نقص البوتاسيوم في التربة يهدد الأمن الغذائي العالمي
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
حذرت دراسة جديدة من نقص البوتاسيوم في التربة الزراعية، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا للأمن الغذائي العالمي إذا ترك دون معالجة. ووفقا للدراسة التي نشرت يوم 19 فبراير/شباط الجاري في مجلة نيتشر فود، فإن كمية البوتاسيوم التي تزال من التربة الزراعية أكبر من التي تضاف في العديد من مناطق العالم.
وتشير الدراسة إلى أهمية البوتاسيوم في الحفاظ على إنتاجية المحاصيل التي تحافظ على توفير الأمن الغذائي للعالم، خاصة أن استنفاده يمثل تهديدا كبيرا للأمن الغذائي لملايين الأشخاص حول العالم.
ويُعد البوتاسيوم أحد أهم العناصر الغذائية الحيوية لنمو النبات، إذ يعتبر ضروريا في جميع العمليات اللازمة للحفاظ على نمو النبات وتكاثره. وفي حالة نقص البوتاسيوم تكون النباتات أقل مقاومة للجفاف والماء الزائد ودرجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة، كما تضعف مقاومة هذه النباتات للآفات والأمراض وهجمات الديدان الخيطية، وفقا للمعد المشارك في الدراسة بيتر ألكسندر المحاضر بقسم العلوم الزراعية بكلية علوم الأرض في جامعة إدنبره البريطانية.
ويوضح ألكسندر في حديث مع "الجزيرة نت" أن البوتاسيوم يحسن الصحة العامة للنباتات النامية ويساعدها على مكافحة الأمراض، كما يؤثر على عوامل الجودة مثل حجم وشكل النبات ولون وقوة البذور أو الحبوب، ويحسن جودة ألياف القطن.
ويقوم المزارعون في كثير من الأحيان بنشر الأسمدة الغنية بالبوتاسيوم على حقولهم لتجديد المغذيات المستنفدة، ولكن مشاكل العرض يمكن أن تمنع استخدامها، وهناك أسئلة عالقة بشأن تأثيرها البيئي.
ويرى الباحثون في الدراسة أن حوالي 20% من التربة الزراعية على مستوى العالم تواجه نقصا حادا في البوتاسيوم، مع احتمال أن تواجه مناطق معينة نقصا أكثر خطورة، بما في ذلك 44% من التربة الزراعية في جنوب شرق آسيا، و39% في أميركا اللاتينية، و30% في جنوب شرق آسيا والصحراء الكبرى في أفريقيا و20% في شرق آسيا، وهو ما تُرجعه الدراسة إلى حد كبير؛ إلى الممارسات الزراعية الأكثر كثافة.
يعتمد المزارعون غالبا على البوتاس كسماد لتجديد البوتاسيوم في حقولهم، لكن سعر المعدن يمكن أن يكون متقلبا للغاية. وتهيمن 12 دولة فقط على السوق الدولية لأسمدة البوتاسيوم التي تبلغ قيمتها نحو 15 مليار دولار أميركي، حيث تنتج كندا وروسيا وبيلاروسيا والصين 80٪ من إجمالي البوتاس الخام في العالم.
وتشير الدراسة إلى أن سعر البوتاس ارتفع في أبريل/نيسان 2022 بنسبة 500٪ عن العام الذي سبقه بسبب ارتفاع الطلب على الأسمدة وتصاعد أسعار الوقود والتعافي من الوباء ومجموعة من الإجراءات الحكومية حول العالم، فضلا عن الحرب الروسية الأوكرانية.
وتصدر روسيا وبيلاروسيا معا نحو 42% من إمدادات البوتاس العالمية، ولكن بعد الحرب الروسية الأوكرانية فرضت المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي عقوبات استيراد على البلدين، مما أدى إلى تعطيل الإمدادات العالمية وتفاقم ارتفاع الأسعار.
