ما هو المخرج من السياسات التي قادت للحرب؟ .. بقلم : تاج السر عثمان
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
اشرنا في مقال سابق إلى حصاد سياسات الفترة الانتقالية التي قادت للحرب، وضرورة تجاوزها والخروج منها حتى لا نعيد إنتاج الأزمة والحرب. فمن خلال رصد النشاط لتلك القوى التي نفذت تلك السياسات في الفترة الانتقالية كما هو الحال في قيادة الجيش والدعم السريع.، ونشاط "الفلول" لتاجيج نار الحرب، واجتماع تجمع القوى المدنية ( تقدم)، واجتماع قوى الحرية والتغيير الأخير في القاهرة، وَجولات قادتها في دول جنوب السودان واثيوبيا وكينيا وغيرها، كل هذا النشاط المتزامن مع محادثات جدة التي انضم لها الاتحاد الأفريقي و"الإيجاد"، والمدعوم من امريكا وحلفائها الإقليميين والدوليين بهدف، كما تم الإعلان، لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية والوصول لتسوية سياسية من خلال حوار بمشاركة واسعة.
اي أنها تعيد الاتفاق الإطاري بشكل أو آخر.
لكن كعب اخيل في أن ما يجري يقود للسياسات نفسها كما اشرنا لها سابقا التي تعيد إنتاج الحرب والازمة، وتعصف بوحدة السودان التي اصبحت في مهب الريح.
بالتالي مع اهمية وقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية، من المهم الخروج من هذه الحلقة الجهنمية، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي والسلام، فما هو المخرج؟
٢
لمخرج من تلك السياسات :
أوسع تحالف قاعدي جماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة ، يستند التحالف علي تجاربنا السابقة، ويسير قدما بعد إسقاط حكومة الأمر الواقع الانقلابية نحو اقامة البديل المدني الديمقراطي الهادف للتغيير الجذري ، ومواصلة الثورة حتى تحقيق الأهداف التالية:
أ – وقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية، وتجسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية ، وصرف مرتبات العاملين، وتركيز الأسعار مع زيادة الأجور التي تآكلت،.
- رفض توصيات صندوق النقد الدولي في تخفيض العملة والخصخصة ، ورفع الدعم عن التعليم والصحة والدواء ، وزيادة المحروقات التي ترفع أسعار كل السلع.
- دعم التعليم والصحة والدواء، وتغيير العملة ، وتخفيض منصرفات الأمن والدفاع، وخروج الجيش والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، وتخفيض منصرفات القطاعين السيادي والحكومي، وزيادة ميزانية التعليم والصحة والدواء والتنمية، وضم كل شركات الذهب والبترول والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات وشركات الجيش والأمن والدعم السريع لولاية وزارة المالية.
- زيادة الصادر وتقليل الوارد الا للضروري، وتقوية الدور القيادي للقطاع العام والتعاوني اضافة للمختلط والخاص، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي والنقل لتوفير فرص العمل للعاطلين، وتقوية الجنية السوداني، سيطرة بنك السودان علي العملات الأجنبية . الخ، والغاء قوانين الاستثمار 2021 وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص 2021 ، وقانون التعدين الهادفة لنهب ثروات البلاد وأراضيها الزراعية.
ب - تقديم مجرمي الحرب للمحاكمة، إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، القصاص لشهداء مجزرة فض الاعتصام وبقية الشهداء ، وإجازة قانون ديمقراطي للنقابات، واصلاح النظام القانوني والعدلي وتكريس حكم القانون، وإعادة هيكلة الشرطة وجهاز الأمن، وتحقيق قومية ومهنية الخدمة المدنية والقوات النظامية ، وحل كل المليشيات وجمع السلاح وفق الترتيبات الأمنية، وعودة المفصولين من العمل مدنيين وعسكريين، وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، ورفض المحاصصة في تكوين التشريعي.
- اضافة لتحقيق أوسع تحالف للدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية، ومراجعة كل الاتفاقات السابقة حول الأراضي التي تصل مدة ايجارها الي 99 عاما!!، ومراجعة اتفاقات التعدين للذهب التي تنال فيها ال؛ ركزت ٧٠٪،
- إلغاء القانون الجنائي للعام 1991 ، والعودة لقوانين 1974 مع تطويرها، الموافقة علي "سيداو" بكل بنودها ، قومية ومهنية الخدمة المدنية.
