تواصل الاحتجاجات الغاضبة بفرنسا بعد مقتل مراهق على يد الشرطة
تاريخ النشر: 29th, June 2023 GMT
استمر اضرام النيران بحاويات القمامة واطلاق الألعاب النارية في ضاحية نانتير غرب باريس حيث قتل مراهق على يد الشرطة الفرنسية، إضافة إلى أحياء أخرى في منطقة أو دو سين غرب باريس وفي مدينة ديجون الشرقية
اندلعت أعمال شغب لليلة الثانية تواليا في فرنسا، ردا على مقتل شاب على يد شرطي عند نقطة تفتيش مرورية، بينما جرى نشر آلاف من رجال الأمن لمنع توسع الاحتجاجات العنيفة.
واستدعي نحو ألفي عنصر من شرطة مكافحة الشغب إلى الضواحي المحيطة بباريس في أعقاب مقتل الشاب نائل م. البالغ 17 عاما برصاصة في صدره أطلقها شرطي من مسافة قريبة صباح الثلاثاء.
وتسبب الحادث بمواجهات بين الشرطة ومتظاهرين قاموا باشعال حرائق متعمدة في ضواحي باريس ليل الثلاثاء، حيث أعلنت وزارة الداخلية توقيف 31 شخصا وإصابة 24 شرطيا بجروح طفيفة واحتراق نحو 40 سيارة.
وليل الأربعاء استمر اضرام النيران بحاويات القمامة واطلاق الألعاب النارية في ضاحية نانتير غرب باريس حيث قتل الشاب، إضافة إلى أحياء أخرى في منطقة أو دو سين غرب باريس وفي مدينة ديجون الشرقية.
وقالت الشرطة إن مجموعة من الأشخاص أضرمت النيران في حافلة بعد أن نزل جميع ركابها في ضاحية ايسون جنوب العاصمة.
وفي مدينة تولوز الجنوبية أحرقت سيارات عدة وتم إلقاء قنابل حارقة على رجال الشرطة والإطفاء بينما تصاعد دخان أسود كثيف في السماء.
وأعلنت الشرطة قبيل منتصف الليل أنها اعتقلت نحو 16 شخصا في جميع أنحاء البلاد.
وأثارت القضية انتقادات من شرائح اجتماعية مختلفة. ووقف النواب والوزراء دقيقة صمت في الجمعية الوطنية تحية للضحية الذي عرّف فقط باسمه والحرف الأول من عائلته.
وعبّر الرئيس إيمانويل ماكرون عن "تأثره" بمقتل الشاب حسبما نقل عنه الناطق باسم الحكومة أوليفييه فيران الذي دعا إلى "الهدوء".
وعادة ما تسعى الحكومة لتجنّب اندلاع الشغب في ضواحي باريس بعدما تسببت في الأعوام الماضية بوفاة مراهقين غالبًا ما كانوا يتحدرون من أُسر مهاجرة من دول المغرب العربي أو إفريقيا.
إطلاق نار أشعل غضب الشارعووقعت حادثة مقتل نائل صباح الثلاثاء خلف حيّ لا ديفانس قرب باريس حين لم يمتثل لنقطة تفتيش وحاول تجاوزها.
وأكدت مصادر في الشرطة في بادئ الأمر أن الشاب قاد سيارته باتجاه شرطيين على دراجتين ناريتين لمحاولة دهسهما.
لكن مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أظهر رجلَي شرطة وهما يحاولان إيقاف السيارة، قبل أن يطلق أحدهما النار عبر نافذتها على السائق عندما حاول الانطلاق بها.
وسُمِعَ صوت شخص يقول "ستتلقى رصاصة في الرأس"، من دون أن تتضح هويته.
واصطدمت السيارة لاحقا بجدار جانبي بعدما تحركت مسافة قصيرة إلى الأمام.
وحاولت خدمات الاسعاف في المكان انعاش السائق الذي أصيب في القفص الصدري، لكنه توفي بعد ذلك بوقت قصير.
ولفت مكتب الادعاء في نانتير إلى أن الضابط (38 عامًا) المتهم بإطلاق النار على السائق أوقف بتهمة القتل.
