لجريدة عمان:
2025-10-12@11:34:21 GMT

(يا أعمى) لعماد أبو صالح الكتابة من مسافة صفر

تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT

(يا أعمى) لعماد أبو صالح الكتابة من مسافة صفر

منذ عشرين عاما أعرف عماد أبو صالح كونه اسما شعريا بارزا، أتابعه بحماسة وأتتبع أخباره الشخصية القليلة المتاحة من أصدقائه، هو سيد الاختفاءات، رأيته مرة في إحدى دورات معرض القاهرة الدولي للكتاب.

مع عماد على طاولة واحدة محاطا بضجيج الدخان والمثقفين تشعر أنك تجلس مع الشعر الصافي، حتى في حياته الشخصية بسيط ومتقشف ولا يريد أكثر من وقت هادئ للكتابة، لا مسافة مع عماد الإنسان، مفتوح وطبيعي وقابل للضحك والسخط، تماما كما نصه الطبيعي الذي لا تعكره معكرات الحياة، لا أتخيل عماد يقرأ شعرا أمام جمهور، أظنه لم يفعلها أبدا، هو لا يؤمن بهذه الطريقة في التواصل مع جمهوره، يكفيكم قصائدي ما الذي تريدونه من صوتي وشكلي وابتساماتي وتوقيعي؟ هكذا أتخيل رده، لا أتخيله في استوديو يناقش مع مقدم برامج ثقافية تطور القصيدة العربية، ولا أتخيله يقف على منصة يستلم جائزة أدبية، ولا أستطيع أن أصدق أن عمادا أرسل يوما كتابا له في مظروف إلى لجنة تحكيم جائزة أفضل كتاب شعري، والجوائز التي حصل عليها، كانت تأتيه حتى بيته، لتطلب منه جائزتها.

في حوار بموقع الكتابة الثقافي يكتب الروائي حسن عبد الموجود:

(لم يبد الأمر سهلا بالنسبة لعماد، حينما وصله إيميل بفوزه من أمانة الجائزة كان مترددا، ولم يرد على الفور. كان حائرا بين الحفاظ على عزلته، وبين كسر الصورة الشائعة التي تؤرشفه في خانة «المعتزل» أو «المتكبر»، خاصة أن أمانة الجائزة تختار الفائزين بها دون تقدُّم ولا ترشيحات، بطريقة راقية تليق بمفهومه للشعر، إذ يرى أنه لا يصح أن ينافس في مسابقة أو يزاحم في طابور. سيطرت عليه الحيرة، فلجأ إلى صديقه الشاعر أحمد شافعى: «أعزّ الناس على روحي، لم أستشر أحدا سواه. سألته عن رأيه، فقال لي جملة كانت حاسمة: لا يصح أن تظل- طوال الوقت- تحارب اسمك)».

أجمل ما في عماد هو كونه كذلك، خائفا من الزحمة ومترددا في عبور شارع عام، أجمل ما في قرائه هو حبهم له على هذه الحالة الطبيعية. التي تشبه حياة في البراري الحرة والآمنة، بلا ضجيج مؤسسات ودور نشر وسيارات ومصانع، واتحادات وسجون وفضائيات، نحب عماد في هذه المنطقة، نحتاجه في حيز خاص، هامسا ومشيرا لنا من بعيد، حيز يشتغل فيه بمهارة قاطع أشجار عالية في الجيل القريب، وصياد غيوم، ونسّاج ظلال ومستودع لأسرار الغزلان والأنهار البعيدة والوحوش.

شاعر شاب وشاعر كبير

(الأول يدرس الثاني ليتخطاه، الثاني يفتش في الأول عن دم جديد، لأشعاره، شحنة ديناميت، مع أقل حكة ستنفجر).

