الفشل الاستخباري الإسرائيلي في عيون خبراء الأمن
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
يشدد محلل سابق في الاستخبارات الإسرائيلية في إحدى دراساته على أن حقل الاستخبارات العسكرية هو الأقل تعقيدا بين مختلف حقول الاستخبارات، وذلك لأن أبحاثه تركز على قدرات الخصم.
ومن هنا فإن الصدمة التي تعيشها إسرائيل حاليا تكمن في إخفاقها الذي حدث بمعركة "طوفان الأقصى" في مجال الاستخبارات العسكرية، والذي تتباهى على الدوام بقدراتها المتقدمة فيه.
وحتى اليوم تعترف تل أبيب بمقتل 1300 إسرائيلي، بينهم جنود وضباط، إضافة إلى نحو 3500 مصاب و150 أسيرا وقعوا بيد المقاومة الفلسطينية التي اقتحمت السبت الماضي مستوطنات إسرائيلية ووجهت رشقات صاروخية لتل أبيب والقدس المحتلة وعسقلان غيرها.
انهيار استخباراتي"نطرح على بعضنا البعض أسئلة ليس لها إجابات"، بهذا يستهل يوسي هاليفي الخبير بمعهد "شالوم هارتمان" في القدس -والذي كان سابقا جنديا إسرائيليا في قطاع غزة- مقاله بموقع "ذا أتلانتيك" الأميركي.
ويشير هاليفي إلى أن في مقدمة تلك الأسئلة المطروحة "لماذا استغرق الجيش الإسرائيلي يوما كاملا للوصول إلى تلك المستوطنات؟ أين كانت الشرطة؟".
ويوافقه إيغال أونا -وهو مسؤول كبير سابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت"- إذ يقول إن ما حدث "أمر لا يصدق، إن الأسوأ من الفشل الاستخباري هو الفشل العملياتي للجيش".
ويضيف أونا ضمن تحقيق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" "لقد انهار الخط الدفاعي الأمامي الأكثر أهمية لإسرائيل، والذي أنفقنا المليارات على التكنولوجيا المزود بها".
وبعبارات أكثر دلالة، يرى نوعام أمير المعلق العسكري الإسرائيلي بموقع "مكور ريشون" أن إسرائيل تحولت في يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري من قوة استخباراتية كبرى في العالم إلى قوة لا توجد لديها أي استخبارات فعالة.
من جانبه، يقول المحلل الإسرائيلي بن كاسبيت في مقال بصحيفة معاريف "لقد فوجئت إسرائيل بمفاجأة إستراتيجية بحجم حرب 1973، لكنها أكثر إذلالا".
ويضيف "قبل خمسين عاما حاربتنا دولتان مستقلتان (سوريا ومصر)، وجيشان نظاميان، وآلاف الدبابات والطائرات بدعم من الاتحاد السوفياتي، أما اليوم فاقتحمت مواقعنا منظمة لا تملك سلاح جو ولا مدرعات ولا بنية تحتية، ومحاصرة ومعزولة من العالم".
ويشير إلى أن حركة حماس لو كانت لاعبا رياضيا لكان عليها الاعتزال وهي في أوج انتصارها، لقد بحثت حماس عن صورة انتصار فوجدت ألبوما كاملا، وركّعت إسرائيل على ركبتيها، وفق تعبيره.
انهيار الردع الإسرائيلي
ولم تقتصر التحليلات على الخبراء الإسرائيليين، بل حتى نظرائهم الغربيين أدلوا بتقييماتهم للوضع.
يقول بروس هوفمان الخبير الأميركي في دراسات الإرهاب ومكافحة التمرد إنه من غير المسبوق على الإطلاق أن تمتلك منظمة "حماس" القدرة أو الإمكانية لشن هجمات منسقة ومتزامنة من الجو والبحر والأرض.
وأضاف هوفمان في مقال بموقع "مجلس العلاقات الخارجية" أن حماس امتلكت القدرة على إبقاء استعداداتها مجهولة عن إسرائيل التي تمتلك أحد أكثر أجهزة الاستخبارات تطورا في العالم، واستغلت كذلك عنصر المفاجأة "بنجاح مذهل"، وفق تعبيره.
