صنعاء تثبت حضورها في الصراع مع الصهاينة كجبهة عسكرية مفتوحة حتى النهاية
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
يمانيون – متابعات
يثبت اليمن حضوره العملي المتميز في معركة “طُوفان الأقصى” التاريخية، بصورةٍ أكدت على الانخراطِ الكامل والمستمر وبكل الخيارات المتاحة في إطار التنسيق مع أطراف المقاومة؛ ليوضح من خلال ذلك ملامح معادلة تأريخية ذات إسهام ثابت وكبير على مسار الصراع حتى نهايته، الأمر الذي يمثل اقتحامًا لمرحلة جديدة ترتبط فيها كُـلّ الاعتبارات السياسية والعسكرية والأمنية بصورة مباشرة بالأهداف الكبرى لهذا الصراع الذي لم يعد هناك شك في أنه يشكِّلُ جوهرَ كُـلّ الصراعات الجزئية الأُخرى في المنطقة.
اليمن كجبهة عسكرية ثابتة في الصراع مع الصهاينة:
بعد يوم من الإعلان الرسمي عن إطلاق دفعات كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية على كيان العدوّ في ثلاث عمليات نوعية وغير مسبوقة في تأريخ الصراع، أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن عملية رابعة، مساء الأربعاء، بدفعة كبيرة من الطائرات المسيرة “وصلت إلى أهدافها” في عمق الكيان الصهيوني، مؤكّـدة أنها “ستستمر في تنفيذ عملياتها العسكرية؛ دعمًا ونُصرةً لمظلومية الشعب الفلسطيني” بحسب العميد يحيى سريع.
الفارقُ الزمني القصير في بين الإعلانَينِ كشف أمرًا هامًّا وهو أن دخول اليمن عسكريًّا على خط معركة “طُوفان الأقصى” لم يكن مُجَـرّد تحَرّك عشوائي وشكلي، بل مسارًا قتاليًّا ثابتًا يجعل من القوات المسلحة اليمنية “فصيلًا” جديدًا من فصائل المقاومة التي تشتبك مع العدوّ الإسرائيلي بصورة مُستمرّة في هذه الحرب؛ وهو ما يعني أن عنوان “توسع رقعة الصراع” الذي ظل العدوّ وحلفاؤه يعبرون بشكل صريح عن قلقهم منه قد أصبح أمرًا واقعًا.
بعبارة أُخرى: لقد ثبّت اليمن وبشكل عملي واستثنائي ملامِحَ المعادلة التي حاول العدوّ تجاهلها وإزاحتها عن المشهد، وهي معادلة أن “غزة ليست وحدها”، والتي تشكل تحولًا تاريخيًّا في مسار الصراع بأكمله؛ لأَنَّها تعني أن كُـلّ مواجهة مع المقاومة الفلسطينية من الآن وحتى زوال إسرائيل ستكون دائماً شأنًا إقليميًّا على المستوى العسكري والأمني والسياسي، ولن يبقى الأمر بعد الآن مقتصرًا على الأصداء الإعلامية والتضامن البسيط.
واتِّخاذُ قرار تثبيت هذه المعادلة وتدشينُ بُعدِها الإقليمي الأوسع (مستوى ما بعد الطوق المجاور لفلسطين) من خلال تنفيذ الضربات والتأكيد الرسمي على مواصلتها، هو خطوةٌ تأريخية كبيرة اتخذتها القيادةُ الثورية الوطنية ممثلةً بالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي؛ لأَنَّ هذا القرارَ أصبح الآن وبشكل عملي جُزءًا من التوجُّـهِ العسكري والسياسي العام لليمن؛ وهو تطوَّرٌ لافتٌ جِـدًّا، بالنظر إلى حجم “العواقب” التي يعمل الأمريكيون والغربيون منذ عقود على جعلها حاجزًا منيعًا ومرعبًا أمام أية خطوات عربية وإسلامية أبسط بكثير من إطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة.
هذا أَيْـضاً ما أكّـده العديد من المراقبين حول العالم والذين نقلت عنهم وسائل إعلام غربية خلال الأيّام القليلة الماضية ما يشبه إجماعًا على أن الضربات اليمنية ضد الكيان الصهيوني وجّهت رسالة واضحة بأن هناك قوة إقليمية جديدة باتت منخرطة في الصراع.
