هند عصام تكتب: وصايا الحكيم بتاح حتب
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
تكلم فقط إذا كان لديك شيئا معقولا تقوله ..
وأنا لدي الكثير والكثير عن صاحب هذه المقولة الذي قال ايضا الكلمة الحسنة مدفونة أعمق من الحجر الكريم، وهي موجودة بجانب الخدم العاملين في الطاحونة .يا ليتنا نمتلك حكماء في عصرنا هذا مثل حكماء عصر الفراعنة وبالتحديد الحكيم بتاح حتب وغيره من الشخصيات الذي يجب ان يحتذي بهم ويصلح أن تدرس كمنهجاً دراسياً حيث يجب علينا أن نتوخي الحذر في اختيار الشخصيات التاريخية المقدمة في المناهج الدراسية فيلس هناك أفضل من تقديم شخصية حكيم فرعوني مثل الحكيم بتاح حتب لأحفاد الفراعنة هيا بنا نتعرف علي الحكيم بتاح حتب ووصاياه…
هو حكيم مصري قديم عاش في أواخر القرن الخامس والعشرين وأوائل القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، عمل وزيرًا في عهد جد كا رع مؤسس الأسرة الخامسة وله كتاب شهير عن الأخلاق والسلوك الحسن وقد وضعت تعاليمه في بردية تعود لعصر الدولة الوسطي، ووضعت حكمته في البردية على أنها (كلمات الإله) وعددها ٣٧ حكمة شملت آداب التواضع والمحادثة والعدالة والحقيقة والوداعة والكرم والأمانة واحترام الواجب والسعادة وحق الأبناء والتقاليد والفوز بالزوجة الصالحة والنميمة وغيرها.
ومن أشهر نصائح الحكيم بتاح حتب لابنه، يقول "أسعد فؤادها طيلة حياتك، إن المرأة حقل نافع لوَلي أمرها، ولا تتهمها بسوء ظن، ولا تغضب زوجتك في دارها، إذا أردت إصلاحها".
وهو من قال :"إذا أردت الحكمة فأحب شريكة حياتك، اعتن بها ترع بيتك، قرّبها من قلبك فقد جعلها الإله توأماً لحياتك، زودها بكسوتها، ووسائل زينتها، وزهورها المفضلة، وعطرها المفضل، كل ذلك سينعكس على بيتك، ويعطر حياتك، ويضيئها ".
وكانت تلك الكلمات الرقيقة المهذبة والمهمة هي بعض من وصايا الحكيم المصري العظيم "بتاح حتب" الذي عاش في مصر منذ أكثر من 4500 عام لابنه من أجل علاقة زوجية ناجحة.
ويتابع الحكيم "بتاح" في وصاياه لابنه "اعمل على سعادتها، ففي سعادتها سعادتك، وسعادة قلبك، حافظ عليها ما دمت حياً، لن تحافظ عليها بالقسوة والطغيان بل ستأسرها بالحنان، فالمعاملة الحسنة تفعل أكثر من القوة، حسّ بآلامها قبل أن تتألم، وبجوعها قبل أن تجوع، إنها تعيش في أنفاسك، وفي نظرك، وفي جسدك، إنها أم أولادك، إذا أسعدتها أسعدتهم، وفي رعايتها رعايتهم".
ويوصل بتاح حتب في التعاليم والوصايا و تمثل تلك التعاليم مجموعة من النصائح حول العلاقات الإنسانية، والموجهة من "بتاح حتب" لابنه، وهذا النص موجود على 3 برديات، منها بردية "بريسي" التي تعود لعصر الدولة المصرية الوسطى، والمحفوظة في مكتبة فرنسا الوطنية في باريس، بالإضافة لنصين آخرين في المتحف البريطاني.
سبب كتابة الحكيم "بتاح" هذه التعاليم أو الوصايا كما يقول في مقدمة البردية، هو وصولة لسن الشيخوخة، ورغبته في نقل حكمة أسلافه، التي وصفها بأنها "كلمات الآلهة"، فطلب من الملك أن يسمح له بأن يعلم ابنه الحكمة، فسمح له الملك بذلك، وقال له "علمه آداب الحديث، كى يكون مثالا لأبناء العظماء، وتكون الطاعة رائدة، فليس هناك من يتعلم من تلقاء نفسه". وينصح بتاح حتب ولده قائلا "إذا اتخذت امرأة "زوجة" مهذبة يفيض قلبها بالمرح، ويعرفها أهل بلدتها، فترفق بها، ولا تطردها بل أعطها ما تأكل منه حتى يكتنز جسمها من الطعام، حب زوجتك بحرارة".
