غزة- بعمر يناهز العاشرة، وبجرأة كبيرة وطلاقة لسان وببشرتها السمراء المميزة وابتسامتها البريئة، اقترن لقب "أصغر صحفية في غزة" بالطفلة لمى أبو جاموس، التي تسخّر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي لتوثيق الحياة في قطاع غزة، في ظل حرب شرسة تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لمى (9 أعوام) هي الأصغر في أسرتها المكونة من 6 أفراد، واضطرت إلى النزوح من منزلها في حي الرمال بمدينة غزة إلى مدينة خان يونس في جنوب القطاع، قبل أن تضطر للنزوح مرة ثانية لمدينة رفح أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، على وقع جرائم مروعة لقوات الاحتلال، وإنذارات للسكان بالإخلاء والنزوح.

وخلال هذه الحرب غير المسبوقة في أمدها الزمني وشراستها قتلا وتدميرا، برز اسم هذه الطفلة من بين مئات الصحفيين والنشطاء، الذين يقومون بتغطية التطورات الميدانية.

الطفلة المراسلة أجرت مقابلة مع الزميل وائل الدحدوح من حسابها على إنستغرام (مواقع التواصل) على خطى الدحدوح

اختارت لمى منصتي "إنستغرام" و"تيك توك" لنشر تقاريرها التي تظهر من خلالها جوانب مختلفة من الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الحرب والحصار والنزوح، ولاقت رواجا كبيرا، وحصدت خلال فترة وجيزة مئات آلاف المتابعين من حول العالم، وكانت لتعليقاتهم بالغ الأثر في تحفيز لمى على الاستمرار.

وتقول الصحفية الصغيرة للجزيرة نت: "كل تعليقات المتابعين مشجعة، والناس بالشارع صاروا يعرفوني ويشجعوني.. الكل بيحكي لي أنت حلوة وأنت رائعة، وأنا مستمرة ونفسي أكبر وأصبح صحفية بقناة الجزيرة".

ولمى هي الابنة الصغرى للزميل أحمد أبو جاموس أحد العاملين في طاقم قناة الجزيرة الإنجليزية في غزة، وتنظر لمراسل القناة في غزة الزميل وائل الدحدوح بوصفه مثلا أعلى، وقد حققت أمنيتها بلقائه وإجراء مقابلة صحفية معه، نشرتها على حسابها في "إنستغرام" وحصدت نحو 12 مليون مشاهدة وأكثر من 800 ألف إعجاب وعشرات آلاف التعليقات.

في هذه المقابلة، استجاب الدحدوح لطلب لمى بتوجيه رسالة إلى العالم، قال فيها "إحنا في لحظات تاريخية وحاسمة، وشعبنا ثابت وصامد وراح يطلع من المحنة طالما في ناس وأطفال زيك (مثلك) بتبتسم".

منذ بداية الحرب تركز لمى على متابعة وائل وتسميه في حديثها عنه "عمو أبو حمزة"، وهي كنيته بابنه البكر الذي استشهد في غارة جوية إسرائيلية استهدفته وزميله مصطفى ثريا في خان يونس جنوب القطاع، ولحق بوالدته وآخرين من أفراد أسرته، استشهدوا في غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط القطاع.

وبنبرة حزينة تحدثت لمى عن مصاب وائل الجلل بأسرته، وقد نجا هو ذاته من استهداف إسرائيلي استشهد بسببه مصور قناة الجزيرة سامر أبو دقة، وقالت: "عمو وائل دفع ثمن تغطيته الرائعة للحرب وجرائم الاحتلال ضد النساء والأطفال، ونفسي أكبر وأكون مثله".

وظهرت لمى مع صحفيين آخرين ومؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، تشاركهم تغطية تطورات الحرب على غزة، حتى باتت وجها مألوفا في الشارع، ليس فقط فلسطينيا، وإنما عالميا، بعدما تناولت تجربتها كبريات الصحف وقنوات التلفزة.

لمى أبو جاموس حصدت مئات آلاف المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي خلال تغطيتها للحرب في غزة (الجزيرة) الحرب بعيون طفلة

وفضلا عن متابعتها اليومية للحرب وتداعياتها، وما يتعلق بالحصار والنزوح، من أجل اختيار العنوان الذي ستتحدث عنه، فإن لمى تجد كل الدعم والتشجيع من والدها، الذي اكتشف فيها وهي بعمر العامين فقط شغفا كبيرا للحديث أمام الكاميرا، وحبا للناس والتعبير عن همومهم.

وفي أحدث تغطياتها الميدانية، وقفت لمى أمام "تكية" في مخيم الشابورة للاجئين في مدينة رفح، وقالت: "نحن شعب عزيز وكريم"، وقد ساءها مشهد تزاحم الرجال والنساء والأطفال على تكية خيرية من أجل الحصول على كمية مجانية من الطعام.

