قال الدكتور محمد نصر الدين الجبالى، مترجم رواية مدرسة الحمقى، ورئيس قسم الروسى بكلية الألسن جامعة عين شمس، إنه لم ير مثيلًا قط لرواية «مدرسة الحمقى» للشاعر الروسى ألكسندر سوكولوف، والتى صدرت حديثًا عن المركز القومى للترجمة من الروسية إلى العربية، واحتفى بها المركز فى ندوة خاصة، الثلاثاء الماضى، بمناسبة يوم اللغة الروسية، وأضاف الجبالى، فى حواره لـ(المصرى اليوم)، أن الرواية تتحدث عن شاب مصاب بالشيزوفرينيا، وتأتى على لسان الكاتب على هيئة حوار ثرى بين ذاته والأنا الأخرى، وأشار إلى أنه استمتع كثيرًا بترجمة هذا العمل، ولكنه تطلب منه جهدا ذهنيا كبيرا فى البحث عن خلفيات بعض الجمل، بالإضافة إلى افتقار النص الأصلى لعلامات الترقيم لكون الحوار بين البطل ونفسه «نجد المؤلف يورد النص فى تسلسل سردى دون أى إشارة لكونه حوارًا»، موضحًا أنها تقنية حديثة فى الكتابة وصادمة، فيلاحظ انتقال السرد بشكل حاد بين مواضيع مختلفة وتبدو متناقضة فى إشارة إلى الحالة المرضية للبطل.

وأخيرًا تنبأ الجبالى بأنه بعد ترجمة هذا العمل، الذى يعد نفسه محظوظًا بترجمته، سيخوض الأدباء المصريون التجربة وينتجون عملا مشابها أو أفضل، خاصة أن الأدب المصرى لطالما تأثر بالروسى.

أخبار متعلقة

منحة عن الكتابة الإبداعية للقصة القصيرة والرواية بجامعة بنها

«الرواية العربية دراسة نقدية إيكولوجية».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب

غلاف الكتاب

■ ما هو المحور الرئيسى التى تدور حوله رواية مدرسة الحمقى؟

- الرواية تتحدث عن صبى يعانى من الشيزوفرينيا وتأتى على لسان الكاتب، وهو «ألكسندر سوكولوف»، وهو عاش بالفعل هذه الحالة، فعندما ذهب إلى المنتجع الصيفى وجد طفلا صغيرا مصابا بهذا المرض النفسى، فهو يطرح تجربته من خلال رؤيته لهذا الطفل الذى يعانى من انفصام الشخصية، ومن خلال هذه الحالة يكتب بصراحة شديدة عن واقع موجود، ويطرح قضايا شخصية بعينه مثيرة للاهتمام، لأنها تتوافق مع رؤيته تجاه كثير من الأمور التى نخجل أن نتحدث عنها، من خلال علاقته مع زملائه فى المدرسة، وهى لذوى الاحتياجات الخاصة، ولذلك سميت باسم «مدرسة الحمقى»، ولكن يتضح أن نظرة هؤلاء الحمقى للعالم المحيط تعد أكثر حضارة ورقيا وصدقا، وهى تطرح قضايا كثيرة جدا فى تحليل نفس شخصية الإنسان وتركيبته ورؤيته للعالم المحيط به، ورؤيته للمشاكل الاجتماعية الموجودة، كعلاقاته الأسرية، ونظرة المجتمع للمرأة، وكثير من القضايا الأخرى، كل هذا فى ٢٠٠ صفحة فقط.

■ كم استغرقت من الوقت لإنهاء ترجمة الرواية؟

- استغرقت ٦ أشهر فى تفرغ تام للعمل.

■ وكيف كانت الأجواء العامة المسيطرة عليك أثناء الترجمة؟

- الرواية مجهدة وممتعة فى آن واحد، فهناك أعمال تتم ترجمتها بشكل ميكانيكى أنجز فيها ٥ صفحات فى يوم واحد، ولكن هذه الرواية بالتحديد كنت أترجم صفحة واحدة وأتوقف، فهى مجهدة ذهنيًا للغاية، يمكننى أن أبحث عن جملة نصف سطر يضعها المؤلف فى الرواية تحمل الكثير من المعانى، لأتعرف على خلفيتها، فهذه الجملة يجب أن يعلم بها القارئ، وحالة التوقف هذه كنت أستمتع بها، فخرجت من العمل وأنا المستفيد، لأننى قرأت فى الدين والتاريخ والفلسفة، وتشاورت مع أساتذتى وأصدقائى، فالأمر كان ليس عملا ينجز ويصدر فقط، ولكنه كان بمثابة تجربة ثرية لى، وهذا النوع من الكتب أعتبره علاجا، فأنا تعالجت وكأنى كنت فى جلسة نفسية، فهذه الأعمال مكسب لأى مترجم، لذا أعتبر نفسى محظوظا.

