أثار توقيع تركيا والصومال، اتفاقا في مجال التعاون الدفاعي مدة عقد كامل، يسمح للجيش التركي بحماية السواحل البحرية للصومال، ويمنح أنقرة حق استغلال 30 بالمئة من ثروات الساحل الصومالي الأطول في القارة الأفريقية؛ التساؤلات حول مدى توافقه مع المصالح المصرية وأمنها الحيوي.

وزير الدفاع التركي، يشار غولر، ونظيره الصومالي، عبد القادر محمد نور، وقعا بالعاصمة التركية أنقرة، اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، بموجبها يتوجب على أنقرة حماية سواحل الصومال وتأمينها.



وتتضمن الاتفاقية مكافحة جرائم القرصنة، ومنع التدخلات الأجنبية، والصيد غير القانوني، وتهريب السلاح، وتدريب وبناء القوات البحرية الصومالية وإمدادها بالمعدات؛ مقابل حصد تركيا 30 بالمئة من ثروات المنطقة الاقتصادية بالساحل الصومالي.

الحكومة الصومالية على لسان وزير إعلامها داود أويس جامع، رأت بالاتفاق حماية لسيادتها، فيما اعتبر رئيس الوزراء حمزة عبدي بري، أنها "تنهي مخاوف الصومال من الإرهاب، والقراصنة، ومنع التهديدات والانتهاكات الخارجية".

الاختيار الصومالي
الاختيار الصومالي لأنقرة لتكون حارسة على سواحلها مدة عقد، يأتي خاصة وأن أنقرة عضو قوي بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويأتي جيشها بالمرتبة الأولى بالشرق الأوسط، والـ 11 عالميا بين أقوى جيوش العالم 2023.

ورغم أن رئيس الصومال، حسن شيخ محمود، أكد أن "الاتفاقية لا تستهدف أي طرف ثالث"؛ لكن، وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، قالت إن الاتفاق يهدف إلى ردع جهود إثيوبيا للوصول إلى البحر عبر أرض الصومال الانفصالية".

وذلك في إشارة إلى مذكرة تفاهم وقعتها إثيوبيا مع "أرض الصومال" –غير المعترف بها دوليا- مطلع كانون الثاني/ يناير، يمنح أديس أبابا عاصمة الدولة الحبيسة ميناءا بحريا ومنفذا على البحر الأحمر، الأمر الذي رفضته مقديشو.

ولأن مصر هي الأخرى رفضت الاتفاق الإثيوبي، فقد زار شيخ محمود، القاهرة والتقى رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، وسط تصريحات ودية، فيما أعلن السيسي، أن مصر لن تسمح بأي تهديد للصومال، ما يثير التساؤل حول لجوء مقديشو لأنقرة وعقد اتفاق الحماية ذلك، بدلا من القاهرة.



ورغم أن الحكومة المصرية التي استعادت مؤخرا علاقاتها مع تركيا والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السيسي، بالقاهرة 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، لم تبد أي تعليق على الاتفاق التركي الصومالي، لكنه من حيث الشكل ووفق وكالة "أسوشيتد برس"، يبدو متوافقا مع التوجهات المصرية بمنع وصول إثيوبيا للبحر الأحمر عبر أرض الصومال.

ثلاثة خبراء ومحللون مصريون وأتراك تحدثوا إلى "عربي21"، عن التأثير السياسي والاستراتيجي للاتفاق التركي الصومالي على الأقليم، ومدى توافقه مع المصالح المصرية خاصة مع فتح صفحة جديدة في العلاقات، أو تعارضه مع مقتضيات الأمن القومي المصري والمجال الحيوي للقاهرة في جنوب البحر الأحمر وباب المندب.

وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا، السياسي المصري، رضا فهمي: "كان الأولى أن يكون التحرك التركي بحكم الجغرافيا والتاريخ للدولة المصرية، وكان عليها أن تلعب هذا الدور"، متسائلا: "ما الذي دفع الصومال لتذهب بعيدا باتجاه تركيا لتعقد معها اتفاقية دفاعية من هذا النوع".

فعالية الدور المصري
ويرى فهمي، أن "هذا يجيب على سؤال هام جدا مرتبط بفعالية الدور المصري بالمنطقة، وكيف كانت؟ وكيف أصبحت؟"، مشيرا إلى أن "مصر لوقت قريب وبرغم وجود أنظمة معروفة بالاستبداد لكن دائما كان بعد الأمن القومي لديها حاضرا ولو بشكل جزئي".