- تمثيل المرأة بنسبة 50% في كل المواقع الحكومية والتشريعية ، ومساواتها الفعلية مع الرجل.
- وثيقة دستورية جديدة تؤكد النظام الديمقراطي البرلماني والحكم المدني الديمقراطي ، وتضمن الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية...
ج – تحقيق السلام بالحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة وينجز التحول الديمقراطي ، ودولة المواطنة التي تسع الجميع، وتفكيك التمكين ، والتنمية المتوازنة، وتحديد نصيب المجتمعات المحلية من عائدات الذهب والبترول.الخ لتنمية مناطقها، والعدالة والمحاسبة علي جرائم الحرب والابادة الجماعية وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتفالية الذي يحدد شكل الحكم في البلاد، وهوّية البلاد وعلاقة الدين بالدولة.الخ، والتوافق علي دستور ديمقراطي قانون انتخابات ديمقراطي ، يتم علي أساسه انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، وعودة النازحين لقراهم وتوفير الخدمات لهم " تعليم ، صحة، مياه، كهرباء، خدمات بيطرية.الخ"، حل كل المليشيات وجمع السلاح ، وقيام المؤتمر الجامع الذي يشارك فيه الجميع من حركات وقوي سياسية ومنظمات مدنية وجماهير المعسكرات، للوصول للحل الشامل الذي يخاطب جذور المشكلة، ووقف التدخل الخارجي..
د- – تحقيق السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية المتوازنة بإلغاء كل الاتفاقات العسكرية الخارجية التي تمس السيادة الوطنية، والخروج من محور حرب اليمن وسحب قواتنا منها، وقوات الأفريكوم ، واستعادة كل الأراضي السودانية المحتلة ( الفشقة ، بني شنقول ، حلايب ، شلاتين "، الغاء الاتفاقيات لقيام القواعد العسكرية البحرية لروسيا وأمريكا، والحلف العسكري مع مصر ، الغاء التطبيع مع اسرائيل ، والابفاء علي قانون مقاطعة اسرائيل 1958 الذي أجازه برلمان منتخب، وحماية منشآت السودان المائية واراضيه من خطر سد النهضة، واتفاق ملزم لمد السودان بالكهرباء والمياه الكافية لمشاريع السودان الزراعية والعمرانية، ووقف المخطط لتأجير الميناء ، وقيام قاعدة لتركيا في سواكن.
وقيام علاقاتنا الخارجية علي أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخري..
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حنين داخل الركام.. كاتبة غزّية تكتب عن مدينتها التي لم تعد كما كانت
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً للكاتبة غادة عبد الفتاح، المقيمة في قطاع غزة، تناولت فيه واقع الحياة في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ عامين، مؤكدة أن حرب الإبادة غيرت كل شيء في القطاع، من المشهد العمراني إلى القلوب والعقول والأرواح.
تبدأ عبد الفتاح مقالها بالإشارة إلى شعورها بالحنين العميق لغزة، رغم وجودها داخلها، موضحة أن هذا الحنين لا ينبع من البعد الجغرافي، بل من تحول المدينة إلى مكان غريب ومشوّه لا يُمكن التعرف عليه. تقول الكاتبة: "هذه ليست غزة… التفاصيل كلها خاطئة، لا شيء كما هو"، مشددة على أن فقدان الألفة صار ملموسًا حتى وهي تقف على الأرض نفسها التي نشأت عليها.
وتصف غادة حالتها الشخصية مع انهيار الحياة اليومية في دير البلح، حيث تسكن في شقة مزدحمة مع ثلاث عائلات منذ عام كامل، مستقبلة 16 فردًا آخر من عائلتها هربا من القصف في الأسابيع الأخيرة. وتشير إلى انتشار الخيام في الشوارع والأراضي الزراعية، بعضها بين أشجار النخيل المتبقية، التي دُمّرت معظمها أو أحرقت بفعل الدبابات الإسرائيلية. وتضيف: "أكره هذه الكلمة: خيمة. لقد رافقت الفلسطينيين لأجيال، كظلهم".
وفي تفاصيل منزلها الذي لم يعد صالِحًا للسكن كما كان، تروي عبد الفتاح كيف أعيد بناؤه جزئيًا باستخدام حجارة من أنقاض منازل الجيران، مع جدران نصف ارتفاعها السابق، وغياب النوافذ، وتغطية الفجوات بأقمشة نايلون وبطانيات بدل الأبواب. هذه التفاصيل الصغيرة تعكس الواقع المرير للسكان في مواجهة القصف المستمر، حيث كل همسة تنتقل في أرجاء المنزل، والحرية محدودة حتى في صوت الكلام.