كذلك، كتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي السابق ريتشارد هاس قائلا "إن ما حدث هو فشل ذريع للاستخبارات الإسرائيلية، وفشل ذريع للجيش، لقد انهار الردع".
بدوره، يقول مارتن إنديك السفير الأميركي الأسبق في تل أبيب ومدير شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا بمجلس الأمن القومي الأميركي إن الإسرائيليين اعتادوا معرفة ما يفعله الفلسطينيون بالتفصيل من خلال وسائل التجسس المتطورة لديهم، لقد كانوا واثقين أن حماس لن تجرؤ على شن هجوم كبير.
وأضاف إنديك في حوار مع "فورين أفيرز" أن "الغطرسة هي التي دفعت الإسرائيليين إلى الاعتقاد في عام 1973 بأنهم لا يُهزمون، وأنهم القوة العظمى في الشرق الأوسط، وقد تجلت الغطرسة نفسها مجددا في السنوات الأخيرة (..)، لكن الآن تم نسف كل افتراضاتهم".
ويرى الفريق البريطاني المتقاعد السير توم بيكيت -الذي يعمل مديرا تنفيذيا في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية- أن الهجوم البري لحماس حقق مفاجأة إستراتيجية وعملياتية وتكتيكية.
ويضيف بيكيت -الذي عمل في السابق كبيرا لمستشاري الدفاع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالحكومة البريطانية- أن "من المرجح أن تلك المفاجأة تحققت بمستويات عالية من الأمن العملياتي، غالبا من خلال التعليمات الشفوية، مما أتاح التغلب على قدرات التجسس الإلكترونية الإسرائيلية".
أين الخلل؟
في محاولة لتفسير ما حدث من إخفاق، يقول رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق في تل أبيب ستيفن سليك إنه نظرا لحجم وتنوع هجمات حماس فمن غير المرجح أن يجري التخطيط والتدريب والتجهيز لهذا العدد الكبير من المقاتلين ثم يفلتوا من أنظمة جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية.
ويرى سليك أنه "من المرجح أن المعلومات ذات الصلة لم تعالج أو تقيّم بشكل صحيح كمؤشر على الأعمال العدائية".
ويتسق تحليل سليك مع ما أوردته وكالة "أسوشيتد برس" نقلا عن مسؤول في المخابرات المصرية بأن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاهلت تحذيرات مصرية متكررة ومعلومات استخباراتية عن "حدث كبير" سيقع في غزة، مشددة على أن الأولوية هي للضفة الغربية.
وهو ما أكدته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، مضيفة أن رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل اتصل شخصيا بنتنياهو قبل 10 أيام فقط من الهجوم الكبير وحذره من احتمال قيام المقاومة في غزة بشيء غير عادي.
وبينما تنفي حكومة نتنياهو حدوث ذلك فقد أكد وقوعه رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل ماكول بعد تلقيه إحاطة استخباراتية بشأن الأحداث.
تداعيات الهجوموستكون للإخفاق الأمني والعسكري الإسرائيلي في التصدي لهجوم حماس تداعيات متعددة، وقد عبر عن بعضها بإيجاز المحلل الإسرائيلي ميرون رابوبورت قائلا إنه "في عام 1973 قاتلنا جيشا مدربا، أما هنا فنتكلم عن أناس ليس بأيديهم سوى بنادق الكلاشنكوف، إنه فشل استخباراتي، ما من شك في أن إسرائيل سوف تحتاج إلى وقت طويل لتتعافى منه من حيث ثقتها بنفسها".
وقد استفاض أمير تيبون الصحفي المقيم في كيبوتس "ناحال عوز" -والذي شاهد الهجوم بنفسه- في شرح تداعيات الأحداث على المواطن الإسرائيلي قائلا "استثمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مليارات الدولارات في بناء جدار تحت الأرض لمنع حماس من استخدام الأنفاق، وقد سمح لنا هذا الجدار بالنوم ليلا".
وتابع تيبون "وفي ساعات الصباح من يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول عندما سمعنا إطلاق النار خارج نافذتنا أدركنا أن هذا الجدار فشل فشلا ذريعا، إن العقد بيننا وبين الدولة: نحن نسكن الحدود ونحميها بوجودنا، والدولة تحمينا، إن الطريقة التي تطورت بها أحداث ذلك اليوم هي أسوأ فشل في تاريخ إسرائيل، علينا أن ننتصر في الحرب، ثم بعد الحرب".