وأضاف: "لدرجة أن دولة عظمى بحجم أمريكا كانت تحتاج دعم القاهرة لتمرير قرار غزو العراق (1990)، وإشراك الجيوش العربية بالمعركة ومنها جيش مصر"، مبينا أنه "حتى وقت قريب كان الرهان على دورها بالإقليم".

وتابع: "ازداد الرهان بعد ثورة يناير 2011، وكان جليا واضحا بحرب إسرائيل على غزة عام 2012، التي أوقفها الرئيس الراحل محمد مرسي، فكانت أقصر حرب من حيث المدى الزمني بين المقاومة والاحتلال".

ويعتقد السياسي المصري، أن "هذا يكشف أن رهن الدول والأنظمة قرارها للخارج كلية تصبح عاجزة عن حماية أمنها القومي والمجال الحيوي الأوسع من حدود الأمن القومي؛ فكان طبيعيا ومنطقيا أن تفكر دولة مثل الصومال في دولة مركزية مثل تركيا، أو كانت مركزية سابقا كمصر".



ويرى أن "هذا يؤشر بوضوح شديد للمنحدر الرهيب والحالة الميؤوس منها حول الدور المصري بالإقليم، والذي أصبح يقتات على معونات الآخرين ودعم وكسب رضاهم، مثل الكيان المحتل، ليبقى على قيد الحياة".

وعن الدور التركي في هذا الاتفاق، قال السياسي المصري، إن "الدول تبحث عن مصالحها"، ولكن السؤال: هل هذا يعزز الأمن القومي المصري، أم يهدد الأمن القومي المصري؟ أم يصبح يوما ما خميرة للعكننة أو يسبب توترا في العلاقة بين مصر وتركيا؟"، مبينا أن "هذا يخضع للتجربة والممارسة ولا يمكن الحكم عليه الآن".

وأضاف: "لاشك أن التقارب التركي المصري مؤخرا والذي تم تتويجه بزيارة الرئيس التركي، للقاهرة ولقاء السيسي، 14 شباط/ فبراير الجاري، ربما كان أحد أهم أسبابه هذه الخطوة الجريئة والمهمة من جانب تركيا لعقد اتفاقية من هذا النوع وبمنطقة شديدة الحساسية شديدة الخطورة".

وأوضح أنه "من السابق لأوانه القول بأن هذا الاتفاق يمكن أن يوظف في المستقبل من القوى المناهضة للوجود التركي أو التوسع التركي بالمنطقة بشكل أو بآخر، فيمكن أن تستخدم تلك القوى الحضور التركي لتوتير العلاقات مع مصر أو دول بالإقليم مستقبلا، وسيتضح الأمر لاحقا".

التمدد الإثيوبي
وقال فهمي: "ظني أن تركيا لعبت أدوارا مهمة ببعض الملفات وكانت حريصة على ألا تدخل بصراعات الإقليم"، ملمحا إلى أن "الوجود التركي على في ليبيا حاول الحفاظ على مصالحه دون أن ينجر وينزلق إلى صراع بدت بواده بين تركيا ومصر، وهي أيضا المعادلة التركية بسوريا، والعراق".

وحول دور الاتفاق التركي الصومالي في منع التمدد الإثيوبي باتجاه البحر الأحمر، أكد على وجود "مصلحة مصرية هنا"، مبينا أنه "يجب على الدولة المصرية أن تقرأه هكذا؛ فأحيانا لا يحكم المنطق، فمثلا هناك مصلحة مصرية بوجود مقاومة فلسطينية كونها الدرع الواقي لحدود مصر وأول من يواجه الاحتلال".

وختم بالقول: "الاتفاق من السابق الحكم عليه، ولكن السلوك التركي من يحدد علاقة باقي الأطرف به، وسيحدد ما إذا كان الاتفاق مادة للتعاون المشترك بالإقليم أو فيه صداع للدولة التركية وبعض دول الإقليم".

