لجريدة عمان:
2025-06-23@09:44:10 GMT

بين جداريات الحزن العربي وبركان الغضب

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ

سقط القناعُ

ولا أَحدْ

إلاَّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيانِ،

فاجعل كُلَّ متراسٍ بَلَدْ

لا.. لا أَحَدْ

سقط القناعُ

لعل محمود درويش لم يتخيل يومًا أن تختزل هذه الأبيات المشهد العربي في القرن الواحد والعشرين برمته، هذا المشهد المفجع الأقرب إلى ما بعد السوريالية والعدمية، لحظة فارقة في التاريخ الإنساني حيث تتكالب الأمم التي تدعي أنها متحضرة لإبادة شعب منكوب بوجوده في هذه البقعة المجنونة من العالم.

ورغم أن هذه الصرخة الوجودية انطلقت من قصيدة درويش «مديح الظل العالي» وحلّقت من بيروت المحاصرة في عام 1983 إلى العالم وفضاء الإنسانية المرتبك، إلا إنها ذات القصيدة التي تؤرخ الآن وتخلد يوميات الغزاويين، وهم يواجهون آلة القتل الغربية/ الإسرائيلية، والتي تبدو أنها لا تعيش ولا تقتات إلا بالدم الفلسطيني والعربي من بعد الحرب العالمية الثانية.

ورغم أن الفجور في الانتقام والهوس بالدم من صميم وديدن الكيان الإسرائيلي وحلفائه منذ وعد بلفور المشؤوم، إلا أنه انطلق هذه المرة في سعار دموي لا يوقفه وازع من ضمير، ولا نازع من إنسانية، ولا ذرة من أخلاق. ويبدو أن الرسالة الموجهة إلى العالم العربي اليوم، أننا سنبيدكم جميعًا لو اقتضى الأمر لضمان أمن هذا الكيان، وهو الخطاب الذي نرى تجلياته البشعة والمشحون بإمبريالية بغيظة في واقع التفكيك والتدمير والتفتيت الممنهج لدول عربية يراد لها أن تكون دولاً فاشلة قسراً للمائة عام القادمة، وما تقاطر الزعماء الغربيون والرئيس الأمريكي قبلهم إلى تل أبيب، إلا برهان لكل ذي بصيرة أن صدامًا حضاريًا يتشكل في الأفق بين أمة غاضبة ومحبطة، مكلومة بالقمع والاستبداد وبين دول عظمى تحشد أسلحتها وعتادها وتتحالف، رغم تحدياتها الاقتصادية والاجتماعية ورغم استياء الشرفاء من شعوبها وتتكالب، رغم اختلافاتها ونكباتها الأخلاقية وشذوذها ومثليتها لإبقاء ما يسمى الآن بالعالم العربي - رغم أنه يصرخ غضبًا ليكون «الأمة العربية» - مختطفًا في كهوف التخلف والتراجع الحضاري، وعلى هامش العالم.

وما غزة سوى محطة لهذه الهجمة الغربية الشرسة لتحييد العالم العربي عن أي نهوض أو ازدهار أو تنوير يمكّنه من القيام بدوره الحضاري والفكري والسياسي. ومن المفارقات أن يشاركهم هذا التدمير الممنهج لما تبقى من عناصر القوة العربية دول عربية من بيننا تموّل وتتآمر وتتعاون في كل ما من شأنه ضرب آخر رمزيات التضامن العربي حتى في حدوده الدنيا وحتى على المستويات الإنسانية والمشتركات البشرية التي لا تقبل الجدال والتفلسف السياسي والمغامرات المجنونة في سوق المصالح الثابتة والمتغيرة.

وحين ترى تلك المظاهرات الغاضبة في مختلف عواصم العالم الغربية والشرقية رفضاً للعدوان الصهيوني وبشاعته، فإنها ليست بسبب الديمقراطية الغربية العرجاء التي تصاب بالشلل عند عتبات كل قضية عربية وإسلامية، بل هي صوت الشرف والإنسانية والضمير والقيم والمشتركات الإنسانية التي سئمت هذا النفاق الغربي المقزز وازدواجية المعايير، وسقطت معه الأقنعة كلها باستثناء بعض الأصوات الشريفة التي أبت أن تكون معول هدم وقتل لآلة غربية أدمنت دماء العرب والمسلمين.