في كتاب (يا أعمى) الصادر 2023 عن دار أثر السعودية، لا يكتب عماد شعرا، أنه يكتب كل شيء، السخرية والخوف والأصدقاء والشعراء والحب والجنون والبلاد والشعر، يقول لي عماد عن هذا الكتاب: (أرهقني هذا الكتاب فهو تصفية لحساباتي مع الشعر ومع نفسي والزمن والشعراء)، من مسافة صفر يكتب عماد ناره وكهوفه، لا يحسب حسابا لأي شيء، وهذه العبارة ليست في قاموسه (مغامرة غير مضمونة العواقب)، يسخر من أدباء شبان يصرخون في وجهه: أنت الماضي ونحن المستقبل، ويتخيل أنه يهنئ محمود درويش بعد تحرير فلسطين كاملة، ويرى نفسه ضمن جمهور أمسية للوركا وعاملا كساقي في إحدى حانات قونية، قرب جلال الدين الرومي، وقابل هيدجر في بيته الريفي وتأمل السعادة في وجهه، ولمح كفافيس جالسا على شاطئ البحر، اقترب منه وسأله: ماذا تفعل هنا وسط البرد والمطر؟ وحلم أنه قشة في نهر، وحاول إنقاذ تسيلان قبل أن يغرق، وعلى مشارف الخمسين اعتذر للفراهيدي، ويدعو الناس إلى عدم تضييع الوقت في البحث عن قبر لوركا، فهو هناك بين جناحي أمه.

اللغة في الكتاب حادة وهشة في آن، والإيقاع الخارجي ليس مهما، المهم هو إيقاع الفكرة، وشجاعتها وحزنها.

(الشاعر أكثر الكائنات عرضة للكسر، لأنه قارورة جمال).

(لابد أنك كنت الطفل المدلل في العائلة

قصائدك تنقصها صفعة أبوية

تنقصها نار الشعر التي تندلع بين اليد والخد)

معلم كتابة هو عماد، النص مشدود بخيط محسوب سمكه غير مرئي، لا شحم، لا تجاعيد لغوية، اللغة بسيطة ولكنها غير بسيطة تقترن بسياق وفكرة مجنونة وعميقة، ومتماسك مثل تفاحة، بعد تسع كتب شعرية، يقف في الصف الأول ممن يبحث عنهم القراء، يخيب عماد أمل الملهوفين، للقاء شخصي وتوقيع وصورة حتى في تخييبه لرغبة هؤلاء هو شاعر، فهو لا تركهم يعودون دون تعويض، والتعويض هو ديوان جديد، ينهمرون عليه فيسامحونه، في العالم يقرأون عماد بعيون واسعة، فنصوصه تتسع لكثير من الـتأويلات، والقصص والإحالات. يمد شعر عماد يده بآلاف القطع من الحلوى، فيمد يده طفل من آخر العالم هذه هي طريقة الشعراء الكونيين.

ا(لكون كله بيت الشاعر، وحده يمكنه مد يده بقطعة حلوى لطفل، يتيم يقيم في الطرف الآخر من العالم، وتصل، ليأكلها).

على أطراف الكتابة الروائية القصصية والمسرح والسينما والرقص والشعر يقيم عماد، كم يحيرنا،!. في كتابه ( يا أعمى)، هو يبدو على وشك أن يكون قاصا، ولكنه ليس قاصا، ويبدو وكأنه مخرج سينمائي، وهو ليس كذلك، ويبدو راقص كلمات ومغنيا وهو ليس براقص ولا مغن، ويبدو مؤلفا مسرحيا، وهو ليس كذلك، يبدو شاعرا وهو كذلك تماما.

فنان الأجناس الأدبية وملك التجوال المدروس في مساحاتها، تجوال لا يتخطى فيه درجة غير ضرورية، يغادر عماد كل نوع أدبي يدخله، يغادره شاكرا، تلحقه الأنواع على الدرج، وتدعوه لإقامة دائمة، يعتذر عماد، يخرج بهدوء إلى بيته الريفي في براري الإحساس: بيت الشعر.

(يا رب

أنت الذي خلقتني شاعرا.

تعرف أني أردت أن أكون خبازا أو نجارا.

لن يلعنني فم ممتلئ بلقمة من رغيفي.

لن يكرهني جسد يرتاح على سرير صنعته بنفسي

أنا لا أعترض على مشيئتك،

لكن لا تجعل كلماتي فريسة للناس والزمن.

امنحني سكينة أن أعيش بلا مدائح أو شتائم.

ارزقني بنعمة أن أشيخ بوقار).

طلبت من عماد أن يرسل لي سيرته فضحك طويلا وكتب: من مواليد المنصورة يعيش في القاهرة، من عام 1991 ويعمل في صحيفة الوفد.

حتى في تقشف مفردات سيرته شاعر، لا يريد من الحياة سوى كتاب وكوب شاي كما قال في حواره مع موقع الكتابة. شاعر مثل عماد يعيش في العتمة الخفيفة، عتمة الشعراء الكونيين لا يمكن أن يغضب منه أحد.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محمد ماهر يكتب: من خارج الخط

نستطيع الآن أن نقول أنه قد جاء اليوم الذي نجلس فيه لنقص ونروي كيف استطاع منتخبنا الوطني الصعود إلى كأس العالم بمنتهى السهولة وكيف نجح حسام حسن في تأمين الصدارة قبل آخر جولة من التصفيات.