من جانبه، قال الباحث والأكاديمي المصري الدكتور محمد الزواوي:  "يبدو أن الاتفاق جاء بموافقة مصرية ضمنية على الأقل، باعتبار أنه جاء بعد إلغاء الرئيس الصومالي لمرسوم صومالي لاند الانفصالية مع إثيوبيا في كانون الثاني/ يناير الماضي".

المحاضر في معهد الشرق بجامعة سكاريا التركية، أضاف لـ"عربي21": "ثم جاء اتفاق وزيري دفاع تركيا والصومال بأنقرة بشأن التعاون العسكري 8 شباط/ فبراير الجاري، ثم زيارة الرئيس التركي للقاهرة 14 من الشهر الجاري".



وتابع: "ومن ثم فكل تلك الخطوات كان تحت سمع ونظر مصر التي يأتي الاتفاق متماشيا مع توجهات أمنها القومي بمنع إثيوبيا بالحصول على منفذ بحري".

وأشار إلى أنه "ومن ناحية أخرى فإن تركيا متواجدة بالفعل عسكريا واقتصاديا بالصومال، ومن ثم فالاتفاق لن يدشن وجودا عسكريا جديدا لتركيا، بل سيعزز أمن المنطقة، باعتباره أمرا واقعا".

ويرى الزواوي، أنه "من المؤكد أن تركيا أثارت قضايا التعاون العسكري مع دول الخليج كذلك صاحبة المصالح بالقرن الإفريقي أثناء زيارة أردوغان الخليجية التي وقع فيها عدة اتفاقات للتعاون ومنها العسكري".

ولفت إلى أن "العلاقات المصرية العربية شهدت تحولا إيجابيا بعد الزيارة الخليجية وكذلك بعد إنهاء الأزمة الخليجية، حيث يبدو أن قطر لعبت دورا رئيسا بالوساطة بين السعودية والإمارات من جهة ومصر من جهة أخرى، مع تركيا".

وخلص للقول: "وهذا يفيد بوجود تنسيق أمني بين مختلف الأطراف وكذلك في إطار الحوار الاستراتيجي الذي يعقد بينها، والذي من المؤكد أنه لا يغيب عنه أمن الملاحة بالبحر الأحمر وبالقرن الإفريقي، التي باتت محل اهتمام الدول القائدة بالإقليم".

رؤية تركية
وفي رؤية تركية، قال الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو: "الاتفاقية تزيد من عمق علاقات تركيا والصومال التي تعززت منذ تأسيس قاعدة عسكرية تركية هناك في 2011".

أوغلو، وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت إلى أن "الاتفاقية تأتي في ظل تحديات مهمة وصعبة بالمنطقة تمس الصومال، وتهديدات من إثيوبيا، وأيضا ما يجري حاليا بالبحر الأحمر"، ملمحا لدور جماعة الحوثي اليمنية في منع مرور السفن الإسرائيلية دعما للمقاومة الفلسطينية، وقيادة أمريكا تحالفا دوليا لمواجهة الحوثي.

وألمح أيضا إلى أن "الاتفاقية تأتي متزامنة مع زيارة الرئيس التركي لمصر"، متوقعا وجود "توافقات مصرية تركية في هذا المجال، خاصة وأن هناك قلق مصري وسوداني من التحركات الإثيوبية بأرض الصومال، بما يتعلق بسد النهضة".

ويرى أوغلو، أن "هذه الاتفاقية تخدم بالدرجة الأولى تركيا، وتمثل شراكة استراتيجية بينها وبين الصومال، وفي نفس الوقت لم تغضب دول مهمة في الإقليم كمصر، على خلاف اتفاقية التي أبرمتها تركيا مع ليبيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019".

ويعتقد أن "الحضور التركي في أفريقيا ليس جديدا؛ ولكنه زاد مؤخرا مع تعاقدات تركية في الإقليم بشكل كبير"، ملمحا إلى أن "الجميع أصبح يفكر في تركيا ودول أخرى حجزت لها موطء قدم بالقارة الأفريقية، ورغم أن تركيا تعمل هناك منذ سنوات حجزت وفكرت وأصبحت تنافس بشكل كبير وقوي دولا مهمة مثل فرنسا التي انزعجت بشكل كبير بالسنوات الماضية".