وأشار مكتب المدعي العام في نانتير الى استجواب الموقوف في إطار تحقيق بالقتل العمد، مؤكدا تمديد توقيفه الاحتياطي على ذمة التحقيق.
وشدد وزير الداخلية جيرار دارمانان على أن السلطات "ستتخذ القرارات الإدارية بتعليق المهام في حال تم تثبيت التهم الموجهة إليه".
واعتبرت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن أن "الصور الصادمة" لإطلاق النار على الشاب "تظهر تدخلا من الواضح أنه غير متوافق مع قواعد التدخل لقوات إنفاذ القانون"، مشددة على "الضرورة المطلقة للتوصل إلى الحقيقة لتغليب التهدئة على الغضب".
من جهته، اعتبر ماكرون أن مقتل الشاب "لا يمكن تفسيره... وغير مبرر". إلا أن تصريحات الرئيس لقيت انتقادات.
ورأت إحدى أبرز نقابات عناصر الشرطة أن هذه المواقف "لا يمكن تصوّرها".
واعتبرت زعيمة نواب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبن أن التصريحات الصادرة عن الرئيس الفرنسي "مبالغ بها" و"غير مسؤولة".
من جهته، كتب قائد المنتخب الفرنسي لكرة القدم ولاعب فريق باريس سان جرمان كيليان مبابي على تويتر "تؤلمني فرنسا. وضع غير مقبول. كلّ أفكاري تذهب لأقارب وأسرة نائل، هذا الملاك الصغير الذي رحل باكرًا جدًا".
ودعت والدة المراهق إلى مسيرة تكريمًا لابنها بعد ظهر الخميس في نانتير، قائلة في مقطع فيديو نشر على تيك توك "إنها ثورة من أجل ابني".
وأثارت ملابسات وفاة الشاب الغضب في نانتير (غرب باريس) حيث كان يقيم، وحيث اندلعت صدامات بين السكان وقوات الأمن مساء الثلاثاء.
وامتدت أعمال الشغب ليل الأربعاء إلى مناطق أخرى في ضواحي باريس. وأُضرمت نيران في مبنى ملحق بمقر بلدية مانت-لا-جولي في مقاطعة إفلين المجاورة.
وأعادت هذه الأحداث التذكير بسلسلة من أعمال العنف في الضواحي الباريسية.
في العام 2005، أثارت وفاة مراهقَين صعقًا بالكهرباء في سين-سان-دوني شمال باريس خلال ملاحقة الشرطة لهما، أعمال شغب استمرت ثلاثة أسابيع ودفعت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ.
وأثارت وفاة نائل تنديدات من سياسيين يساريين انتقدوا ما وصفوه بأنه "أمرَكَة الشرطة"، في إشارة الى حوادث في الولايات المتحدة انتهت بقتل عناصر الشرطة لأشخاص كانوا يسعون لتوقيفهم.
وقال نائب اليسار الراديكالي مانويل بومبار "كذب جزء من الشرطة لمحاولة التستر على هذا العمل".
من جهتهم، تحدث ممثلون عن التجمع الوطني اليميني المتطرف عن "مأساة"، مطالبين باحترام "فترة التحقيق" بالإضافة إلى "قرينة البراءة".
مادة إعلانية تابعوا آخر أخبار العربية عبر Google News فرنسا احتجاجات فرنسا باريس مقتل الشاب نائلالمصدر: العربية
إقرأ أيضاً:
شكوى ضد مجهول في باريس بتهمة عرقلة حرية الصحافة
باريس- في لحظة تتداخل فيها الحقيقة مع ميزان القوة، وتتداخل فيها السياسة بالقانون، قررت منظمتان صحفيتان في فرنسا أن تخرجا من دائرة البيانات والتنديد إلى ميدان القضاء.
وقدم الاتحاد الدولي للصحفيين والنقابة الوطنية للصحفيين، شكوى ضد مجهول إلى وحدة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التابعة للنيابة العامة الوطنية لمكافحة الإرهاب في باريس، الثلاثاء الماضي، حيث أدان الاتحاد عرقلة حرية الصحافة، إضافة إلى "جرائم الحرب التي تستهدف الصحفيين الفرنسيين" في غزة والضفة الغربية.