وتقول لمى إنها تهتم بالحديث عن هموم الناس اليومية جراء الحرب، التي أجبرتهم على ترك منازلهم، والعيش في خيام في الشوارع والمدارس.

ووثقت هذه الطفلة التي تقدم نفسها في سن مبكرة كصحفية ينتظرها مستقبل كبير، الكثير من الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال، وتقول إنها تريد أن يعرف العالم ما يتعرض له سكان غزة، الذين يلاحقهم الموت في منازلهم وداخل المستشفيات والمدارس وفي الشوارع.

واحدة من هذه الجرائم تركت جرحا عميقا لدى لمى، التي فقدت خالتها وجميع أفراد أسرتها في غارة جوية إسرائيلية دمرت المنزل فوق رؤوسهم في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، وتتساءل: "وقتيش (متى) العالم بدو يتحرك ويوقف هذا الموت؟!".

نزحت الصحفية الصغيرة مع أسرتها من غزة إلى خان يونس ومنها إلى خيمة في مدينة رفح (الجزيرة) الحرية والأمان

وبكلمتي "الحرية والأمان" عبرت لمى عن أمنياتها وتطلعاتها، وتقول: "نحن شعب نستحق العيش كما شعوب الدنيا، لا نريد أن نستيقظ كل يوم على أخبار القتل والقصف والموت والدمار".

وصمتت للحظات وهي تجول ببصرها في أرجاء المكان من حولها، وتساءلت وهي تشير بيدها إلى مئات الخيام المترامية على مسافات كبيرة: هل هذه حياة؟

وتقدر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن 1.9 مليون فلسطيني من أصل 2.2 مليون في القطاع الساحلي الصغير، يمثلون 85% من التعداد الكلي للغزيين، اضطروا إلى النزوح عن منازلهم ومناطق سكنهم منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة.

ومثل لمى فإن الغالبية من هؤلاء النازحين هم من سكان مدينة غزة وشمال القطاع، الذين أجبرهم جيش الاحتلال على النزوح تحت النيران إلى مناطق جنوب القطاع، ثم لاحقهم بالقصف والقتل وأجبرهم على النزوح المتكرر.

تقول لمى: "أريد العودة إلى مدرستي وغرفتي وألعابي (..) شو ذنبنا نحن الأطفال نعيش في خيمة باردة وما فيها أغطية كافية للشتاء أو أكل كويس".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: جنوب القطاع أبو جاموس فی غزة

إقرأ أيضاً:

لانا الشريف وجه الطفولة بغزة الذي شوهته الحرب الإسرائيلية

في قطاع غزة، حيث يصبح الخوف جزءا من الحياة اليومية للأطفال، تجسد الطفلة الفلسطينية لانا الشريف، البالغة من العمر 10 سنوات، مأساة الطفولة في ظل القصف والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام ونصف العام.

كانت لانا، التي عرفت بجمالها وبراءتها، تعيش حياة هادئة في مدينة رفح إلى أن دمرت الحرب طفولتها، وغزا الشيب رأسها في عمر مبكر، وانتشرت بقع بيضاء في جسدها الهزيل نتيجة الصدمة النفسية الهائلة التي تعرضت لها عندما دمر البيت المجاور لمنزل عائلتها في قصف إسرائيلي.

عاشت لانا بعدها نوبات فزع وكوابيس غزت أحلامها، ما أثر على حالتها الجسدية والنفسية، وأفقدها الشعور بالأمان والطفولة التي تستحقها، فتعبر لانا عن ألمها بحزن قائلة: "الناس لم يعودوا يحبونني كما كانوا من قبل، لم أعد تلك الطفلة الجميلة."

"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني"

الطفلة لانا الشريف 10 سنوات أصيبت بمرض البُهاق نتيجة نوبات هلع وخوف شديد
ناجم عن قــ.. ــصف اســ.. ــرا.ئيلي عنيف???? pic.twitter.com/ewAzv66gAv

— ☠️EMA إيما (@ghost_girl2023) May 10, 2025

هذه الكلمات أشعلت تعاطفا واسعا عبر منصات التواصل، حيث أصبح اسمها رمزا لمعاناة الأطفال في غزة.

بسبب الخوف الشديد من القصـ.ف شابَ شعر الطفلة لانا الشريف، وأُصيبَت بمرض البُهاق.

تحدثوا عن هذه الأوجاع المنسية ليكون الكلام شاهدًا لكم. pic.twitter.com/NdMlfF94AI

— معين الكحلوت , من غزة ???????? ???? (@Moin_Awad) May 10, 2025

إعلان

ومع انتشار المقطع على منصات التواصل دان النشطاء ما تفعله إسرائيل بأطفال غزة قائلين "اغتالوا الطفولة البريئة"، بحسب تعبيرهم، مطالبين بتسليط الضوء على قصة لانا لتوثيق حجم المعاناة التي يقاسيها أطفال قطاع غزة وعائلاتهم.

