أثير – الروائي العربي واسيني الأعرج

“رسالة الغفران” ليست “صك” غفران للجنة والراحة الأبدية ولكنها مساحة أسئلة حية ودائمة تتوالد باستمرار بحسب الظرفيات الثقافية والمجتمعية والسياسية. الجنة عند أبي العلاء المعري استحقاق ثقافي وفني ومعرفي. أنت لا تدخل إلى فردوس المعري فقط لأنك كنت خيرا ونبيلا ونقيا روحيا، ولكن لأنك أبدعت وقلت ما لم يقله غيرك.

التمايز والإبداع طريق الجنة. لهذا لا نستغرب أن نجد عينات كانت تأتي الكثير من المحرمات في العصر الجاهلي وما تلاه، تتنعم في الجنة فقط لأنها تفوقت على غيرها أدبيا فاستحقت المراتب العليا التي أهلتها للفردوس حتى ولو تعاطت خمرا مثلا في حياتها. منطق المعري هو منطق فني وأدبي بالدرجة الأولى وليس ديني بالمعنى الضيق. لهذا كتبت الديمومة لهذا النص العظيم. لا نستغرب أبدا أن يصبح هذا النص جزءا من الوجدان الثقاقي العربي والإنساني العام. بهذا المنطق المعرفي يشكل نص «رسالة الغفران» لصاحبه أبي العلاء المعري (974-1057) لحظة مميزة في السرد العربي، وعميقة. ليس فقط بسبب محمولها الفلسفي الكبير، لكن أيضاً بما لنظامها البنيوي الداخلي من اجتهادات كثيرة، رفعت النص عالياً. فقد أصبحت «رسالة الغفران» علامة واضحة لارتقاء السرد العربي بين القرنين العاشر والحادي عشر، نحو الكمال الجمالي والحكائي. تطورت فيه كل البنى الداخلية التي شكلته، منها عنصرا الزمان والمكان (الفضاء) اللذان سنخصص لهما جزءاً مهماً من مساحة هذا المبحث، إضافة إلى الفعل التناصي الذي لا يمكن إغفاله ما دام يشكل جوهراً بنيوياً للنص. فالنص يتقاطع مع نصوص أخرى كبيرة الأهمية، تحمل نوعاً من القداسة: القرآن الكريم، ونص المعراج بمروياته العربية والشعبية، لكن أيضاً أخبار الشعراء وحيواتهم. فقد استعمل أبو العلاء المعري في «رسالة الغفران» كل هذه الوسائط البنائية المتاحة في زمانه، لتأثيث الزمن وتنويعه بين عناصره المختلفة من الزمن الخطي، إلى الزمن اللولبي، إلى الاستباقات بكل جزئياتها، لينتج زمناً تركيبياً فرضته إيقاعات النص. كما أعطى للأمكنة (الفضاء) أهمية كبيرة، على الرغم من افتراضيتها (الحشر، الجنة والنار بكل الأمكنة الصغيرة المتفرعة، المجالس، القصور، الوديان التي تسيل منها الخمرة والعسل…) إلا أنه جعل من الفضاء في تنوعه حقيقة مرئية عندما أثثه ببشر (شعراء) عرفهم أدبياً أو قرأ لهم، لدرجة أننا نسمع ضجيجهم سواء في الجنة أو الحشر أو النار، وهم يتحدثون عن أنفسهم. مساحة فنية حقيقية، إضافة إلى مكان ثالث لا يقل أهمية، وهو المعبر أو الصراط، حيث وجد السارد ابن القارح صعوبة في السير عليه، بالخصوص بعد مغادرته الحشر.