وأضاف: "لكن أنقرة استطاعت أن تحظى بشعبية ورضا دول القارة، والملاحظ للشان التركي يجد اتفاقيات دائمة، وقبل أيام حضر وزير الدفاع الجيبوتي لأنقرة لتوقيع اتفاقية أمنية، وحاليا اللغة السائدة هي التعاون بين الدول في ظل التعقيدات والمشاكل وليس في فقط تجاري واقتصادي كما كان سابقا".

وأكد أنه "حاليا تتزايد اتفاقيات الصناعات الدفاعية والتعاون الدفاعي والعسكري، وهذا ما ظهر في الزيارة التركية لمصر، وإعلان تزويد الجيش المصري بمسيرات تركية، وأيضا الأفارقة دائما يوقعون ويحصلون عليها".

ويتصور الباحث التركي، أنه "من الصعب القول إن الحضور التركي في أفريقيا وخاصة في الصومال يتعارض مع المصالح المصرية، لأن الدور التركي في الصومال قائم منذ أكثر من عقد".

وأوضح أن "بعض دول المنطقة بدأت تتعاون بينها، وتقوم باستثمارات مشتركة بدول أفريقيا مثل زيارة لمسؤولين سعوديين والحديث عن استثمار ليس في الرياض ولا أنقرة ولكن بدول أفريقية، خاصة وأن الساحة الأفريقية صارت خصبة والجميع يتدافع ويتوجه لها لتحقيق المصالح في ظل وضع اقتصادي صعب هناك".

لجوء الصومال لتركيا
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أكد نشطاء، أنه كان أولى بمصر توقيع تلك الاتفاقية لما لجيشها من قدرات بحرية وجوية وبرية وامتلاكهه حاملات طائرات ومدمرات وزوارق بحرية، ويأتي ترتيبه بالمركز الـ15 عالميا والأول عربيا والثالث بالمنطقة بعد تركيا وإيران.

واستغرب البعض لجوء الصومال لتركيا، وعدم اللجوء لمصر خاصة مع ما بينها وبين الصومال من تاريخ يرجع للعصر الفرعوني، بجانب الروابط الإسلامية والعربية، ولقاء السيسي وحسن شيخ بالقاهرة الشهر الماضي.

واعتبر البعض أن الاتفاق المفقود بين مصر والصومال كان يمكن للقاهرة الاستفادة منه اقتصاديا بمجالات الثروة الحيوانية الصومالية، وبما لدى مصر من خبرات زراعية وبمجال البناء والتشييد.

وأكد آخرون أنه كان على مصر القيام بالدور التركي، حماية لأمن مصر الممتد إلى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ولحماية حركة المرور بقناة السويس من أي تهديد، وحرمان إثيوبيا من أي مخطط لها بالظهور على البحر الأحمر، للضغط عليها بملف مياه النيل وسد النهضة.

فيما لفت البعض أنه بعد توقيع الاتفاق التركي الصومالي، بات على القاهرة التنسيق مع أنقرة ومقديشو في ملف سد النهضة، مشيرين إلى ذلك التقارب في صالح مصر ويقطع الطريق على دول تعبث ضد مصالح مصر وتدعم إثيوبيا بملف المياه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية تركيا الصومالي المصالح المصرية مصر تركيا الصومال إتفاق مصالح المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الترکی الصومالی الرئیس الترکی البحر الأحمر الأمن القومی کانون الثانی الترکی فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل يحتال نتنياهو لإفشال اتفاق غزة؟

في الوقت الذي تسير فيه مجريات اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وفق ما جاء في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه أمام مشهد سياسي مختلف تتشابك معطياته لتجعل من الصعب عليه المراوغة والتحايل.

وبعد إتمام عملية تبادل الأسرى التي تعتبر أهم بنود خطة ترامب، نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– قوله إن "الحرب انتهت".

وتتوافق هذه التصريحات مع ما أعلنه ترامب على متن الطائرة الرئاسية قبل وقت قصير من وصوله إسرائيل بأن "الحرب في غزة انتهت"، وذلك ردا على سؤال صحفيين بشأن عدم اعتراف نتنياهو بعدُ بانتهاء الحرب في غزة.

قدرة على المراوغة

لكن قبل ذلك، يكشف سلوك نتنياهو حيال الاتفاقيات السابقة عن قدرة كبيرة على المراوغة في مساحات ضيقة، وهو ما يبعث على الحذر من تكراره هذا الأمر في هذه المرة.

