قال الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن احتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح هو أمر مشروع لا حرمة فيه ما لم يخالف الاحتفال الشرع؛ لأنه تعبير عن الفرح به، كما أنَّ فيه تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من توقير وتقدير وتبجيل للسيد المسيح وأمه السيدة مريم عليهما السلام، ولو علمنا بذكرى مولد موسى عليه السلام لاحتفلنا به.


جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن الفرح بميلاد سيدنا عيسى عليه السلام فرَحٌ بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ سيدنا عيسى عليه السلام جاء مُبشرًا بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنَّ الفرح بيوم مولده المعجز هو أمر مندوب إليه؛ لأنَّ القرآن الكريم قد خلَّد ذِكْرَه وأمه مريم عليهما السلام في سورة مريم، ووضعه في موضع مشرِّف، وأمر حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بتذكُّرِه فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 16-33].


وأشار فضيلة المفتي إلى أننا لا نتعجَّب من تحريم البعض الاحتفالَ بميلاد سيدنا عيسى؛ فهؤلاء هم الذين يحرمون الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنَّ في الاحتفال بالأنبياء والرسل امتثالًا للأمر القرآني بالتذكير بأيام الله تعالى وما فيها من نِعَم وعِبر وآيات، قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5]؛ فإن مِن أيام الله التي تستلزم الشكر عليها ويُشرَع التذكير بها: أيامَ ميلاد الأنبياء عليهم السلام، وفي هذا رد واضح وبرهان لائح على من يمنع الاحتفال بذكرى يوم المولد؛ لأنه يستلزم تعطيل الأمر الإلهي بالتذكير بأيام الله؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم الإثنين من كل أسبوع شكرًا لله تعالى على نعمة إيجاده صلى الله عليه وآله وسلم، واحتفالًا بيوم ميلاده الشريف، فعن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  سُئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه مسلم.


وقال فضيلته: هناك أمور محدثة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكنها موافقة للشرع ولأوامر النبي، وهي أمور مقبولة؛ لقول النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: "مَن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة".


وأضاف فضيلته أن الإمام الصاوي المالكي، وهو يتكلم عن البدعة، ضرب مثلًا بمسألة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهرًا بعد الأذان كما هي عادة المؤذنين قديمًا، ونصَّ على أنه من "البدع الحسنة"؛ لأنَّ الصلاة على النبي مأمور بها شرعًا في كل وقت وحين.


وشدَّد مفتي الجمهورية على ضرورة الاهتمام بالأحداث والأمور الجسام والانتباه للأمور الخطيرة والكبيرة التي تهدد وحدة الأوطان واستقرارها، مؤكدًا على ضرورة عدم الاهتمام بالفتاوى الشاذة الموسمية التي تُثار في كل موسم أو مناسبة، مشيرًا إلى ضرورة الارتقاء نحو السمو والعطاء والإيمان بقيمنا وعملنا حتى ينهض المجتمع، وألَّا نلهث خلف الأمور السطحية التي لا تُغني ولا تسمن من جوع، بل علينا أن نصمت كثيرًا عن الشر والقول غير المفيد ونعمل كثيرًا من الخير والأعمال النافعة والمفيدة؛ فالله يريد منا التكاتف والتعاضد وليس الفرقة والتشرذم.


وأشاد فضيلته بقول الشيخ الإمام محمود شلتوت من أن أمر اللباس والهيئات الشخصية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، ومَن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يساير بيئته. مشيرًا فضيلته إلى أن ذلك من قبيل العادات عند جمهور الفقهاء، وكذلك الأمر ينطبق على كافة العادات من مأكل ومشرب وملبس ومناسبات ما دامت لا تتعارض مع الشرع الشريف.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وآله وسلم

إقرأ أيضاً:

تعرف على أسباب الأضحية في الإسلام

الأضحية هي من أهم الشعائر الدينية التي يقوم بها المسلمون خلال عيد الأضحى، وتتمثل في ذبح أحد الأنعام (الإبل، البقر، أو الغنم) تقربًا إلى الله واتباعًا لسنة النبي إبراهيم عليه السلام. تحمل الأضحية أغراضًا دينية واجتماعية وروحية هامة تعزز من القيم الإسلامية وتعمق الإيمان والتكافل بين المسلمين. وفيما يلي نستعرض الأغراض الرئيسية للأضحية:

1. التقرب إلى الله والتعبير عن الطاعة والإيمان

الأضحية تعد وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل، وهي تعبير عن الطاعة المطلقة لأوامره. يقوم المسلمون بذبح الأضاحي امتثالًا لأمر الله الذي جاء في القرآن الكريم: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" (سورة الكوثر: 2). هذا العمل يعكس إخلاص المؤمن وتفانيه في عبادة الله واستعدادًا لتنفيذ أوامره، مهما كانت صعوبتها، كما فعل النبي إبراهيم عليه السلام.

