الأمطار تفاقم مأساة أهالي غزة.. العطشى يروون ظمأهم والنازحون يفقدون خيامهم
تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT
خيام قماشية لا تقيهم من البرد القارس، ولا من الأمطار الغزيرة التي تتساقط، يعيش فيها نحو 1.5 مليون شخص نازح من قطاع غزة إلى مناطق متفرقة في الجنوب، لا سقف يحميهم ولا مكان آمن يأويهم منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، ومع كل قطرة مطر تسقط، تتفاقم أزمة النازحين، رغم أنها تروي ظمأ العطشى.
بكيس ومشمع بلاستيكي أمام أحد خيام النازحين بمدينة رفح الفلسطينية، جلس الجد عطية حمامة، محاولا جمع كّسرات الحطب وإشعاله للتدفئة، بعدما أغرقت مياه الأمطار خيمته وأسرته: «هاي الأمطار كنا زمان بنسميها أمطار الخير على غزة، بس وقتها كنا في بيوتنا وفي سقف بيحمينا، لكن هاد الوقت وبعد نزوحنا وتركنا كل شيء، ما في أي شيء يحمينا من البرد والأمطار، هاي الخيمات مع أول قطرة مطر بتتمزق وبتغرق».
قبل السابع من أكتوبر الماضي، كان الجد «عطية» يجتمع مع أولاده وأحفاده في إحدى غرف منزله، يلتفون بالبطاطين ويحتسون المشروبات الساخنة التي تعمل على تدفئة الجسم وقت الشتاء، لكنهم اضطروا للنزوح قسرا في الثامن والعشرين من أكتوبر، بعدما أجبروا عل إخلاء منزلهم في غزة: «أجبرنا على النزوح قسرا من بيتنا، وما بقى أي شيء يحمينا، وهذه الخيمات ما بتحمي علشان كده لفيت نفسي بكيس بلاستيكي».
تحمل الحذاء في يديها، بينما تغوص قدماها في الطين والوحل، تريد الذهاب إلى خيمتها بمخيم اللاجئين في رفح، بعدما كانت تلهو مع بعضا من أصحابها الذين تعرفت عليهم في المخيم، وتبعد خيمتهم عن خيمتها بضعة أمتار، في مشهد يبكي الجميع على حال ما وصل إليه نازحو غزة، ظهرت الطفلة ميساء عادل، شارحة معاناتها مع الأمطار: «كان بدي أوصل لخيمتي، لكن فجأة الأمطار سقطت وغرقت الأرض، فنزعت حذائي ومسكته بإيدي وعديت في الوحل».
أمام إحدى الخيام القماشية، وقفت ياسمين عياش وزوجها، يحاولان إصلاح الخيمة التي نزعتها الأمطار الغزيرة في جنوب رفح، حيث اشترى الزوج كيسا بلاستيكيا في محاولة منه لإنقاذ الخيمة التي تؤوي أسرته، وفق زوجته: «بنحاول نصلح الخيمة بكيس بلاستيكي بعدما دمرتها الأمطار، بعد هطولها بغزارة وكحال كل الغزيين نحاول العيش».
في وسط مخيمات النازحين، تجمع عدد من الشباب محاولين إعداد الأطعمة التي تعمل على تدفئة أجساد النازحين، لكنهم أيضا يواجهون معاناة أخرى، وهي تساقط الأمطار والرياح، وفق جاسر غسان: «إحنا حتى ما عارفين نطبخ ولا نعمل أي شيء للنازحين، الأمطار رغم إنها نعمة، لكن أصبحت نقمة علينا، ما بنعرف نتحرك والأمطار بتغرقنا وبتفقدنا الخيام».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أمطار في غزة نازحو غزة
إقرأ أيضاً:
نحن نعيش الموت: صحفي من غزة يروي مأساة التهجير واليأس
يقدم الصحفي رامي أبو جاموس في يومياته لـ"أوريان 21″ شهادة مؤثرة وعميقة عن المأساة المستمرة التي يعيشها سكان قطاع غزة.