■ ما هى الصعوبات التى واجهتك أثناء ترجمتك للرواية؟

- تعتمد الرواية على تقنية جديدة فى الكتابة وهى صادمة، فهناك حوار ظاهر، ولكنه يتحدث إلى نفسه، لأنه مصاب بالشيزوفرينيا، فهنا لغى المؤلف علامات الترقيم، ففى نفس الجملة يرد عليه «الأنا الأخرى»، وعلى القارئ أن يفهم بنفسه، فنجد ٥ إلى ٦ صفحات كاملة متواصلة دون علامات ترقيم ويطرح فيها كل الأفكار فى شكل حوار ومولونوج، وفعليًا هو يتحدث مع ذاته، ولكن القارئ يفهم أنه يتحدث مع (الأنا)، وهى مختلفة تمامًا، ولكنها حقيقة الشخص الداخلية، فالشخص له شخصية ظاهرة، و(الأنا الأخرى) والتى هى الشخصية الحقيقية غير مرئية، وكل إنسان له قدرة على إخفائها، والإنسان السوى هو الذى يستطيع إخفاءها، وعندما يتعب الإنسان نفسيًا تبدأ(الأنا الأخرى) فى الظهور، فالحوار دائر بين الشخصيتين على هيئة نقاش فلسفى ثرى نحن المستفيدون منه. ومن الأجزاء الصعبة أيضًا أنه فى موقف ما يحكى البطل مع (الأنا الأخرى) ونكتشف أنهما متوفيان، فهو مستوى متطور جدا يعكس تنوع الأدب الروسى.

■ تحدثت مسبقًا عن تأثر الأدب المصرى بالروسى.. هل وجدت للرواية شبيهًا لها فى الأدب المصرى؟

- لا أجد لها شبيهًا فى الأدب المصرى، لأن تقنية السرد التى تعتمد عليها الرواية تقنية جديدة، وبالفعل الأدب المصرى تأثر بالروسى كثيرًا، وهذا معروف، فقد تأثر يوسف إدريس تأثيرا مباشرا بالكاتب الروسى تشيخوف، واعترف أيضًا نجيب محفوظ بأنه تأثر بالأدب الروسى فى كتابة الرواية، وهناك أيضًا يحيى حقى.. والكثير، ولكن هذه التقنية لم أرها من قبل، وهذه الطريقة من السرد هى جديدة وغير معهودة فى الأدب الروسى، ولكن ربما بعد الترجمة هناك أدباء مصريون يجربون أنفسهم وينتجون الأفضل أو فى نفس المستوى.

■ هل ترى دخول سوكولوف مستشفى الأمراض النفسية كان له أثر على إنتاج هذه الرواية؟

- نعم إنتاج مثل هذه الرواية تطلب التجربة الشخصية ذاتها للأديب، فشخصية سوكولوف ساعدته على هذا العمل، لأن معايشته لهذه الحالة ومروره هو بتجربة دخوله لمستشفى الأمراض النفسية، ومهارته، وظروفه الاجتماعية التى عاشها، وهى فترة الستينيات والسبعينيات فى روسيا، والتى كانت مميزة جدًا فى تاريخ الأدب الروسى، فهى فترة بداية ذوبان الجليد، أو إعطاء مساحة للأدباء أن يعبروا عن أنفسهم وعن قضايا المجتمع، وكان يسبقها فترة كبيرة جدًا للتعبير عن قضايا الوطن والحرب وقضايا بعيدة أكثر عن معاناة الإنسان الشخصية، فكان هناك جوع للتعبير عن القضايا الإنسانية، وفى ذات الوقت كان هناك مساحة حرية للتعبير، فاستغل كل هذه الأمور وأنتج عملا لا يحدث عند كثير من الأدباء، وبالمثل لا يحدث للكثير من المترجمين أن يكونوا محظوظين بترجمة مثل هذه الأعمال.

■ ما الأسباب التى دفعتك لاختيار ترجمة هذه الرواية بعينها؟

- أولًا هى أهم رواية لسوكولوف، وثانيًا هذه الرواية تحظى بأهمية كبيرة فى المجتمع الروسى، وهى تطرح مشاكل الإنسان فى العالم كله، ومن هنا قبولها واستيعابها من القارئ المصرى سيكون سريعا، فهو عمل غير محدود بقضايا داخلية، بالإضافة إلى أنها تقنية جديدة، وأنا تأثرت بها كثيرًا، وشعرت بأنها تمثل إضافة على المستوى الشخصى، وأخيرًا هى تدرس كتقنية فى ورش الأدب فى روسيا.