بعض من هذه الوصايا والتعاليم نقلها كريستين جاك في كتابه "الحكمة المعيشية في مصر القديمة" ومما حواه الكتاب من الوصايا: "لا تلوم أولئك الذين ليس لديهم أطفال، ولا تنتقدهم، ولا تتفاخر بأنه لديك أطفال".
وعن كيفية تربية الأطفال ونشأتهم يقول "بتاح" لابنه "إذا كنت رجلاً عاقلاً فليكن لك ولد تقوم على تربيته وتنشئته، فذلك شيء يسر الآلهة. فإذا اقتدى بك ونسج على منوالك ونظم من شئونك ورعاها، فاعمل له كل ما هو طيب لأنه ولدك وقطعة من نفسك وروحك، ولا تجعل قلبك يجافيه، فإذا ركب رأسه ولم يأبه لقواعد السلوك فطغى وبغى، وتكلم بالإفك والبهتان، فقوِّمه بالضَّرب حتى يعتدل شأنه ويستقيم قوله، وباعد بينه وبين رفاق السوء حتى لا يفسد".
وقال لا تزهد بمعارفك، ولا تحسبن نفسك عالماً، ولكن اجعل الأمر شورى مع الجميع، خذ نصيحة الجاهل، كما تأخذ نصيحة العالم، لأن حدود العالم لا نهائية، وليس هناك من يبلغ الكمال في أحاديثه، والقول الحكيم أشد ندرة من الحجر الأخضر، ومع ذلك فقد تجده الإماء اللائي يجلسن إلى الرحى».
وعن الأخلاق وسلوك النفس يقول بتاح حتب إذا أردت أن يكون سلوكك حسنا وأن تحرر نفسك من كل الشرور ، فاحذر أن تشتهي ما يملكه غيرك ، إنه مرض لا شفاء منه .. يجعل الود مستحيلاً .. ويحيل الصديق عدوا.. ويبعد محل الثقة عن سيده .. وتفسد ما بين المرء وأخيه ..؟ويفرق بين الرجل وزوجته .
إنها حزمة تضم كل الشرور ان الذي يشتهي ما يملك غيره لا يكون له قبر.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
سالي عاطف تكتب: حكاية القرن الإفريقي بين الجفاف والهجرة والنزاعات
في القرن الإفريقي، لم يعد تغيّر المناخ مجرد مصطلح بيئي يُتداول في المؤتمرات بل يتحوّل الطقس إلى قدر، ويصبح المطر حدثًا سياسيًا، والجفاف لحظة تُغيّر شكل العائلات والحدود والاقتصادات. المنطقة من الصومال لإثيوبيا وكينيا وجيبوتي تعيش واحدة من أكثر قصص المناخ قسوة في العالم. وفق تقديرات وتحليلات إقليمية ودولية، الملايين في هذه الدول يواجهون أمنًا غذائياً متدهورًا ونزوحاً متكرراً مرتبطاً بالمناخ والصراع.
ففي الصومال اصبح الماء سبب النجاة وسبب الهجرة حيث تتتابع سنوات الجفاف كأنها فصول في رواية حزينة لا تنتهي. الأراضي الزراعية تضعف، الماشية تموت، والقرى تتآكل. ومع كل موسم جفاف، ينزح آلاف السكان من القرى إلى المدن بحثًا عن ماء أو فرصة عمل أو حتى مخيم يضمن الحد الأدنى من الحياة. في 2024 سجّل الشركاء الإنسانيون نحو حوالي 555,000 حالة نزوح داخلي خلال العام (نصفها تقريبًا نتيجة للصراع والفيضانات أيضاً)، بينما خلال منتصف 2025 أفادت تقارير أن حوالي 4.6 مليون شخص في حالات انعدام أمني غذائي في فترات ذروة الجوع. الضغوط هذه دفعت موجات نزوح كبيرة إلى مدن مثل مقديشو وبيدوا، ما خلق ضغطًا على الخدمات وأدى إلى صدامات حول الأرض والموارد.
