القاهرة- واصلت مصر طرح شهادات ادخار بعائد سنوي قياسي، من خلال أكبر مصرفين حكوميين للمرة الثالثة امتدادا لما قاما به منذ مارس/آذار 2022 مع بداية الأزمة الاقتصادية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.

وأصدر بنكا مصر والأهلي شهادتي ادخار لمدة عام بعائد 23.5% يصرف شهريا، و27% يصرف نهاية المدة بعد عام تزامنا مع موعد استحقاق شهادات الإيداع ذات العائد 25% الصادرة في الفترة ذاتها من العام الماضي بقيمة نحو 500 مليار جنيه، (16.

3 مليار دولار).

كانت المرة الأولى في مارس/ آذار 2022 عندما طُرِحَت شهادات بأعلى عائد سنويا حينها بلغ 18% بالتزامن مع إجراء زيادة مفاجئة للفائدة من قبل البنك المركزي بواقع 100 نقطة للمرة الأولى منذ 5 سنوات، وخفض قيمة الجنيه 16%.

كان الهدف وقتها من تلك الإجراءات الاقتصادية، التي وصفت بالمؤلمة والضرورية مع نزوح رؤوس أموال الاستثمار الأجنبي بأكثر من 20 مليار دولار كبح التضخم ودعم النشاط الاقتصادي، وعدم التحوط بشراء الدولار من خلال امتصاص السيولة من أيدي المواطنين، ونجحت الشهادات في جمع 750 مليار جنيه (نحو 41 مليار دولار بسعر ذلك الوقت) بحسب البنك المركزي المصري.

كيف تحولت أسعار الفائدة المرتفعة إلى سالب؟

لكن محللين وخبراء اقتصاد خلصوا إلى أن تلك الإجراءات لم تحقق أهدافها، إذ كان التضخم في مصر حينها 8.8% في حين بلغ الآن 36.5%، وانخفض الجنيه أمام الدولار ويتم تداوله الآن عند 53 جنيها في معاملات السوق الموازي الفورية، وارتفعت الفائدة إلى 20% الآن.

لا تعكس أسعار فائدة شهادات الادخار لمدة عام لدى البنكين الحكوميين 27% أسعار الفائدة في البنك المركزي البالغة 19.25%، 20.25% و19.75% على الترتيب، ولكنها لا تزال أقل من معدل التضخم 36.5%.

في عام 2022 رفع المركزي المصري أسعار الفائدة 300 نقطة أساس ونحو 800 نقطة أساس خلال عام 2023، وذلك في محاولة لامتصاص موجة التضخم.

ارتفاع الدولار إلى 53 جنيها في السوق السوداء بمصر مقابل 30.8 في البنوك (الجزيرة) تراجع الاستثمار في الأوعية الادخارية الجديدة

سعر الفائدة الحقيقي في مصر هو معدل الفائدة الاسمي (27%) مطروحا منه معدل التضخم (36.5%) أي أنها لا تزال عند سالب 10% في حال تم صرف العائد في نهاية المدة أو عند سالب 14% في حال تم صرف العائد بشكل شهري.

يشكل هذا الوعاء الادخاري بنسبة 27% فرصة للذين يفضلون عدم المخاطرة بأموالهم خارج الأوعية المصرفية الرسمية، إذ تبلغ أعلى نسبة فائدة الآن على شهادات الادخار نحو 19% لمدة 3 سنوات.

لكن هذه النسبة من الباحثين عن الاستثمار المستقر بدأت تتناقص في كل مرة يتم فيها طرح شهادات ادخار جديدة بأسعار مرتفعة أعلى بدلا من أن تزيد، وذلك لسبب رئيسي هو تآكل تلك الأرباح السنوية مقابل زيادة الأسعار والغلاء وتضاعف الأرباح في الأوعية الادخارية الأخرى التي تتطلب نوعا من التحرر من صورة الاستثمار التقليدي.

في الطرح الأول عام 2022 جمع البنكان الحكوميان 750 مليار جنيه (نحو 41 مليار دولار بسعر ذلك الوقت)، وفي الطرح الثاني عام 2023 جمعا 470 مليار جنيه فقط (نحو 19 مليار دولار بسعر ذلك الوقت)، وذلك بعد أن عزف الكثيرعن الاستمرار في حفظ أموالهم في أوعية ادخارية.

