سودانايل:
2024-06-16@09:23:47 GMT

مصر: مسارات التهديد الحدودية تمتد للبحر الأحمر

تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT

نقلا عن مصر 360

باتت الحدود المصرية من جميع الجهات، مصدرا كبيرا لتهديدات استراتيجية شاملة تواجهها مصر حاليا، حيث تشكل الحرب في غزة عاملا من عوامل تصاعد التهديدات الأمنية في البحر الأحمر، وذلك نتيجة تدخل ميليشيات الحوثي في هذا الصراع كأحد الآليات الإيرانية، ضد الغرب عموما وإسرائيل خصوصا، وإذا كان أمن البحر الأحمر يشكل، منذ أكثر من عقدين، تحديا رئيسا للاقتصادات، وحركة التجارة العالمية؛ نتيجة أنه الطريق الرئيسي الذى يمر من خلاله نفط الخليج العربي، وإيران، إلى الأسواق العالمية خصوصا، إلى أوربا التي تلبي ٦٠ ٪ من احتياجاتها من الطاقة عبر البحر الأحمر، و الذي يتم عبره أيضا نقل نحو 25 % من احتياجات النفط للولايات المتحدة الأمريكية.


وقد تكون أزمة سفينة إيفر جرين عام 2021 التي استمرت حوالي أسبوع، كاشفة؛ بشأن تأثير البحر الأحمر، وقناة السويس على الاقتصاد العالمي، إذ تم احتجاز 100 سفينة من كل جانب، وتم انقطاع ما يقدر بنحو 9.6 مليارات دولار من حجم تدفق التجارة كل يوم، بالنظر إلى أن حوالي 12 ٪ من التجارة العالمية تمر عبر قناة السويس.
طبقا لذلك، فإن قرار بعض شركات الشحن العالمية الأخير برفع تكلفة الشحن عبر البحر الأحمر، كما فعلت الشركات الإسرائيلية التي رفعت تكلفة الشحن بنسبة زيادة ٤٠٠ ٪، أو قرار شركة مينرسك الدنماركية الضخمة بتحويل مسارات سفنها بعيدا عن البحر الأحمر، من شأنه أن يخلق اضطرابا كبيرا في حركة المرور التجارية حول العالم، وكذلك على صناعة الشحن، وله تأثير سلبي أيضا على عدد لا يحصى من سلاسل الإمداد الاقتصادية، والاستراتيجية حول العالم، وهو التأثير الممتد من الشركات المصنعة إلى مزودي النقل المحليين إلى تجار التجزئة، ومحلات السوبر ماركت، حيث أصبح البحر الأحمر مركزيا في الجغرافيا السياسية، والاقتصادية حول العالم.
أما على الصعيد المصري، فإن الاضطرابات الجارية في البحر الأحمر مؤثرة قطعا على قناة السويس، وعلى عوائد حركة المرور فيها، التي هي مكون مؤثر على الموازنة العامة المصرية، والبالغة في موازنة ٢٠٢٣ أكثر من ٩ مليارات دولار.
وبعيدا عن التهديدات الاقتصادية، فإن هناك تهديدات جيوسياسية مرتبطة بالدول المشاطئة للبحر الأحمر، ذلك أن مؤشر الدول الهشة الصادر في ٢٠٢٢، قد رصد، أن بعض بلدان البحر الأحمر هي من أكثر الدول ضعفا، وهشاشة حول العالم، مثل الصومال وإرتيريا والسودان واليمن. وبطبيعة الحال تكون تداعيات ضعف مؤسسة الدولة والانفلات الأمني، وبروز ظواهر تهريب الأسلحة، والإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، ونهب الموارد الأولية؛ لصالح ميليشيات وفواعل غير رسمية مثل الحوثي، وتنظيم شباب المجاهدين في الصومال، وهو الأمر الذي يعد إجمالا مصدرا إضافيا من مصادر التهديد الأساسية لأمن البحر الأحمر، ولدوله وأيضا بيئة مناسبة لصراعات الأطراف الدولية انطلاقا من منصات دول البحر الأحمر، حيث تبدو طبيعة التحديات المطروحة حاليا على دول البحر الأحمر مرتبطة بتقاطعات متشابكة منها ما يرتبط بالتضاغط الدولي الراهن الرامي إلى وضع محددات جديدة للنظام الدولي.
