كيف علّق ناشطون على فيديو بناء السور الإسمنتي بين مصر وغزة؟
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
عزَّزت الحكومة المصرية تأمين حدودها المغلقة مع قطاع غزة بحجة منع تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع إلى سيناء. وأظهر فيديو نشره أحد الصحفيين الفلسطينين بغزة عمالا مصريين، يُشيدون سورا إسمنتيا على الحدود مع القطاع الفلسطيني.
ويقدّر عدد سكان رفح 300 ألف فلسطيني، لكنهم أصبحوا مليونا و700 ألف بعد النزوح الأخير، ونصب 300 ألف منهم خيامهم بمحاذاة الشريط الحدودي مع مصر.
ويتبين من الفيديو -الذي نشره الصحفي الفلسطيني أحمد المدهون- أن العمال المصريين كانوا يبنون السور الجديد فوق السور القديم الموجود بالفعل، أي أن عملهم كان لزيادة ارتفاع السور، وليس بناء سور جديد.
وأظهرت صور التقطت في وقت سابق قيام السلطات المصرية بأعمال ترميم جديدة في السياج الفاصل بين مصر وقطاع غزة شرقي رفح، حيث نقلت معدات ثقيلة الرمال، وقوَّت أبراج المراقبة والسور الخرساني على طول الحدود مع القطاع.
تعليقات الناشطين
وقد أثار فيديو بناء السور الإسمنتي بين مصر وغزة تعليقات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، نقلت بعضها حلقة (2024/2/5) من برنامج "شبكات".
وكتب عزت يقول "المعلن إكمال تطويق رفح والتأكد من عدم وجود أنفاق مع مصر، وغير المعلن سيقلبون الممر منطقة حرب، ومتوقع قذائف طائشة تستهدف سور الحدود المصري".
وتساءل أمير الدين قائلا "ألا يستحق أنين طفل جائع واحد في غزة أن يهدم لأجله ألف سور؟ ويُزال لأجله ألف سياج؟"
كما طرح تامر لقمان التساؤلات التالية: "ماذا لو إسرائيل ضربت السور الحدودي حول معبر رفح مثل ما تضرب قرب البوابة، وعلى الطرق المؤدية لها في غزة؟.. ماذا ستفعل مصر مع الفارين من جحيم القصف في غزة؟".
أما أحمد فله رأي آخر، إذ قال في تعليقه "من حق مصر تأمين حدودها والحفاظ على أمنها القومي".
وتأتي التحركات المصرية في ظل حديث عن تحرك عسكري إسرائيلي نحو محور فيلادلفيا.
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي ذكرت أن تل أبيب والقاهرة تقتربان من التوصل لتفاهمات بشأن مدينة رفح ومحور فيلادلفيا، على الحدود بين قطاع غزة ومصر.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
بناء وإعادة بناء الأمم
محمد بن أنور البلوشي
"لم تُبنَ روما في يومٍ واحد".. هذه المقولة القديمة تختزل حقيقة خالدة، وهي أن الأمم، شأنها شأن المدن العظيمة والحضارات الكبرى، لا تُولد بين ليلةٍ وضحاها؛ بل تُصاغ على مدى أجيال عبر الرؤية، والكفاح، والتعلُّم، والإرادة الجماعية. وفي صميم هذا المسار تكمن التربية والتعليم، المحرك الأساسي لنهوض الأمم، وصمودها، وتجددها.
وبناء الأمة لا يقتصر على إنشاء البنية التحتية، أو صياغة الدساتير، أو ترسيم الحدود الجغرافية. بل هو عملية غرس الشعور بالهوية والهدف والقيم المشتركة بين أفراد الشعب. هو تأسيس مؤسسات قوية، وتمكين المواطنين من التفكير النقدي، والتصرف بأخلاقية، والمساهمة الفاعلة في خدمة وطنهم. ويُعد التعليم الأداة الأقوى في هذا المسعى النبيل.
وعلى مرّ العصور، كانت المجتمعات التي أعطت أولوية للتعليم هي الأقدر على إرساء أسس التنمية الوطنية المستدامة. ففي عمله الشهير "الجمهورية"، تصوّر أفلاطون دولة مثالية يحكمها ملوك فلاسفة، قادة تم تشكيلهم من خلال تعليم أخلاقي وفكري امتد لعقود.
وبعد قرون، عزّز مفكرون مثل باولو فريري وأمارتيا سن هذه الفكرة. فريري رأى أن التعليم يجب أن يوقظ الوعي النقدي ويحرر العقول من الخضوع السلبي، بينما أكد سن، الحائز على جائزة نوبل، أن التعليم لا يقتصر على الفائدة الاقتصادية؛ بل هو توسعة لحريات الإنسان وقدرته على العيش بكرامة، والمشاركة المجتمعية، وتحقيق الذات.