ووفقًا لذلك، فَـإنَّ الضرباتِ التي وجّهتها القوات المسلحة اليمنية والتي ستوجّـهها مع استمرار المعركة، تمثل مسارًا مستقبليًّا ترتبط فيه الأهداف التحرّرية للسياسية الوطنية داخليا وخارجيا؛ الأمر الذي يعني بكلمات واضحة أن أية آمال كان الأعداء ما زالوا يغذُّونها حول تحجيم دور اليمن وإبقاء قراراته وخياراته مقيدة وتحت السيطرة، أصبحت الآن وَهْمًا خالصًا لا فائدة من التعويل عليه، بل إنه قد يودي بأصحابه إلى مواجهة نتائج غير مرغوبة، إذ أصبح من الواضح الآن أن اليمن الجديد المشتبك مع إسرائيل لا يمكن خداعه أَو جره نحو أية مساومات.
والحقيقة أن قرارَ قصف الكيان الصهيوني لم يكن طارئًا على السياسة العامة لصنعاء وقيادتها الثورية، والأمر الوحيد المفاجئ في هذا القرار (بالنسبة للعدو طبعا) هو امتلاك القدرات المادية والأسلحة، وهذا الانسجام بين القرار التاريخي والتوجّـه العام، يجبر الأعداء على إعادة النظر تجاه اليمن وتجاه ما تصدره قيادته من تأكيدات وتحذيرات ومواقف على كافة المستويات؛ إذ بات جليًّا أن هذه القوة الجديدة التي تنسجمُ قراراتُها مع توجّـهاتها الرسمية والشعبيّة، مستعدة لمواجهة أية تحديات قد يضعُها الآخرون في طريق تحقيق الأهداف التحرّرية.
الضرباتُ اليمنية تضعُ العدوَّ أمام سيناريوهات مرعبة:
أَمَّا على مستوى التأثير المباشر للضربات اليمنية ضد الكيان الصهيوني، فبالرغم من التكتم الشديد الذي يحاول الاحتلال أن يفرضه على تلك الضربات، ومحاولاته للتقليل منها عبر ادِّعاء “اعتراضها” بالكامل، فَـإنَّ وسائل إعلام ووكالات أنباء غربية ركزت أكّـدت بشكل كبير على ما تمثله هذه الضربات من خطر على القدرات الدفاعية للعدو؛ لأَنَّها تستنزف هذه القدرات وتشتت جهود وانتباه “إسرائيل” وهو ما يعني بوضوح أنها تخفف الضغط على الجبهات الأُخرى وفي مقدمتها غزة، وهو هدف رئيسي وأَسَاسي لدخولِ اليمن على خط المعركة.
مع ذلك، فَـإنَّ التقارير الغربية نقلت عن الكثير من الخبراء والمحللين أن خطر العمليات اليمنية لا يقتصر على استنزاف وتشتيت القدرات الدفاعية للعدو، بل يهدّد بانهيارها في حال تصاعدت وتيرة الصراع وتكثّـفت الهجمات على الكيان الصهيوني من مختلف الأطراف المنخرطة في المعركة، وهذا سيناريو لم يكن أحدٌ يتحدث عنه من هذه الزاوية التفصيلية قبل إعلان القوات المسلحة عن استهداف كيان العدوّ؛ لأَنَّ الغرب كان لا يزال يعتبر توسع رقعة الصراع فرضية غير كاملة (متجاهلًا أن مؤشرات توسعه قد بدأت منذ اليوم الثاني أصلًا).
بعبارة أُخرى لقد دفع دخول اليمن الرسمي على خَطِّ المعركةِ العدوَّ والغربَ إلى البدء بالتعاطي بشكل أكثر واقعية مع سيناريوهات التصعيد وعنوان “الحرب الإقليمية” كما لو أن الضرباتِ اليمنية مَثَّلَت نموذجًا ملموسًا لمستقبل الذي كان العدوّ يؤمل أن يكون مُجَـرّد احتمالات لا أكثر، وهذا لا شك أصبح الآن ضمن كُـلّ حسابات العدوّ المتعلقة بالصراع، مهما حاول عدم الإفصاح عن ذلك.
المصدر : المسيرة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی القوات المسلحة مسار ا
إقرأ أيضاً:
القبائل اليمنية وسند غزة .. حضور شعبي فريد في زمن الخذلان
عبدالحكيم عامر
بينما الصمت والتواطؤ يخيّمان على الكثير من الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية، إزاء ما يجري في غزة من جرائم إبادة جماعية وتجويع وحصار مطبق، كانت القبائل اليمنية تكتب فصلاً جديد من فصول العزة والكرامة والإباء، تستفر كالسيول الهادره، في تحركات شعبية وقبلية عارمة عمًت القبائل اليمنية، معلنة إسنادها واصطفافها الكامل إلى جانب الشعب الفلسطيني في معركته المصيرية ضد الإبادة الصهيونية في غزة.
