لجريدة عمان:
2025-12-15@01:13:41 GMT

دفتر مذيع :فلسطين فوق العادة

تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT

عندما نغرق في النعم ونعتادها، نظن أننا في الوضع الطبيعي، وهذه مسألة خطيرة قد تنسينا واجب الشكر. والتحدث بنعم الله، وفكرة (أفلا أكون عبدا شكورا).. وعندما نعتاد ممارسة أي خطأ ننسى بالتكرار أنه خطأ، وربما نوجد له المبررات. حتى في أبسط الأمور كوجود نشاز في ديكورات البيت، أو قصور في إحدى لبناته، فيؤذينا فترة من الزمن ثم نعتاد عليه فنمر بجانبه يوميا دون التفات.

. وحتى اعتياد الألم أحيانا قد ينطبق عليه ذلك، ولكن بصورة أخرى.. عندما نقش الفلسطينيون تاريخ السابع من أكتوبر على صخرة الانتصارات العربية القليلة، انتفضنا وفرحنا وهللنا وكبرنا وأيقظ ذلك فينا الرغبة الحقيقية للجهاد، فحدثتنا نفوسنا بصدق وحماس لمشاركة ونصرة أشقائنا، ولم نعد نخشى أن نموت على شعبة من النفاق، فنحن صادقون في مشاعرنا، وأيقظنا من اعتياد أراده لنا العدو عقودا من الزمن. وعندما كثرت الضحايا وأسرف العدو الجبان في تقتيل الضعفاء والعزّل مستقويا بالسلاح الجوي، بدل مواجهة الرجل للرجل والجندي للجندي حسب شريعة الحروب، تسمرنا أمام الشاشات ليل نهار، وربما منا من لم يذهب إلى عمله في بعض الأيام..

وسط ذلك الوجع وجدت نفسي خجلا من الكتابة عن ذكرياتي الشخصية والجمعية والمهنية التي انتهجتها في هذه الزاوية، ووجدت نفسي غير قادر على كتابة ما تستحقه فلسطين لضعف خبرتي السياسية، وعدم جدوى إعادة إنتاج ما يكتب وينشر هنا وهناك، فقررت التوقف عن الكتابة لأجل غير مسمى..

ويوما بعد آخر تتكرر المشاهد وتزيد الأكاذيب، ويتصيد المرجفون الوضع، حتى خشيت أن تصبح الحرب على غزة، بل على فلسطين والعروبة والإسلام، حالة اعتياد ما دام الرصاص لم يخترق أجسادنا، ولم تتساقط فوقنا الأسقف، ولم تمزقنا الشظايا، ولم تحرق جلودنا الأسلحة المحرمة. وصمت الحكومات العربية مريب حد الشعور بأننا نتآمر على فلسطين، بل على أنفسنا.. عدت لمراجعة نفسي: من المستفيد إن أنا أو غيري توقفنا عن الكتابة، وعن بعض نشاطاتنا اليومية كتعبير عن مشاعرنا وإظهار حزننا وتسجيل بعض مواقفنا؟ فقد تعلمت من مأساة شخصية عشتها وما زالت تؤلمني، أن التوقف ليس حلا، وقد لا يكون التعبيرَ الأنسب عن الوجع. وأن الأصح هو الاستمرار في ممارسة الحياة بخطوط متوازية وإن تلامست أحيانا. إذاً سنظل نكتب ونعمل ونبني ونعمر بدل أن نجلس ونندب، ونتابع مشاهد غير مسبوقة لصلف إسرائيل وتلذذها بقتل الأطفال، وتدمير المستشفيات، وكأنه مسلسل درامي مثير..

ولنا في الغزاويين أسوة حسنة وهم يصفّون على قارعة الطريق شيئا من الخضار والفواكه التي تفوح منها رائحة التربة الزكية، يبيعون ويشترون، بين أنقاض المباني، على وقع صواريخ وقنابل العدو، مطبقين: (لو قامت على أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة فليغرسها).. لن نعتاد الألم وتكرار المشاهد، حتى لا تموت قلوبنا. فإن لم ننل شرف الغزو سنجهّز غزاتنا بما نستطيع، ولو بلقمة تقوي بدن المجاهد.. سنشجع صغارنا الذين أيقظتهم فطرتهم لواجب النصرة، على الاستمرار، وفهم الحقائق كما هي، وسنحذرهم من لعبة المصطلحات المضللة، وسنقول لهم إن الحرب غير الصراع، وبأن العدو غير الخصم، وبأن حماس حركة مقاومة وتحرير وليسوا إرهابيين، وبأن إسرائيل هي فلسطين المحتلة، بل المغتصبة.

