صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-31@05:42:20 GMT

أزمة جيل في السودان

تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT

أزمة جيل في السودان

 

أزمة جيل في السودان

عثمان ميرغني

تكمل حرب السودان شهرها الثامن، بينما ترسم شهادات الناس وتقارير المنظمات الدولية صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية. بسبب الحرب بات السودان يصنف على أنه يشهد أكبر نزوح داخلي في العالم شمل أكثر من ستة ملايين شخص، إضافة إلى أكثر من مليون عبروا إلى دول الجوار. وأمس، حذر برنامج الغذاء العالمي من أن خطر نقص الغذاء يهدد نصف سكان البلاد، وأن الوضع سيزداد سوءاً إذا لم تنته الحرب سريعاً، وفي ظل غياب هدنة إنسانية.

كل التقارير مروعة، لكن أكثرها إثارة للفزع تلك المتعلقة بالأطفال، وبالكارثة الجيلية التي تهدد البلد، ومستقبله لفترة طويلة. الأطفال لا يتسببون في الحروب أو يبدأونها، ومع ذلك فهم أكبر ضحاياها، ويعيشون آثارها لفترة أطول. هذه هي القاعدة العامة في كل الحروب، والسودان ليس استثناء.

فإضافة إلى الأمن، والوضع الغذائي والصحي، أكثر ما يشغل الأسر السودانية اليوم هو كيفية تأمين التعليم لأبنائهم، بسبب تعطل الدراسة. وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قد أشارت إلى أن نحو 19 مليوناً من أطفال السودان في مختلف المراحل الدراسية، أصبحوا خارج أسوار المدارس، ما يعني كارثة لجيل بأكمله ستكون لها تداعياتها الخطيرة، ما لم تنته الحرب سريعاً، أو على الأقل تجد السلطات طريقة لاستئناف التعليم. وحذرت ممثلة المنظمة في السودان من أن البلد على وشك أن يصبح موطناً لأسوأ أزمة تعليمية في العالم.

في ظل هذه التحذيرات، وانشغال الأسر بكيفية توفير التعليم لأبنائها، كان لافتاً حدوث ضجة واسعة عندما وجهت الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي باستئناف الدراسة في الجامعات والمدارس في الولايات الآمنة. فقد تصدت للقرار هيئات ومنظمات تعليمية، إضافة إلى عدد مقدر من الأسر التي تشردت ونزحت من مناطقها إلى ولايات أخرى. ولخصت الجهات المعترضة أسباب موقفها في جملة من النقاط أبرزها:

– عدد من المدارس أصبحت مراكز لإيواء النازحين الذين لا يمكن إخراجهم منها ما لم تتوفر مراكز إيواء بديلة.

– عدم صرف رواتب المعلمين منذ اندلاع الحرب، وحتى الذين تلقوا رواتب فإنها لم تكن منتظمة وتوقفت جل فترة الحرب.

– كثير من المعلمين نزحوا من مناطقهم مع أسرهم إلى ولايات أخرى، أو لجأوا خارج السودان.

– عدم توفر معينات التعليم مثل الكتب بما يكفي الطلاب خصوصاً في المناطق التي شهدت وصول أعداد كبيرة من النازحين.

– حتى بالنسبة للجامعات التي تريد مواصلة الدراسة عن بعد، فإنها تواجه مشكلة عدم استقرار وتوفر شبكة الإنترنت وانقطاعها أحياناً لفترات طويلة، إضافة إلى مشكلة انقطاع الكهرباء بشكل متكرر.

– كثير من الأسر تعيش أوضاعاً مالية سيئة بسبب الحرب، ولا تملك دفع الرسوم الدراسية، أو توفير احتياجات أبنائهم التي تمكنهم من العودة للمدارس.

– دعوة بعض التنظيمات التعليمية إلى تأجيل استئناف الدراسة إلى ما بعد توقف الحرب حتى يستطيع الطلاب العودة للدراسة في ظروف طبيعية، وفي وضع نفسي أفضل يجعلهم قادرين على التحصيل.

كل هذه النقاط مشروعة وتطرح عقبات حقيقية، لكن السؤال هو ماذا لو طال أمد الحرب؟ أبعد من ذلك فإنه حتى عندما تتوقف الحرب سوف تستغرق العودة للحياة الطبيعية فترة طويلة، علماً بأن هناك منشآت تعليمية طاولها دمار الحرب، وسوف تحتاج إلى إعادة تأهيل، بما يعني المزيد من التأخير في استئناف الدراسة.

تقديري أن ربط استئناف الدراسة بتوقف الحرب فيه مجازفة بضياع مستقبل هذا الجيل، لأنه لا أحد يعرف متى يتوقف القتال، ومتى تعود الحياة إلى طبيعتها. ما يزيد الصورة قتامة أن التعليم ظل يعاني من التعطيل وإغلاق الجامعات والمدارس لفترات متفاوتة منذ 2019، بل قبل ذلك. وتقول منظمة اليونيسيف إنه حتى قبل اندلاع هذه الحرب في أبريل (نيسان) الماضي، كان هناك ما يقارب سبعة ملايين طفل خارج المدارس في السودان، وبشكل خاص في مناطق الحرب مثل دارفور، أو في أحزمة الفقر المنتشرة في طول البلاد وعرضها. ودقت المنظمة ناقوس الخطر، مشيرة إلى أنه لا يمكن لأي بلد أن يتحمل عبء عدم معرفة ثلث أطفاله الذين هم في سن الدراسة، مبادئ القراءة والكتابة… فالتعليم ليس مجرد حق، بل هو أيضاً شريان الحياة، والمفتاح لمستقبل منتج ومثمر للطفل وللبلد.