وهو ما ينعكس إقليميا على دول البحر الأحمر. وفي سياق مواز تشكل الطموحات الإقليمية، والرغبة في تأمين المصالح، على دوافع لبعض القوي الإقليمية، مثل إيران وتركيا فضلا عن رغبة إثيوبيا في تكوين قوة بحرية، رغم أنها دولة غير مشاطئة للبحر الأحمر، هو ما يزيد المشهد تعقيدا.
في سياق هذا النوع من التهديدات، يكون رد الفعل الدولي متوقعا، حيث أعلنت واشنطن على لسان وزير دفاعها لويد أوستن، عن قيادة الولايات المتحدة؛ لتحالف عسكري في البحر الأحمر؛ لمواجهة التهديدات الصادرة من اليمن، ضد السفن التجارية طبقا لعلاقتها بإسرائيل.
وعلى الرغم من أن رد الفعل الأمريكي كان متوقعا، لكن من المهم هنا ملاحظة عدد من المعطيات المثيرة للتساؤلات، منها أن الدعوة لتحالف عسكري لحماية البحر الأحمر غير مبرر في ضوء وجود قواعد عسكرية لدول متعددة في البحر الأحمر، بما فيها مصر، حيث أن مناهج عسكرة البحر الأحمر التي بدأت قبل عقد ونصف تقريبا؛ كنتيجة لبروز ظاهرة القرصنة من السواحل الصومالية بعد انهيار مؤسسة الدولة، ونتج عن ذلك وجود قواعد عسكرية للعديد من دول العالم في جيبوتي بداية من الولايات المتحدة الأمريكية مرورا بالصين وفرنسا، وليس انتهاء بالمملكة العربية السعودية، وسنغافورة واليابان وغيرهم.
أما المعطى الأهم والمثير للدهشة حقا، أن تدعو الولايات المتحدة لتحالف عسكري جديد، بينما يقود الأسطول الخامس الأمريكي حاليا تحالفا أمنيا من 34 دولة، وذلك في نطاق عملية فرقة عمل بحرية جديدة CMF-153 دولة؛ لتعزيز أمن البحر الأحمر وخليج عدن. اعتبارا من إبريل ٢٠٢٢، وهي رابع فرقة معنية بهذه المهام، حيث تكونت الفرقة الأولى من ١٢ دولة عام2001، حيث تعد إسرائيل عضوا فاعلا في هذا التحالف انطلاقا من أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية لها، وتأثيره على اقتصادها عبر التفاعل مع كل من آسيا وشرق إفريقيا، فضلا عما يشكله النفوذ الإيراني فيه من تهديدات أمنية لإسرائيل، فإن السياسات الإسرائيلية عنصر فعال في الآليات الأمريكية، لضمان أمن البحر الأحمر، خصوصا بعد درس إغلاق باب المندب في حرب أكتوبر ١٩٧٣.
في هذا السياق، فإن هناك وجودا عسكريا مباشرا لإسرائيل في البحر الأحمر في قواعد في رواجيات ومكهلاوي، كما تمتلك إسرائيل قواعد جوية في جزر حالب، وفاطمة عند مضيق باب المندب، وقامت باستئجار جزيرة دهلك، حيث أقامت قاعدة بحرية، كما تقوم إسرائيل بعمليات متابعة ومراقبة عسكرية مستمرة، حيث أن حوالي نصف القوات الجوية الإسرائيلية (449 طائرة قتال) توجد قريبا من البحر الأحمر في قواعد النقب، وتقوم هذه القوات بدوريات، وطلعات فوق هذا البحر حتى مدخله الجنوبي.