وبأن الشهادة غير الموت، بل غير النفوق، وبأن كلمة الإرهاب لا تخيفنا، لأن لنا مفهومنا منها ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...)).. وبأن من ينصر الله ينصره، وبأن المسافة صفر أصبحت مدرسة في علوم الحرب، وأنها جعلت أهل الديانات الأخرى يقرؤون القرآن ويتفكرون فيه، ليستوعبوا سر هذه القوة، وبأن الهدنة تنفذ بقوة الإيمان وشروطه لا بغطرسة القوي وإملاءاته. وسنذكرهم بنصر بدر، وفَرق ميزان القوى بين مفاهيم فلسفاتنا وحساباتنا الرياضية والفيزيائية وبين قناعاتنا بعقيدتنا، وأن الشجاعة ليست بالكثرة، وأن أنفاق غزة كأنفاق فيتنام، وليست كملاجئ العدو ومواقف السيارات أو صالات الأفراح. وأن العدو من التفاهة أنه يغار حتى من فرحة الإفراج عن الأسير وابتسامته، نعم تغيظه حتى ابتسامتنا، لذلك سنبتسم حد الضحك. وأن صواريخنا كتب عليها التكبير والشهادة، أما قنابله فيطلقها باسم عيد ميلاد ابنته أو عشيقته ليعطرهم بدماء الخدّج والمسنين. وسنحذر صغارنا من السفهاء، فهم نشاز وشذوذ ولا يمثلوننا.. وسنظل نقاطع حتى وإن وضعت الحرب أوزارها، ليتعلم الجيل القادم درسا نسيناه أو تجاهلناه حتى ورد في الامتحان الأخير، بأنه لا خير فينا إن لم نأكل مما نزرع، ونلبس مما ننسج، ونقتني مما نصنع.. أباهي بسلطنة عمان قمة وقاعدة، لأننا هنا نسمي الأشياء بمسمياتها. أزين بيتي بمزهريات الكيذا والسوسن، فأنصب فوقها علم فلسطين إلى جانب علم بلادي، وألف الكوفية وشماغ أبي عبيدة وكل رايات وعمائم المقاومة مع عمامتي ما دامت بنادقها صوب العدو، وأغرس غصن الزيتون بجانب أغصان النخلة واللبانة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تاريخ شعب فلسطين

