بين التضييق والمغريات.. صحفيو كربلاء: لن نكون بصف المسؤول
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
بغداد اليوم- كربلاء
عزا صحافيون كربلائيون، رغبة المسؤولين الحكوميين والسياسيين بالحديث عن إيجابياتهم وعدم تقبل النقد والرأي الآخر، إلى العجز عن التخلص من عقد التمسك المنصب وتراكمات الماضي، وفيما رفضوا الاتهامات التي كثيرا ما يوجهها المسؤول لعدم موافقتهم على مغرياته والتقرب منه على حساب إظهار الحقائق.
وقالت الصحافية المستقلة، منار قاسم، لـ "بغداد اليوم"، إن أغلب المسؤولين الحكوميين والسياسيين في البلاد، لديهم فوبيا مزمنة تجاه الصحافيين، ويرون إن النقد بهدف الإصلاح والتقويم هو استهداف شخصي لهم، وإن العقلية القديمة ما زالت تسطير، ولم يحصل التعايش مع الوضع الجديد في العراق، ونحن نتجه للأسوأ.
وأضافت قاسم، أن المسؤول عادة ما يريد من الصحافي نقل الإيجابيات فقط وبهذا يكون محببا ومرغوبا وقريبا منه دون الدخول لأي ملف شبهات أو فساد أو إخفاق وتقصير، وإن الحديث عن سلبية واحدة تضعك في خانة المبتزين أو المغرضين وأنك تريد الإساءة للمدينة ولديك أجندات أو مدفوع من جهة تستهدفه المسؤول حتى وإن كنت تكلمت عن عشر إيجابيات أخرى، كاشفة إن هناك عروضا ومغريات قدمت لنا وقتما رفضناها أصبحنا هدفا للتقسيط والتشهير وتشويه السمعة والاتهام.
من جانبه قال عضو نقابة الصحفيين العراقيين فرع كربلاء، ضياء مزهر، في حديث لـ "بغداد اليوم"، إن المسؤول الحكومي أو السياسي الموجود حاليا في العراق، لم يستطع من التخلص من عقد التمسك بدكتاتورية المنصب وتراكمات الماضي في تقييد الحريات وتقبل الرأي الآخر، وعجز عن أن يتصالح مع نفسه ويتكيف مع الوضع الجديد ما بعد عام 2003 والتغيرات التي حصلت ومساحة الحرية التي منحها الدستور والقوانين الحديثة.
وأضاف مزهر، أن أغلب من يتصدرون للمسؤولية اليوم يريدون من الصحافيين والرأي العام الحديث عن الإيجابيات فقط دون السلبيات، ولا يتقبلون النقد وبعضهم لا يميز أصلا بين (النقد والانتقاد)، وهو يدعو إلى غياب بناء البلد لكون البناء يبدأ من النقد والتقويم، وعدم تقبل ذلك هو حالة سلبية تحول دون تصحيح مسارات عمل الدولة وتقويمها نحو الأفضل.
وأكد مزهر، إننا نشدد دائما على ضرورة التمسك بحرية الصحافة والعمل وفق معاييرها وما تمليه أخلاقها المهنية، وهذا عادة يجعلنا في صدام مع المسؤولين، وبالتالي لا بد من أن ننتصر لرأي الصحافي وحريته ولا نقف من يسعى لتكميم الأفواه، واصف المسؤول بأنه يريد الذهاب باتجاه تطويق الرأي العام وكسبه لصالحه، لكننا نرفض ذلك، ولا يمكن أن نجامل أو نجانب على حساب مهنة الصحافة وحقوقها وحريتها التي جاءت تحت مظلة الدستور والقانون.
من جهته قال، رئيس اتحاد الإذاعيين والتلفزيونين العراقيين، فرع كربلاء، هادي الموسوي، في حديث ل "بغداد اليوم"، إن كثيرا من المسؤولين اليوم يحبون حالة التلميع والتمجيد ويريدون من الصحافي إظهار الصورة المشرقة الإيجابية عنهم وإخفاء الجانب الآخر، وقد عرضت علينا بعضا من مشاريع ومواقع العمل والمغريات لكننا رفضنا لكونها لا تلتقي مع متبنياتنا بحرية العمل والتاريخ الذي كتبناه لأنفسنا، مشددا نحن متمسكون بحريتنا وأن نعمل وفق ما تمليه أخلاقيات مهنتنا ووفق القانون، وننقل ما نراه وما هو موجود واقع، وهذا تسبب في ألا تكون لدينا علاقات جيدة مع المسؤول وخسرنا بعض العلاقات مع المؤسسات.