ويعكس هذا التحرك مدى التحول في المزاج الحقوقي داخل أوروبا، إذ لم تعد الانتهاكات الدولية تُقرأ بصفتها أخبارا بعيدة، بل ملفات قانونية قابلة للمتابعة والمحاسبة. وبين اللغة الصارمة للقانون والرواية المدنية التي يحملها الصحفيون، يتشكل اليوم سؤال محوري: هل ستنجح هذه الشكاوى في منع الإفلات من العقاب؟
شكوى موثقة
وتتحرك هذه المبادرة في مسار قانوني حساس، حيث تتزايد المحاولات الرامية إلى توظيف مبدأ الولاية القضائية خارج الحدود، في سابقة نادرة تربط بين حرية الصحافة والنزاعات المسلحة أمام المحاكم الفرنسية.
وقالت رئيسة الاتحاد الدولي للصحفيين، دومينيك برادالي "رفعنا الشكوى، المكونة من 92 صفحة، لأننا وثّقنا ما يكفي من النقاط للمضي قدما فيها. وقدمتها النقابة الوطنية للصحفيين في فرنسا، والاتحاد الدولي للصحفيين، وصحفي فرنسي، ويمكن لآخرين الانضمام متى أرادوا".
وأضافت برادالي للجزيرة نت، "الملف حاليا عند المدعي العام في باريس، وسينظر القاضي فيه ويقرر"، مشيرة إلى وجود اسم صحفي واحد على الأقل داخل القضية التي ستبقى مفتوحة للصحفيين الفرنسيين الآخرين.
وأكدت أن التوقيت لم يأتِ من فراغ "فبعد أشهر من الحرب وتراكم شهادات الصحفيين الذين مُنعوا من الوصول أو تعرضوا للاعتقال أو صودِرت معداتهم أو استُهدفوا أثناء أداء عملهم، رأت المنظمتان أن مرحلة التوثيق وحدها لم تعد كافية وأن الانتقال إلى القضاء ضرورة".
إعلانوتسعى النقابة الرئيسية للصحفيين في فرنسا والاتحاد الدولي للصحفيين، ومقره بروكسل، ويُمثل 600 ألف صحفي في 146 دولة، لتوثيق العراقيل المادية والإدارية والأمنية "المفروضة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 على الصحفيين الفرنسيين الراغبين في تغطية الوضع في قطاع غزة"، وفقا للشكوى.
كما يندد الاتحادان بظروف عمل الصحفيين في الضفة الغربية المحتلة، وبالعراقيل التي يضعها ضباط الشرطة وجنود الاحتلال وموظفو الجمارك، أو حتى المدنيون، بمن فيهم المستوطنون الإسرائيليون بالضفة. ولذا، لا تستهدف الشكوى أي جهة أو فرد بعينه، بل تُرفع ضد أشخاص مجهولين.
وبعد انضمام فرنسا إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كان عليها أن تُدرج في القانون الفرنسي التعريف الكامل للجرائم التي تندرج أيضا ضمن اختصاص الجنائية الدولية التي يمكن مقاضاتها في فرنسا، ويتعلق الأمر بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
إضافة إلى ذلك، تأتي جميع الجرائم والجنح، ولا سيما المادة 431ـ1 من قانون العقوبات الفرنسي، التي تنص على أن فعل عرقلة ممارسة حرية التعبير أو العمل أو تكوين الجمعيات أو التجمع أو التظاهر عمدا، عن طريق التهديد أو عرقلة سير التجمع، يُعاقب عليه بالسجن عاما وغرامة قدرها 15 ألف يورو (اليورو=1.17 دولار).
وبناء عليه، تجد المحامية دومينيك كوشان، صعوبة في قبول إمكانية إحالة هذه الشكوى إلى مكتب المدعي العام لمكافحة الإرهاب، بسبب عرقلة ممارسة حرية التعبير خارج الأراضي الفرنسية، حتى لو كانت مرتبطة بنزاع دولي، لأن فصل جرائم الحرب في قانون العقوبات لا يشمل هذه العرقلة تحديدا.
وقالت كوشان للجزيرة نت، "للمحاكم الفرنسية الاختصاص القضائي عندما يكون الضحايا فرنسيين، ولكن سيكون هذا إشكالا للغاية لأننا لم نعد نتعامل مع الجنح".