ويشدد المعد المشارك في الدراسة على أهمية إعداد تقييم عالمي لمخزونات وتدفقات البوتاسيوم الحالية لتحديد البلدان والمناطق الأكثر عرضة للخطر، ومساعدة المزارعين على الحفاظ على مستويات كافية من البوتاسيوم في التربة من خلال إجراء مزيد من الأبحاث حول الآثار المترتبة على نقص البوتاسيوم في مختلف المحاصيل والتربة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التربة الزراعیة نقص البوتاسیوم البوتاسیوم فی
إقرأ أيضاً:
سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
في السادس عشر من مايو 1916م، تم التصديق على أكثر الاتفاقات التي قلبت العالم العربي، ولا تزال الشعوب العربية تجني ثمارها المرّة حتى يومنا هذا. إنها «اتفاقية سايكس بيكو» التي قسمت العالم العربي وكأنّه مجرد قطعة أرض تُوزّع بين القوى الاستعمارية، دون أدنى احترام لشعوبها أو تاريخها. وقّعت بريطانيا وفرنسا وروسيا اتفاقًا في الخفاء لتقاسم الميراث العثماني، دون أن يكون للعرب أي صوت في تحديد مصيرهم، ليبدأ بذلك فصل جديد من التبعية والتفكك.
فلسطين، الأردن، العراق، سوريا، لبنان، وحتى المضائق التركية، قُسّمت وكأنها غنائم تُوزّع بين الجلادين، ليبدأ الانقسام الذي لم يتوقف. لم يُستشر العرب في هذه الاتفاقات، بل وُجدوا أسرى لخرائط وصفتهم المستعمرات بها، والتي رسمها أعداء الأمة في خيانات معترف بها. لكن ما هو أشد مرارة من خيانة المستعمر هو صمت المتواطئين وتخاذل أولئك الذين كان من المفترض أن يكونوا حماة الأمة.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: بعد أكثر من قرن من الزمن، هل تغيّر شيء؟ وهل استفاقت الأمة من غيبوبة سايكس بيكو؟
للأسف، ما بدأه سايكس وبيكو من تقسيم على الورق، استمر الحكام العرب في ترسيخه في الواقع. بدلاً من إزالة الأسلاك الشائكة بين الأقطار العربية، تحولت الحدود إلى خطوط حمراء تُرفع عليها البنادق في وجه الأخوة. بدلًا من بناء مشروع عربي موحّد، أُقيمت مشاريع قطرية تابعة، تفتقر إلى أي رؤية سيادية، وتكتفي بالعجز، والتطبيع، والاستنجاد بالغرب في كل أزمة.
قادة العرب – إلا من رحم ربي – لم يستخلصوا العبرة. بل أصبح البعض منهم حراسًا أمينين على إرث سايكس بيكو، يتفاخرون بسيادة وهمية داخل حدود رسمها الاستعمار، ويقمعون كل محاولة لتجاوز هذه القوالب المصطنعة. بعضهم فرط في القدس، وبعضهم باع ثروات بلاده، وبعضهم ما زال ينتظر الإذن للوقوف مع شعبه، أو حتى ليغضب.
مايو ليس مجرد ذكرى خيانة، بل مرآة نرى فيها تخاذلنا المستمر. إنها لحظة يجب أن يُحاسب فيها القادة قبل الشعوب: إلى متى سنظل أسرى خريطة صنعها أعداؤنا؟ إلى متى يظل الانقسام قدرًا والتبعية خيارًا؟
سايكس بيكو لا تزال حية، لأن أدواتها باقية: أنظمة تابعة، نخب خانعة، وصمت عربي يشرعن الجريمة. أما التحرر الحقيقي، فلن يبدأ إلا عندما نكسر جدران الصمت، ونكفّ عن استجداء من قسمونا، ونستعيد قرارنا بأيدينا.
في مايو، لا نحتاج خطبًا ولا بيانات، بل نحتاج صحوة تخلع شرعية التبعية وتعلن بوضوح: هذه الأمة تستحق أن تحكم نفسها، لا أن تبقى رهينة اتفاقية خائنة وقيادات عاجزة.