وأضاف الموسوي، أن أغلب المؤسسات الإعلامية اليوم تابعة لجهات حزبية وسياسية ودينية وهي غير مستقلة، وكل منها يعمل وفق سياسة وأيدولوجية وأهداف محددة، وتابع لمسؤول يحب أن يظهر بصورة إيجابية فقط وهي تنفذ له ما يريد، محملا بعض العاملين بمجال الصحافة المسؤولية لكونهم ذهبوا باتجاه التقرب من المسؤول وإظهار إيجابياته بهدف الحصول على مكاسب شخصية مادية أو معنوية وتكوين علاقات مع مختلف المؤسسات نتيجة المدح لهم وعدم النظر للجوانب السلبية في عملهم وأخذ المكافآت عن ذلك.
بدوره قال الأستاذ الجامعي المختص بالصحافة، مسلم عباس، في لـ"بغداد اليوم"، إن المسؤول الذي يعيش اليوم باق بذات العقلية التي كانت بأيام السلطة الدكتاتورية، وقتما كان فيها الحاكم يعتقد إنه المطلق ويهب ويمنع كيفما ولمن يشاء، وإن حب المسؤول في الحديث عن الإيجابيات فقط هي حالة موروثة، واصفا المسؤول الحكومي أو السياسي بأنه اليوم ما زال يعيش أجواء السلطة القديمة ويريد أن يمجد به الجميع ومن يعترض عليه يستحق العقاب.
وأشار عباس، إلى أن الدستور العراقي النافذ يعطي مساحة لحرية الرأي والتعبير وهناك قوانين تتعارض معه، عاريا عدم تعديل تلك القوانين إلى قبول أصحاب القرار بها، لكي تبقى الكتل السياسية راضية ومسيطرة وقادرة على تقييد حرية التعبير على مستوى الصحافيين أو المواطنين بشكل عام.
المصدر: بغداد اليوم
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: بغداد الیوم
إقرأ أيضاً:
دروس من كربلاء
جابر حسين العُماني **
jaber.alomani14@gmail.com
تعد كربلاء من أهم المدن التي ذكرها التاريخ الإسلامي؛ إذ إنها ليست مجرد مدينة عادية رسمت على الخارطة العالمية؛ بل هي من أبرز المعالم الخالدة التي ارتبط اسمها بأعظم فاجعة في التاريخ، وذلك عندما قُتل على أرضها سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وريحانته من الدنيا الإمام الحسين ومعه أهل بيته وأصحابه. واقعة تعد من أهم الوقائع التاريخية التي وقعت في التاريخ؛ يوم العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 للهجرة، والتي فيها تجسد الحق وزهق الباطل.
في واقعة الطف تمثل صوت الحق في شخص الإمام الحسين بن علي، بينما تمثل صوت الباطل في أعداء الله ورسوله، فأصبحت كربلاء رمزًا للحق والتضحية والعدل، والإلهام والإصلاح، بل واستطاعت عبر العصور المتعاقبة أن تقدم للأمة دروسًا عظيمة تستحق أن تدرس في مدارس وجامعات الأمة العربية والإسلامية.
فيا ترى ما أهم تلك الدروس المستفادة من واقعة كربلاء، والتي ينبغي الاستفادة منها وعدم تجاهلها؟
الدرس الأول: الانتصار ليس مرهونا بالكثرة العددية
وهو ما تجسد في ملحمة كربلاء الخالدة، ويتبين ذلك جليا للباحثين والمتأملين الذين يقرأون الحقائق بعين الإنصاف، فالحسين وقف في واقعة الطف مع قلة قليلة من المؤمنين الأشاوس من أنصاره الذين قدموا له من أجل الدفاع عن الإسلام كل ما يملكونه من مال وأولاد وعتاد، وهم يقفون أمام جيش ظالم جرار لا يعرف من الدنيا إلا الظلم والتكبر والغطرسة، ومع كل ذلك كانت الغلبة لصوت الحق رغم التضحيات التي قدمها الإمام الحسين مع أهل بيته وأصحابه، وانتصر الدم على السيف. قال الله تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}.
