طالعنا عبر الوسائط مسودة الاتفاق الذي وقعته تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك مع قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في سعيها لإيجاد مقاربة تفضي لنزع فتيل الازمة واخماد نار الحرب المشتعلة في البلاد . وبغض النظر عن تباين مواقف الشارع السوداني حول هذا الاتفاق يظل أن أفضل ما فيه هو تأييد قائد الدعم السريع لوقف إطلاق النار غير المشروط والذهاب نحو حل سياسي لطي صفحة الحرب في البلاد حال ما تم الاتفاق مع قائد الجيش على بعض القضايا .

ولا يخفى على أحد الرغبة الصادقة التي يسعى بها دولة رئيس الوزراء لإيجاد مخرج للسودانيين من بين براثن الجنرالين الاهوجين على الرغم من الحملة الشرسة والمأجورة التي تسعى للنيل من شخصية الرجل وتشويه صورته داخليا واعتباره خائنا وعميلا وسببا رئيسا لاستمرار للحرب وهو الذي لا يملك سلاحا ولا جنودا ولا سلطة على احد . و لعمري أن هذا يجافي الحقيقة تماما فالرجل المهذب الخلوق صاحب الصيت الواسع في إفريقيا، الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد من لندن مضافا إليها الخبرة العملية الطويلة في تطوير وتنفيذ مشاريع الأمم المتحدة في إفريقيا. ليس لديه من زاد أو عتاد سوى رصيده من الحلم بمستقبل أفضل لبلاده وشعبه . هذا الرجل يقف وحيدا في مواجهة جنرالين أحمقين جاهلين موصوفين بدقة في بيت الشعر أدناه.
كلا الرجلين مظراط ولكن شهاب الدين اظرط من أخيه.
يسعى كل منهما بما اؤتي فقط من رتبة عسكرية وجنود ورصيد من الولوغ في دماء السودانيين إلى حكم الشعب بالقوة دون اعتبار لأي شيء اخر حتى و لو أدى ذلك إلى فناء الشعب السوداني قاطبة في محرقة حرب 15 إبريل.وأظن أن السيد عبد الله حمدوك في وضع لا يحسد عليه بل يدعو للإشفاق فالرجل عفيف اليد واللسان يقف وحيدا في معركته ضد ثورين اهوجين أنانيين فاجرين في الخصومة لا يخشون إلا ولا ذمة في أحد . وبالرغم التفاف الحاضنة السياسية التي تدعمه، وتؤازره من الحرية والتغيير من حوله إلا أنها يتوقع ان سرعان ما ستنفض من حوله حال ما اختلفت مصالحها مع مشروعه السياسي الساعي لحقن دماء السودانيين .ولكي تضح الصورة يجب إنعاش ذاكرة السودانيين حول الرجل قليلا . ففي الفترة التي عقبت مباشرته لمهام رئاسة الوزراء واجه حمدوك حملة شرسة من بعض المغرضين في الحرية والتغيير الذين حاولوا التنصل من مسؤولية الفشل الذي صاحب الفترة الانتقالية وسعوا لتحميل حكومة الرجل تداعيات ذلك الفشل بالرغم من أن حمدوك قد صرح وعلى الملأ أنه بعد تسلمه لمهامه كرئيس للوزراء طالب الحرية والتغيير بتقديم برنامجها للحكم لكي يباشر تنفيذه إلا إنه فوجئ كما فوجئنا جميعا بان الحاضنة السياسية للحكومة لم يكن لديها أي برنامج معد مسبقا .وفي الفترة التي سبقت انقلاب 25 أكتوبر شنت مجموعة ما عرف باعتصام القصر – وهي التي اعتمد عليها المكون العسكري في تهيئة الأجواء للانقلاب- حملة شعواء على الرجل و دمغته بتهم الضعف وعدم تكافؤ شخصيته مع المنصب رئاسة الوزراء وكأن الثور الذي كان يرأس مجلس السيادة والأخر الذي كان ينوب عنه يليقان بكرسي السلطة .
لقد قالوا عن شخصه ما لم يقله مالك في الخمر ودعوا الجيش صراحة لاستلام السلطة وانقسم الشارع السوداني يومها بين تيارين تيار حمدوك ممثلا في المراهنين عليه من السودانيين العقلاء وحاضنته السياسية من الحرية والتغيير ومجموعة القصر التي أصبحت بعدها الحاضنة السياسية للجيش والمروجة لمشروع البرهان للحكم.وعندما تحدث حينها السيد عبد الله حمدوك عن تفاؤله رغم اشتداد الازمة وعن وجود فرصة النجاة اذا اتفق الجميع وان هناك ضوء في آخر النفق سخر منه الكثير من متابعي المشهد السياسي السوداني حينها وأصبحت مقولته سنعبر وننتصر مادة دسمة للتندر والضحك وقال البعض ان طموح الرجل دون المقام إذ بدل أن يحدثهم عن الشمس استعاضا عن ذلك بضوء صغير. ولكن بعد ذلك جرت احداث جسيمة وحدثت تطورات محزنة في البلاد كان أقساها انقلاب 25 أكتوبر الذي أطفئ عن قصد ذلك الضوء بل سد كوة النفق وجعل البلاد تعيش ظلاما دامسا افتقد فيه الناس من يوقد لهم شمعة أمل ترشدهم إلى الطريق الصحيح والت مقاليد الحكم بعده إلى الثورين الأحمقين الذين فتحا الباب مشرعا أمام حرب ال 15 من أبريل.