فضلا عن تواجد قوات فرقة مدرعة إسرائيلية كبيرة، توجد في المنطقة العسكرية الجنوبية قريبا من البحر الأحمر، وتعمل في مجالات الاستطلاع، والمساحة وتخزين الأسلحة والعمل في البحر بالتعاون مع القوات الأمريكية في المنطقة، في العملية المشار اليها سالفا.
في هذا السياق من المهم ملاحظة، أن الدعوة الأمريكية للتحالف العسكري الجديد قد كشفت علنا عن الحالة التنافسية في المعسكر الغربي لأول مرة، إذ قالت فرنسا، إنها متمسكة، بأن تكون تحركاتها العسكرية في البحر الأحمر تحت قيادتها، وربما يكون ذلك ردا على السلوك الأمريكي المضاد لها في دول الساحل، والذي كسبت فيه واشنطن مساحات جديدة في إفريقيا على حساب باريس.
وبطبيعة الحال، لا يمكن عزل الأداء الأمريكي الراهن في البحر الأحمر عن الصدام الاستراتيجي بين الولايات المتحدة من جهة، وكل من الصين وروسيا من جهة أخرى، حيث يشكل مشروع الحزام والطريق الصيني تحديا استراتيجيا للولايات المتحدة التي تعتبره مشروع هيمنة عالمي.
أما على الصعيد الروسي الأمريكي، فإنه رغم الفشل الروسي في الاستقرار على قاعدة عسكرية في البحر الأحمر؛ بسبب المقاومة الأمريكية التي عرقلت وجود هذه القاعدة في جيبوتي، ودور واشنطن في تنفيذ اتفاق بين نظام البشير موسكو، لإنشاء قاعدة عسكرية على السواحل السودانية؛ فإن المجهودات الروسية؛ لاختراق هذا الوضع قائمة، حيث سعت موسكو خلال العام ونصف العام الماضيين؛ لتطوير حضورها العسكري في عدد من دول المنطقة.
ففضلا عن وجود موسكو المؤثر في إفريقيا الوسطى، فقد جرى توقيع اتفاقية عسكرية بين أديس أبابا وموسكو في يوليو 2021. وذلك لتدريب وتسليح الجيش الإثيوبي الذي تضرر بشكل بالغ في الحرب في تيجراي، بكل ما لهذا من أبعاد أمنية استراتيجية تصب في تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة بالنظر إلى الدور المحوري لإثيوبيا في الإقليم، ولأهمية الجيش الإثيوبي الذي مثَّل أكبر الجيوش في منطقة شرق إفريقيا.
وبجانب التنسيق السياسي العالي بين روسيا وإريتريا، فإن موسكو تعتبر المورِّد الأكبر للسلاح إلى الجيش الإرتيري، حيث أعربت أسمرا عن رغبتها باستئناف التعاون العسكري مع روسيا في حين ذهبت بعض المصادر إلى حصول إريتريا على طائرات روسية مسيَّرة، بالنظر إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الجيش الإريتري، والتوتر الشديد في العلاقة بين الطرفين.
ويمكن القول إجمالا، أن بيئة البحر الأحمر قد أصبحت ضاغطة على مصر، حيث تتركز فيها الصراعات والتنافسات الإقليمية والدولية، حيث أصبح البحر الأحمر مصدر خطر جديد مضاف إلى المخاطر المنبثقة عن الأوضاع على جميع الحدود المصرية في كل من السودان وغزة وليبيا.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر من البحر الأحمر حول العالم فی هذا