ما سايكس بيكو إلا البداية في سلسلة طويلة من المؤامرات والمؤتمرات التي ما تزال تُحاك ضد الأمة حتى اليوم. كما عبّر عن ذلك بوضوح السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في إحدى كلماته بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد عام 1443هـ، حين قال: « هي أيضًا استراتيجية وسياسة يبنون عليها مخططاتهم، ولهم في ذلك مؤتمرات، في مراحل ماضية، ومراحل متعددة من التاريخ، هناك مؤتمرات غربية يحرِّكها اللوبي اليهودي الصهيوني من زمان، مؤتمرات تنعقد وتخرج باتفاقيات ومقررات معينة، هي عدائية بكل وضوح ضد هذه الأمة، هناك مثلاً اتفاقيات، مثل اتفاقية سايكس بيكو… واتفاقيات أخرى، ونقاط ومخرجات لمؤتمرات عقدت في المراحل الماضية، في مراحل متعددة، وإلى اليوم، الأمر مستمر إلى اليوم، مخرجات تلك المؤتمرات، تلك المناسبات، تلك الفعاليات، مخرجاتها من اتفاقيات ومقررات عدائية بكل وضوح لأمتنا الإسلامية، تضمَّنت: تقسيم العالم الإسلامي، العمل على منع توحده، إثارة النزاعات بين أبنائه تحت مختلف العناوين: العناوين الطائفية، العناوين السياسية، العناوين المناطقية، العناوين العرقية… تحت مختلف العناوين،…. « كلمات السيد القائد لم تكن مجرد توصيف عابر، بل تشريح دقيق لطبيعة المشروع الاستعماري الذي لم يتوقف عند سايكس وبيكو، بل امتد وتطور وتجدّد، تحت عناوين جديدة ومظاهر خادعة، لكنه لا يزال يستهدف الأمة في هويتها ووحدتها ونهضتها.
فهل يدرك قادة العرب اليوم أن بقاءهم أسرى سايكس بيكو هو قبول طوعي بالذل، وشهادة زور على استمرار المؤامرة؟ أم أن الخنوع أصبح سياسة رسمية تُدار بها العواصم تحت الرعاية الغربية؟
إن لم تكن ذكرى «سايكس بيكو» جرس إنذار، فهي شهادة جديدة على أننا نعيش في زمن الاستسلام المغلّف بالكذب الرسمي. العدو لم يعد يخطط في الخفاء، بل ينفذ جهارًا، والحكام – إلا من ثبتت مقاومتهم – لم يعودوا عاجزين فقط، بل مشاركين في اغتيال الكرامة.
لكن في قلب هذا الركام، ينهض أحرار الأمة ومعهم أحرار العالم، أولئك الذين لم تلوثهم اتفاقيات الذل، ولم تنكسر إرادتهم تحت وقع الهزائم. أحرار يصرخون في وجه الاستعمار الحديث: لن تمرّوا، ولن ننسى، ولن نبقى أسرى خرائط صنعتها بنادق الغزاة وحبر الخونة.
لا خلاص للأمة إلا برفع راية الوعي والمقاومة، وبإسقاط أنظمة التبعية التي تحرس حدود الاستعمار، وتقدّم مفاتيح الأوطان لأعدائها. فإما أن يُكسر قلم سايكس ويُدفن حبر بيكو تحت أقدام الأحرار… أو نبقى شعوبًا تُدار كالخرائط، وتُساق كالغنائم.
الخيار واضح: إما مقاومة تُعيد للأمة سيادتها… أو خنوع يُبقيها بلا ملامح ولا مصير. ومع أحرار العالم، سنحطم خرائط العار، ونكتب بقبضات المقاومة خريطة جديدة… خريطة لا يخطّها الغزاة، بل تنحتها إرادة الشعوب، وتُعلن ولادة زمنٍ لا مكان فيه للهيمنة، ولا سيادة فيه إلا للكرامة والحرية.