تشير الكاتبة إلى أن العيش في غزة أصبح حربًا على التفاصيل: "الله يكمن في التفاصيل"، تقول، مشيرة إلى أن الحرب فرضت تسلسلًا هرميًا في المعاناة. البقاء داخل غرفة بجدران نصفية أفضل من العيش في خيمة، والخيمة المنظمة أفضل من خيمة مُرقّعة بالبطانيات والنايلون والحقائب القديمة. هذا التسلسل الهرمي يمتد أيضًا إلى العلاقات الاجتماعية، وكيفية الحديث ومشاركة المشاعر.
وتروي الكاتبة لقاءاتها اليومية مع الناس، مثل معلمتها السابقة التي ذكرتها باثنتين من زميلاتها القتيلات في غارات إسرائيلية، مؤكدة أن الحيطة والحياد أصبحا ضرورين عند الحديث عن المعاناة: "خسارتي جدران، وخسارته أناس… البقاء على قيد الحياة كدين لا يمكنك سداده".
وتصف الكاتبة تجربة القصف المباشر على منزلها، حيث دوت الانفجارات في منتصف الليل، وامتلأت الغرف بالحطام والغبار، واضطرت العائلة للخروج وسط الظلام للتحقق من سلامة الجميع. وتوضح أن المسيّرات الإسرائيلية حلّقت في السماء، محركاتها تُصدر أزيزًا كحشرات آلية، مع ضوء يشقّ الليل، مما جعل البقاء في الخارج خطرًا دائمًا.
تتحدث الكاتبة عن الحرب على أنها خلقت تسلسلًا هرميًا من الخسارة والمصاعب، فبينما أصيب أحد أقاربها بجروح بسيطة، فقد آخرون أكثر من 40 فردًا من عائلتهم. تطرح الكاتبة التساؤل عن جدوى الحديث عن الدمار الشخصي في مواجهة فقدان الأرواح: "كيف تتحدث عن جدران متصدعة لشخص يعدّ الوجوه الغائبة؟".
كما تصف المعاناة اليومية في المستشفيات، حيث تُنقل الأطراف المبتورة بصناديق ورقية، وتبقى الأسماء محفورة في الذاكرة حتى بعد مرور أشهر، مؤكدة أن هذه اللحظات الصغيرة تعكس جزءًا من هول الحرب وتأثيرها النفسي على السكان.
وتشير الكاتبة إلى التحديات المعيشية، من ندرة الوقود والطاقة إلى الطهي على نار الحطب باستخدام أي مادة متاحة، من ألواح خشبية مكسورة إلى صنادل بلاستيكية وعلب فارغة. كما تتحدث عن صعوبة التعليم، حيث يُجبر الأطفال على الكتابة بخط صغير ومرصوص بسبب ندرة الأقلام والدفاتر، مع حرص المعلمين على توصيل الدروس رغم الظروف الصعبة.
وتختتم الكاتبة مقالها بالتأكيد على أن الحرب لم تقتصر على الدمار المادي، بل طالت المشاعر والأفكار والأحلام. تقول: "الحرب جنونية - جنون يتسلل إلى العقل، إلى الجسد، إلى الأحلام… لا أستطيع استيعاب ما يحدث تماما". وتوضح أن آلة الحرب الإسرائيلية لم تتوقف منذ عامين، وأسفرت عن مقتل وجرح ما يقرب من ربع مليون شخص، وتهجير السكان، وتحويل المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والأسواق إلى أنقاض، مشددة على أن هذه التفاصيل هي ما تحدد حياة الناس اليومية في غزة.
يقدم مقال غادة عبد الفتاح شهادة مباشرة عن الحياة تحت القصف، ويُبرز كيف أن الدمار المستمر والتهجير القسري والنقص في المواد الأساسية والمخاطر اليومية تشكل الواقع اليومي للفلسطينيين في غزة. ويعدّ هذا النص دعوة للعالم لفهم التفاصيل التي تشكل حياة المدنيين وسط الصراع المستمر، بعيدًا عن الإحصاءات الرسمية أو الأخبار المجردة عن القصف والخسائر.