اتجه العازفون عن الاستمرار في الاستثمار في شهادات الادخار إلى 3 مسارات متوازية، وهي كالآتي: الاستثمار في الذهب كملاذ آمن حيث ارتفع خلال عام من 1700 جنيه للجرام عيار 21 إلى 3200 جنيه بنسبة زيادة 89%. التحوط بشراء الدولار الذي زاد من 31 جنيها للدولار خلال عام إلى 53 جنيها مرتفعا بنسبة 69%.  الاستثمار في العقارات التي زادت بنسب متفاوتة حسب نوع ومكان العقار، ولكنها ارتفعت بشكل عام بنحو 100% وأكثر. سعر الذهب قفز في مصر بنحو 90% خلال عام 2023 (الجزيرة) امتصاص السيولة والاحتفاظ بأموال المودعين

في تقديره لتلك الخطوة يقول الخبير المصرفي محمد علي، إن "إطلاق شهادات ادخار جديدة من قبل بنكي الأهلي والمصري يهدف إلى امتصاص السيولة الناجمة من الأسواق بسبب موعد استحقاق شهادات الـ 25% التي تنتهي هذا الأيام، وبالتالي عدم زيادة معدلات التضخم المرتفعة، وكذلك الاحتفاظ بأموال المودعين الجدد لديهما".

ورأى، في حديثه للجزيرة نت، أن حجم السيولة (نحو 500 مليار جنيه) إن لم تجد وعاء ادخاريا جديدا بفائدة أعلى قد تتجه إلى مسارات أخرى غير مصرفية مثل شراء الذهب أو الدولار كنوع من الاستثمار، وستظل هناك شريحة تفضل الادخار الآمن والمستقر.

ولكنه اعتبر قرار التوجه للاستثمار في الذهب أو الدولار هذه المرة يختلف عن المرات السابقة، رغم أنه أثبت نجاحه سابقا، لأن الدولار والذهب عند أعلى مستوى تاريخي لهما، وبالتالي هل يجب احتساب حجم المخاطرة في الدخول عند هذه الأسعار؟.

وأشار الخبير المصرفي إلى أن خيارات التوجه إلى الذهب أو الدولار أو العقار تحكمها ظروف مستقبلية خاصة أن الدولة قد تتخذ إجراءات للحد من تلك الارتفاعات، وبالتالي قد يصبح الوعاء الادخاري في شهادات الإيداع بنسبة 27%  هو الأفضل.

الحكومة تسير على خيط رفيع بين خفض الجنيه وارتفاع الدولار

اعتبر خبير أسواق المال وائل النحاس أن "الهدف من رفع نسبة الفائدة على الشهادة الجديدة هو استمرار الاحتفاظ بأموال المودعين وعدم خروجها للأسواق وشراء الذهب أو الدولار أو السلع والحيلولة دون حدوث مضاربات في الأسواق لاستغلال تلك السيولة".

في حديثه للجزيرة نت، أوضح النحاس أن هذا الوعاء الادخاري مؤقت لمدة سنة، ومرهون بتطورات الأوضاع الاقتصادية، وجزء كبير من أموال المودعين يذهب لاستثمار بنكي مصر والأهلي في أدوات الدين المحلية التي يطرحها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية لتمويل العجز في الموازنة، وهي تقترب من 27%.

أدى التعرض لأدوات الدين الحكومية (حيازتها) إلى خفض تصنيف أكبر 4 بنوك حكومية في مصر، وخفضت وكالة فيتش، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تصنيف كل من البنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة، وكذلك البنك التجاري الدولي الخاص إلى "سالب بي" (-B) من "بي" (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن جزءا كبيرا من المودعين يعتمدون على ريع تلك الشهادات في معيشتهم، وكان من الأفضل مد مدة تلك الشهادات إلى 3 سنوات على الأقل، حتى يصبح هناك نوع من التوازن وإعادة استثمار هذه الأموال، وليس إعادة صناعة تضخم من خلال استغلالها في أدوات الدين الحكومية خاصة أن حجم عجز الموازنة ضخم.

وعن احتمال خفض قيمة الجنيه (30.9 جنيها للدولار) توقع النحاس أن يحدث على مستوى سعر البنك المركزي والبنوك المحلية، وليس على مستوى السوق السوداء في حال احتفاظ البنك المركزي بسيولة دولارية تمكنه من تلبية طلبات السوق بدلا من اللجوء إلى السوق السوداء. أما لو ظل الحال كما هو عليه سنرى ارتفاعات جديدة هنا وهناك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: البنک المرکزی شهادات ادخار الاستثمار فی ملیار دولار ملیار جنیه خلال عام فی مصر

إقرأ أيضاً:

أسباب إبقاء البنك المركزي لأسعار الفائدة دون تغيير

قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركــزي المصـري في اجتماعهـا يــوم الخميس الموافـــق 10 يوليو 2025 الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 24.00% و25.00% و24.50%، على الترتيب. كما قررت الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 24.50%. ويأتي هذا القرار انعكاسا لآخر التطورات والتوقعات الاقتصادية منذ اجتماع لجنة السياسة النقدية السابق.