وتُقدِّم التجارب الحديثة أمثلة حية على ذلك؛ فبعد الدمار الشامل الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، استطاعت ألمانيا واليابان النهوض من تحت الركام من خلال إصلاحات تعليمية جذرية. فقد أدخلت ألمانيا برامج للتربية المدنية لإعادة تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز القيم الديمقراطية، بينما ركّزت اليابان على ضمان الوصول الشامل للتعليم، والابتكار، والتربية الأخلاقية.
واستخدم البلدان المدارس ليس فقط للتعليم؛ بل أيضًا للشفاء المجتمعي. وعلى نهجهما، تحولت كوريا الجنوبية، التي مزّقتها الحرب، إلى التعليم كمسار رئيسي للتنمية، فاستثمرت بكثافة في محو الأمية، وتدريب المعلمين، والبحث العلمي، لتصبح خلال جيل واحد من أقوى الاقتصادات في العالم.
غير أن نوعية التعليم لا تقل أهمية عن مدى انتشاره. فالمناهج التعليمية التي تقتصر على إنتاج عمال مهرة لا تكفي لبناء أمة. لا بد من تعليم شامل، يُنمّي المعرفة إلى جانب التعاطف، والشجاعة، والإبداع، والخلق القويم. تعليم يُعلّم الطالب كيف يسأل، ويتقبل التنوّع، ويشارك في الحياة المدنية. تعليم لا يُعدّه فقط لكسب الرزق؛ بل لصنع الفرق.
ولا يمكن إغفال دور من يقدم هذا التعليم. فالمعلمون هم المهندسون الحقيقيون لبناء الأمم، ومع ذلك، لا يزال كثيرون منهم في دول مختلفة يعانون من التهميش وسوء التقدير. إن جودة المعلمين تنعكس مباشرة على جودة المواطنين. ولهذا، فإن الاستثمار في تدريب المعلمين، وضمان الحرية الأكاديمية، وتحفيز أساليب التعليم المبتكرة، هو استثمار طويل الأمد في صمود الأمة.
كما قال نيلسون مانديلا: "التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم". لقد أدرك مانديلا أن إعادة بناء جنوب أفريقيا بعد نظام الفصل العنصري يتطلب أكثر من مجرد تغييرات قانونية وسياسية؛ بل تغييرًا في العقول والقلوب، وهو ما لا يقدر عليه إلا التعليم.
وحينما تنهار الأمم نتيجة للحروب، أو الاستعمار، أو الأزمات الاقتصادية، يصبح التعليم هو بوابة الانبعاث. فقد شملت عملية تعافي رواندا بعد الإبادة الجماعية تركيزًا كبيرًا على تعليم السلام وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال المدارس. وفي الهند، بعد الاستقلال، اعتبر القادة أمثال جواهر لال نهرو والشيخ مولانا آزاد أن التعليم هو القوة الدافعة لبناء دولة ديمقراطية علمانية حديثة. فأنشأوا مؤسسات تعليمية عليا، وشجعوا التفكير العلمي والنقدي كأدوات للوحدة الوطنية.
أما في عالمنا المعولم اليوم، فإن التحديات التي تواجه الدول كالتغير المناخي، وعدم المساواة، والتطرف تستدعي جيلًا جديدًا من المواطنين الذين يفكرون عالميًا ويتصرفون محليًا.
ولذلك، يجب أن يُدمج التعليم المدني، والأخلاق، والوعي البيئي، والقيادة في صلب العملية التعليمية. وقد نجحت دول مثل فنلندا وسنغافورة في غرس هذه القيم في أنظمتها التعليمية، حيث خرجت طلابًا لا يملكون المعرفة فحسب؛ بل يتحلون أيضًا بروح المسؤولية الاجتماعية والانتماء الوطني.
وفي النهاية.. فإن بناء الأمم يبدأ من داخل الإنسان، من عقله وقلبه؛ فتغيير الدول لا يتحقق عبر السياسات والمشاريع فقط؛ بل من خلال أفراد يُجسّدون قيم العدالة، والرحمة، والحكمة. والتعليم هو من يوقظ هذا الإمكان، ويبني الشخصية، والثقة، والمجتمع، ويُحوِّل الفرد من مُتلقٍ سلبي إلى مواطن نشط.
لذا، فإن بناء أو إعادة بناء الأمة يبدأ من عقول أبنائها؛ فالسبورة أقوى من ساحة المعركة، والقلم يحمل وعدًا أكبر من السيف، والمجتمع الذي يزرع التعليم، سيحصد السلام، والازدهار، والتقدم.