يبدو من الصعوبة بمكان عودة نتنياهو إلى تلك السياسات بفعل الزخم الذي خلقه هذا الاتفاق، سواء من خلال خطة ترامب، أو الغطاء الذي وفرته 8 دول عربية وإسلامية، أو طريقة تعاطي حركة حماس مع الخطة، فضلا عن مؤتمر شرم الشيخ الذي أعلن أن الاتفاق يعد إنهاءً للحرب.

لكن في المقابل، فإن نتنياهو يملك مبررات لاستئناف الحرب إن عزم على ذلك، أهمها تحرره من ورقة الأسرى الإسرائيليين التي كانت تشكل ضغطا عليه من قبل الجمهور الإسرائيلي لوقف الحرب من أجل استردادهم.

فالانقسام داخل إسرائيل لم يكن حول مبدأ الحرب، بل حول استمرارها في ظل وجود أسرى لدى المقاومة، ولذلك كان يطالب بإعادتهم ولو كان الثمن وقف الحرب.

Iلانقسام داخل إسرائيل لم يكن حول مبدأ الحرب بل حول استمرارها في ظل وجود أسرى لدى المقاومة (الأناضول)الموقف الشخصي لترامب

ساهم الموقف الشخصي للرئيس الأميركي بشكل كبير في التوصل للاتفاق، ومارس ضغوطا على كل الأطراف بمن فيهم الجانب الإسرائيلي، وتقول صحيفة واشنطن بوست بهذا الصدد إن "نتنياهو بدأ يتكيف مع الواقع السياسي الجديد"، فهو يواجه ضغطا من "حليفه القوي ترامب للإبقاء على السلام".

إعلان

وتنقل الصحيفة في مقالها عن السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، مايكل أورين، قوله إن إغضاب الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وحتى المخاطرة بانهيار الحكومة، قد يكون خيارا أفضل لنتنياهو من مواجهة غضب ترامب إذا أفسد عملية السلام.

وتضيف أن نتنياهو يجد نفسه أمام مشهد سياسي مختلف عن الاتفاق الذي عقده بداية العام، فترامب يبدو أكثر التزاما بتحقيق السلام وتعزيز صورته كصانع سلام، بينما خسر الوزراء المتشددون في حكومة نتنياهو جزءا من نفوذهم السابق.

وفي إسرائيل، يقول محلل الشؤون الحزبية في هآرتس يوسي فيرتر إن الرئيس الأميركي أنقذ إسرائيل من رئيس حكومتها نتنياهو، ومن انتحار سياسي، بعدما ضاق ذرعا بالمماطلات والتسويف، وقرر فرض اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

وأضاف أن ترامب لم يكتفِ بالضغط، بل "أملى على نتنياهو" وقف العمليات العسكرية في غزة، وبدء مفاوضات تحت رعاية مصر وقطر وتركيا، بمشاركة السلطة الفلسطينية.

أما نيويورك تايمز، فتقول "إن السؤال يبقى: ما الذي دفع نتنياهو إلى اتخاذ قرار يناقض ميله الدائم إلى المماطلة والموافقة على ما كان يرفضه بشدة؟ الجواب ببساطة: ترامب".

ونقلت واشنطن بوست عن الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي قوله إن مشاركة ترامب الشخصية "تمنح الاتفاق مصداقية أكبر من أي وقت مضى، إذ سيكون هو من يعلن الهدنة رسميا مستخدما سمعته السياسية". لكنه مع ذلك "ما زلنا حذرين بسبب ألاعيب نتنياهو، فهو معروف بالمناورة".

وربما من المفارقة الإشارة إلى تصريحات ناداف شتروخلر، المستشار السابق برئاسة الوزراء الإسرائيلية، التي يقول فيها "مع احتفال الإسرائيليين باتفاق وقف النار، بدا شيء واحد واضحا: أن الشخصية الأكثر شعبية في إسرائيل حاليا هي ترامب"، مضيفا أنه "لا يوجد من هو أفضل من ترامب لقيادة حملة نتنياهو الانتخابية".

فيرتر : ترامب أنقذ إسرائيل من رئيس حكومتها نتنياهو ومن انتحار سياسي بعدما ضاق ذرعا بالمماطلات والتسويف (غيتي)ضمانات أميركية

وفي سياق الموقف الأميركي أيضا، كشفت مصادر مطلعة للجزيرة نت أن حركة حماس تلقت ضمانات شفهية من الولايات المتحدة بأن إسرائيل لن تستأنف الحرب بعد إطلاق سراح الأسرى.

