المشهد اليمني:
2025-07-12@04:41:24 GMT

صراع الرموز: عن الحوثي وثورة 26 سبتمبر

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

صراع الرموز: عن الحوثي وثورة 26 سبتمبر

تتولّى، منذ 25 سبتمبر/ أيلول الجاري، مقاطع مصوّرة لمسلحي مليشيا الحوثي، وهم يطاردون المحتفلين بذكرى ثورة 26 سبتمبر (1962)، ويطلقون الرصاص لترويعهم ويعتقلونهم في محافظة إب والعاصمة صنعاء، ولا تزال التقارير والتسجيلات تتوالى عن مصادرة مسلّحي الحوثي الأعلام اليمنية التي ألصقها المواطنون بسياراتهم أو التحفوها أو لوّحوا بها.

يحصُر المعلّقون اليمنيُّون بواعث هذه الممارسات في الضغينة الأيديولوجية التي تحملها أيديولوجيا الحركة الحوثيّة ضد ثورة سبتمبر، ولكن ذلك ليس إلا واحدًا من بواعث مختلفة؛ فالحوثيُّون لا يعبّرون عن عدائهم ثورةَ سبتمبر رسميًا، بل ويلقي رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين (صالح الصمّاد سابقًا فمهدي المشّاط راهنًا) خطابًا عند حلول ذكراها. الحوثيُّون أعداء ثورة 26 سبتمبر موضوعيًا، لكنهم يتريّثون في التعبير رسميًا عن ذلك تجنُّبًا لصدام إضافي مع قطاع واسع من اليمنيين، ولأنهم ليسوا أسرى الحنين إلى الإمامة تمامًا كما يُعتقد؛ فهم لا يرون ضيرًا في إدماج أيديولوجيتهم الطائفية - العرقيّة في نظام جمهوري على الطريقة الإيرانيّة، رغم استحالة ذلك لفروق أساسية في الأيديولوجيا والتكوين بين الطرفين (النظام الإيراني الذي أقامه الخميني والحركة الحوثية)، وفي الشروط الاجتماعيّة والتاريخية بين البلدين. ولهذا يراوح الحوثيُّون بين اتخاذ طرق سلبيّة في عدائها ثورة سبتمبر واستعمال مسارب شبه رسميّة للتعبير عن ذلك العداء.

من النوع الأول، إهمال ذكرى الثورة تمامًا على الصعيد الاحتفالي، بالمقابلة مع مناسباتهم المهمّة، مثل ذكرى اجتياحهم صنعاء عام 2014، وأعيادهم الطائفية - العرقيّة (عيد الغدير، المولد النبوي). كما أن خطب رئيس المجلس السياسي، مهدي المشّاط، تختزل كل الثورة في موقف السعوديّة المعادي لها آنذاك؛ أي أنها توظَّف وسيلةً إضافية للتحشيد والتعبئة في الحرب فحسب. ومن النوع الثاني محاولة إعادة كتابة التاريخ في المناهج الدراسية في مناطق سيطرة الحوثيين وفي صحفهم ووسائل التواصل الاجتماعي، وعبر كُتّابهم ومحاولة إعادة سرد حقبة حكم آل حميد الدين (1918 - 1962)، والقدح في الثورة وتاريخها، واختزال كل المرحلة بين 1962 و2014 في سردية الفساد والارتهان للخارج وفشل ثورة سبتمبر في بلوغ أهدافها، وربما كان من المفارقات أن وجود الحوثيين أنفسهم حجّة على صحة بعض هذا الكلام الأخير؛ فالحوثيّة ليست ابنة تاريخِ اليمن الوسيطِ في المقام الأول؛ هي أولًا ابنة جمهوريّة علي عبدالله صالح، بل إن صالحًا نفسه، رئيس الجمهورية السابق وأحد أبناء ثورة سبتمبر الذين حققت فيهم أسخى وعودها الاجتماعيّة، سخّر كل شيء في حوزته ونفوذه، وتحديدًا مؤسّسات الجمهورية ومقدّراتها، لإدخالهم إلى صنعاء وبقية المحافظات!.

على كل حال، ربما يراهن الحوثيُّون على أن عمليات تطييف المجال العام والمناهج الدراسية والأطفال في المخيمات الصيفية كفيلةٌ بتخليق وعي تاريخي جديد لليمنيين، سيجذّر عداءَ سبتمبر اجتماعيًا، وهذا أجدى لهم من عداءٍ رسمي فاقع يؤتي أُكْلًا قليلًا. على ضوء هذه الملاحظات، تغدو الممارسات الحوثيّة أخيرا قمينة باستقصاءٍ جدّي.