أما إثيوبيا فالمناخ يؤجّج صراعات كانت تحت الرماد حيث تعد إثيوبيا نموذجًا صارخًا للتشابك بين المناخ والنزاع. في الأقاليم الشرقية مثل الصومال الإثيوبي وعفر، ساهم الجفاف الشديد في تغيير مسارات الرعاة، ما أدى إلى احتكاكات مباشرة بينهم وبين مجتمعات زراعية تستنزف نفس الموارد القليلة المتبقية. الأرقام تُظهر أن إثيوبيا تضم أكثر من 2.27 مليون نازح داخلي حتى 2024–2025، وتستضيف نحو 1.1 مليون لاجئ؛ وفي منطقة عفر وحدها كانت هناك تقارير عن أكثر من 220,000 عائد/نازح يعانون من ضغط على الخدمات. تحت ضغط الندرة، تظهر النزاعات التقليدية بشكل أكثر حدّة: صراعات على الآبار، توتر حول أراضٍ رعوية، وهجرات جماعية تُعيد رسم الحدود القبلية.
لم يختلف الوضع كتيرا في كينيا حيث يهدد الجفاف الأمن الغذائي ويُطلق موجات نزوح جديدة في شمال كينيا، حيث تعتمد القبائل على تربية الماشية، أدّى الجفاف المتكرر إلى خسائر ضخمة في الثروة الحيوانية. أحدث تقييمات غذائية أظهرت أن حوالي 2.2 مليون شخص يواجهون حالة طوارئ غذائية (فبراير–مارس 2025)، وأنَّ خسائر المحاصيل والمراعي شهدت أرقامًا كبيرة حيث أظهرت تقارير فقدان حوالي 61,000 فدانًا من المزروعات ومئات آلاف رؤوس الماشية المتأثرة (مع تسجيل تقارير عن أكثر من 11,300 حالة وفاة للماشية في فيضانات/أحداث متقلبة أيضاً). ومع اختفاء مصادر الغذاء والدخل، اضطرّت العديد من العائلات إلى النزوح نحو مناطق أكثر خصوبة، ما خلق احتكاكات مع المجتمعات المضيفة في مناطق مثل توركانا ومارسابيت.
جيبوتي… بلد صغير في مواجهة موجات الهجرة الأكبر منه
وجيبوتي، رغم صغر مساحتها، أصبحت نقطة عبور واستقبال مهمة للمهاجرين واللاجئين من إثيوبيا والصومال واليمن. حسب بيانات مفصّلة، تستضيف جيبوتي ما بين 32,000 إلى 33,000 لاجئ وطالب لجوء (تمثّل نسبة ملحوظة من سكانها)، حيث يشكل الصوماليون والإثيوبيون اليمنيون المجموعات الأكبر. الجفاف في دول الجوار دفع مزيدًا من الشباب للبحث عن طريق جديد عبر البحر الأحمر، ومع محدودية الموارد في جيبوتي يتزايد الضغط على المياه والخدمات الصحية، مما يجعل البلاد في سباق دائم بين الاستقبال والسيطرة على الأوضاع.
فما يميز القرن الإفريقي اليوم ليس فقط حجم الأزمات، بل تزامنها: تغيّر مناخي يزيد ندرة الموارد، هجرات بشرية كثيفة داخليًا وخارجيًا، توترات قبلية وسياسية قديمة تتجدد، وحكومات تواجه تحديات اقتصادية وأمنية ضخمة. تقارير إقليمية ودولية تُشير إلى أن المزيج بين الكوارث الطبيعية والنزاعات أدى إلى ملايين الحالات من النزوح الداخلي والإقليمي خلال السنوات الأخيرة، ما يجعل الحاجة للاستجابة المتكاملة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
و السوال هنا في المستقبل… هل سيبقى الناس قادرين على البقاء؟
القرن الإفريقي اليوم يقف على حافة تحوّل تاريخي: الدول مضطرة للتعامل مع أزمات الطقس كما تتعامل مع الحروب — بخطط أمنية، وقوانين جديدة، وتحالفات دولية هدفها إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن الحقيقة الأعمق أن الإنسان هناك لا يحتاج سوى شيء كان طبيعيًا يومًا ما: مطر يعود… وأرض تُنبت وحياة لا تُحكم بهاجرة اضطرارية.