وقال "أعتقد أن الأشخاص الذين ذهبوا للقتال وإنقاذ عائلاتهم، والأشخاص الذين خُطف أحباؤهم داخل غزة، والأشخاص الذين فقدوا منازلهم هؤلاء الناس لن يسمحوا لهذه الحكومة بالبقاء يوما آخر، الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل العام الماضي ستكون لعبة أطفال مقارنة بغضب الجمهور بعد ذلك".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
هدية ذهبية عالمية لـ سحر إمامي المذيعة الإيرانية التي واجهت القصف الإسرائيلي على الهواء مباشرة
لم تغادر سحر إمامي، المذيعة الشجاعة، المسرح حتى أثناء قصف إسرائيل لمقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية.
وهذا ما دفع لاعب الرماية الإيراني الشهير جواد فروغي، لإهداء الميدالية الذهبية التي حصل عليها في أوليمبياد طوكيو، لسحر إمامي، حيث قدّمت سحر إمامي أداءً شجاعًا مُتباهيةً ومُهددةً خلال العدوان على الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وأصبحت رمزًا للمرأة الإيرانية الشجاعة.
شجاعة مذيعة تلفزيونية جديرة بالثناء خلال قصف هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية من قبل إسرائيل.. فمن تكون سحر إمامي، مقدمة البرامج والمذيعة في قناة خبر التلفزيونية التي كانت حديث العالم اليوم؟
في لحظات الخطر، حين يغمر الغبار استوديوهات البث التلفزيوني المباشر وتهتز الأرض تحت وطأة القصف، تبرز أسماء قليلة كرموز للصمود والشجاعة، من بين هؤلاء، سحر إمامي، المذيعة الإيرانية التي واجهت قصفًا إسرائيليًا على مبنى التلفزيون الرسمي أثناء بث مباشر، لتصبح رمزًا للالتزام المهني والإصرار.
وُلدت سحر إمامي عام 1985 في قلب طهران، حيث بدأت حياتها بطموح أكاديمي بعيدًا عن عالم الأضواء.
درست الهندسة الزراعية، تخصص علوم الأغذية، في جامعة مرموقة، لكن شغفها بالتواصل والتأثير قادها إلى مسار مختلف تمامًا.
في عام 2008، وبدون خبرة مسبقة أو علاقات في الوسط الإعلامي، اجتازت اختبار أداء للانضمام إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني. تتذكر إمامي تلك اللحظة: «كنت متوترة للغاية، لكن نصيحة بسيطة من مخرج – (تخيلي أنك تتحدثين لنفسك) – غيرت كل شيء».
انطلقت مسيرتها في برنامج «نعود إلى الوطن» على قناة طهران نتورك، حيث قدمت فقرات معرفية بأسلوب هادئ وواثق. في يونيو من العام نفسه، انتقلت إلى شبكة الأخبار، لتبدأ رحلة طويلة مع البث الإخباري، حيث أثبتت قدرتها على التأقلم مع التحديات والضغوط.
شجاعة تحت النار
في 16 يونيو 2025، وأثناء تقديمها بثاً مباشراً على قناة خبر، تعرض مبنى التلفزيون الإيراني لقصف إسرائيلي مفاجئ. غمر الغبار الاستديو، واهتزت الكاميرات، لكن إمامي حافظت على رباطة جأشها.
وجهت كلمات قوية قبل أن تضطر للهروب للنجاة بحياتها: «صوت المعتدي على تراب الوطن هو صوت ضد الحق والحقيقة»، وفي لحظة مؤثرة، رددت «الله أكبر» ثلاث مرات، معبرة عن صمودها وإيمانها.
لم تكتفِ بالنجاة، بل عادت إلى البث من استوديو آخر، مكملة مهمتها بثبات نادر، هذا العمل البطولي أكسبها إشادات واسعة من زملائها الذين أطلقوا عليها لقب «المرأة الحديدية»، بينما احتفى بها الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي ولقبوها بـ «الزينبية» و«صوت الحقيقة»، مستلهمة من رمز الصمود الإسلامي السيدة زينب، و«صوت الحقيقة» لثباتها في نقل الحقائق تحت الضغط.
