لجريدة عمان:
2025-10-19@04:24:06 GMT

الـعَـظَـمة الأمريكية والانحدار

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في حين يعتقد أغلب الأمريكيين أن الولايات المتحدة في انحدار، يزعم دونالد ترامب أنه قادر على «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». لكن افتراض ترامب غير صحيح ببساطة، والعلاجات التي يقترحها هي التي تشكل التهديد الأكبر لأمريكا.

الواقع أن الأمريكيين لهم تاريخ طويل من القلق بشأن الانحدار. فبعد فترة وجيزة من تأسيس مستعمرة خليج ماساتشوستس في القرن السابع عشر، أعرب بعض البيوريتانيين (المتزمتين) عن أسفهم لخسارة فضيلة سابقة.

في القرن الثامن عشر، درس الآباء المؤسسون التاريخ الروماني عندما فكروا في كيفية الحفاظ على جمهورية أمريكية جديدة. وفي القرن التاسع عشر، لاحظ تشارلز ديكنز أنه إذا كان لنا أن نصدق الأمريكيين، فإن بلادهم «دوما في كساد، ودوما في ركود، ودوما تعيش أزمة مروعة، ولم تكن قَـط في حال غير ذلك».

على غلاف مجلة صادرة عام 1979 تناولت التدهور الوطني، ظهر تمثال الحرية ودَمـعة تتدحرج على خده. ولكن في حين انجذب الأمريكيون لفترة طويلة إلى ما أسميه «توهج الماضي الذهبي»، فإن الولايات المتحدة لم تملك قط القوة التي يتخيل كثيرون أنها كانت تملكها. وحتى في ظل الموارد الطاغية، فشلت أمريكا في كثير من الأحيان في الحصول على مرادها. ينبغي لأولئك الذين يتصورون أن عالم اليوم أشد تعقيدا واضطرابا مما كان عليه في الماضي أن يتذكروا عاما مثل 1956، عندما عجزت الولايات المتحدة عن منع القمع السوفييتي للثورة في المجر.

الحق أن فترات «الانحدار» تنبئنا عن السيكولوجية الشعبية بأكثر مما تخبرنا به عن السياسة الجغرافية. مع ذلك، من الواضح أن فكرة الانحدار تمس وترا حساسا في السياسة الأمريكية، مما يجعلها موردا يمكن التعويل عليه للسياسة الحزبية.

في بعض الأحيان، يُـفـضي القلق إزاء الانحدار إلى فرض سياسات الحماية التي تضر أكثر مما تنفع. وفي أحيان أخرى، تؤدي فترات الغطرسة إلى سياسات لا تخلو من مُـغالاة مثل حرب العراق. ليس هناك فضيلة في التقليل أو المبالغة في تقدير القوة الأمريكية. عندما يتعلق الأمر بالعوامل الجيوسياسية، من الأهمية بمكان التمييز بين الانحدار المطلق والنسبي. من الناحية النسبية، كانت أمريكا في انحدار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولن تتمكن مرة أخرى أبدا من المساهمة بنصف الاقتصاد العالمي واحتكار الأسلحة النووية (التي اقتناها الاتحاد السوفييتي في عام 1949). لقد عززت الحرب اقتصاد الولايات المتحدة وأضعفت اقتصاد الآخرين جميعا. لكن مع تعافي بقية العالم، هبطت حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى الثلث بحلول عام 1970 (وهي ذات حصتها تقريبا عشية الحرب العالمية الثانية).

رأى الرئيس ريتشارد نيكسون في ذلك علامة على التراجع وأخرج الدولار من معيار الذهب. لكن الدولار يظل متفوقا بعد نصف قرن من الزمن، ولا تزال حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبلغ نحو الربع. كما أن «انحدار» أمريكا لم يمنعها من الفوز في الحرب الباردة.

في أيامنا هذه، كثيرا ما يُستشهد بصعود الصين كدليل على الانحدار الأمريكي. إذا نظرنا بدقة إلى علاقات القوة بين الولايات المتحدة والصين، فسوف يتبين لنا أن تحولا ملموسا حدث بالفعل لصالح الصين، وهو ما يمكن تصويره على أنه تراجع أمريكي، بالمعنى النسبي. ولكن بالقيمة المطلقة، لا تزال الولايات المتحدة أكثر قوة، ومن المرجح أن تظل كذلك.

الواقع أن الصين منافس يستحق الإعجاب، ولكن تعيبها نقاط ضعف مهمة. وعندما يتعلق الأمر بتوازن القوى في المجمل، فإن الولايات المتحدة تتمتع بست مزايا طويلة الأمد على الأقل.