كثير من الأسر السودانية مهمومة اليوم بمستقبل أبنائها، وتفكر رغم ظروفها المعيشية الصعبة في كيفية استئناف التعليم لأبنائها. فالانقطاع عن الدراسة لفترة طويلة سيؤدي إلى تعرض الطلاب لمشاكل الفراغ، ومخاطر ضياع ما تعلموه نتيجة النسيان وافتقاد الفائدة التراكمية للتعليم التي يحصلون عليها عندما يوجدون في مدارسهم ووسط أقرانهم وأصدقائهم ومعلميهم. بعض الناس يفكرون في طرق أبواب الهجرة أو اللجوء لكي يتمكنوا من توفير الأمن والتعليم لأبنائهم، وبعض آخر يحاول الاقتطاع من معيشته ومما تبقى من مدخراته لكي يرسل أبناءه للدراسة في الخارج. لكن هذه كلها حلول صعبة ولا تتوفر للأغلبية من السودانيين المطحونين بهذه الحرب، بل قبلها. فما العمل؟

السودان ليس البلد الوحيد الذي يعاني مأساة الحرب، وهناك دول أخرى وجدت طريقاً لمواصلة تعليم أبنائها وتذليل الصعاب والعقبات. تقديري أن قرار الحكومة باستئناف التعليم كان صائباً، وبدلاً من معارضته ورفضه بالمطلق، كان الأفضل والأجدى أن تتكاتف مختلف الجهات المعنية للبحث في كيفية تذليل العقبات، وتقديم التضحيات من أجل إنقاذ جيل من الضياع. توفير ملاجئ أخرى غير المدارس للنازحين، ممكن، وكذلك إلغاء الرسوم الدراسية في هذه الفترة، وتوفير الرواتب للمعلمين. لا أشك أنه لهذا الهدف ستجد الجهات المعنية السند من المنظمات الدولية ومن غيرها، المهم أن تتوفر الإرادة عند السودانيين أولاً.

الوسومأزمة الحرب جيل عثمان ميرغني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أزمة الحرب جيل عثمان ميرغني

إقرأ أيضاً:

مراحل عربات جدعون التي أقرها نتنياهو لتهجير سكان غزة

مع بلوغ الحرب الإسرائيلية يومها الـ600، صادقت حكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- رسميا على عملية "عربات جدعون"، الرامية لاحتلال قطاع غزة بشكل كامل وتهجير سكانه.

وقد أشار تقرير أعده صهيب العصا للجزيرة، إلى أن العصابات الصهيونية أطلقت سنة 1948 عملية حملت الاسم نفسه (عربات جدعون) في الأطراف الشمالية للضفة الغربية -المحاذية للأردن- لتهجير الفلسطينيين منها واحتلالها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2شهيد في قلقيلية وإصابات واعتقالات في طولكرمlist 2 of 2في غزة الورد يحترق والمدرسة مقبرةend of list

وسيتم تنفيذ العملية الجديدة في غزة على 3 مراحل تستهدف احتلال القطاع وإخضاع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واستعادة الأسرى وذلك وفقا لمخطط قوات الاحتلال.

وستبدأ العملية بتهجير سكان شمال القطاع إلى مدينة رفح في الجنوب حيث تقول إسرائيل إنها ستقيم "منطقة آمنة"، تمهيدا لتوزيع المساعدات بالتعاون مع شركات مدنية ستفرضها تل أبيب التي تواصل استخدام التجويع سلاحا في هذه الحرب.

تهجير السكان

وفي المرحلة الأخيرة من العملية، ستتوغل قوات الاحتلال تدريجيا في قلب القطاع لتهيئة الأرض لبقاء طويل الأمد وإنهاء المقاومة وتدمير الأنفاق بشكل كامل.

يأتي ذلك، فيما تتصاعد الانتقادات الدولية لهذه العملية التي تستهدف تهجير الفلسطينيين من القطاع من خلال تجويعهم، وهو ما أكده نتنياهو بنفسه في خطابه الأخير، بينما لم تتخذ الدول العربية موقفا من هذه التطورات.

إعلان

في المقابل، تواصل المقاومة تنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال الموجودة في القطاع بين الفينة والأخرى، حيث تم استهداف العديد من الآليات والدبابات والجنود خلال الشهرين الماضيين.

وتقول إنها مستعدة للتفاوض على اتفاق ينهي الحرب ويضمن انسحاب الاحتلال من القطاع وتبادل الأسرى، من دون التفريط في سلاحها، وهو ما ترفضه إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • للحرب وجوه كثيرة
  • الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان
  • إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان
  • مراحل عربات جدعون التي أقرها نتنياهو لتهجير سكان غزة
  • الحرب وتفشي الكوليرا ومصادرة حقوق الإنسان
  • رئيس الوزراء: أزمة البنزين لن تتكرر مرة أخرى
  • دمار كبير في القطاع الصناعي سببه الحرب في السودان
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • وزير التعليم: تقليل مواد الثانوية إلى 6-8 وزيادة ساعات الدراسة ونظام البكالوريا الجديد
  • التعليم العالي يعلن بدء الدراسة في 12 جامعة أهلية ضمن خطة التوسع 2025/2026