فبعد أن اضطر إلى مغادرة منزله في مدينة غزة مع عائلته في أكتوبر/تشرين الأول 2023 تحت تهديد الجيش الإسرائيلي، تنقل أبو جاموس وعائلته قسرا بين رفح ودير البلح والنصيرات، ليجسدوا بذلك معاناة مئات الآلاف من النازحين داخل هذه "المنطقة البائسة والمكتظة".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوجون أفريك: شعب الفلان بغرب أفريقيا عالق بين المسلحين والعسكريينlist 2 of 2إندبندنت: لماذا تأخرت حكومة ستارمر باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل؟end of listتبرز شهادة أبو جاموس الجانب المأساوي في خطة التهجير القسري والدمار الشامل. فبالنسبة له، فإن العملية الإسرائيلية المسماة "عربات جدعون" لا تخفي هدفا غير معلن، بل تسعى علنا إلى "دفع جميع سكان غزة للتحرك نحو البحر، نحو الجنوب، نحو رفح، المدينة التي دمرهاجيش الاحتلال بالكامل تقريبا".
نحن نواجه أسدًا يمزقنا، ويقتلنا، ويذبحنا، ولكنه ليس وحيدا، فخلف هذا الأسد هناك نمور وفهود وتماسيح تدعمه
ويرى أبو جاموس أن الاسم الرمزي للعملية الإسرائيلية الجديدة مثير للاهتمام، قائلا "كما هو الحال دائمًا، هناك دلالة دينية، لكنها تشير أيضًا إلى التاريخ، فقد أطلق اليهود عام 1948 اسم "عملية جدعون" على الهجوم الذي شنته المليشيات اليهودية على قرية بيسان الفلسطينية الإستراتيجية، والتي تم تهجير سكانها باتجاه الأردن، وليس من قبيل المصادفة أن يختار الجيش الإسرائيلي هذا الاسم لعملية التهجير الجديدة"، وفقا للكاتب.
إعلانويلفت هنا إلى أن 90% من المساكن قد دمرت في رفح، مؤكدا أن الهدف هو ترحيل 2.3 مليون شخص إلى بلدان أجنبية. ويصف أبو جاموس ما يحدث بأنه "نكبة جديدة" تهدف إلى استكمال ما بدأ عام 1948، ليتم احتلال فلسطين كلها من قبل إسرائيل.
ويزداد المشهد قتامة مع إشارته إلى الاستخدام الإسرائيلي للمرجعيات الدينية لتبرير الدمار، فاستخدام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمصطلح "عماليق" في بداية الحرب كان إشارة إلى نص في التوراة يدعو إلى دمار كامل لا يستثني "رجالا ولا نساء ولا أطفالا ولا رضّعا ولا أجنة، فضلا عن الماشية والخيول والمساكن".
ويصف أبو جاموس هذا بأنه "أسوأ إرهاب دولة ممكن"، متسائلا: لماذا لا يطلق عليه اسم "الإرهاب اليهودي". كما يكشف عن خطة إسرائيل لتقسيم غزة إلى 5 أجزاء، مع "ممرات للتعذيب" حيث تتم تصفية النازحين ودفعهم جنوبا، مع استمرار "المجازر".
ويشير إلى أن ما بين 400 ألف و600 ألف شخص بقوا في الشمال محاصرين يتضورون جوعًا، "يأكلون التبن والعشب في الشارع، ويغلون الماء الملوث ليشربوه".
وفي خضم هذا اليأس، يبرز أبو جاموس صلابة سكان غزة ووصولهم إلى نقطة اللامبالاة بين الحياة والموت.
فرغم معرفتهم بقوة الجيش وقدرته على ارتكاب المجازر بحق من لا يطيع أوامر الإخلاء، فإن كثيرين قرروا البقاء.
ويضيف أبو جاموس بحسرة: "حياتهم أو موتهم، الأمر سيان بالنسبة لهم. هم منهكون جدا ليتنقلوا مرة أخرى".
ويضيف أن المنطقة التي تدعى "إنسانية" في المواصي تتعرض "للقصف يوميا تقريبا… ويستهدفون خيام النازحين، وتُقتل عائلات بأكملها".
ويوضح أننا "نواجه أسدًا يمزقنا، ويقتلنا، ويذبحنا، ولكنه ليس وحيدا، فخلف هذا الأسد هناك نمور وفهود وتماسيح تدعمه"، مبرزا أن الوضع يتطلب من الفلسطينيين في الوقت الحالي الحكمة أكثر مما يتطلب الشجاعة، إذ إن النجاح الحالي هو في تفادي تهجير أهل غزة عن أرضهم.
إعلانويختتم أبو جاموس شهادته بعبارة تختصر المأساة الوجودية: "نحن أحياء، نتنفس، لكننا نعيش الموت، ولن نغادر". ويعتقد أن العالم رغم إحجامه عن نطق كلمة "إبادة جماعية"، قد "فهم أننا نعيش إبادة جماعية".