2. إحياء سنة النبي إبراهيم

تُذَكِّر الأضحية المسلمين بقصة النبي إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله في رؤيا بذبح ابنه إسماعيل. وعندما همّ إبراهيم بتنفيذ الأمر، فداه الله بكبش عظيم. من خلال الأضحية، يحيي المسلمون هذه الذكرى العظيمة ويجددون التزامهم بقيم الإيمان والطاعة والامتثال لأوامر الله، مستلهمين العبرة من قصة النبي إبراهيم.

3. تعزيز التكافل الاجتماعي والتضامن

توزيع لحوم الأضاحي على الفقراء والمحتاجين هو من أبرز مظاهر الأضحية. هذا الفعل يعزز من قيم التكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع. يشعر الفقراء والمحتاجون بفرحة العيد ويتشاركون في الاحتفال، مما يقلل من الفوارق الاجتماعية ويعمق روح التعاون والمحبة بين المسلمين.

أسباب الأضحية في الاسلام4. تعليم القيم الدينية والأخلاقية للأجيال

الأضحية تعتبر فرصة لتعليم الأطفال والشباب القيم الدينية والأخلاقية مثل الطاعة، الإخلاص، والتضحية. من خلال المشاركة في طقوس الأضحية، يتعلم الأطفال معنى التضحية وقيمتها في الإسلام، وينشأون على حب العبادات والتزام تعاليم الدين، مما يعزز من تربية جيل ملتزم بتعاليم الإسلام وقيمه.

5. التعبير عن الشكر والامتنان لنعم الله

من خلال الأضحية، يعبر المسلمون عن شكرهم وامتنانهم لله على نعمه الكثيرة. ذبح الأضحية وتوزيع لحومها يعكس الاعتراف بفضل الله ورحمته، ويعزز الشعور بالشكر والامتنان، مما يدفع المسلمين للتقرب أكثر إلى الله والالتزام بطاعته.

6. إظهار الوحدة والتلاحم بين المسلمين

الأضحية تقام في جميع أنحاء العالم الإسلامي في نفس الفترة، مما يعزز من شعور الوحدة والتلاحم بين المسلمين. أداء هذه الشعيرة بشكل جماعي يعكس التماسك والتضامن بين أفراد الأمة الإسلامية، ويعزز من شعورهم بالانتماء إلى دين واحد وأمة واحدة.

 خاتمة

الغرض من الأضحية في الإسلام يتجاوز مجرد الذبح، ليشمل أهدافًا دينية واجتماعية وروحية متعددة. من خلال الأضحية، يعبر المسلمون عن طاعتهم وإخلاصهم لله، ويحيون سنة النبي إبراهيم، ويعززون قيم التكافل الاجتماعي والتضامن، وينقلون القيم الدينية والأخلاقية للأجيال القادمة، ويظهرون شكرهم وامتنانهم لنعم الله، ويعززون الوحدة والتلاحم بين المسلمين. بهذا، تظل الأضحية شعيرةً دينية تحمل في طياتها معاني سامية وأهداف نبيلة تعزز من الإيمان وتقوي الروابط الإنسانية والاجتماعية في المجتمع الإسلامي.

مقالات مشابهة

  • يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟
  • رئاسة الشؤون الدينية تطلق مبادرة " بالتي هي أحسن " لتكريس التسامح والاعتدال في موسم الحج
  • أهمية يوم عرفة " يوم استجابة الدعاء"
  • تعرف على فضل الدعاء في يوم عرفة
  • لماذا أمر الله المسلمين بأن يتخذوا مقام إبراهيم مصلى؟ هذا الجواب
  • لماذا أمر الله المسلمين أن يتخذوا مقام إبراهيم مصلى؟ هذا الجواب
  • فضل صيام يوم عرفة 1445.. صيغة الأدعية المأثورة فيه كما وردت عن النبي
  • حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة.. «الإفتاء» توضح
  • وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.. قصة إسماعيل والأضحية بالدليل من القرآن والسنة
  • تعرف على أسباب الأضحية في الإسلام