الدكتور محمد نصر الدين الجبالى رواية مدرسة الحمقى

المصدر: المصري اليوم

كلمات دلالية: شكاوى المواطنين کثیر من

إقرأ أيضاً:

في حضرة الكتاب

 

 

 

محمد بن رامس الرواس

 

قبل الساعة الرابعة مساءً بقليل في الثالث والعشرين من أبريل 2025، بدا اليوم مُختلفًا، وشعرتُ أن له نكهة الانتظار الجميلة للحظات السعيدة المبهجة التي لا تُشبه سواها؛ إذ كنتُ على موعدٍ مع لحظات للامتثال في حضرة الكتاب، ومدعوًا لأتواجد في ديوان الحكمة والثقافة والعلم، بمعرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين.

أمسكتُ بيدينٍ مرتعشتين رعشة خفيفة، لا أخالُها إلّا بداية خوف بباكورة أعمالي، الأول كتاب "ثلاثون من أخلاق القرآن"، والثاني كتاب "من الطوفان إلى الصفقة". كانت نبضات قلبي تزداد خفقانًا مختلطة بغبطة داخلية، ومشاعر مختلطة بنفسي تغمرُها فرحة لا تُوصف بما تحمله يداي من قيمة دينية وثقافية ووثائقية؛ ففي تلك اللحظات شعرت بأن الكتابين اللذين بين يدي ليسا مجرد أوراق؛ بل حياة سكنتني فترة من الزمن، قررتْ اليوم أن تخاطب العالم من خلال إصداراتي.

وقبل أن أركب السيارة، تأملتُ غلاف "ثلاثون من أخلاق القرآن" فتذكَّرتُ البدايات قبل عامين، عندما بدأت استرشدُ بما كتبه كبار المفسرين في اختيار ثلاثين خلقًا قرآنيًا؛ فاستخدمت أسلوبي السهل البسيط واختصرتُ الديباجات حتى أصبح هناك كتاب لا يزيد عدد صفحاته عن 100 صفحة يحمل ثلاثين خلقًا قرآنيًا مجيدًا. راهنتُ على أسلوبي البسيط في الطرح كي يطلع القارئ في وقت قصير على خلاصة عظيمة لقيم ومبادئ ربانية، ثم التفتُ لتقع عيناي على كتابي الثاني "من الطوفان للصفقة"؛ فتذكرتُ أول مقالة كتبتها قبل 15 شهرًا ونيف، منذ أن بدأت الأحداث الجسام بطوفان الأقصى من غزة، فكانت رحلة مع الصورة والقلم والنصر والألم والانتصار والفرح والبكاء...

شعرتُ وأنا أقود السيارة أن الطريق إلى معرض الكتاب طويلًا وبعيدًا؛ فقد كانت كل دقيقة تمضي ببطء؛ فأدركتُ حينها أنني لستُ ذاهبًا إلى مجرد فعالية؛ بل إلى تظاهرة معرفية، وإلى لقاء مع المتلقين من القراء الكرام ورواد الفكر، الى لحظة الانتقال والتواصل مع الجمهور.

خرجتُ مسرعًا من السيارة عندما وصلتُ الى مواقف السيارات بمعرض الكتاب، مُتجِّهًا نحو المدخل الرئيسي لمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض؛ في يوم الافتتاح 23 أبريل 2025؛ حيث تحتضنُ مسقط العامرة عاصمة الفكر والنور حدثًا ثقافيًا تترقبه القلوب والعقول عامًا بعد عام. وللمرة الثانية لا يزال الصوت الداخلي بنفسي والأفكار ذاتها بقلبي، يسبقانني بفرح خاصٍ لإصداري الأول "ثلاثون من أخلاق القرآن"؛ ذلك العمل الذي حرصت أن يكون مرآةً نقية تعكس ما في القرآن الكريم من أخلاق وقيم سامية ومبادئ إنسانية رفيعة، تتجاوز الزمان والمكان، إنه كتاب يتحدث مباشرة مع القلب والعقل ويرشد الى أفضل مبادئ الأخلاق في الحياة اليومية، إنها ثلاثون من أخلاق القران تسري في الروح وفي العمل والموقف والضمير.

أما كتابي الثاني "من الطوفان إلى الصفقة"؛ فهو توثيق لما شهدناه من تحولات عميقة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خلال واحدة من أكثر مراحله الصعبة ويضم 44 مقالًا كُتبت على امتداد زمنٍ ملتهب، تتبعتُ فيها تطورات العدوان وشموخ الصمود، وكشفتُ فيها خفايا آهات الأطفال والنساء وكبار السن، وهو شهادة قلم وفكر وأدب ومحاولة لإضاءة الحقيقة في زمن الضجيج كتبت هذه المقالات بالحبر لكن من وجع غزة، إنها مرحلة لا يجوز أن تمر دون أن تُوثق.