والسؤال الذي يصعب تجاهله، هل تريد إسرائيل نتنياهو سلامًا يعيد المنطقة إلى ضفة السلام والتعايش في أرض الأنبياء والرسل والأديان أرض فلسطين؟ أم أن الأمر كله مختزل في التطبيع الذي لا يخدم سوى مصالحها وتحويل الأوطان العربية إلى ساحة مخترقة للمصالح الإسرائيلية تشبه ما يحدث الآن في بعض الدول العربية المطبعة؟ ولست أدري إن كانت مفردة «التطبيع» تصف ما نرى فيها. لا يبدو لي أن السلام وارد الآن بعد كل هذه الدماء والشهداء، ومن الواضح أن السلام يرعب الآخر والحرب تنهكه وتستنزفه، في مشهد فيه من المفارقات التي تضيّق الخناق على صوت العقل، وتنسف دور النخب، ولا يبقى ثمة فسحة للحكمة والحوار في كلا المعسكرين.

والسؤال الذي يطاردني كمواطن عربي يقف غاضبًا مقهورًا وحزيناً أمام هذا المد الدموي والبطش الغربي وآلته العسكرية ونفاقه ضد شعب أعزل إلا من كرامته، إلى أين المفر؟ وما السبيل إلى أوطان حقيقية تقينا وتجنبنا الفناء الحضاري والانقراض الجغرافي في كوكب شكلناه علما وحضارة وإنسانية ذات مجد وسؤدد؟ أين المفر؟ لا أجد مخرجا لهذا الطموح الوجودي قبل أن تتم المصالحة الحقيقية بمعناها الحضاري الشامل بين الأنظمة والإنسان العربي وحفظ كرامته وحريته وبقائه، وهو ما لن يحدث في زمننا البائس هذا، وعسى أن يتحقق لأحفادنا فأسمى أمنيات المواطن العربي اليوم أن يجد قوت يومه وعياله، ويحفظ بقاءه لا أكثر! وإلى ذلك الحين، سنظل نتفرج على دموية الآخر التي تسيل في شوارعنا وأحلامنا ومستقبلنا مهما سقطت أقنعة الداخل والخارج في انتظار بركان الغضب الذي سيقتلع كل هذا الذل والهوان، ويعيد لهذه الحضارة العظيمة مجدها وعنفوانها، مهما بدا الحاضر عبوسًا قمطريرًا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

روسيا والعالم العربي تحالف استراتيجي.. حوار في منتدى بطرسبورغ بمشاركة سياسيين وإعلاميين روس وعرب

روسيا – عقدت في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي اليوم جلسة حوار حول التطور المتصاعد للعلاقات بين روسيا والدول العربية، والتي تحولت إلى ركيزة أساسية في المشهد الجيوسياسي العالمي.

وتأتي الجلسة تحت عنوان “روسيا والعالم العربي.. نحو مراكز صنع قرار جديدة على الساحة الدولية” في إطار التحضيرات لقمة “روسيا – العالم العربي” في أكتوبر المقبل.

وعقدت الجلسة تحت إشراف رئيس مركز الدراسات العربية الأوراسية عمرو عبد الحميد.