تراجع توقعات النمو

على الصعيد العالمي، تراجعت توقعات النمو منذ بداية العام، وهو ما يُعزَى بالأساس إلى استمرار حالة عدم اليقين في سياسات التجارة العالمية واحتمالية تجدد التوترات الجيوسياسية. وعليه، اعتمدت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء نهجا حذرا بشأن السياسة النقدية في ظل حالة عدم اليقين المحيطة بالتضخم والنمو الاقتصادي. وفيما يتعلق بالأسعار العالمية للسلع الأساسية، شهدت أسعار النفط تقلبات حادة في الآونة الأخيرة متأثرة إلى حد كبير بعوامل العرض وتوقعات بانخفاض الطلب العالمي. وبالنسبة لأسعار السلع الزراعية الأساسية، فقد سجلت تراجعا طفيفا مدعومة باتجاهات موسمية مواتية. ومع ذلك، لا تزال المخاطر تحيط بمسار التضخم، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية واحتمالية استمرار الاضطرابات في سياسات التجارة العالمية والصدمات الناجمة عن تغير المناخ.

أسباب تثبيت أسعار الفائدة

أما على الجانب المحلي، تفيد المؤشرات الأولية للبنك المركزي المصري للربع الثاني من عام 2025 باستدامة التعافي في النشاط الاقتصادي، مع توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على نحو مقارب للنسبة السنوية المسجلة في الربع الأول من عام 2025 والبالغة 4.8% مقابل 2.4% في الربع الثاني من عام 2024. وفيما يتعلق بفجوة الناتج، تشير التقديرات إلى أنها تتقلص تدريجيا وإن كانت لا تزال سالبة بقدر طفيف، مع توقعات بوصول النشاط الاقتصادي إلى طاقته الإنتاجية القصوى بنهاية السنة المالية 2025/2026. وعليه، من المنتظر أن تظل الضغوط التضخمية من جانب الطلب محدودة، مدعومة بالسياسة النقدية الحالية.

شهد المعدل السنوي للتضخم العام تراجعا خلال الربع الثاني من عام 2025 إلى 15.3% مقابل 16.5% في الربع الأول من عام 2025، مواصلا بذلك مساره النزولي. ويُعزَى ذلك إلى استقرار التطورات الشهرية للتضخم إلى حد كبير، والمستوى المناسب من التشديد النقدي، فضلا عن انحسار الصدمات السابقة. وتحديدا، انخفض كل من المعدل السنوي للتضخم العام والأساسي في يونيو 2025 إلى 14.9% و11.4% على التوالي، وهو ما يرجع بشكل رئيسي إلى التطورات الشهرية في التضخم، حيث سجل التضخم العام والأساسي سالب 0.1% وسالب 0.2% على التوالي، الأمر الذي يمكن تفسيره إلى حد كبير بانخفاض أسعار المواد الغذائية واستقرار تضخم السلع غير الغذائية.

وقد أسهمت هذه التطورات المواتية في التضخم العام والأساسي في تحسن توقعات التضخم، وعليه، من المتوقع أن يستقر المعدل السنوي للتضخم العام عند معدلاته الحالية خلال الفترة المتبقية من عام 2025 قبل أن يعاود تراجعه تدريجيا خلال 2026، وهو ما يتوقف على مقدار التغير في أسعار السلع غير الغذائية وعلى إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة (كالتغير في الأسعار المحددة إداريا) وتأثيرها على الأسعار المحلية. ومع ذلك، من المحبَّذ التريث في المضي قدما في دورة التيسير النقدي، خاصة وأن هذا النهج يتيح وقتا كافيا لتقييم الآثار المحتملة للتغييرات التشريعية المُعلنة في الآونة الأخيرة ومنها تعديلات ضريبة القيمة المضافة.

وفي ضوء ما تقدم، ترى لجنة السياسة النقدية أن الإبقاء على أسعار العائد الأساسية للبنك المركزي دون تغيير يُعد ملائما لاستدامة المسار النزولي للتضخم. وسوف تواصل اللجنة تقييم قراراتها على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والمخاطر المحيطة بها وما يستجد من بيانات. وسوف تواصل اللجنة متابعة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب، ولن تتردد في استخدام كل الأدوات المتاحة للوصول بالتضخم إلى المعدل المستهدف البالغ 7% (±2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.

مقالات مشابهة

  • لماذا قرر البنك المركزي تثبيت أسعار العائد الأساسية؟
  • أسباب إبقاء البنك المركزي لأسعار الفائدة دون تغيير
  • لماذا ثبت البنك المركزي سعر الفائدة في اجتماع اليوم
  • سعر الفائدة.. لماذا فضّل البنك المركزي المصري التثبيت؟
  • البنك المركزي المصري يحسم سعر الفائدة في اجتماع اليوم
  • قبل اجتماع البنك المركزي اليوم.. حقيقة إصدار شهادات ادخار بفائدة 30%
  • 193 مليار ريال أصول صناديق الاستثمار
  • قبل اجتماع حسم الفائدة.. تعرف على شهادات الادخار في أكبر 3 بنوك
  • بعد تراجع التضخم.. هل يخفّض البنك المركزي المصري سعر الفائدة غدًا؟
  • بفائدة 30%.. حقيقة إصدار شهادات ادخار من البنك الأهلي وبنك مصر