مع هذا النص، يحتاج المرء إلى قدر واسع من التخييل ليتوصل إلى صناعة عالم شبيه بأمكنته وأزمنته المتراوحة بين ماض محكوم بسلسلة لا تنتهي من الممارسات الحياتية والفنية للشعراء أنفسهم، وحاضر يعشه الفنان بين الأمكنة الثلاثة. فقد استطاع أن يجعل من معراجه وسيلته للكشف عن عوالم أدبية جديرة بالنقاش. كما فعل الشيخ الأكبر ابن عربي في معراجه، الذي صعد، حلمياً، من خلاله نحو الملكوت الأعلى وقد أشركنا في كل مشاهداته[2]. لهذا، فنحن نرى أن عبقرية أبي العلاء المعري، كيفما كان حكمنا على أفكاره، كبيرة ليس فقط في جرأة خيارات الثيمات الإبداعية، لكن أيضاً في النظام السردي الذي اقترحه علينا في هذه الرسالة التي ارتقى فيها التخييل إلى الدرج الأعلى. وكل ما قام به فنيا يجد سبله التطبيقية اليوم بلا صعوبات كبيرة. النظريات الأدبية النصية وحتى الفنية التاريخية، المرفقة بانفتاح على الموضوعاتية، تجعل من القراءة فعلاً راهناً وغنياً. الإبداعية الخلاقة لا ترتبط لا بمكان ولا بزمان. فهي تتخطاهما، حتى ولو ظل ذلك رهيناً بهما.

يبدو واضحاً، بعد تخطي العتبات التي تضع الأشياء في سياقاتها، أن أبا العلاء المعري استند بشكل دقيق، في جمالية القص والارتحال إلى العالم الآخر، إلى الرحلة الرسولية نحو سدرة المنتهى، كما ذكرنا سابقاً. فقد اختاره المعري كبنية فنية فقط تسمح له بالصعود دون أن يبدو كلامه غير طبيعي أو خرافياً، وللشخصيات التي حاورها من خلال ابن القارح، بالانتقال من الأرض إلى العالم الآخر، وإعادة بعثها. مما يوفر لأبطال الحماية منطقاً، ولو داخل المعطى الديني، القصصي، التخييلي، منطق الانتقال من الحياة العادية أو من المقابر نحو عالم تخييلي علوي بكل خصائص الأرض وما ارتكبوه من آثام جعلتهم يخلدون في النار أو العكس. من هنا جاء تخييل المعري قوياً ومحيراً وعلى حافة الاتهام بالزندقة والكفر، لكنه وضع كل الحكاية في السياق الديني، جعل درجة التهمة تقل كثيراً، فقد كان جريئاً وسجالياً؛ أي أن أفكاره تمر عبر حلقات الشعراء الإشكاليين الذين انتخبهم ليحاورهم ابن القارح، مع كل التبعات التي يمكن افتراضها في هذا السياق. وهذا ما يرفع هذا النص إلى الأعلى، فهو يتخفى إلى حد كبير في أعماق دانتي اليغري «الكوميديا الإلهية» الذي أسس للأدبية الغربية، الأوروبية تحديداً. وكانت هذه الخيارات الفنية والتأثيرات العالمية موضوعات لدراسات كثيرة وشديدة الأهمية، ليس هذا مكانها.

أنجز أبو العلاء المعري هذه الرسالة التخييلية والواقعية في الآن نفسه، ليرد على ابن القارح. وقد اختار في سرديته أن يجعل من ابن القارح بطلاً نصياً للحكاية، بدأها بمقدمة قدم فيها رسالة ابن القارح وطيبة صاحبها، ونفوذ كلماتها إلى قلبه، قبل أن يطلق العنان لمخيلته، داخل مدارات رحلة تخييلية التقى فيها ابن القارح مع كوكبة من رجالات الثقافة والعلم واللغة والشعراء العرب، لدرجة أن أصبح ما يرويه كأنه حقيقة. لم يتوان أن ينقل لنا نقاشاته نحو العالم الآخر، كما ساجل الأدباء والشعراء واللغويين في موضوعات شديدة الحساسية وكأنه يختبر معارفهم وآفاقهم وإنسانيتهم. ثم استرسل بخياله الجامح إلى بلوغ ابن القارح للسماء العليا بفضل كلماته الطيبة التي رفعته إلى الجنة، فاقترب منه ووصف حاله، واصفاً الجنة التي دخلها بعد حشر ثقيل وانتظار زمن طويل، الزمن الإنساني وليس الزمن الأخروي. فانتظار شهرين في المحشر هو ثانية بالنسبة لزمن الصيرورة والإطلاق. لم يغفل أبو العلاء المعري الاستناد إلى بعض الأبيات الشعرية على عادة الكتاب القدامى لتدعيم رؤيته الفكرية والإبداعية، إذ لم تكن الخيارات والشخصيات الحكائية عملاً عبثياً. مرجعه الفني والبنائي في ذلك ما تمنحه الخلفيات الثقافية والأخبار، وتواريخ الشعراء من سبل تعبيرية مثقلة بالمعارف. وربما قصد أيضاً أبو العلاء المعري أن يحول النص إلى حلبة للمباراة اللغوية التي أفلح فيها، ولو أنها كانت تحول النص من حين لآخر على نص مغلق.