وعلى منصة إكس كتب العديد من المدونين أن ملامح لانا ليست مجرد صورة، بل هي شهادة حية على الانتهاكات الممنهجة بحق أطفال غزة.

واعتبر بعض الناشطين أن "لانا لم يقتلها القصف، لكن قتلها الخوف وقلة الحيلة في عالم تفتقد فيه الإنسانية."

عمرها عشر سنوات، لكن عيناها تحكيان عن عمرٍ أثقلته الصدمات.
لانا، الطفلة الوحيدة لوالديها، لم ترَ من الحرب إلا ما يُفقد الكبار توازنهم، فكيف بطفلة ما زالت تخط أولى خطواتها نحو الحياة؟
كانت في بيتها حين انهار المنزل المجاور، بفعل صواريخ الاحتلال، ليتحوّل صوت الانفجار إلى رفيق يومي… pic.twitter.com/vCueqbJbBz

— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) May 6, 2025

في ظل الحصار المستمر الذي يفاقم معاناة سكان القطاع، دعا مؤثرون وصحافيون إلى ضرورة فتح المعابر لإخراج الأطفال الذين هم في حاجة ماسة إلى العلاج، مؤكدين أن غياب الإمكانيات الطبية المناسبة داخل غزة يجعل من الصعب معالجة الحالات الطارئة التي تسببها الحرب للصغار.

وقال مغردون إن قصة لانا ليست استثناء فهي تمثل آلاف الأطفال في قطاع غزة الذين عايشوا الموت دون أن يزهق أرواحهم، لكنه "اغتال طفولتهم"، كما وصفها أحد المدونين.

الطفلة الصغيرة لانا الشريف حكاية وجـ ـع أكبر من عمرها لم تُصب بشظايا ص/روخ لكنها أُصيبت بشيء لا يُرى… شيء يُمزق الداخل ويُغير الملامح. الخوف الشديد من القـ ـصف لم يترك لها خياراً… شاب شعرها في لحظات كما لو أن الزمان مرّ بها دفعة واحدة وأصابها مرض "البُهاق"، pic.twitter.com/6Yv0H5wQga

— إيهاب الحلو (@Ehabhelou) May 10, 2025

إعلان

وأضاف آخرون أن قصة لانا الشريف تبقى مثالا مأساويا على الوجه الحقيقي للحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث تتحول البراءة إلى خوف، والجمال إلى ألم، والطفولة إلى ذكريات مغتصبة.

وفي الوقت الذي يتداول فيه العالم صور الطفلة عبر الإنترنت، يبقى السؤال الأكبر: متى ينتهي هذا الكابوس الإسرائيلي الذي يطارد جيلا بأكمله في غزة؟>

"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني”..????
شايف #الخوف بس ايش بعمل فقط الخوف ????????
كم مرة خوفنا وخافت اطفالنا في عامين
"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني”.. بهذه الكلمات تصف الطفلة لانا الشريف (10 سنوات) ألمها، بعد إصابتها بمرض البُهاق نتيجة نوبات هلع وخوف شديد، ناجم عن قصـ ف إسر ائيلي… pic.twitter.com/hWliOGkt72

— ثائر البنا، غزة ???????? (@thaeralbannaa) May 10, 2025

ويتحدث تقرير صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن ارتكاب أكثر من 11,859 مجزرة ضد العائلات الفلسطينية، بينها 2,172 عائلة أبيدت بالكامل بقتل جميع أفرادها.

في خيام تفتقد إلى أبسط متطلبات الحياة، يعيش الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم وأطرافهم معاناة يومية تضاعفها استمرارية القصف وشح الموارد.

 

مقالات مشابهة

  • لانا الشريف وجه الطفولة بغزة الذي شوهته الحرب الإسرائيلية
  • أردوغان بين ماكرون وبوتين.. رسائل في “توقيت حساس”
  • السودان: العاصمة الإدارية تحت نيران المسيرات.. رسائل للداخل والخارج
  • بوريل: “إسرائيل” ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل أوروبية
  • الدفاع المدني بغزة: انتشال جثماني شهيدين شرق القطاع
  • بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
  • السفير الأمريكي: إسرائيل ستشارك في توفير الأمن بغزة وليس توزيع المساعدات
  • سفير أمريكا في إسرائيل: أطراف عدة ستوزع المساعدات بغزة
  • بين الذاكرة والاستعراض.. روسيا توجّه رسائل القوة في ذكرى النصر الثمانين
  • 106 شهداء في مجازر صهيونية جديدة بغزة والمقاومة تجدد رفضها مخطط العدو حول توزيع المساعدات