يقيم الحوثيُّون وزنًا كبيرًا للطقوس والرموز، ويدركون دورها في تشفير الهوية، وهذا من الأمور التي تعلّموها من تجربة النظام الإيراني الذي يستخدم أدوات الدولة الحديثة في قومنة الطائفة، أو تحرّيًا للدقة تطييف القوميّة، ونجح في ذلك بسبب مؤاتاة تاريخيّة في المقام الأول. لم تكن الحوثيّة، في بداياتها وقبل تعضيد تحالفها مع إيران، منتبهة إلى هذا الجانب، ولكنها بعد ذلك حين أدركت أهميّته لم تجد في سلفها التاريخي (حُكم الإمامة الذي تتنسَّب إليه ضمنيًا، وتنتسب إليه موضوعيًا) ما يزوّدها بما تحتاجه؛ فالمملكة المتوكليّة (آخر نسخ حكم الإمامة في اليمن) لم تكن دولةً متخلّفة فحسب؛ هي لم تكن دولة حديثة أصلًا. ولهذا، لا تجد في تاريخ المملكة مفاهيم الهوية والأمة، وما يقتضيه ذلك من تكريس طقوس وشعائر وطنية واحتفالات قومية وما شابه، حتى مناسباتها الطائفية لم تكن قادرة على تعميمها، لأنها لم تمتلك أدوات الحداثة اللازمة لذلك (جهاز الدولة، الإعلام الرسمي الحديث، المهرجانات... إلخ). كما أنها كانت معزولة عن العالم، فلا نملك عنها أرشيفًا فوتوغرافيًا يسهّل على الحوثيّة استلهام رموزها القروسطيّة في تخليق طائفية مقومنة حديثة.

اقرأ أيضاً وزير حوثي يتهم دولة أخرى باستهداف السعودية ومقتل عدد من الجنود البحريين (فيديو) صيد ثمين في قبضة الجيش الأمريكي في بحر العرب (صور) استقرار أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني عند هذا الحد دمج 15 وزارة في حكومة الانقلابيين وتوظيف آلاف العناصر في القضاء.. صحيفة لبنانية تكشف تفاصيل ‘‘التغييرات الجذرية’’ الحوثية طلب هام من مجلس الأمن بشأن اليمن ردًا على الهجوم الحوثي ضد القوات البحرينية في السعودية درجات الحرارة في اليمن اليوم السبت الهجوم الحوثي غدر واستفزاز ورفض للسلام قبل قليل.. الحوثيون يمنعون فريقًا حقوقيًا ”مقرب من الجماعة” من السفر عبر مطار صنعاء ظهور افتراضي للزعيم علي عبدالله صالح وخطاب ناري ردًا على إهانة الحوثي للعلم الجمهوري واعتقال المحتفلين بالثورة ”فيديو” عضو بالوفد الحوثي المفاوض يدعو الرياض لـ”بناء الثقة” وصحفي سعودي يفحمه بالرد طيران اليمنية تلوح بوقف رحلاتها من مطار صنعاء بسبب استمرار الحوثيين بحجز أرصدتها المالية شاب يمني شجاع رفع العلم الجمهوري في إب فقام الحوثيون بتكسيره.. وهكذا كانت ردة فعله ”فيديو”

هكذا لم تجد الحوثيّة إلا اقتراض هذه الأدوات واستنساخها من التجربة الإيرانية؛ على مستوى المعمار والتصاميم والبلاغة والاستعراضات، وحتى المناسبات نفسها وألوان الصور ومصابيح الاحتفالات. إذا اتفقنا أن هذا أحد أهداف الحوثية الرئيسة، فإن الاحتفال بثورة سبتمبر هو مزاحمة وعرقلة منغّصة لذلك الهدف، خصوصا إذا كان ذلك الاحتفال شعبيًا؛ هذه المرّة لم يحتفل الناس فرادى، بل تجرّأوا على التجمّع مع تداعي خطاب "العدوان" الذي يُسلطّه الحوثي على رقاب الناس في مناطق سيطرته. وزاد الطين بلّة أن موعد الاحتفال الحوثي بالمولد النبوي يوافق هذا العام يوم 26 سبتمبر؛ أي أن هؤلاء المحتفلين يعلنون حربًا رمزيّة على الحوثيّة في مناسبتها الرمزيّة الكبيرة.