من هنا، فاختيار الشكل الغرائبي لم يكن فعلاً عبثياً ولا شيئاً طارئاً، فهو جزء من فلسفة المعري في الحياة. لقد عاش غاضباً على البشر وأطماعهم وجشعهم، ويائساً حتى من إصلاحهم، لهذا هرب في النهاية نحو الشعر. وحده الشعر أعطاه التوازن الذي ظل يبحث عنه بعد خيباته المتكررة. أدخل وأخرج من الجنة من شاء من الشعراء بسبب بيت شعري أو بسبب موقف صغير، ولم ينتظر الشيء الكثير من الحياة. جولته في دهاليز الآخرة ليظهر شيئاً مهماً هو غفران الله حينما يشاء ولا يطلب الإذن من أحد، فهو الأسمى والأقوى، ولهذا تظل أحكم البشر الشكلية أحكاماً جاهرة.

لهذا، فرسالة الغفران تظل ثمرة لإستراتيجية فنية اختارها أبو العلاء المعري المشبع بثقافة عصره، ليثبت جدارة حكيه، وسلطان الحق الذي لا يرى. أما الشكل الغرائبي الذي استعاره من المعراج والقرآن الكريم، فهو قيمة فنية مضافة للبنيات الأدبية في زمن كتابة هذا النص الذي وُلِدَ كبيراً، على الرغم من الزمن الظالم الذي مرَّ عبره. هو نص الاستمرارية والخلود لأنه مس قضية جوهرية: الإنسان في علاقته بالفن أي بالخلود والأندية. وإلا لكان قد اندثر قبل أن يتحول إلى مرجع إنساني كبير في محتواه وفي رؤيته الفنية الخالدة.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: هذا النص

إقرأ أيضاً:

البحرين وإيران.. “فرصة حقيقية” لاستئناف الدبلوماسية وتجاوز عقود التقلبات

بعد الاتفاق السعودي بوساطة الصين، وبعده عودة التمثيل الدبلوماسي الكامل مع الإمارات، العام الماضي، ظلت البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي ليس لها علاقات رسمية مع إيران.

وقبل ذلك بعام، أعادت الكويت سفيرها إلى طهران بعد سحبه عام 2016 في أعقاب قرار السعودية قطع علاقاتها مع إيران خلال تلك الفترة.

والجمعة، قال محمد جمشيدي، الذي يشغل منصب نائب رئيس الشؤون السياسية لمدير مكتب الرئيس الإيراني في عهد الراحل، إبراهيم رئيسي، إن “البحرين طلبت عبر روسيا تطبيع العلاقة مع إيران”.

وأضاف في تصريحات للتلفزيون الرسمي، أوردتها وكالة الأنباء الرسمية (إرنا)، أن “رئيسي قرر بصفته رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، إقامة العلاقات مع البحرين ورفع تقاريره بهذا الصدد إلى قائد الثورة”.

وتعد البحرين، الأرخبيل الصغير في الخليج، حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة وتستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية.

والشهر الماضي، نقلت وكالة أنباء البحرين الرسمية (بنا) عن العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قوله خلال اجتماع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الكرملين إنه لا يوجد سبب لتأجيل عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران.

وأضاف الملك حمد أن المنامة تتطلع إلى تحسين علاقاتها مع طهران، التي لطالما اتهمتها البحرين بتأليب الأغلبية الشيعية من سكانها على النظام الملكي السني.