هذه الألقاب تعكس تأثيرها العميق على المشاهدين، حيث أصبحت رمزاً للشجاعة التي لم تكن مجرد لحظة عابرة، بل هى تجسيد لمسيرة مهنية حافلة بالالتزام والمهنية.
رحلة إمامي من الهندسة إلى الإعلام لم تكن تقليدية. تقول: «تخصصي في الهندسة لا علاقة له بعملي، لكنني اخترت ما أحب»، بدأت بتقديم فقرات معرفية في برنامج «نعود إلى الوطن»، وهو البرنامج الذي تصفه بأنه الأقرب إلى قلبها لأنه كان أول تجربة بث مباشر لها.
تواجهت مع تحديات حفظ النصوص والتحدث بطلاقة، لكنها طورت أسلوباً سلساً وهادئاً مع الوقت، لاحقاً، قدمت برنامج «صبح بخبر»، حيث أظهرت قدرة فائقة على التعامل مع متطلبات الإعلام الإخباري السريع. خضعت إمامي لاختبارات صارمة للانضمام إلى شبكة الأخبار، شملت تقييم الأداء الحي وردود الفعل تحت الضغط.
تقول: «كنت أحاول حفظ النصوص، لكنني تعلمت مع الوقت أن أتحدث بطبيعية الآن، حتى لو أخطأت، أواصل بهدوء»، هذا الأسلوب جعلها واحدة من أبرز المذيعات في إيران.
تتميز إمامي بأسلوبها الفريد في اختيار الملابس، حيث تفضل الألوان الزاهية مثل الأحمر والأخضر الفاتح، بعيداً عن الألوان الداكنة التقليدية في الإعلام الإخباري. ترى أن الألوان المبهجة تضفي إيجابية على المشاهدين، وتقول: «الألوان الزاهية تغير مزاج الجمهور للأفضل».
تلتزم إمامي بقواعد الحجاب الصارمة، مع الحفاظ على لمسة شخصية تميزها، أما المكياج، فهو يقتصر على الإخفاء الخفيف للعيوب، حيث تتجنب استخدام مستحضرات بارزة مثل الكحل أو أحمر الشفاه، وفقاً للمعايير الإعلامية الإيرانية.
سحر إمامي متزوجة من صحفي ولديها ابن، لكنها تحافظ على خصوصية حياتها الأسرية بعيداً عن الأضواء.
المذيعة الزميلة الشجاعة سحر إمامي تعود على الهواء بعد دقائق من العدوان الاسرائيلي على مبنى الإذاعة و التلفزيون الإيراني وبينما كانت على الهواء
كل التحية والتضامن pic.twitter.com/QFBGPpw9L7
— ramia al ibrahim – راميا الابراهيم (@ramiaalibrahim) June 16, 2025
رغم عروض عمل أكثر ربحية، اختارت الإعلام بدافع الشغف وليس المال، وفي مقابلة سابقة، أعربت عن طموحها للعمل في المجال السياسي والإخباري، مع إبقاء الباب مفتوحاً لاحتمالية التمثيل مستقبلاً، تقول: «أحب الإعلام، لكنه ليس كل شيء، أطمح لتقديم المزيد في المجال السياسي».
سحر إمامي ليست مجرد مذيعة، بل صارت أيقونة إعلامية في إيران في لحظات الخطر، أثبتت أن الإعلام رسالة تتطلب قلباً جريئاً ومن استوديوهات طهران إلى مواجهة القصف على الهواء مباشرة، تركت إمامي بصمة لا تُنسى، حيث ألهمت النساء والإعلاميين على حد سواء.
بأسلوبها الهادئ وثباتها اللافت، تواصل إمامي نقل الحقيقة، مؤكدة أن الصوت الحر لا يمكن إسكاته، حتى في أحلك الظروف.
كلمات أخيرة تؤمن بها سحر إمامي منذ أول تجربة بث مباشر لها: «الإعلام ليس مجرد وظيفة، بل رسالة. أحب ما أفعل، وسأواصل مهما كانت التحديات».
المصري اليوم
إنضم لقناة النيلين على واتساب