من جهة أخرى، أشارت كوشان، إلى أن الدعوى تتطرق إلى العنف المرتكب على الصحفيين، خاصة بالضفة الغربية، حيث عُطلت المعدات ويتعرض الصحفيون للاعتداء من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، موضحة "يؤدي ذلك إلى ما هو أبعد من مجرد العرقلة والتهديدات، وتصبح آنذاك أعمال عنف وسرقة وتدمير الممتلكات، وهي سلسلة كاملة من الجرائم المرتكبة على المواطنين الفرنسيين".
ثم هناك مسألة "جواز قبول النقابة العمالية" أي أحقية تمثيلها للصحفيين. وفي هذا الإطار، تقول كوشان "للنقابة الحق في الدفاع عن مصالح المهنة التي تمثلها، ولكن قد تكون هناك حدود".
وفسّرت ذلك قائلة "عندما يتعرض صحفي للاعتداء، فإنه يكون الضحية المباشرة، وليس النقابة لأنها لا تعد الطرف الذي لحق به ضرر مباشر"، وأضافت "يسمح قانون الإجراءات الجنائية للجمعيات ـوبالتالي النقابةـ أن تصبح طرفا مدنيا للدفاع عن مصالح معينة، لكن في هذا الملف لم يتحقق الطرف المدني".
تحرك واسعومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، "لم يتمكن أي صحفي فرنسي من دخول قطاع غزة مستقلا"، كما جاء في الشكوى التي تندد بـ"نظام منظم لقمع الصحافة"، ولا تزال طلبات الصحفيين الفرنسيين والأجانب الراغبين في الدخول دون رد، أو تُرفض، حتى خلال وقف إطلاق النار.
إعلانوتشير الشكوى إلى "انتهاكات لحرية التعبير التي يحميها القانون الفرنسي والأوروبي"، وتؤكد على "المبدأ العالمي لحماية الحق في الإعلام". وتُعد هذه الإجراءات، وفقا للمدعين، "أعمال عرقلة ورقابة مادية، بعضها يرقى إلى جرائم حرب".
وفي سياق متصل، قالت دومينيك برادالي "بما أننا نجتمع في لجتنا التنفيذية في باري الإيطالية وفي دول أخرى، يمكن تقديم الشكاوى بناء على القوانين الوطنية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للدول الأوروبية. وقد قُدم استئناف في هذه الإمكانية، ونحن ننتظر النتائج، إذ يتطلب كل بلد مراجعة قانونية، وهو أمر يختلف بالطبع".
أول صحفي يستشهد بعد اتفاق وقف إطلاق النار.. استشهاد "مصوّر الدرون" محمود وادي إثر قصف مسيرة إسرائيلية أثناء عمله بخان يونس جنوبي قطاع #غزة#الجزيرة_رقمي pic.twitter.com/vVnb70j6CL
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 3, 2025
وأشارت برادالي إلى أن مندوبين من قارات أخرى أخبروها أنهم سيبدؤون فورا البحث مع محاميهم لتحديد ما إذا كان بإمكانهم، وعلى أي أساس، تقديم نفس النوع من الشكاوى في محاكمهم. وأضافت أن بعضهم يطرح إمكانية تقديم شكاوى ضد بعض وسائل الإعلام بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية، ولكن هذه خطوة لاحقة.
واختتمت "كنا نتمنى أن يتخذ الناشرون الإعلاميون ولو إجراء بسيطا، حتى لا يكونوا الصحفيين الوحيدين الذين يفعلون ذلك، لأن الصحفيين الذين يعملون معهم هم من لا يستطيعون الذهاب إلى هناك. لذلك، نأسف بشدة لرؤية التردد، أو حتى عدم رد الفعل، من بعض رؤساء الإعلام".
وفي انتظار قرار محكمة باريس، تراهن المنظمتان على مبدأ الاختصاص القضائي للنظر في جرائم ترتكب خارج الأراضي الفرنسية.
وسياسيا، تربك هذه الشكوى السرديات السائدة عن حرية الإعلام في زمن الحرب. أما مهنيا، فهي رسالة واضحة بأن المؤسسات الصحفية لم تعد تكتفي بدور الضحية أو الشاهد الصامت، بل تسعى لأن تكون طرفا فاعلا في مسار المساءلة.