ويرى زميل أبحاث سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، حسن الحسن، أن البحرين ترغب “بمواكبة دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تملك علاقات أو أعادت علاقاتها مع إيران”.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، قال الحسن إن السبب الآخر الذي تسعى من خلاله المنامة لإعادة علاقاتها مع طهران، يتمثل في إنشاء “قناة تواصل مباشرة” يمكن من خلالها “حل أي خلافات والحد من احتمال حدوث تصعيد غير مقصود”.

وأضاف أن “القناة قد يكون لها فائدة في إدارة العلاقات وتجنب التصعيد في سياق احتدام التوتر الإقليمي المتزايد، والمواجهة بين إيران إسرائيل والتقدم في البرنامج النووي الإيراني”.

وبعد نجاح الوساطة الصينية في كسر الجمود بين إيران والسعودية، تعد روسيا بعلاقاتها القوية مرشحة لتلعب الدور الصيني لإعادة العلاقات مع البحرين، حسبما قال المحلل السياسي الإيراني، سعيد شاوردي، في حديثه لموقع “الحرة”.

ويرى شاوردي أن “البحرين لم تكن بحاجة إلى قطع العلاقات مع إيران عام 2016″، لافتا لعدم وجود مبرر لتلك الخطوة سوى التضامن مع السعودية.

في المقابل، يعتقد المستشار السياسي البحريني، أحمد الخزاعي، أن ملك البحرين “ما زال يسعى للصلح في مبادرة ذات نظرة استراتيجية من الممكن أن تجنب المنطقة والعالم حربا جديدة لا يحمد عقباها”.

وقال إن هذه المبادرة تأتي رغم “محاولات إيران لقلب نظام الحكم بجانب تصريحات المسؤولين الإيرانيين المستمرة التي تهدد بضرب البحرين أو حتى استرجاعها”.
تاريخ من العلاقات المتقلبة

لطالما كانت إيران تصر على أن البحرين جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأنها المحافظة الـ 14 لديها، حتى قبل الثورة الإسلامية التي جلبت رجال الدين الشيعة للحكم عام 1979.

وجرت مفاوضات قادها رئيس الوزراء البحريني السابق، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، مع شاه إيران محمد رضا بهلوي في نهاية الستينيات أفضت إلى تنظيم استفتاء يحدد مستقبل الجزيرة الخليجية، وفقا لوكالة فرانس برس.

ونتج عن الاستفتاء الذي جرى عام 1970 بإشراف الأمم المتحدة، تصويت ساحق بأكثر من 96 بالمئة لصالح استقلال البحرين في ظل حكم سلالة آل خليفة السنية، بحسب فرانس برس. ونالت البحرين استقلالها عن بريطانيا عام 1971.

وعقب وصول مؤسس الثورة الإسلامية، روح الله الخميني، إلى السلطة في طهران، أعلنت البحرين في نهاية عام 1981 إحباط محاولة انقلاب مدعومة من إيران.

وبعد سنوات من الهدوء في المنامة، وعودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران إلى مستوى السفراء عام 1991، عادت للبحرين اضطرابات قادها شيعة عام 1994 طالبوا بإعادة البرلمان المنتخب الذي حل عام 1975، وإلغاء قانون أمن الدولة الذي يعطي السلطات صلاحيات واسعة في الاعتقالات دون محاكمات.

وآنذاك، اتهمت البحرين إيران بشكل علني بدعم المظاهرات التي دعت إليها تيارات شيعية، وتدريب مسلحين لقلب نظام الحكم، مما أدى لتوتر شديد في العلاقات الدبلوماسية.

وفي عام 1996، قالت البحرين إنها أحبطت مؤامرة أخرى للإطاحة بالحكومة وتنصيب زعماء إسلاميين، وأنها استدعت سفيرها لدى طهران، وخفضت تمثيلها الدبلوماسي بالعاصمة الإيرانية إلى قائم بالأعمال.

لكن العلاقات تحسنت بعد تولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم عام 1999 وإجرائه إصلاحات سياسية واسعة حولت البحرين من إمارة إلى مملكة، بما في ذلك إعادة البرلمان المنتخب وإلغاء قانون أمن الدولة.