إقرأ أيضاً:

فرص وتحديات التقارب الروسي السوداني

(نحن لا نشتري الحلفاء)، هكذا ابتدر الجنرال الروسي الكبير رئيس وفد التفاوض مع الحكومة السودانية في مقرّ منظومة الصناعات الدفاعية السودانية حديثه، بعد أن اطمأن إلى وضوح رؤية الجانب السوداني في ضرورة تطوير علاقات بلاده مع روسيا، وذلك في العام 2017 بعد الزيارة التاريخية للرئيس السابق عمر البشير لروسيا والتي مهدت لدخول فاغنر للسودان وأفريقيا الوسطى بعد ذلك.

في ذلك الاجتماع تمت مناقشة اتفاقيات التعاون الأربع بين البلدين، وهي: اتفاقية التعاون العسكري، تطوير قدرات الجيش السوداني، استخدام الموانئ والمراسي السودانية لدخول السفن الروسية، وأخيرًا اتفاقية نقطة الدعم اللوجيستي على البحر الأحمر.

اليوم، ومع تسارع خطوات توسيع التعاون بين السودان وروسيا بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، تثور أسئلة عدة حول مدى نجاح هذا التقارب وتجاوزه للمخاطر المحيطة به.

فتحت زيارة المبعوث الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى السودان مايو/أيار الماضي الآفاق لتسريع وتيرة التعاون بين البلدين، فقد كشف مساعد القائد العام للجيش الفريق ياسر العطا النقاب عن اتفاق بين البلدين تزوّد بموجبه روسيا السودان بالذخائر والأسلحة مقابل تمكينها من إقامة محطة تزوّد على البحر الأحمر.

يعتبر هذا الاتفاق مهمًا للغاية من عدة أوجه، إذ إنه نقل الجيش السوداني من خانة التردد في المضي قدمًا مع موسكو منذ سقوط النظام السابق قبل خمس سنوات، إلى خانة التعاون المفتوح معها. كما أنه ساعد على إجلاء موقف روسيا من الاعتراف الكامل بشرعية مجلس السيادة، ودعم الجيش السوداني، وهو ما يعني تخليها عن التعاون مع الدعم السريع عبر مجموعة فاغنر.

لا شك أن هناك مجموعة من العوامل ساهمت في تشجيع الجيش لاتخاذ هذه الخطوة، وفي مقدمتها التطورات الميدانية على الأرض، وحاجة الجيش لحليف عسكري وسياسي قوي يدعم مواقفه.

فمنذ سقوط النظام السابق ظل قادة الجيش على تواصل دائم مع الولايات المتحدة الأميركية؛ أملًا في تطوير علاقات مثمرة معها، بل وقام الجيش بتجميد اتفاقية القاعدة الروسية على البحر الأحمر، والتي سبق أن وقع عليها النظام السابق في العام 2017، وبعدما صادقت الجهات الروسية عليها صرح رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان: (لدينا ملاحظات حول اتفاق القاعدة الروسية في السودان)، واستقبل بعدها بأيام السفير أندرو يانغ نائب قائد قوات الأفريكوم الأفريقية، وفهمت الزيارة حينها على أنها جزء من الترتيبات المتعلقة بتجميد ذلك الاتفاق.

بعد مرور عام على قيام الحرب ربما شعر قادة الجيش بنوع من الخذلان من الولايات المتحدة الأميركية التي لم تقدم شيئًا للسودان طوال السنوات التي أعقبت إسقاط النظام، بل ظلّ موقفها مرتبكًا ومملوءًا بالتناقضات والتردد.

كما أن تطاول أمد الحرب أملى على الجيش البحث عن خيارات أخرى وبدائل لتوفير المؤن والذخائر، خاصة بعد استهداف منظومة الصناعات الدفاعية من قبل الدعم السريع، وتأثر جانب كبير من عمليات التصنيع والإنتاج، ولا توجد دولة كروسيا قادرة على الاستجابة لتلك المطالب الملحة والفورية، فالسودان يعتبر ثاني أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية منذ العام 2000، بجانب أن كل منظومة التصنيع في الجيش السوداني معتمدة على الأعيرة الشرقية، وذلك بسبب الحصار الأميركي والغربي الطويل على السودان.

كما أن سلاح الطيران كله مؤسّس على نتيجة التعاون بين السودان وحلفائه في روسيا والصين وأوكرانيا. أما السبب الثالث، فهو استعداد روسيا نفسها لاستئناف التعاون مع السودان بما يمتلكه من أهمية إستراتيجية هي في أمسّ الحاجة لها لتنفيذ خططها المتعلقة بالتوسع أفريقيًا، وذلك مع تنامي وجودها العسكري في القارّة. حيث أفاد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بأن أفريقيا استوردت خلال عامي 2015 و2019 ما يقارب الـ 49 بالمئة من معداتها العسكرية من روسيا، وكان السودان هو بوابتها للتغلغل في أفريقيا الوسطى، ولاحقًا النيجر وغيرها.

