التهجير بالتهجير… المقاومة تمطر عسقلان بمئات الصواريخ
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
القدس المحتلة-سانا
أمطرت المقاومة الفلسطينية اليوم بمئات الصواريخ مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة عسقلان بالأراضي المحتلة عام 1948، رداً على عدوانه المتواصل لليوم الرابع على قطاع غزة المحاصر.
وقالت كتائب القسام: “التهجير بالتهجير، وجهنا ضربةً صاروخيةً كبيرةً بمئات الصواريخ إلى عسقلان المحتلة رداً على تهجير المدنيين، وإذا لم يوقف الاحتلال تهجير المدنيين فسنواصل دك عسقلان حتى تهجيرها، ثم سننتقل لتهجير مدينة أخرى”.
وكانت كتائب القسام قالت في وقت سابق اليوم: “رداً على جريمة تهجير العدو الإسرائيلي أهلنا وإجبارهم على النزوح من منازلهم في عدة مناطق من قطاع غزة، فإننا نمهل سكان مدينة عسقلان المحتلة لمغادرتها قبل الساعة الخامسة من مساء اليوم، وقد أعذر من أنذر”.
وضمن عملية طوفان الأقصى المتواصلة لليوم الرابع، وجهت المقاومة ضربات صاروخيةً لمطار (بن غوريون) و(تل أبيب) ومستوطنات عدة في عسقلان وبئر السبع بالأراضي المحتلة عام 1948 وعلى أطراف القطاع، كما قصفت موقعي (زيكيم) و(رعيم) العسكريين المحاذيين للقطاع، وتحشيدات لقواته في مستوطنة (ياد مردخاي) جنوب عسقلان، وتحدثت وسائل إعلام العدو الإسرائيلي عن إصابة عدد من المستوطنين جراء الرشقات الصاروخية.
وقصفت سرايا القدس عدداً من المواقع العسكرية في تجمع (أشكول) الاستيطاني المحاذي للقطاع بقذائف الهاون والصواريخ، واعترف العدو الإسرائيلي بمقتل جنديين اثنين وإصابة آخرين.
وأوضحت المقاومة أن مقاومين تمكنوا من اقتحام موقع (زيكيم) العسكري شمال القطاع عبر الدخول من البحر، وأنهم يخوضون اشتباكات عنيفةً مع قوات الاحتلال.
ووفق أحدث إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية ارتفع عدد ضحايا عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع إلى 830 شهيداً و4250 مصاباً.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان… حين تُسرق حياة الكادحين وتُغتال إرادة المقاومة
zuhair.osman@aol.com
مفتتح شعري: صوتٌ من عمق المعاناة
أنا لستُ رَعديداً يُكبِّل خُطْوَه ثِقَلُ الحديد
وهناك أسرابُ الضحايا الكادحون
العائدون مع الظلام من المصانع والحقول
ملأوا الطريق
عيونهم مَجروحةُ الأغوارِ ذابلةُ البَريق
يتهامسون
وسياطُ جَلَّادٍ تسوق خِطاهم ما تصنعون
يُجلجِلُ الصوتُ الرهيبُ كأنه القَدَرُ اللَّعين
تظلُّ تُفغرُ في الدُّجى المشؤوم أفواهُ السجون
فيغمغمون: نحنُ الشعوبُ الكادحون
— محيي الدين فارس
في لحظةٍ تاريخية تتآكل فيها الحدود بين الحياة والموت، تصبح القصيدة أكثر من كلمات؛ تصبح شهادةً على زمنٍ يُسرَق فيه الفقراء من كل شيء: من حقهم في الحياة، في الأمل، في الوطن. قصيدة محيي الدين فارس، الصادرة من أعماق القهر، لا تزال تعكس بجلاءٍ مأساة السودان اليوم، حيث الحربُ لا تكتفي بإسكات البنادق، بل تسعى لإخماد صوت الكادحين أنفسهم.
الحرب: آلة تدمير الذات الجماعية
ما يجري في السودان ليس مجرد صراعٍ على السلطة بين جنرالات، بل جريمة مستمرة تُرتكب بحق الإنسان البسيط، الذي يعمل في الحقول والمصانع، ويعود مساءً ليجد الوطن وقد تبدد في دخان المدافع. هذه الحرب تُعيد إنتاج بنية القهر، حيث تُسحق الفئات التي تشكل قلب السودان الحقيقي: البسطاء، العُمّال، النساء، الأطفال، الحالمون بثورة لم تكتمل.
هنا، لا تُهدم البنى التحتية فقط، بل تُفكك الذاكرة، وتُغتال فكرة الوطن من جذورها. وما الحرب في جوهرها إلا نفيٌ صريح لإرادة الناس في الحياة، وتحويلٌ للثورة التي نادت بـ"حرية، سلام، وعدالة" إلى كابوس يومي يُراد له أن يبدو قدراً لا مفر منه.