السبب الآخر أمنيُّ بحت. الحوثيّة حركة عنصريّة؛ ولهذا لا تراودها أوهام بعض السلطات العربية الباطشة عن شعبيتها. تدرك الحوثيّة أنها معزولة عمّن تحكمهم، وأنها تفرض نفسها بالعنف المفرط والعشوائي. ولهذا، تتوجّس من أي تجمهر، وهناك إدراكٌ مشترك لهذه النقطة بينها وبين السكان القابعين تحت سيطرتها؛ فاليمنيون يستغلّون كل فرص التجمُّع الآمن التي يتجنّب الحوثي قمعها في إعلان موقف سياسي صامت وضمني ضدّه، مثل جنازات الشخصيات الشهيرة في تاريخ النضال الجمهوري ضد الإمامة، سياسيّة كانت أم عسكرية أم أدبيّة وثقافيّة. لهذا مثلًا تركّز ممارسة القسر الديني على صلاة التراويح في رمضان؛ فعلاوة على رأي الحوثية الفقهي في المسألة، صلاة التراويح في نظرها تجمهر لجماعاتٍ لا تشاركها الانتماء للطائفة نفسها (أو الفرع نفسه من الطائفة!)، وبالتالي هي فرصة تجمّع معادٍ ينطوي على إمكانية التفاقم، ولذلك يجب محاربتها بالتكدير والمضايقة، وبالرصاص إن لزم الأمر.

على كل حال، لم يترك الحوثي، بأيديولوجيته العنصرية وسياساته القاهرة وتحلّله من واجبات أي سلطة في العالم حيّز تسويات أمام الواقعين تحت سيطرة سلاحه، ولم يعد أمامهم إلا البحث عن حلبات الصراع المتاحة، وأولها حلبة الصراع الرمزي والقتال على الذاكرة.

*العربي الجديد

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: ثورة سبتمبر الحوثی ة لم تکن

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي يدين الهجمات الحوثية في البحر الأحمر ويطالب بالإفراج عن البحارة المختطفين

أدان الاتحاد الأوروبي بشدة الهجوم الحوثي الاخير على السفينة التجارية إتيرنيتي سي Eternity C في البحر الأحمر، في ظل التصعيد المتبادل بين إسرائيل والحوثيين.

 

واستنكر الإتحاد الأوروبي في بيان له الهجوم الحوثي الاخير على السفينة التجارية إتيرنيتي سي Eternity C في البحر الأحمر، ما أدى إلى غرق السفينة، في الوقت الذي أدان الوفاة المأساوية لعدد من أفراد الطاقم واصابة آخرين. في هجوم هو الثاني في غضون أيام قليلة على سفينة أوروبية الملكية.

 

 

ودعا البيان، الحوثيين لعدم عرقلة عمليات الانقاذ والمساعدة للسفن المنكوبة، مطالبة جميع الدول المشاطئة تقديم كل المساعدة الممكنة في هذا الأمر.

 

كما دعا الاتحاد الأوروبي الحوثيين الى الافراج الفوري ودون شروط عن أفراد طاقم إتيرنيتي سي الناجين.

 

واعتبر البيان، هذه الهجمات انتهاكاً للقانون الدولي وتهدد بشكل مباشر السلام والاستقرار في المنطقة والتجارة العالمية وحرية الملاحة بوصفها مصلحة عالمية عامة، وتؤثر على الوضع الإنساني المتردي أساسا في اليمن، ويجب أن تتوقف.

 

ونشر الحوثيون يوم أمس الأول لقطات مصورة، بعد أن أطلقوا مجموعة من الصواريخ على السفينة "ETERNITY C" مما أدى إلى تضرُّرها حتى غرقت بالكامل، في الوقت الذي قتل عدد من البحارة وتم إنقاذ بعضهم، فيما خطفت جماعة الحوثي بعضا منهم بعد استهداف السفينة.

 

وفي وقت لاحق، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، أن الشركة المالكة للسفينة استأنفت العمل مع ميناء إيلات "أم الرشراش" في انتهاكِ لقرار حظر التعامل مع الميناء.


مقالات مشابهة

  • عقب الهجمات الحوثية الأخيرة.. ارتفاع كبير لتكاليف تأمين السفن التي تمر عبر البحر الأحمر
  • صراع عمالقة آبل: هذا هو الفارق الذي قد يفصل بين iPhone 17 Pro وPro Max
  • الاتحاد الأوروبي يدين الهجمات الحوثية في البحر الأحمر ويطالب بالإفراج عن البحارة المختطفين
  • في ذكرى رحيله.. عمر الشريف النجم الذي عبر حدود السينما إلى قلوب العالم (تقرير)
  • سيف: لبنان شهد ثورة تطور في صناعة الخبز
  • وفاة الفنانة شروق عن عمر 73 عامًا بعد صراع مع المرض
  • تأكيدات أممية ودولية على وقف الهجمات الحوثية وحماية الملاحة في البحر الأحمر
  • غروندبرغ: الهجمات الحوثية الأخيرة في البحر الأحمر تهدد الملاحة الدولية وتنتهك القانون الدولي
  • واشنطن تتعهد بحماية الملاحة ومواجهة القرصنة الحوثية
  • “السفارة البريطانية لدى اليمن تستنكر الهجمات الحوثية على سفينتين في البحر الأحمر”