وفي ما يلي أبرز تصريحات المشاركين:

ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي:

علينا حصر النزاع الإيراني والإسرائيلي وبذل كل ما في وسعنا للتهدئة. هذا هدف سياستنا الخارجية نأمل أن تنتهي المواجهة بين إيران وإسرائيل عبر المفاوضات والاستقرار في الشرق الأوسط منطقة الشرق الأوسط لن تتطور بدون سلام من اليوم الأول للنزاع الإيراني الإسرائيلي بدأت موسكو اتصالاتها لحصره يحب على مجلس الأمن استعادة الأمن والأمان في العالم نحتفل العام القادم بمرور 100 عام على تأسيس العلاقات بين روسيا والسعودية روسيا تربطها علاقات مميزة مع العالم العربي، بما في ذلك مع مصر في 15 أكتوبر المقبل ستنعقد قمة “روسيا – العالم العربي”

مايا مناع مديرة قناة RT Arabic:

قناة RT تلعب دورا في التقارب بين روسيا والعالم العربي نواجه عرقلة من الغرب حيث تم حذف القناة من وسائل للتواصل الاجتماعي في الحرب الإعلامية تبرز RT مصدرا موثوقا للمعلومة هدفنا في RT نقل الحقيقة والمعلومة الصحيحة

عبد الرحيم النعيمي الرئيس التنفيذي لدائرة التسويق والاتصال لشبكة أبو ظبي للإعلام:

RT مشروع ناجح ومن القنوات المميزة مبروك مرور 20 عاما على تأسيس RT شبكة أبو ظبي للإعلام وRT Arabic وقعتا وثيقة تعاون قبل نحو عام ونصف منفتحون على التعاون مع RT جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أطلقت شراكة مع جامعة روسية في 2022 تم افتتاح مدرسة روسية في الإمارات ما يعكس العلاقات بين روسيا والإمارات

محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام في مجلس الشيوخ المصري:

روسيا لم تكن دولة احتلال في منطقة الشرق الأوسط هناك تعاون بين روسيا والعالم العربي على مختلف الأصعدة والمجالات السوشيل ميديا تقود الإعلام وفي بعض الحالات بشكل سيء الإعلام الغربي أثبت انحيازه وخاصة لإسرائيل ما ظهر بشكل واضح في حرب غزة وحرب إيران قناة RT قريبة لوجدان الإنسان العربي

عضوان الأحمري رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين:

الرأي الروسي حاضر في العالم لا يمكن تهميش روسيا في العالم روسيا أصبحت قطبا في حل أي أزمة عالمية مثال على التعاون الناجح بين روسيا والسعودية والعالم العربي يمكن الإشارة إلى التعاون في إطار مجموعة “أوبك”

عبد الله بوحجي مدير عام وكالة الأنباء البحرينية:

تجربة RT Arabic أعطت مثالا ناجحا على نقل الرسالة السياسية والثقافية إلى المشاهد

وانطلقت مؤخرا فعاليات منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي بمشاركة دولية وعربية واسعة وحضور آلاف المشاركين والخبراء.

ويعقد المنتدى في نسخته الـ28 هذا العام في الفترة من 18 وحتى 21 يونيو الجاري، تحت عنوان “القيم المشتركة – أساس النمو في عالم متعدد الأقطاب”.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • العويران: الهلال الفريق العربي الأقرب للتأهل للدور المقبل من كأس العالم للأندية
  • الغضب الصامت: الشارع العربي يعيد تشكيل المشهد الإقليمي
  • الضّب العربي.. من الكائنات البرية التي تسهم في التوازن البيئي بمنطقة الحدود الشمالية
  • إنزاغي: سنواجه سالزبورغ بالروح ذاتها التي واجهنا بها ريال مدريد
  • قوافل الغضب التي هزّت عروش الصمت
  • روسيا والعالم العربي تحالف استراتيجي.. حوار في منتدى بطرسبورغ بمشاركة سياسيين وإعلاميين روس وعرب
  • اتحاد الغرف العربية: تجارة روسيا مع العالم العربي شهدت نموًا ملحوظًا
  • قناع طبيعي مذهل يمنح شعركِ الترطيب واللمعان من أول استخدام
  • المجلس العربي: مجازر غزة وصمة عار تتطلب تحركًا عاجلًا لإنهاء الحرب والحصار
  • سموتريتش: على العالم والخليج العربي الدفع لنا مقابل عملنا القذر في إيران (شاهد)