الكادحون: ضحايا بلا ضجيج
في كل بيت مهدوم، وفي كل جثة لم تُحص، هناك صدى لصوت الشاعر: "ملأوا الطريق... عيونهم مجروحة". هم الذين يموتون بصمت، بينما تتبارى النخَب في المؤتمرات الصحفية، وتحسب عدد الكيلومترات التي تقدمها الجيوش. هؤلاء ليسوا أرقاماً في بيانات النزوح، بل أصحاب الأرض، وصانعو الخبز، وحَمَلة الحلم. إن سرقة حياتهم ليست خسارة فردية، بل اقتلاع لروح البلد من جذورها.
لماذا تُستهدف لجان المقاومة والخدمات؟
وسط هذا الدمار، ظهرت لجان المقاومة والخدمات كشكلٍ نقيٍّ من تجليات الإرادة الشعبية. بعيدًا عن الشعارات الرنانة، مارست هذه اللجان فعلاً حقيقياً، عميقًا، وصامتًا:
حولت منازل البسطاء إلى مستشفياتٍ ميدانية.
أقامت مطابخ تُطعم آلاف الجوعى بلا دعم خارجي.
نظمت حملات حماية للنساء من العنف.
أعادت بناء النسيج الأهلي الممزق.
لكن لهذا الفعل المجتمعي الجريء ثمن. فالنظام القديم، بكل وجوهه المتبدلة، يرى في هذه البذور الوليدة تهديداً لسلطته. لذلك يُلاحَق شباب اللجان بالاعتقال، وتُشوه صورتهم، وتُفجر مقارهم، ليس لأنهم يحملون السلاح، بل لأنهم يحملون فكرة: أن الشعب قادرٌ على إدارة نفسه، دون العسكر، ودون نخبة متكلسة.
السياط لا تتغير... تتناسل فقط
عبارة "سياطُ جلادٍ تسوق خِطاهم" تختزل مأساة السودان في قرنٍ كامل. فكل نظامٍ جديد جاء بـ"سياطٍ" جديدة، لكنه أبقى على الأسلوب ذاته: قمعٌ، إذلال، واستلاب. من مستعمر الأمس إلى عسكر اليوم، ظلت السلطة قائمةً على نفي صوت الكادحين، وعلى تحويلهم إلى وقودٍ يُشعل نار السلطة، أو إلى ضحايا يُبنى على جثثهم صرح الوهم الوطني.
السياط اليوم ليست مصنوعة من جلد، بل من خطابٍ يُجرّم الضحايا، ويُبرّئ القتلة. إنها السياط التي تجوّع الشعب باسم السيادة، وتُجهز على آخر ما تبقى من "وطن" في وعي الناس.
"نحن الشعوب الكادحون"... الصوت الأخير الذي لا يموت
تُمثّل الجملة الختامية من القصيدة صرخة تتجاوز الزمن: "نحن الشعوب الكادحون". ليست استغاثةً، بل إعلان بقاء. فالكادحون لا يملكون المنصات، ولا يكتبون البيانات، لكنهم يصنعون الحياة من بين الأنقاض. لهذا تحديدًا، لا بد أن نُصغي إليهم:
على المجتمع الدولي أن يتوقف عن رؤية السودان كملف أمني أو بوابة لمصالحه الجيوسياسية.
على الأنظمة العربية أن تتوقف عن تمويل أدوات الموت، وتبدأ بدعم أدوات الحياة.
على النخب السودانية أن تُراجع دورها في إنتاج هذه المأساة، وتتخلى عن وهم الحلول الصفوية.
ما الذي نريده؟
وقف فوري لإطلاق النار، دون شروط.
حماية فعالة للجان الخدمات بوصفها جهات مدنية محايدة تمثل الناس لا النخب.
آلية محاسبة دولية عادلة لمجرمي الحرب، تُنصف الضحايا وتكسر دائرة الإفلات من العقاب.
الثورة ليست وهماً... بل وعداً لم يُخلف بعد
لو عاد محيي الدين فارس إلى السودان اليوم، لرأى مشهدًا يتجاوز قصيدته: جلادون لم يعودوا يخفون وجوههم، سجون بلا جدران، وفقراء ينحتون الحياة وسط الرماد. لكنه سيرى أيضًا ما لم يمت: إرادة الكادحين، تلك التي لا تقهرها المدافع.
الثورة لم تُهزم، لأنها ما زالت حية في صحن الطعام الذي تعدّه امرأة في مطبخ جماعي، وفي مضمدٍ يربط جرحًا في زقاق، وفي شابٍ ينقل دواءً على دراجة نارية.
لا تُقتل الثورات بالرصاص، بل بالصمت. فانتصارُ السودان يبدأ عندما نرفض جميعًا أن نكون شركاء في صمتنا.