الأولى تتمثل في الجغرافيا. يحيط بالولايات المتحدة محيطان وجارتان صديقتان، في حين تشترك الصين في حدودها مع 14 دولة وتخوض نزاعات إقليمية مع دول عديدة، بما في ذلك الهند. والسبب الثاني هو استقلال أمريكا النسبي في مجال الطاقة، في حين تعتمد الصين على الواردات. ثالثا، تستمد الولايات المتحدة قوتها من مؤسساتها المالية الضخمة العابرة للحدود الوطنية والدور الدولي الذي يلعبه الدولار. يجب أن تكون العملة الاحتياطية الجديرة بالثقة قابلة للتحويل بحرية وأن تكون جذورها ضاربة بعمق في أسواق رأس المال وسيادة القانون ــ وكل هذا تفتقر إليه الصين.

رابعا، تتمتع الولايات المتحدة بميزة ديموغرافية نسبية باعتبارها الدولة المتقدمة الكبرى الوحيدة التي من المتوقع حاليا أن تحتل مرتبتها (الثالثة) في التصنيف السكاني العالمي. وسوف تشهد سبعة من أكبر خمسة عشر اقتصادا على مستوى العالم تقلصا في قوة العمل على مدار العقد المقبل؛ ولكن من المتوقع أن تزداد قوة العمل في الولايات المتحدة، في حين بلغت في الصين ذروتها في عام 2014.

خامسا، كانت أمريكا لفترة طويلة في طليعة التكنولوجيات الرئيسية (التكنولوجيا البيولوجية، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا المعلومات). تستثمر الصين بكثافة في البحث والتطوير ــ وهي الآن تسجل نتائج جيدة من حيث براءات الاختراع ــ ولكن بمقاييسها الخاصة، لا تزال جامعاتها البحثية تحتل مرتبة متأخرة عن المؤسسات الأمريكية.

وأخيرا، تظهر استطلاعات الرأي الدولية أن الولايات المتحدة تتفوق على الصين في قوة الجذب الناعمة. في مجمل الأمر، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا قوية في منافسة القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين. ولكن إذا استسلم الأمريكيون للهستيريا بشأن صعود الصين، أو الرضا عن الذات بشأن «ذروتها»، فقد تلعب الولايات المتحدة أوراقها بشكل سيء. والتخلص من الأوراق العالية القيمة ــ بما في ذلك التحالفات القوية والنفوذ في المؤسسات الدولية ــ سيشكل خطأ فادحا. وبعيدا عن جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى إضعافها بدرجة كبيرة. يجب أن تكون خشية الأمريكيين من صعود القومية الشعبوية في الداخل أكبر من خوفهم من صعود الصين. الواقع أن السياسات الشعبوية، مثل رفض دعم أوكرانيا أو الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي، من شأنها أن تلحق ضررا كبيرا بقوة الولايات المتحدة الناعمة. وإذا فاز ترامب بالرئاسة في نوفمبر، فقد يكون هذا العام نقطة تحول في القوة الأمريكية.

وأخيرا، قد يكون الشعور بالانحدار مبررا. حتى لو ظلت قوتها الخارجية مهيمنة، فمن الممكن أن تفقد الدولة فضيلتها الداخلية وجاذبيتها في أعين الآخرين. فقد ظلت الإمبراطورية الرومانية قائمة لفترة طويلة بعد أن فقدت شكل الحكم الجمهوري. وكما عَـلَّـق بنجامين فرانكلين حول شكل الحكومة الأمريكية التي أنشأها المؤسسون قائلا: «هي جمهورية ما دام بإمكانك الحفاظ عليها». بقدر ما أصبحت الديمقراطية الأمريكية أكثر استقطابا وهشاشة، فإن هذا التطور هو الذي قد يؤدي إلى انحدار أمريكا.

جوزيف س. ناي أستاذ فخري في كلية كينيدي بجامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟» الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة أمریکا فی فی القرن فی حین

إقرأ أيضاً:

الصين تنتج كاشف الفوتون.. هل انتهى عصر الطائرات الشبحية الأمريكية؟

ذكرت وسائل إعلام أن الصين بدأت الإنتاج الضخم لكاشف الفوتون الذي يمكن أن يساعد في بناء أجهزة الرادار الكمومية لتتبع الطائرات المقاتلة المتطورة الشبح مثل طائرة "إف-22 رابتور".

وبحسب تقرير لموقع "الهندسة الشيقة" العسكري، فإن هذا الجهاز هو "أول" كاشف فوتوني فردي رباعي القنوات فائق الضوضاء في العالم، ويمكن أن يمتد استخدامه من الاتصالات إلى الدفاع.