في موقف لم يكن وليد اللحظه، بل هو امتداد لجذور تاريخية وقيم دينية وعربية متأصلة، وموقف وطني نابع من رؤية إيمانية وإنسانية وإخلاقية، موقف نابع من قول الرسول صلوات الله عليه وآله “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، موقف يجسد شجاعة القبيلة المتأصلة التي تأبى الخضوع، مستنفرة في مشهد قبلي، يجسد هيبة القبيلة اليمنية، ويكون له أثره العظيم في الكيان الصهيوني.
في مشهد قبلي لا يحتمل التأويل ولا يحتاج الى مجهر لفهم دلالاته، تحركت القبائل اليمنية في توقيت بالغ الحساسية بينما يسعى المشروع الصهيوأمريكي لتمزيق اليمن وثنيها عن نصرة فلسطين، فجاء الرد القبلي عارمًا عبر النكف القبلي، والوقفات المسلحة، والإستنفار الشامل، والتعبئة العامة المتواصلة، جسّدت كلها جهوزية القبائل اليمنية لإفشال مخططات العدو الصهيوني والأمريكي، وأربكت أدواته ومرتزقته.
لم يكن الصمت، ولا الحياد، يومًا خيارًا قبليًا في اليمن، وخصوصاً وهي ترى العدو الإسرائيلي يصعد في جرائم الأبادة الجماعية والحصار للشعب الفلسطيني في غزة، إن تحرك القبائل يأتي امتداداً لحالة الوعي الشعبي المتزايد بخطورة المرحلة وضرورة اتخاذ مواقف حاسمة تتناسب مع حجم التحديات، وإن النفير العام هو خيار ثابت لا رجعة عنه في سبيل نيل الحرية والكرامة ومواجهة المشروع الصهيوأمريكي.
وتتحرك القبائل اليوم على قاعدة راسخة تتجلى فيها العزة والكرامة والوحدة اليمنية، والإصطفاف الشعبي المشرف في الساحات، نحو هدف واحد نصرة غزة والتصدي للعدو الإسرائيلي، فكل نكف، وكل تبرع، وكل سلاح يُرفع، وكل ساحة تمتلئ بالهتاف، تمثل في نظر العدو ضربة مباشرة.
تجسد حالة الاستنفار القَبلي في اليمن مستوى متقدمًا من الوعي الشعبي والغيرة الإيمانية والانتصار للمستضعفين، في تحدٍّ واضح للغطرسة الصهيوأمريكية، وفي تأكيد على جهوزية اليمن، قبائل وشعبًا، لخوض معركة المصير مع العدو، سواء كانت إعلامية أو ميدانية أو استراتيجية.
إن القبائل اليمنية اليوم، بمواقفها المشرّفة، تمثل العمق الشعبي المقاوم الذي لا يمكن كسره، ولا إخضاعه، ولا شراؤه، وكل تحرك قبلي إنما هو تفويض للقيادة الحكيمة ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي “حفظه الله” وإعلان حيّ بالدم والسلاح على خيار مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي، ورسالة واضحة بأن اليمن لا تزال عصية على التركيع، وأن مشروع الهيمنة لن يمر من أرض القبائل اليمنية الحرة.
وأن التحرك القبلي سيفشل كُـلّ مخطّطات العدو الصهيوأمريكي ويحولُ دون تحقيق أهداف العدوّ بكل قوة وحزم، كما سيكشف جميعَ مخطّطات الأعداء ويفشلها على أرض اليمن، وأن سعيهم إلى تحريض وتخويل عملائهم إلى الواجهة مرة أُخرى لن تقدم شيئًا.
وفي الأخير، في زمن تُشترى فيه المواقف وتُباع المبادئ، تثبت القبائل اليمنية أنها عصية على الكسر، وأبية على الخضوع، ووفية لقضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين، لم تصمت، ولم تساوم، بل خرجت في إستنفار عام، لتعلن للعالم أن الشعب اليمني حاضر بدمه وروحه وماله في سبيل الله نصرة للشعب الفلسطيني في غزة.
إن النفير القبلي إعلان تاريخي بأن اليمن يقف في الصف الأول من معركة الأمة، وأن القبائل اليمنية مخازن للرجال الشجاعه، وصروح للموقف للثابت والقوي، ومنابع للكرامة، وسد منيع في وجه التطبيع والخذلان.
وهكذا، تُسطّر القبيلة اليمنية موقفًا خالدًا سيظل يُروى في صفحات العز، بأن اليمن – بأرضه، وإنسانه، وقبائله – لن يكون إلا حيث تكون فلسطين، وحيث تكون الحرية، وحيث تكون معركة الكرامة الكبرى ضد الطغيان الأمريكي والصهيوني.