الدرس الثاني: مصير الظالمين الهلاك
اليوم عندما نتأمل الأسماء الظالمة التي شاركت في مقتل الإمام الحسين وأهل بيته، نجد أن الله تعالى عاقبهم في الدنيا قبل الآخرة، بما سفكوا من دماء زكية، وأما الحسين بن علي وأصحابه الكرام الأوفياء فقد بذلوا مهجهم لنصرة الإسلام؛ مما جعل من أسمائهم لامعة ومشرقة تتردد في الأسماع عبر التأريخ.
الدرس الثالث: التضحية من أجل القيم والمبادئ الإنسانية
وهي من أهم الدروس والعِبر التي قدمتها لنا كربلاء؛ فالقيم الإنسانية تستحق من الجميع أن يضحوا من أجلها بالغالي والنفيس، كما ضحى الإمام الحسين بنفسه وأولاده وأصحابه من أجل إعلاء كلمة الحق واحترام مكانة الأمانة والعدل والرحمة والصدق والمساواة وغيرها من الصفات النبيلة التي حث عليها الإسلام، والتي من خلالها يتم الحفاظ على الخير والرفاهية الإنسانية في المجتمع.
الدرس الرابع: الثبات على المبدأ
المتأمل في مواقف الإمام الحسين في واقعة كربلاء، يتضح له جليًا حجم العروض المادية والدنيوية التي قدمها له الأعداء في محاولة منهم لزعزعة مبادئه وقيمه ومواقفه البطولية والإنسانية، ومع كل تلك العروض المغرية والتهديدات المتكررة بإراقة دمه ودماء أهل بيته ومن معه، ولكنه كان ثابتاً ومتمسكاً بمبادئه وقيمه التي آمن بها وسار عليها.
الدرس الخامس: كرامة الإنسان أعز من الحياة وما فيها
تُعد الكرامة الإنسانية قيمة أساسية متأصلة في واقع كل فرد من أبناء المجتمع، فلا يجوز المساس بها أو الانتقاص منها، بل ولا يصح أن يتنازل عنها الإنسان مهما كانت الظروف، وهو ما أثبته ودافع عنه الإمام الحسين في واقعة كربلاء إلى آخر لحظة من حياته، حيث كان يقول: "إِنِّي لاَ أَرَى اَلْمَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً، وَاَلْحَيَاةَ مَعَ اَلظَّالِمِينَ اَلْبَاغِينَ إِلاَّ بَرَمًا"، فما أجمل الإنسان عندما يكون صاحب عزة وكرامة.
الدرس السادس: أن يكون الولاء لله فوق كل ولاء واعتبار
ويتجلى هذا المفهوم واضحا في شخصية الإمام الحسين، الذي جسَّد ولاءه لله الواحد الأحد أثناء صراعه مع الظلم والظالمين، وليس للسلطة أو لتحقيق مكاسب دنيوية، كما يتضح ذلك في قوله عند توجهه إلى كربلاء: "أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلاَ بَطِرًا وَلاَ مُفْسِدًا وَلاَ ظَالِمًا وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ اَلْإِصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ".
وأخيرًا.. علينا أن نفهم كربلاء جيدًا؛ فهي ليست مجرد معركة عادية؛ بل هي ملحمة عظيمة حملت معاني الفداء والصمود والوفاء والإخلاص؛ فأصبحت منهج حياة يدعو الناس للإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين، ومواجهة الظلم والظالمين، والاعتراف بالحق، وأن الحق لا يقاس بالعدد؛ بل بقيمته الحقيقية والمعنوية التي تأتي من خلال الإيمان بالله والتخلق بأخلاق أهل "لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله".
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
رابط مختصر