وذكر تقرير لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، أن كاشف الفوتون قادر على اكتشاف حتى جسيم واحد من وحدة الطاقة، وقد يكون الجهاز الذي بناه مركز أبحاث تكنولوجيا هندسة المعلومات الكمومية في مقاطعة آنهوي ضارا بالطائرات الشبح.

كما يوصف كاشف الفوتون بأنه جهاز فائق الحساسية يمكنه حتى اكتشاف الفوتونات الفردية،

وبين التقرير أن الإنتاج الضخم له سيسمح لبكين بتحقيق الاكتفاء الذاتي في تطوير المكونات الرئيسية لتكنولوجيا المعلومات الكمومية.

وتابع التقرير، "عندما ينظر الإنسان إلى جسم ما، هناك عدد لا يحصى من الفوتونات تدخل العين معا لتشكل صورة واحدة وقد تم وصف فصل الفوتون الفردي بأنه إنجاز يعادل التمييز بين صوت حبة رمل واحدة تسقط بينما تهطل أمطار غزيرة وتضرب البرق".

وأوضح أن القدرة على اكتشاف حتى الفوتون الفردي هي قدرة نادرة، وسوف تؤدي إلى اكتشاف وتتبع الإشارات الأصغر حتى. هذا مكون أساسي لتكنولوجيا الاتصالات الكمومية والرادار.

وتعتمد معظم الطائرات الشبح المستخدمة اليوم، مثل مقاتلتي "إف-22" أو "إف-35" من الولايات المتحدة، على طلاء خارجي خاص وحجرة أسلحة داخلية، من بين تغييرات أخرى في تصميم الطائرة، لامتصاص أو تحريف الإشارات المرسلة من قبل أجهزة الرادار التقليدية.

بينما تمتلك الطائرات الشبح حيلا متنوعة لتجنب أجهزة الرادار التقليدية بنجاح إلى حد ما، قد تثبت أجهزة الرادار الكمومية أنها تغيير قواعد اللعبة على المدى الطويل حيث ترسل الفوتونات التي تتغير خصائصها الكمومية بمجرد اصطدامها بالطائرة الشبح وهذا يعني أنه حتى الإشارات الزائفة التي تولدها الطائرة لن تكون قادرة على مطابقة خصائص الفوتونات المنبعثة من أجهزة الرادار الكمومية.

وبمجرد وصول فوتونات الوحدة الفردية إلى الرادار بعد اصطدامها بالطائرة الشبح، يتم دراستها، مما يكشف عن موقع الطائرات الشبح.

وعلاوة على ذلك، ستستهلك أجهزة الرادار الكمومية طاقة أقل ويمكن نشرها بسهولة على العديد من أنواع المنصات. كما تعد بتحسين اكتشاف الأهداف منخفضة الرؤية.

وقبل سنوات، طورت الصين نظام رادار كمومي بمدى كشف يبلغ حوالي 100 كيلومتر.

كما يمكن للكاشف الفوتوني الفردي رباعي القنوات الجديد أن يعزز قدراته، مما يؤدي إلى الكشف من أكبر عدد ممكن من مصادر الضوء أو أجزاء مختلفة من المصدر.

ووفقا لتقرير وكالة "رويترز"، فقد أعطت الولايات المتحدة مؤخرا الضوء الأخضر للطائرة المقاتلة من الجيل السادس التابعة للبحرية ذات القدرات المعززة.

وتأمل القوات الجوية الأمريكية أيضا في الحصول على أول طائرة من الجيل السادس إف-47 في الجو بحلول عام 2028، وقد بدأت بوينغ بالفعل العمل على الطائرة.

مقالات مشابهة

  • احتجاجات لا للملوك تعمّ الولايات المتحدة الأمريكية من جديد.. وترامب يرد: لست ملكًا
  • إعلان الصين قيودًا على صادرات المعادن النادرة يشعل توترًا تجاريًا مع الولايات المتحدة
  • هل تستأنف الصين المحادثات التجارية مع أمريكا قريبًا؟
  • حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاعر الولايات المتحدة؟
  • الصين توافق على محادثات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة
  • الصين تنتج كاشف الفوتون.. هل انتهى عصر الطائرات الشبحية الأمريكية؟
  • ترامب: الولايات المتحدة بحاجة لكثير من الأسلحة التي ترسلها لأوكرانيا
  • وسط تصاعد الحرب التجارية.. الصين تدعو إلى حوار متكافئ مع الولايات المتحدة
  • استقبال جاف لزيلينسكي في الولايات المتحدة الأمريكية
  • الصين تتهم الولايات المتحدة الأمريكية بتهديد وتقويض التجارة الدولية