عندما اجتزتُ البوابة الداخلية للمعرض سمعتُ أصوات الزوار والجمهور والمشاركين والضيوف؛ فتبادر الى ذهني خوف لم أكن قد شعرت به من قبل إنها 674 دار نشر من 35 دولة أين سيكون كتابيَّ الاثنين بين كل أولئك، أن هذه ليست مجرد أرقام، هذا صدى لحوارات العقول، ونداء للعالم أن الثقافة لا تزال حيّة، تنبض، وتنمو في تراب عُمان الطيّبة. ولأنني أحمل في دمي عشق الحرف وفي وجداني تعظيم الكتاب، قلتُ لنفسي إن أهل عُمان محبون للقراءة والأدب، فهُم عُمَّار المجالس الأدبية في ولاياتهم، والعُماني سواء كان من كبار السن أو الشباب أو الأطفال، مُحبٌ للمعرفة وعاشق للكلمة ووَفِيٌّ للكتاب.

ولعل من المشاهد البديعة التي تأسر العين في مثل هذه الفعاليات، الحضور الطاغي للدشداشة العُمانية البهية بين أروقة المعرض تحمل رمزية حيّة للهوية والانتماء، وهذا المشهد المتكرر في معارض الكتب سواء بالسلطنة او خارجها بمعارض الكتب، إنما يدل على اعتزاز الإنسان العُماني بقيمه وبتراثه، وحرصه على الحضور بثقافته وهُويته في محافل الفكر كما في محافل الحياة، ومعرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي كانت سلطنة عُمان ضيف الشرف فيه، ليس ببعيد، لنستذكر تفاعل الجناح العُماني وتميزه بالثقافة والفن والإبداع، ما جعله محط أنظار رواد المعرض بالقاهرة.

في أروقة المعرض، التقيتُ بوجوهٍ أعرفها جيدًا، كُتّاب وأدباء عُمانيين ومن أبناء مجلس التعاون الخليجي، الذين لطالما جمعتني بهم الكلمة، وقرّبت بيننا روح الحرف، كان كلٌّ منهم فرح سعيد وكأنه في كرنفال تغمر عينيه ذات الفرحة التي تسكنني. كان مشهدًا جميلًا أن ترى نخبة من الأصدقاء والزملاء كلٌّ منهم جاء ليقدّم ثمرة فكره، ونتاج قلمه، بين أدب وتاريخ وفكر وعلم، في لوحة جماعية تنطق بالحلم الذي انتظروه حين يتحول الفكر إلى نص مطبوع، وصوت يقرأه الناس.

في تلك اللحظة، لم أكن وحدي. كنَّا جميعًا هناك، نشبه بعضنا في نبض الفرح، ونحمل مسؤولية الكلمة بوعي المحبة، ونؤمن أنَّ الكتاب ما زال ضوءًا سرمديًا، وأن الثقافة ما تزال ركيزة كبرى وأن لعُمان صوتًا لا يُخطئه السامعون.

وهكذا، وأنا أعبرُ نحو دار بورصة الكتب للنشر والتوزيع بالجناح الخامس، شعرتُ أني لا أُقدّم كتابين فحسب؛ بل أضع لبنتين في صرح ثقافي راسخ، وأغرس حلمًا جديدًا في أرض خضراء بالوعي، عسى أن يثمر نورًا في قلب قارئ أو يبذر فكرةً في ذهن شاب، أو يداوي خاطر إنسان أو يصلح شأن امرئ يبحث عن الطريق.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • التويجري: دفاع الهلال يثير القلق وكوليبالي يمر بحالة نفسية حرجة.. فيديو
  • التشكيل المتوقع للأهلي أمام المصري في مباراة اليوم
  • تحديد جلسة لنظر دعوى عزل سعد الدين الهلالي والكشف عن ‏التهم الموجهة إليه
  • انتهاء عملية فصل التوأم الطفيلي المصري خلال وقت قياسي
  • الربيعة يزور التوأم الصومالي خلال استراحة من عملية فصل التوأم المصري.. فيديو
  • أمير جازان يرعى اليوم حفل افتتاح النسخة الـ21 من مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية
  • أمير جازان يرعى غدًا حفل افتتاح مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية
  • في حضرة الكتاب
  • بعد اختياره عميدا لكلية الآثار.. رئيس جامعة القاهرة يهنئ الدكتور محسن صالح
  • فاطمة الكاشف تعود للدراما في «حرب الجبالي» مع أحمد رزق