شاهدت وسمعت فيديو في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان:
Where did Palestines come from?
"من أين جاء الفلسطينيون؟"
أعجبت بسرد هذا التاريخ، ولذلك قمت بتحويل هذا الحديث إلى نص كتابي وترجمته إلى اللغة العربية ويقول المتحدث: لا تصدم عندما أقول هذا، لكنّ الشعب الذي تعرفه اليوم باسم الفلسطينيين لم يظهر فجأة في القرن العشرين. لم يكونوا غرباء عن الأرض، ولم يهاجروا إليها بالأمس. في الواقع، لقد كانوا هناك لآلاف السنين، قبل الحدود الحديثة، قبل الممالك، وقبل حتى أن تظهر الأسماء "إسرائيل" أو "فلسطين". ولكن، من هم حقا؟، من أين جاؤوا في الأصل؟، ولماذا يستمر العالم في الجدال حول هويتهم؟، لنعود إلى الوراء، بعيدا آلاف السنين قبل عالمنا الحديث، كان يعيش هناك قوم يُعرفون بالكنعانيين. زرعوا الأرض، وبنوا المدن، وعبدوا آلهتهم على نفس التربة التي يسير عليها الفلسطينيون اليوم. ثم جاء الفلسطينيون القدماء (الفلسطيون)، وهم قوم بحّارة استقروا على الساحل منذ أكثر من ٣٠٠٠ عام. اسمهم تردّد عبر التاريخ وتحوّل تدريجيا إلى كلمة "فلسطين". وفي الوقت نفسه، ظهرت قبائل ناطقة بالعبرية تُعرف بالإسرائيليين، أسست ممالك وهياكل، وتعايشت أحيانا، وتصادمت أحيانا أخرى مع الشعوب الأخرى في تلك الأرض. ومع ذلك، ظلّت هذه البقعة من الأرض مفترق طرق للحضارات. مرّ بها المصريون، الآشوريون، البابليون، الفرس، اليونان، والرومان. لكن أياً منهم لم يمحُ السكان الأصليين. وبعد ثورة يهودية كبيرة عام ١٣٥م، قام الإمبراطور الروماني هادريان بتغيير اسم المنطقة إلى "سوريا فلسطين"، وكان ذلك بقصد قطع صلة اليهود بالأرض. لكن الناس الذين عاشوا هناك لم يختفوا. ظلّوا فلاحين، تجارا، رعاة، ينقلون بيوتهم من جيل إلى جيل. ثم جاءت الفتوحات الإسلامية في القرن السابع. ويتبنّى أهل البلاد تدريجيا اللغة العربية والثقافة العربية، وتحوّل كثير منهم إلى الإسلام. لكنهم لم يختفوا ولم يأتوا من مكان آخر، لقد كانوا نفس الشعب القديم الذي غيّره الزمن وتطورت هويته. وتحت حكم الأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم، كانوا يُعرفون باسم "أهل فلسطين". وعلى مدى قرون، عاشوا كالسكان المحليين، وطنهم هو هذه الأرض، لكن في أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأت موجات من المهاجرين اليهود تصل تحت راية الصهيونية، بدأ السكان العرب يرون أنفسهم شيئا جديدا: أمّة، وصاروا يسمّون أنفسهم "فلسطينيين"، ليس كاسم جغرافي فحسب، بل كهوية شعب له تاريخ وثقافة ومصير مشترك. وعندما سيطرت بريطانيا على البلاد بعد الحرب العالمية الأولى، كان اسم المنطقة هو "فلسطين"، وكل من عاش فيها، عربا ويهودا، كان يُسمّى "فلسطينيا". لكن بعد عام ١٩٤٨، عندما أُقيمت دولة إسرائيل وتمّ طرد أكثر من ٧٥٠ الف فلسطيني أو فرّوا من بيوتهم في مأساة تُعرف بالنكبة، تحولت الهوية الفلسطينية إلى شيء أعمق، ذاكرة، نضال، وصوت يطالب بالانتماء. وإليك الحقيقة التي يرفض الكثيرون سماعها: الفلسطينيون ليسوا غرباء، ليسوا دخلاء، إنهم الامتداد الحي لكل حضارة مرّت فوق هذه الأرض، في دمهم تسري ذاكرة الكنعانيين، الفلسطينيين القدماء، العبرانيين، الرومان، البيزنطيين، العرب، سلسلة بشرية لم تنقطع منذ أكثر من ٥٠٠٠ عام. لذلك، في المرة القادمة التي يسأل فيها أحدهم: "من أين جاء الفلسطينيون؟"، قل لهم: لقد جاؤوا من تراب الأرض تحت أقدامهم، من أشجار الزيتون التي زرعها أجدادهم. من غبار الإمبراطوريات التي قامت وسقطت من حولهم. لم يأتوا، بل بقوا. وتلك حقيقة لا يستطيع أيّ حدود، ولا جدار، ولا حرب أن تمحوها.

محافظ المنوفية الأسبق

مقالات مشابهة

  • جرائم الاحتلال في فلسطين تغذي "موجات انتقامية" وسط عجز دولي عن محاسبة "مجرمي الحرب"
  • دفتر أحوال وطن "353"
  • الجمعية اللبنانية للأسرى: 23 أسيراً يقبعون في سجون العدو الإسرائيلي 9 منهم بعد وقف النار
  • من معركة دِفَا وصمود مرباط صُنع مجد "11 ديسمبر"
  • الجبهة الديمقراطية: ربط العدو الإسرائيلي الانتقال للمرحلة الثانية باستعادة جثة آخر أسير صهيوني هو محاولة مكشوفة لتعطيلها
  • منظمة حقوقية: العدو الإسرائيلي يستغل الحرب لسن قوانين تسكت الفلسطينيين
  • تاريخ شعب فلسطين
  • أمانة العاصمة تشهد وقفات شعبية حاشدة تحت شعار “جهوزية واستعداد.. والتعبئة مستمرة”
  • وقفات حاشدة بصنعاء تحت شعار جهوزية واستعداد.. والتعبئة مستمرة
  • وزير الإعلام المصري الأسبق لـعربي21: الكاميرا يجب أن ترافق البندقية.. والبعض خان فلسطين (شاهد)