قبل ذلك، وصل إلى سدة الحكم في طهران رجل الدين الإصلاحي، محمد خاتمي، الذي كانت سياساته ترتكز على الانفتاح على دول الخليج.

وشهدت تلك الحقبة تبادلا للزيارات بين قادة البلدين بعدما زار ملك البحرين طهران للمرة الأولى منذ ثورة 1979، فيما زار الرئيس الإيراني الأسبق، خاتمي، البحرين عام 2003 بعد سنة من رحلة الملك حمد التي التقى خلالها المرشد الأعلى، علي خامنئي، صاحب القول الفصل في إيران.

ورغم الاختلافات بين البلدين، فإن العلاقات الدبلوماسية ظلت مستمرة على مستوى السفراء حتى عام 2011 عندما تصدت البحرين بالقوة لاحتجاجات اندلعت على هامش الربيع العربي طالب خلالها متظاهرون، كثير منهم ينتمي إلى الأغلبية الشيعية، بالتغيير السياسي الذي وصل أحيانا إلى إسقاط النظام الملكي، بحسب رويترز.

وألقت البحرين باللوم على إيران في تأجيج الاضطرابات، وهو اتهام نفته طهران، طبقا للوكالة ذاتها.

وفي 15 مارس 2011، استدعت البحرين سفيرها لدى طهران احتجاجا على الانتقادات الإيرانية بعد نشر قوات درع الجزيرة في المملكة. واتخذت إيران في اليوم التالي تدبيرا مماثلا من خلال استدعاء سفيرها لدى المنامة.

وبعد عام ونصف، استأنف السفير البحريني لدى إيران مهامه، لكن الخارجية الإيرانية أعلنت أن طهران لن تعيد سفيرها إلى البحرين في ظل ما وصفته بـ “استمرار قمع الاحتجاجات السلمية” للشعب البحريني.

واستمر التوتر بين البلدين في السنوات اللاحقة. ففي عام 2015، أعلنت البحرين أنها صادرت أسلحة قادمة من إيران “عن طريق البحر”.

وآنذاك، قالت وزارة الداخلية البحرينية في بيان: “تم إحباط عملية تهريب عن طريق البحر لكمية من المواد المتفجرة شديدة الخطورة، بجانب عدد من الأسلحة الأوتوماتيكية والذخائر”.

وإثر ذلك، أعلنت البحرين أنها قررت استدعاء سفيرها المعتمد في طهران للتشاور، احتجاجا على تصريحات “عدائية” صدرت عن عدد من المسؤولين الإيرانيين بحقها.

وبقيت العلاقات مقطوعة منذ يناير عام 2016 عندما أعلنت المنامة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران والطلب من دبلوماسييها مغادرة البحرين خلال 48 ساعة وذلك بعد أقل من 24 ساعة على اتخاذ السعودية إجراء مماثلا.

وجاء قرار المنامة “بعد الاعتداءات الآثمة الجبانة” على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، معتبرة أنها “انتهاك صارخ لكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتجسد نمطا شديد الخطورة للسياسات الطائفية التي لا يمكن الصمت عليها أو القبول بها”، بحسب السلطات البحرينية.
“فرصة حقيقية”

وكان متظاهرون إيرانيون اقتحموا السفارة السعودية لدى إيران وقنصلية المملكة الخليجية بمدينة مشهد المقدسة لدى المسلمين الشيعة احتجاجا على إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي، نمر النمر، الذي كان معارضا للنظام الملكي السعودي.

وبعد عودة العلاقات الإيرانية السعودية، رحبت البحرين بذلك وأعربت عن أملها في أن “يشكل خطوة إيجابية على طريق حل الخلافات وإنهاء النزاعات الإقليمية كافة بالحوار والطرق الدبلوماسية، وإقامة العلاقات الدولية على أسس من التفاهم والاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى”.

وقال شاوردي إن البحرين “لم تكن بحاجة للوصول لهذه القطيعة” مع إيران، مشيرا إلى أن المنامة اتبعت الرياض في سياسة القطيعة.

