رينيه غينون.. كيف اعتنق الفيلسوف الفرنسي الإسلام ودفن في القاهرة؟
تاريخ النشر: 15th, November 2023 GMT
في مدخل منطقة مقابر الدراسة في القاهرة الشرقية، واجه طالب أجنبي شاب سؤالًا يبدو مألوفًا. سُئل عن مكان مقبرة الشيخ عبد الواحد يحيى، وأجاب الشاب بكل سهولة. يقع قبر الشيخ عبد الواحد يحيى في مقابر الدراسة، وهو قبر بسيط محاط بسور مرتفع قليلاً، وله زخارف إسلامية بسيطة.
رينيه غينون، الفيلسوف الفرنسي، وُلد عام 1886م في فرنسا، وتربى في جو من التدين المسيحي.
كان للكنيسة الكاثوليكية في أوروبا موقفًا معاديًا تجاه آراء عبد الواحد يحيى (رينيه غينون السابق)، حيث اعتبروه تهديدًا أكبر من التهديدات السابقة. لم يُحظر قراءة كتبه فقط، بل حتى الحديث عنه تم تجنبه.
بعد تخرجه في عام 1908م، أسس غينون مجلة فلسفية علمية تسمى "المعرفة". تعاون في تحرير المجلة مع عالم فرنسي يُعرف باسم شمبر يونو الذي اعتنق الإسلام، وتغير اسمه إلى عبد الحق. كانت هذه العلاقة ذات تأثير عميق على غينون، حيث أوقدت فيه شرارة من نور الإسلام التي تزايدت مع مرور الوقت. كما تعرف أيضًا على عالم فنلندي يُدعى إيفان جوستاف، الذي كان من أبرز محرري مجلة فلسفية إيطالية تصدر في القاهرة باسم "النادي"، ونشر بعض الرسائل الإسلامية في تلك المجلة. أيضًا اعتنق الإسلام وتغير اسمه إلى عبد الهادي.
أعرب غينون عن اعتقاده بأن الحضارة الغربية متجهة نحو الانهيار إذا لم تتبنى الثقافات الشرقية بسرعة. بناءً على هذا الاعتقاد، اقترح ثلاثة سيناريوهات للغرب:
الأولى: أن يندثر الغرب في حالة من الدمار والبربرية، مع بقاء بعض الأفراد في حالة تدهور شبيهة بحالة الحضارات التي اختفت تمامًا من التاريخ.
والثاني: أن يتولاهم بالرعاية ممثلون للشعوب الشرقية، وإنه لتجنب السقوط الحتمي، فإن على الغرب أن يتمثل ذلك، وهو أمر لن يتحقق إلا بوساطة المرور بمرحلة انتقالية متعبة، ولكنها أحسن على كل حال من نتيجة الفرضية الأولى.
والثالث: هي أحسن الفرضيات، وتتمثل في أن يجد الغرب في نفسه مبادئ للتطور في اتجاهات أخرى، تعيده لحالة العقلانية الحقيقية والطبيعية، وتقضي على كونه مجرد فرع مقطوع عن شجرة الإنسانية، وهي الحال التي أصبح عليها منذ نهاية القرون الوسطى.
عندما اعتنق غينون الإسلام، اندهش الكثيرون من الدارسين الغربيين وشككوا في صدق اعتناقه. ومع ذلك، لم يشك أحد في صدق إسلامه، حيث اختار بوعي وتواضع أن يخضع لشرائع الإسلام ويعيش حياة مسلمة. وعلى الرغم من المعاداة التي واجهها من قبل الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا، انتشرت كتبه في جميع أنحاء العالم وترجمت إلى العديد من اللغات.
ومع ذلك، لم تترجم كتب غينون إلى اللغة العربية، على الرغم من أهمية أفكاره وتأثيره الكبير في الفلسفة الدينية. تظل هذه النقطة غريبة، خاصةً أن العربية هي لغته الأم ولغة الإسلام. قد يكون ذلك نتيجة لعدم وجود ترجمات موثوقة أو نقص في الاهتمام بأفكاره في العالم العربي.
بشكل عام، تبقى مرجعيات غينون الفكرية محل اهتمام ودراسة، حيث كان يروج للتفكير الروحي والثقافي المتعدد الأبعاد ويعتبر أحد الشخصيات البارزة في دراسات التوحيد والتراث الروحي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اعتنق الإسلام القرون الوسطى الكاثوليكية
إقرأ أيضاً:
مكانة الحياء في الإسلام كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم
الحياء.. قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن النبى صلى الله عليه وآله وسلم بين مكانة الحياء في الإسلام، فيقول صلى الله عليه وسلم : «الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاءة من الجفاء والجفاء في النار» [صحيح ابن حبان].
مكانة الحياء في الإسلام:وخص النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر ضمن شعب الإيمان بعد ذكر أعلى الشعب وأدناها، وذلك لبيان مكانته، فقال : «الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان» [متفق عليه].
بل جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قرين الإيمان، في قلب المسلم، وفي نزعهما من قلبه، فقال صلى الله عليه وسلم : «الحياء والإيمان قرنا جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» [الحاكم في المستدرك، والمصنف لابن أبي شيبة]، وفيه إعلاء لمكانة الحياء في شريعة الإسلام.
وأوضح علي جمعة أن الحيي لا يمكن أن يكون عنيفا، ولا يمكن أن يكون قاسيا غليظ القلب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن هذه الأخلاق بعضها يخدم بعض، ويؤيدها ويساندها.
أما من نزع الرفق والحياء من قلبه فهو مذموم منبوذ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر» [أخرجه الحاكم في المستدرك] وعنه صلى الله عليه وسلم : « إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب بالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة» [رواه ابن حبان]. فانظر إلى اختيار النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب لهذه الكلمات الصعبة ليضيق المبنى المعنى، وليمكن نفرة السمع من هذه الألفاظ نفرة النفس منها، ألفاظ صعبة غير مفهومة لعقول الناس تستدعي منك أن تسأل : وما الجواظ ؟ وما الجعظري ؟.
فالجواظ هو الجماع المناع، الذي جمع مالا وعدده ولا يريد أن ينفق شيئا منه في سبيل الله، ولا يريد أن يخرج حتى حق الله فيه من الزكاة، وبذلك يكون عنيفا مع مجتمعه، فالعنف ليس قاصرا في القوة والهمجية السلوكية، فعدم الاكتراث بالآخرين يدل على عنف الطبع.
والجعظري قاسي القلب الذي لا يرحم، ولذا فهو حقيق أن لا يرحمه الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ» [ابن أبي شيبة في مصنفه]، فهو شقي بنزع الرحمة من قلبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلَّا مِنْ شَقِيٍّ» [أحمد في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه].
النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
وأضاف جمعة أن هذا الصنف القبيح لا يطلب عنده المعروف، وإنما يطلب المعروف من الرحماء، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم، يا علي، إن الله خلق المعروف وخلق له أهلا، فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه، كما وجه الماء إلى الأرض الجدبة ليحيي به أهلها، وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة» [الحاكم في المستدرك].
فالجعظري يتصف بنوع من العنف، والقسوة، ولذا ما ترك الناس تعلم السنة ومعرفة الأخلاق الفاضلة التي حث عليها الشرع الحنيف انتشرت الجعظرية، ووجدنا الناس يتقاتلون، ووجدنا وجوههم مكفهرة لا نور، وجدنا التطرف يخرج باسم الدين، ووجدنا الإرجاف يهد ما يبنيه المخلصون.