دوافع التقارب ومطلوباته

بالنسبة للسّودان الذي يخوض حربًا غير مسبوقة مع مليشيا الدعم السريع، يحتاج الجيش إلى إمداد مستمر من الذخائر والمؤن الحربية، وخاصة تلك المتعلقة بسلاح الطيران، حيث يمتلك السودان حوالي 13 طائرة قتالية من طراز ميغ روسية الصنع، وحوالي 20 طائرة هجومية من طراز سوخوي 24 و35 الروسية، إضافة لعدد كبير من طائرات الهليكوبتر الهجومية والناقلة، ويحتاج هذا الأسطول بالتأكيد للتطوير والصيانة والذخائر.

كما أن السودان بحاجة لحليف قوي في المحافل الدولية في ظل انحياز الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين والإقليميين لمجموعة (تقدم) المناصرة للدعم السريع والتي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.

وظلت موسكو في حالة اختلاف مستمر مع المجموعة الغربية في أروقة مجلس الأمن، وآخرها في مارس/آذار الماضي، حين امتنعت عن التصويت على مشروع قرار قدّمته بريطانيا يدعو الطرفين لوقف النار خلال شهر رمضان الماضي، وقالت نائبة مبعوث روسيا لدى مجلس الأمن آنا إيفستغنيفا: (إن الأطراف السودانية هي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن الوضع في بلدها، وهي التي يجب أن تقرر مستقبله، وأن ممثلي المجتمع الدولي بمن فيهم أعضاء مجلس الأمن مهمتهم تيسير ذلك، وعدم فرض قواعدهم ومبادئهم على الدول ذات السيادة). وبالإضافة لذلك فإن السودان يأمل أن تساهم روسيا في تغيير مواقف بعض القوى الإقليمية الداعمة للدعم السريع.

أما بالنّسبة لروسيا فإنها تعتبر السودان مدخلًا مهمًا لتنفيذ إستراتيجيتها التوسعية في أفريقيا باعتباره من كبار المشترين للسلاح الروسي، وأنه كان البوابة التي قادت روسيا إلى أفريقيا الوسطى قبل سنوات. غير أن النقطة الأساسية والمهمة هي الوجود الروسي على البحر الأحمر.

لماذا البحر الأحمر؟

في مارس/آذار الماضي وفي جلسة استماع في الكونغرس الأميركي قال الجنرال لانغلي قائد القوات الأميركية في أفريقيا: (إن أكبر تحدٍّ يواجه الإستراتيجية الأميركية في السودان، هو محاولة روسيا إيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر). ظل الاهتمام الأبرز لأميركا في حرب السودان هو محاولة منع روسيا من الاقتراب من البحر الأحمر الذي يشكل عمودًًا رئيسيًا في إستراتيجيتها تجاه أفريقيا لمكافحة الإرهاب والقرصنة، بجانب أن البحر الأحمر يعتبر ممرًا رئيسيًا للسفن التجارية، إذ تقدر السفن التجارية العابرة بأكثر من عشرين ألف سفينة سنويًا، وهو الطريق الذي ينقل نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية، وهو الهدف عينه الذي تسعى إليه الدول الأوروبية التي تنقل 60% من احتياجاتها النفطية عبره.

وبحسب إستراتيجية الأمن القومي الروسي التي صادق عليها الرئيس بوتين في العام 2016، تعتبر منطقة البحر الأحمر ذات أولوية مهمة؛ لأنّ الوجود الروسي فيها يساهم في فكّ الطوق عنها، وخاصة بعد العقوبات الغربية المشددة عليها مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك فإن ذلك الوجود سيعمل على مساعدة وتسهيل عمل الأسطول البحري الروسي المتواجد في المحيط الهندي، وتأمين صادراتها النفطية التي بلغت حوالي 34% عبر هذا الممر المائي الحيوي، ولكل ذلك فإن الإستراتيجية الروسية نصّت بوضوح على أنّ بناء القواعد العسكرية واللوجيستية هدفٌ محوري تسعى إليه موسكو.