وأضاف في تصريحات لموقع “الحرة” أنه من “المعروف أن السعودية عندما تقرر سياسة معينة تجاه إيران؛ فهناك دول من ضمنها الكويت والبحرين والإمارات تتبعها في مواقفها السياسية”.

وتابع: “لم يبقَ ذريعة للدول الأخرى التي قطعت علاقاتها (مع إيران) لتبقى على هذه القطيعة، بما أن السعودية الدولة الأهم أعادت العلاقات”.

ومضى شاوردي قائلا إن السياسة الإيرانية شهدت تغييرا خلال عهد الرئيس الراحل رئيسي “ركزت على بناء وتطوير العلاقات الخارجية مع دول الجوار”.

وأشار المحلل السياسي الإيراني إلى أن “هناك فرصة حقيقية” لإعادة العلاقات، لا سيما بعد “المواقف الطيبة” من قبل الدول الخليجية التي عبرت عن حزنها ومواساتها عقب مقتل رئيسي في حادثة تحطم مروحيته مؤخرا.

وكان وزير الخارجية البحريني، عبداللطيف الزياني، زار طهران مؤخرا لتقديم العزاء في وفاة رئيسي “بتكليف من ملك البحرين”، حسبما ذكرت وكالة أنباء البحرين، التي أشارت إلى أن الزياني أعرب “عن تعاطف مملكة البحرين في هذا المصاب المؤلم”.

ويذهب الحسن في الاتجاه نفسه قائلا إن هناك عوامل تساهم في تعزيز مسألة إعادة العلاقات الثنائية “أولها عودة العلاقات السعودية مع إيران وصمودها رغم الأحداث الإقليمية وازدياد حدة التوتر في المنطقة”.

والعامل الثاني، وفقا للحسن، هو “انخفاض نسبة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية البحرينية بالمقارنة مع ما قبل 10 سنوات، بما في ذلك دعمها لمليشيات تستهدف أمن البحرين”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن “توجه البحرين نحو الإفراج عن عدد كبير من السجناء بتهم أمنية مختلفة أيضا يساهم في تهيئة الجو الداخلي لعودة العلاقات مع إيران”، حسبما قال الحسن.
علاقات “معقدة”

لكن الباحث السعودي في التيارات الشيعية، حسن المصطفى، يعتقد أن مسألة عودة العلاقات بين المنامة وطهران تظل “معقدة”.

وفي عمود رأي في صحيفة “عرب نيوز” السعودية الناطقة باللغة الإنكليزية، كتب المصطفى أن “مجرد استعادة العلاقات (البحرينية الإيرانية) دون معالجة الأسباب الجذرية سيؤدي إلى ظهور القضايا مرة أخرى في المستقبل”.

ويشير المصطفى إلى أن إيران تعد موطنا للعديد من شخصيات المعارضة البحرينية، تم إسقاط جنسيات بعضهم، مثل رجل الدين الشيعي البارز عيسى قاسم، الذي تم “الاعتراف به كأحد الشخصيات الرئيسية في ما يسمى بمحور المقاومة مؤخرا”.

وتابع: “تستضيف إيران أيضا قيادات من جمعية الوفاق الإسلامية المنحلة، إلى جانب شخصيات تطالب بالتغيير العنيف في البحرين، مثل رجل الدين المتطرف مرتضى السندي، أحد رموز حزب الوفاء الإسلامي، الذي يروج علنا لاستخدام السلاح في خطاباته”.

ومنذ عام 2017، تصنف واشنطن السندي على أنه من “الأفراد الإرهابين” العالميين بشكل خاص لارتباطه بتنظيم “سرايا الأشتر”، وهي منظمة نصنفها واشنطن “إرهابية” مدعومة من إيران تعمل على قلب الحكومة في البحرين.

وفي العمود المنشور، الأسبوع الماضي، نقل المصطفى عن “مصدر يراقب العلاقات البحرينية الإيرانية” قوله إن “إيران عنيدة في هذا الشأن”، مضيفا: “حاولت عُمان تسهيل حدوث انفراج في العلاقات بين المنامة وطهران، لكن طهران لم تغير مواقفها”.

