الإجراءات الاحترازية المعتادة لحماية المواطنين. ففي ظل استمرار الصراع الدامي الذي يعصف بالسودان منذ أكثر من عام، فإن هذا الإجراء الصيني، الذي غالبًا ما يكون محسوبًا وذا مغزى استراتيجي، يطرح تساؤلات حيوية حول رؤية بكين لمستقبل هذا البلد، وانعكاساته على مصالحها المتشعبة في القارة السمراء.
تُعرف الصين بسياستها الخارجية التي تتجنب التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول، وتركز على التعاون الاقتصادي وتنمية البنية التحتية. ولطالما كانت بكين من أكبر المستثمرين في السودان، خاصة في قطاع النفط والمعادن، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى. هذه الاستثمارات الضخمة، التي تخدم مبادرة (الحزام والطريق)، تجعل من قرار سحب الرعايا إشارة قوية على أن الصين ترى أن مستوى المخاطر قد تجاوز نقطة العتبة المقبولة، وأن استمرار وجود مواطنيها في ظل هذه الظروف بات يهدد أمنهم وسلامتهم بشكل مباشر، وربما يشكل تحديًا كبيرًا لقدرتها على حماية مصالحها على المدى الطويل.
إن هذا القرار يمكن تحليله من عدة زوايا. أولاً، إنه يعكس تقييمًا حادًا للوضع الأمني المتدهور وتصاعد أولوية أمن المواطنين في الدبلوماسية الصينية. فبكين عادة ما تكون صبورة وتتحمل مستويات معينة من عدم الاستقرار، لكن استمرار القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتوسع الجغرافي للنزاع ليشمل مناطق حيوية، أدى بلا شك إلى تصاعد المخاوف الصينية. سحب الرعايا يشير إلى أن بكين لا ترى حلاً وشيكًا للأزمة، وأن الوضع مرشح لمزيد من التدهور، مما يستدعي اتخاذ إجراءات حازمة لتقليل الخسائر البشرية المحتملة.
هذا التوجه نحو إعطاء أولوية قصوى لأمن المواطنين الصينيين في الخارج يمثل تحولًا تدريجيًا في العقيدة الدبلوماسية الصينية، حيث لم يعد مبدأ عدم التدخل يعني التغاضي عن المخاطر الجسيمة التي تهدد حياة رعاياها أو استثماراتها.
ثانياً، إن هذا الانسحاب يحمل دلالات قوية بشأن العلاقة بين الضغط الدولي والوضع الداخلي في السودان. فانسحاب الصين، كشريك اقتصادي واستراتيجي رئيسي، يضع ضغوطاً إضافية غير مباشرة على الحكومة السودانية (في بورتسودان) وقوات الدعم السريع على حد سواء. يمكن أن يُنظر إلى هذا الإجراء كرسالة دبلوماسية صامتة بأن النزاع يجب أن ينتهي، وأن استمراره يؤدي إلى خسارة شركاء استراتيجيين حيويين للتنمية والتعافي الاقتصادي. إن غياب اللاعبين الاقتصاديين الكبار، مثل الصين، يقلل من مصادر الدعم المحتملة للأطراف المتحاربة، ويزيد من عزلة البلاد على الساحة الدولية، مما قد يدفع نحو إعادة تقييم داخلية لجدوى استمرار القتال.
ثالثًا، لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي للقرار، وتأثيره المباشر على مبادرة الحزام والطريق. ففي حين أن سحب الرعايا يمثل إجراءً أمنيًا في المقام الأول، فإنه يحمل في طياته دلالات اقتصادية سلبية للسودان. استمرار النزاع أثر بشكل كبير على البنية التحتية، وسلسلة الإمداد، والقدرة التشغيلية للمشاريع. لكن الأهم هو أن وجود الصين في السودان لم يكن مجرد استثمارات معزولة، بل كان جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أوسع مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق التي تهدف لربط الصين بآسيا وأفريقيا وأوروبا. تعطيل المشاريع في السودان بسبب عدم الاستقرار لا يؤثر فقط على المشاريع القائمة في البلاد، بل يلقي بظلاله على سمعة مبادرة الحزام والطريق ككل في مناطق النزاع، ويفرض على بكين إعادة تقييم معايير المخاطر لمشاريعها الكبرى في الدول غير المستقرة، مما قد يؤثر على خططها المستقبلية في المنطقة.
رابعًا، يجب النظر إلى دلالة القرار على المستوى الدولي. فصوت الصين يحمل وزنًا كبيرًا في المحافل الدولية، وقرارها هذا قد يؤثر على قرارات دول أخرى ومستثمرين دوليين. إذا كانت بكين، وهي طرف فاعل رئيسي في السودان، ترى أن الوضع خطير لدرجة تستدعي سحب رعاياها، فإن ذلك قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، أو على الأقل إعادة تقييم استثماراتها ووجودها في السودان، مما يزيد من عزلة البلاد ويزيد من الضغوط الدولية على الأطراف المتصارعة للتوصل إلى حل سلمي.
في الختام، يُعد طلب الصين من رعاياها مغادرة السودان نقطة تحول فارقة لا يمكن تجاهلها في مسار الأزمة الراهنة. إنه مؤشر قوي على أن الأزمة السودانية بلغت مستويات حرجة تهدد حتى مصالح القوى العالمية الكبرى. القرار يضع السودان أمام تحدٍ جديد، إذ يجب على الأطراف المتصارعة أن تدرك أن استمرار القتال لا يهدد فقط نسيجهم الوطني، بل يهدد مستقبل علاقاتهم الدولية وفرصهم في التعافي الاقتصادي. فبينما تسعى بكين لحماية أبنائها ومصالحها، تبقى الأنظار متجهة نحو بورتسودان، بانتظار ما إذا كانت هذه الإشارة القوية ستدفع الأطراف المتحاربة نحو إدراك حجم الكارثة وضرورة التوصل إلى حل ينهي هذا النزاع المدمر.
herin20232023@gmail.com