مخاطر التقارب

في مقدّمة المخاطر تأتي ردة الفعل المتوقعة للولايات المتحدة الأميركية تجاه الطرفَين، ويبدو أنّهما على دراية بذلك التعقيد، فقد كتب المحلل العسكري ميخائيل خوداريونوك: (من المتوقع أن تتعرض السلطات السودانية لضغط كبير من واشنطن، ولا يستبعد أن يقوم البيت الأبيض بكل ما هو ممكن لإحباط الاتفاق). وتنظر روسيا بحسب إستراتيجيتها للأمن القومي، إلى الولايات المتحدة على أنها تقع في رأس المخاطر التي تهدد أمنها القومي، ولذلك فهي تتصرف في تحركاتها الدولية والإقليمية بناء على ذلك التصور الذي تعمقت قناعاته بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

أما السودان فهو مدرك أن فكرة الوجود الروسي تعود جذورها إلى طلب الحماية الشهير الذي تقدم به الرئيس السابق عمر البشير للحكومة الروسية (ضد التهديدات الأميركية)، ومع أن قادة الجيش حاولوا أكثر من مرة توضيح أن التفاهمات السودانية الروسية حول البحر الأحمر لا تستهدف أحدًا، لكن يبقى من الصعوبة أن تتفهم القوى الدولية (والإقليمية كذلك) دوافع السودان بعيدًا عن صراع النفوذ المتنامي حول المنطقة.

وقد جاء رد الفعل الأميركي مهددًا، ففي تصريحات صحفية قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية: (إذا اختار النظام العسكري في السودان مواصلة تنفيذ اتفاق بورتسودان، فإن ذلك سيتعارض مع مصالح السودان على المدى الطويل)، ولم يتوقف التهديد عند تلك النقطة، بل أردف المتحدث الأميركي قائلًا: (التعاون مع موسكو سيزيد عزلة النظام العسكري في السودان، ويعمق الصراع الحالي، ويخاطر بمزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي).

التحدي الثاني؛ هو حساسية موقف السودان الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا، في ظل تقارير إعلامية غربية متواترة تتحدث عن دور مزعوم لأوكرانيا في الحرب الحالية في السودان. وفي أبريل/نيسان الماضي تسلم وزير الخارجية السوداني أوراق اعتماد السفير ميكولا ناهورني سفيرًا لأوكرانيا. والانتباه الواجب هنا هو العمل على ألا يتحول السودان لساحة تكون مسرحًا لحرب بالوكالة تستغلها القوى الدولية المناوئة لروسيا؛ بغرض الاستنزاف وتوسيع جغرافيا المواجهة معها.

أما التحدي الثالث والأخير؛ فيتعلق بالجانب الاقتصادي. إذ في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها السودان والتي تتطلب دعمًا عاجلًا قد لا تكون روسيا مهيأة له بما تواجهه من كلفة عالية للصرف على جبهة القتال في أوكرانيا. وفي ذات الوقت، فإن الاتفاقيات الخاصة بالتعدين والنفط قد تحتاج إلى وقت لكي يجني الطرفان ثمارها. ومن المعلوم أن الجانب السوداني لا يملك ذلك الوقت، وهو يخوض معركته الوجودية ضد الدعم السريع.

ولكل تلك الملاحظات، فإن الجانب السوداني بحاجة لتدعيم موقفه مع دول أخرى كالصين، إيران، قطر وتركيا؛ لإكمال منظومة التعاون العسكري والاقتصادي، وكلها دول ترتبط بمصالح حيوية وحقيقية مع السودان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • فرص وتحديات التقارب الروسي السوداني
  • أمريكا تنفق مليار دولار لصد هجمات الحوثيين.. فهل نفد مخزون الجماعة؟
  • الجيش الأمريكي يدمر 7 رادارات تسيطر عليها جماعة الحوثيين في اليمن
  • سلوك مشين ومتهور.. الجيش الأمريكي يكشف عن عدد هجمات الحوثيين وما دمره من قدرات عسكرية تابعة لهم
  • السفيرة الأمريكية الجديدة: إيران التهديد الأكبر للعراق
  • تقرير يكشف مخاطر هجمات الحوثيين في البحر الأحمر
  • عاجل: الحوثيون يعلنون عن 3 عمليات عسكرية جديدة في البحر الأحمر وبحر العرب
  • تنفيذ ثلاث عمليات عسكرية في البحرين الأحمر والعربي
  • “الحوثي” تعلن مقتل وإصابة 11 من عناصرها بغارات أمريكية بريطانية
  • القوات المسلحة تنفذ عمليات عسكرية نوعية في البحر الأحمر وأسدود وحيفا بالأراضي المحتلة