وأضاف المصدر، بحسب ما كتب المصطفى، أن “إيران تريد من البحرين إطلاق سراح السجناء الشيعة والسماح للمعارضة بالعودة والعمل داخل البلاد، مقابل إعادة العلاقات بين البلدين”.

ومضى في قوله: “بحسب المصدر، فإن إيران ترى أن (الحكومة البحرينية لن تقبل بهذا الموقف لأنها تعتبره تدخلا في شأن داخلي. ولا يمكن للبحرين أن تمنح إيران امتيازات غير مستحقة؛ لأن ذلك يشكل انتهاكا لسيادة البلاد)”.

لكن محللين استبعدوا أن تقدم طهران على مثل هذه الخطوة على اعتبار أنها تمثل “تدخلا في الشؤون الداخلية” للبحرين.

وقال الخزاعي إن “الحديث عن الأمور الداخلية لبلد ما في اجتماعات من هذا النوع مستبعد، ويعطي البلد المقابل ذات الحق في السؤال والاستيضاح عن حالات حقوق الإنسان”.

واستطرد قائلا إنه “أمر غير وارد ولا يعدو كونه تسريبات إعلامية لتحريك مشاعر الشارع، خصوصا أن ملك البحرين أصدر عفوا خاصا بإطلاق سراح عدد كبير مؤخرا من المحكومين بقضايا إرهابية، في رسالة واضحة بأن الشأن الداخلي البحريني، سيحل داخليا ولا يحتاج لأي كان التوسط فيه”.
“إيران بحاجة إلى أصدقاء”

وكان ملك البحرين أصدر عفوا عن مئات السجناء خلال شهر أبريل الماضي في أكبر عملية عفو جماعي تشهدها المملكة الخليجية، بمن فيهم معارضون أوقفوا على خلفية أحداث عام 2011.

بدوره، استبعد شاوردي أن تطلب إيران من البحرين مثل هذه الطلبات، مشيرا إلى أن بلاده “لم تتدخل في نظام الحكم ولم تطالب بالتغيير السياسي في البحرين”.

لكنه يرى أن تحرك البحرين “للسماح بعودة الشيخ عيسى قاسم المقيم في قم، والإفراج عن عدد أكبر من السجناء، بما في ذلك الشيخ علي سلمان، سيقوي العلاقات الإيرانية البحرينية رسميا وشعبيا”.

وأوضح أن ذلك “يساعد أيضا على مزيد من الهدوء والأمن والاستقرار في البحرين والتخلص من الخلافات التي حصلت بين النظام الحاكم والشارع”.

أما الخزاعي، فيعتقد أنه من المهم بشكل عام عودة العلاقات بين البلدين في ظل عدم استقرار المنطقة ومقتل الرئيس الإيراني وقرب الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وقال إنه في “حال عودة الرئيس ترامب للبيت الأبيض، ستحتاج إيران لأصدقاء أكثر لضمان استقرار أوضاعها الاقتصادية وبالتالي السياسية”.

أحمد جعفر – الحرة

 

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • بلومبرغ: تأثير الحرب على غزة يضع “إسرائيل” أمام معدلات تضخم قياسية
  • غرفة عجمان تشارك في الملتقى العربي الألماني “27”
  • “الوطنية للإسكان” تطلق برنامج “معالم NHC” كمظلة للمشاريع والمرافق
  • إسرائيل وضيوف نيرون.. ننشر النص الكامل لكلمة الصحفي كريس هيدجيز بعد فوزه بجائزة توفيق دياب الكبرى
  • الفيلم السعودي “بسمة”.. حفلة لاستعراض المواهب
  • إطلاق “معجم الفجيرة الفلسفي” بحضور نخبة من المفكرين
  • البحرين وإيران.. “فرصة حقيقية” لاستئناف الدبلوماسية وتجاوز عقود التقلبات
  • أمير تاج السر يكتب: تذوق لا حكم
  • “حب مجنون وجمهور مجنون”.. كارول سماحة في حفل جماهيري خيالي في لندن
  • مدى الفاتح يكتب: “المتعاونون”: عن “الحركيين” السودانيين