ربما لم يعش البعض  معاناة الوصول إلى المونديال كما عشناها في مرات سابقة....فمن ينسى معاناة الهزيمة من تونس 1/4 في 1977 ....ومن ينسى ضربة جزاء جمال عبد الحميد الضائعة أمام المغرب في 1985 ....وغيرها وغيرها من فرصة مجدي طلبة في مباراة زيمبابوي لفرصة بركات في مباراة الجزائر.


قد يشعر البعض أن الفرحة ليست على قدر الإنجاز....وهذا ما أراه شعوراً طبيعيأ....فمن حضر يوم 17 نوڤمبر 1989 وعاصر فرحة الشعب بالصعود لمونديال إيطاليا بعد 56 سنة لابد أن يدرك حتما أن شعور السعادة والفرحة كان على قدر الحدث الكبير والذي للمصادفة كان عن طريق حسام حسن الذي كتبت له الأقدار أن يكون سبباً في الصعود وهو لاعب وهو مدرب.


عموماً ليس ذنب حسام أن الفيفا قررت أن يضم كأس العالم  % 23 من دول العالم فبالتالي أصبح الطريق للمونديال سهلاً ....كذلك لم يسحب حسام قرعة التصفيات بيده ليختار سيراليون وجيبوتي وأثيوبيا في مجموعته.


ورغم سهولة التصفيات المؤهلة للمونديال لمعظم القوى الكبرى في كرة القدم على مستوى العالم لكن لم يكن هذا لينقص من فرحة شعوب الدول المتأهلة حتى الآن لإن إنجاز الصعود والمشاركة في هذا الحدث العالمي الكبير هو فعلاً يستحق الفرحة.


ترى كيف سيكون الحال لو فشلنا في التأهل ....هل غاب عن ذاكرتنا مثلا أن منتخبنا الوطني بعد ما فاز بثلاث بطولات متتالية لكأس الأمم الأفريقية فشل لثلاث مرات متتالية في التأهل لنفس البطولة....هل غاب عن ذاكرتنا الخسارة أمام أفريقيا الوسطى 2/3 في قلب ستاد القاهرة....هل نسينا خسارة مباراة النيجر التي أطاحت بحسن شحاتة صاحب أكبر إنجازات مصر الكروية.


أعلم تماما أن المشاعر الإنسانية سواء سلبا أو إيجاباً لا يمكن توجيهها أو السيطرة عليها لأنها نابعة من القلب الذي لا يمكن لأحد التحكم فيه....لكن مجرد مقارنة الأحداث ببعضها والنظر لتغير الأحوال برؤية متسعة قد يكون سبباً في تغير المشاعر نسبياً.


ولو أراد البعض تفسير حالة نقص الشغف بأي تبرير آخر فلننتظر لمدة شهرين موعد كأس الأمم الأفريقية في المغرب وربما سيتأكد وقتها أننا نعشق الصعب ونستمتع بالمعاناة لأن البطولة تمثل بالفعل اختبارا حقيقيا لحسام وفريقه.


انتقد المنتخب وانتقد مدربه كما شئت فهذا من حقك ولكن لا تفرط في شعورك بالفرحة وانت ترى منتخب بلادك مشاركا في أهم بطولة يشاهدها العالم كل أربع سنوات.

طباعة شارك كأس العالم حسام حسن المونديال

مقالات مشابهة

  • مصرع شخص وإصابة آخرين في حادثين منفصلين ببني سويف
  • كرامي اطّلعت على تحضيرات إطلاق نسخة جديدة من مسابقة الكتابة الوطنية
  • جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا تدريبيًا حول «فن الكتابة» لتعزيز مهارات
  • عبد الله الثقافي يكتب: الحرب جرح لا يندمل
  • محمد ماهر يكتب: من خارج الخط
  • د.محمد عسكر يكتب: عصر الحكومة الذكية في مصر !
  • عادل نصار يكتب: مدينة السلام تصنع التاريخ
  • سلام يكتب بحروف مصرية
  • تعلن نيابة ومحكمة سنحان أن على المتهمين صالح الحداء و صادق الحداء الحضور إلى المحكمة
  • العميد طارق صالح يلتقي بالسفير الأمريكي