وحرصا منا على عدم تكرار أخطأ الفترة الانتقالية السابقة فالواجب علينا بنفس الصدق الذي يسعى به السيد حمدوك لحل الأزمة السودانية أن نبادله صدقا بالنصيحة
ليعلم السيد حمدوك أنه الآن يحمل عبء مشروع إعادة بناء الدولة السودانية وحيدا في مواجهة الثورين الأحمقين وبقايا النظام البائد من الإسلاميين الذين يمثلون الثورة المضادة والدولة العميقة و بالرغم من ان الفترات الانتقالية السابقة التي عقبت الثورات في التاريخ السوداني الحديث في أكتوبر وأبريل وحرصا منها في تحصين المناخ الديمقراطي قد اتبعت نهج أن تكون رئاسة الدولة ممثلة في مجلسا للسيادة وليست فردا وذلك لعدم رهن اتخاذ القرار في الدولة السودانية بفرد فقط. الا ان ذاك كان هو السبب الرئيس في إفشال مشروع إعادة بناء الدولة السودانية بعد ثورة ديسمبر المجيدة . فقد استهلكت طاقة أداء الجهاز التنفيذي في معركة مجلس السيادة بدأ بصراعات تكوينه و مرورا باختيار أعضائه وليس انتهاء بتقسيمه إلى مكونين مدني وعسكري أحدث شرخا بينا منذ البداية في بنية الدولة وقمة هرمها . و حمدوك اعلم الناس بتفاصيل ذلك لذا عليه إيجاد مقاربة لحل تلك المعضلة في إي اتفاق سياسي سيعقب حرب 15 أبريل.
كما يجب ان يعلم السيد حمدوك بأن الذين هيئوا المناخ لانقلاب 25 أكتوبر ما زالوا متواجدين في الساحة السياسية ومن المتوقع أن تدويرهم كأعضاء في مجلس السيادة أو الوزراء أو المجلس التشريعي بعد أي تسوية سياسية متوقعة لذا فيجب عليه ان يتوخى الحذر منهم إضافة الى ان ميراث النظام البائد وتركته من القواعد ما زالت متواجدة في مفاصل الدولة السودانية تجري منها مجرى الدم فعلي السيد حمدوك أن يكون جاهزا للعراقيل والدسائس في كل خطوة يخطوها او قرار يتخذه مستقبلا .
وليعلم حمدوك بأن الضامن الوحيد لبقائه في أي سلطة قادمة هو المجتمع الدولي وموازنات السياسة الدولية التي لو لم يراع مصالحها حتى ولو على حساب الوطن سيجد نفسه أول خاسر في التسوية السياسية القادمة ولكن يجب عليه ان يستثمر في علاقاته مع السودانيين في المدن والارياف والقرى . ان يقدم نفسه كنموذج لسياسي مخلص يسعى لإحداث تغيير جذري في بنية الدولة لصالح رفاهية الفرد والمجتمع وعندها فقط سيكون الضامن لبقائه هو حب الشعب وايمانه به.
وليتذكر السيد حمدوك أن ثورة ديسمبر المجيدة قامت ضد نظام ديكتاتوري فاشي حكم 30 عاما بحزب تمدد كالسرطان في جسد الدولة السودانية والمؤسسة العسكرية ليست مستثناة من ذلك كما ان الخدمة المدنية في الولايات والمحليات ما زالت ترزح تحت سلطة النظام البائد لذا عليه إيجاد مقاربة لاحتواء ذلك.
وأخيرا علي حمدوك أن يعلم ويتيقن أن انقلاب 25 أكتوبر وحرب 15 أبريل قد يتكرران في المستقبل تحت أي ظرف لذا عليه أن لا يأمن هذين الثورين الأحمقين لأن خوة الكاب حدها الباب ولأن حمدوك مهما بلغ شأنه وصفت سريرته لن يعدو في نظرهما سوى زول ملكي ساي.

yousufeissa79@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولة السودانیة الحریة والتغییر عبد الله حمدوک حمدوک أن

إقرأ أيضاً:

هل يمكن اعادة المسيحيين الى ما قبل العام 2005؟

معظم القوى السياسية الداخلية اضافة الى القوى الخارجية تنتظر التسوية، على اعتبار ان حجم الحدث الذي يحصل اليوم في المنطقة لا يمكن ان ينتهي الا بتوازنات جديدة ومستوى مختلف من التسويات، هذا اذا لم يؤخذ بعين الإعتبار إمكان توسع المعركة الحالية في الجنوب.
وعليه فإن شكل الحل الذي سيتم الاتفاق عليه في المرحلة المقبلة سيحدد حضور القوى السياسية اللبنانية ونفوذها وربما وجودها السياسي للسنوات العشر المقبلة، ومن هنا تأتي أهمية ما يحصل في الميدان وفي المفاوضات الديبلوماسية.