ويضيف المصدر أن الحرب بصورتها الحالية انتهت، "لكن السيناريو اللبناني سيكون حاضرا إذ لن تكف إسرائيل عن ملاحقة عناصر الحركة وربما تنفذ عمليات خاصة في العمق".

من جهته، يرى الكاتب والباحث ساري عرابي في حديثه للجزيرة نت أن العامل الوحيد الذي يمنع بنيامين نتنياهو في الوقت الراهن من التهرب من هذا الاتفاق والعودة إلى حرب الإبادة واستكمال خطة احتلال مدينة غزة وتدميرها هو موقف الولايات المتحدة.

وتطرح صحيفة نيويورك تايمز في مقال بعنوان "الحقيقة المزعجة حول انتصار نتنياهو" تساؤلات عن الشكوك التي لا تزال تحوم حول ما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد، وكيف ستنتقل الأطراف إلى القضايا الأكثر تعقيدا ضمن الخطة التي رعتها الولايات المتحدة، وتقول إنه "مع كل ذلك، يبدو واضحا أن هذا الاختراق يمثّل بداية النهاية".

View this post on Instagram

A post shared by الجزيرة نت (@aljazeera.net)

قمة شرم الشيخ

من المتوقع أن تسهم نتائج القمة الدولية بشأن اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، التي عقدت مدينة شرم الشيخ المصرية بحضور أكثر من 20 زعيما، منهم الرئيس الأميركي في حشد دعم دولي إضافي لخطة السلام في غزة.

إعلان

ويرى مراقبون أن انعقاد القمة وزيارة ترامب لمصر وتوقيع وثيقة الضمانات من قبل الوسطاء في شرم الشيخ ستضفي مزيدا من الثقل إلى الاتفاق، وستحد من قدرة نتنياهو على القيام بمناورات.

ونصت الوثيقة على أن الدول الموقعة (الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا) ترحب بالالتزام التاريخي الحقيقي والتنفيذ من قبل جميع الأطراف لاتفاق السلام الذي تم التوصل إليه برعاية الرئيس الأميركي "والذي وضع حدا لأكثر من عامين من المعاناة العميقة والخسائر، ويفتح فصلا جديدا للمنطقة عنوانه الأمل والأمن والرؤية المشتركة للسلام والازدهار".

وتعهد الموقعون بالعمل على حل النزاعات المستقبلية من خلال الحوار الدبلوماسي والمفاوضات، لا من خلال القوة أو الصراع المطول.

عزلة إسرائيل

على الساحة الدولية، تواجه إسرائيل عزلة متزايدة، وسيسهم الحراك الدولي المناهض لإسرائيل وحربها على قطاع غزة في استمرار هذه العزلة في حالة استئناف الحرب.

وتشكل محاولات الاحتلال تبيض صورة إسرائيل الدولية عاملا مساهما في كبح أي مناورات لنتنياهو في التملص من التزاماته بالاتفاق.

ويقول الباحث ساري عرابي إن إسرائيل تحتاج إلى فترة تعاف من تبعات الحرب التي استمرت سنتين وأرهقت الاقتصاد والمجتمع رغم الدعم الأميركي الضخم، الذي تشير تقديرات غير رسمية إلى أنه بلغ نحو 100 مليار دولار.

وتابع هذا الدعم ليس مضمون الاستمرار، كما أن قدرة الاحتلال على احتواء الأضرار الاقتصادية ليست مضمونة.

View this post on Instagram

A post shared by الجزيرة نت (@aljazeera.net)

حالة الأمن

وفي الداخل الإسرائيلي، أعربت المؤسسة الأمنية "المنهكة" عن معارضتها لمواصلة الحرب في غزة، إضافة إلى وجود تحفظات في صفوف الجيش ناتجة عن الإنهاك الكبير الذي أصاب قواته وانعدام الرؤية السياسية لمستقبل غزة.

ويرى عرابي أن تخوف المؤسسة العسكرية من تحول جيش الاحتلال إلى قوة شرطية تطارد الفلسطينيين داخل القطاع، سيكبح جماح نتنياهو في التفكير بدور آخر من المراوغة.

وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الافتراض السائد في إسرائيل بشأن "الحقيقة المزعجة هي أن هذا الانتصار هو في جوهره هزيمة لرؤية الحكومة المتمسكة بنزعتها التوراتية، ولذا فإن الاتفاق يناقض تماما ما روّجت له الحكومة الإسرائيلية خلال العامين الماضيين بشأن وعد الانتصار الكامل والقضاء على حماس".

ولطالما رفض نتنياهو أي اتفاقات لوقف إطلاق النار، معتبرا إياها استسلاما لحماس والإرهاب، ومصمما على تحقيق النصر التام، وقد تعهّد وزراؤه بتدمير القدرات العسكرية لحماس وإنهاء حكمها في غزة إلى الأبد.

كما رسمت حكومة الاحتلال صورة لتحوّل غزة بعد الحرب، وعمليات التهجير الجماعي للفلسطينيين، وكانت الخطة تتضمن إعادة احتلال غزة وبناء المستوطنات الإسرائيلية فيها، وهي صورة تهاوت بفعل صمود الشعب ونسف هذا الاتفاق كل بنودها، وفوق هذا كله فالاتفاق لا يمكن أن يؤدي إلى تدمير حركة حماس، فكيف سيتجرع نتنياهو واليمين المتطرف هذه الحقائق.

عودة الحرب

يحرص نتنياهو على إبراز أن الاتفاق تم فقط على المرحلة الأولى، بينما لا تزال البنود الأكثر حساسية، مثل انسحاب إسرائيلي كامل ونزع سلاح حماس وإدارة دولية للقطاع، قيد التفاوض مع الولايات المتحدة.

ومع وجود تعقيدات كبيرة وعدم وضوح تام لآليات تطبيق المراحل التالية من خطة ترامب، فإنه لا يمكن إسقاط احتمال عودة الحرب من الحسابات، خاصة أن تمركز جيش الاحتلال داخل قطاع غزة يمنحه فرصة للقدرة على تنظيم صفوفه وحشد قوته لاستئناف الحرب، وإن كان ذلك ليس بالضرورة بالشكل الإبادي الواسع، بل ربما بشكل عسكري مكثف أو محدود.

ومن المرجح أن يسعى الاحتلال إلى تحقيق أهدافه الأمنية والعسكرية دون اللجوء إلى حرب شاملة، عبر أدوات أخرى مثل التحكم في المعابر، ورفع أو إعادة فرض الحصار، والتحكم في إدخال المساعدات وإعادة الإعمار، إضافة إلى تنفيذ عمليات عسكرية خاطفة أو اغتيالات موضعية، كما يذكر عرابي.

إعلان

وما دام أن هذه الوسائل تحقق لإسرائيل أهدافها، ومع وجود محاولات إقليمية ودولية لإحياء ما يسمى بـ"المسار الإبراهيمي" أو التمهيد لصفقة سياسية إقليمية شاملة، فإن نتنياهو قد يجد في هذا السياق فرصة لإعادة تقديم نفسه لمجتمعه المحلي وللعالم.

مقالات مشابهة

  • وزارة التجارة الخارجية تنظم معارض في 11 بلدا خلال السنة المقبلة
  • تركيا والإمارات تقتربان من اتفاق طاقة بقيمة مليار دولار
  • هل تكون دير الزور بداية لتطبيق اتفاق 10 آذار بين دمشق وقسد؟
  • يسرائيل هيوم: مشاركة تركيا في اتفاق غزة هزيمة لإسرائيل
  • هل يحتال نتنياهو لإفشال اتفاق غزة؟
  • صحيفة إسبانية: الجهد المصري كان حاسمًا في تهيئة الظروف السياسية لاتفاق قمة شرم الشيخ
  • أستاذ علاقات دولية: المرحلة المقبلة من اتفاق السلام الأصعب والدور المصري ضامن رئيسي للاستقرار
  • البرلمان العربي يرحب بمخرجات قمة شرم الشيخ وتوقيع اتفاق غزة ويثمن الدور المصري والأمريكي
  • نائب محافظ الأقصر يشدد على الجزاءات القانونية حيال تعطيل أى مسؤول لمصالح المواطنين
  • رئيس الوزراء الصومالي يجتمع مع سفير دولة قطر