احدى المخاوف الاساسية التي بدأت تظهر، تتركز داخل المجتمع السياسي المسيحي، الذي يشعر بأن التقارب السنّي- الشيعي قد يجعل من تأثيره على الواقع والتوازنات السياسية محدودا، خصوصاً في ظل الخلاف الحاصل بين "التيار الوطني الحرّ" و"حزب الله" وبين "القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل" وسائر القوى السنيّة، وهذا يعني أن الأحزاب ذات الغالبية المسيحية لم تعد متحالفة مع قوى اسلامية وازنة وفي الوقت نفسه لم تتحالف في ما بينها من أجل تحسين شروطها في المفاوضات.

كما ان المخاوف المسيحية تشمل عدم قدرة أي من الاحزاب المعنية أو عدم رغبتها بالدخول بالتسوية لاسباب مصلحية او مبدئية او بسبب توازنات القوى، وهذا الامر، سيؤدي، وفق بعض التحليلات، إلى عودة المسيحيين سياسياً إلى مرحلة ما قبل العام 2005، اي قبل عودة النشاط السياسي الفعلي لغالبية الاحزاب الممثلة شعبياً، مثل "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية"، وعودة التمثيل النيابي والوزاري المسيحي ليذهب بغالبيته أو بجزء أساسي منه لشخصيات مسيحية مقربة من أحزاب من طوائف أخرى.

هذه النظرية تنفيها نظرية أخرى تؤكد أن التحول الذي حصل بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري وعودة القوى المسيحية إلى المشهد السياسي بقوة ، لا يمكن تجاوزه بسهولة، خصوصا ان ما حصل طوى صفحة التوازنات التي سادت بعد الحرب الاهلية وإتفاق الطائف وبات المسيحيون قوة موجودة في المؤسسات ولا يمكن تجاوزها، ولم يعد حضورها محصوراً بفكرة المشاركة في السلطة أو عدمها، لذلك فإن عدم موافقة الاحزاب المسيحية الاساسية على التسوية المقبلة لن يؤدي الى انهاء الحضور السياسي المسيحي.

فالوجود السياسي للمسيحيين اليوم، ولاحزابهم السياسية وعبرها، لا يمكن ان يكون بهذه الهشاشة، بل ان القدرة الكبيرة في الحفاظ على وزن داخل المجلس النيابي باتت مرتفعة ولا يمكن المسّ بها، اذ يصعب تعديل قانون الانتخاب الحالي من دون وجود اكثرية نيابية بمعنى اخر من دون موافقة الكتل المسيحية، وهذا يثبت حضور المسيحيين ويحفظ المكتسبات السياسية التي حصلوها في السنوات السابقة.

اضافة الى كل ما تقدم، يصعب على القوى الاسلامية طرح فكرة تعديل النظام السياسي ليصبح مناسبا اكثر لهم، على اعتبار ان الحضور المسيحي يشكل ضمانة سياسية في لبنان، لا بل ان التفاهم السنّ- الشيعي لا يزال ضعيفا ولم يتجذر، من هنا لن يكون مطروحا، الا في حال تفلت الوضع الامني بشكل استثنائي، اضعاف المسيحيين من الناحية الدستورية او لجهة الممارسة العملية للسياسة، ولن يكون سهلا القيام بذلك ، حتى ولو اراد الطرف الاخر ذلك. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • وثيقة العدل والإحسان السياسية باعتبارها مشروعا تنمويا وطنيا (2/2)
  • الدين والدولة في السودان
  • رئيس حزب الريادة: الوقوف خلف القيادة السياسية أمر حتمي في ظل الأوضاع الراهنة
  • رشا عوض قولي الحقيقة
  • الرؤية والهدف!!
  • النائب السيد شمس الدين : مصر قادرة على اعادة الأمن والاستقرار داخل السودان
  • وزير الزراعة: مصر حققت نهضة زراعية غير مسبوقة آخر 10 سنوات
  • السوداني والانتخابات البرلمانية القادمة… اتجاهات وميول
  • هل يمكن اعادة المسيحيين الى ما قبل العام 2005؟
  • نِقوش على جِدار الحرب السودانية (5): حكومة بورتسودان