الجزيرة:
2025-11-27@18:36:29 GMT

الجندي الأميركي وانتحار النُبل والشرف

تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT

الجندي الأميركي وانتحار النُبل والشرف

جاء إقدام الجندي بسلاح الجو الأميركي آرون بوشنل (25 سنة)، على إشعال النار في نفسه، أمام السفارة الإسرائيلية بالعاصمة الأميركية واشنطن (الاثنين الماضي)، بمثابة صرخة عالية، إدانةً للإدارة الأميركية في دعمها العدوانَ الصهيونيَّ على قطاع غزة.

وهي صفعة مدوية للرئيس الأميركي جو بايدن- وإدارته- للسقوط المُخجل؛ أخلاقيًا وإنسانيًا، وقانونيًا، بالمُشاركة الفعلية لبلاده عسكريًا، وسياسيًا، ومعنويًا، في حرب الإبادة الجماعية- غير المسبوقة- التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي، على سُكَان "قطاع غزة"، المُحاصر كُليًا مُنذ 18 عامًا.

 رسائل الزي العسكري

الجندي الأميركيّ، أعلن عبر منصة للتواصل الاجتماعي، قبل شروعه في إنهاء حياته حرقًا، أنه على وشْك تنفيذ "عمل احتجاجي" شديد القسوة، منوهًا بأنه (العمل)، لا يساوي في قسوته، مُعاناة الفلسطينيين على يد الاحتلال، الذي تدعمه الطبقة الحاكمة الأميركية.

اختار "الحرق"، وهو أعنف وأقسى "الوسائل" على الإطلاق، التي يمكن لإنسان أن يُقدم عليها، لإنهاء حياته، بمادة شديدة الاشتعال سكبها على نفسه. "بوشنل" في ارتدائه الزيَّ العسكري للمرة الأخيرة، مُنهيًا حياته، لابد أنه أراد مُخاطبة العالم.. لافتًا إلى أن "إدارة بلاده"، تفتقد الإنسانية، والأخلاق، والشرف بهذا الدعم العسكري غير المسبوق.

إنه أراد النأي بنفسه- كإنسان- عن السقوط في هذا العار، حتى ولو كان الثمن هو أن يضحي بحياته حرقًا. يؤكد هذا المعنى، ما بثه (الجندي النبيل)، على صفحته من كلمات مودعًا الحياة، قائلًا: إنه مجنّد بالقوات الجوية الأميركية، ولن يكون متواطئًا في جرائم الإبادة الجماعية بعد الآن.

تجسّس أميركي وبريطاني

يبدو، أن نشاط بوشنل، وعمله في إدارة تكنولوجيا المعلومات والتخابر بقوات بلاده الجوية، أتاح له ذلك الوقوف على اتصال الجيش الأميركي، ومشاركته في أعمال الإبادة الجارية في غزة، وأن هذه المشاركة فاعلة ونشطة؛ ما حدا به إلى إعلان رفضه التواطؤَ في هذه الجرائم.

معلوم، أن أميركا وبريطانيا منخرطتان في أعمال تجسس ومراقبة- لا تنكرانها – للقطاع ليلًا ونهارًا؛ إسنادًا للكيان الصهيوني، في إبادة الفلسطينيين.

رسالة أخرى أرادها "آرون"، من الزي العسكري، هي توثيق انتمائه للجيش الأميركي، بما يعني- حتمًا- خضوعه لاختبارات دورية تقطع بسلامته البدنية، والعقلية، والنفسية، وإلا لتمَّ تسريحه، من الخدمة العسكرية.

تعتيم أميركي

ويؤشر على إدراكه أنّ "إدارة بايدن"، الغارقة في الكذب والنفاق، ربما، لن تتورع عن وصمه بأنه مختل عقليًا، أو نفسيًا، بعد مماته، على غرار سلوك حكومات العالم الثالث في مثل هذه الحالات، لذا، فقد احتاط آرون- بالزي العسكري-، لقطع الطريق على الإدارة الأميركية للتورط في أي محاولة من هذا النوع، لا سيما، أن هذه الإدارة لا تتورع عن الكذب والغش والتدليس؛ تبريرًا لحروبها الاستعمارية والعنصرية، التي لا تنتهي للسيطرة على العالم، ومنها الحرب على غزة.

وسائل الإعلام الأميركية حاولت التعتيم على واقعة انتحار الجندي الأميركي ودوافعها، خصامًا للمهنية والمصداقية، لولا أن وسائل التواصل الاجتماعي، لم تترك لها الفرصة، وفضحت الأمر كله، فلم يعد الإعلام حكرًا على الوسائل التقليدية من صحافة وتلفزيون.

شعور بالقهر

لا أحد يعلم شيئًا، مما دار في عقل ونفس هذا "الجندي الأميركي"- الذي يتمتع بأخلاق الفرسان، وضمير نابض بالحياة – قبل أن يتخذ قراره بمغادرة الدنيا. لابد، أنه يُعاني منذ بداية الحرب على غزة، أو خلالها- مثلنا نحن العربَ والمسلمين – من الشعور بالقهر، والظلم، والخنوع والكمد، نتيجة قلة الحيلة، والعجز عن مد يد العون والإغاثة والنجدة، لهؤلاء البشر الذين يُبادون أمام أعين الكون كله.

الجميع، وأولهم بنو جلدتهم العرب والمسلمون يكتفون بالفُرجة على "المشاهد" شديدة البشاعة المتوالية أمام عيونهم على الشاشات، طوال ساعات اليوم.. حتى إنها صارت مُعتادة، ومألوفة رغم فظاعتها ووحشيتها التي فاقت كل وصف.

غالبية الشعوب العربية والمسلمة، يتحكم في رقابها وحراكها، "حُكام مستبدون".. هؤلاء الحكام يؤمنون بأن سيد البيت الأبيض الأميركي، هو المُتحكم في الكون، وأنه فعال لما يريد. لذا، فقد اختاروا دعم الشعب الفلسطيني القابع تحت النار في غزة، بمجرد كلمات وبيانات باهتة فارغة المضمون، بلا فاعلية أو تأثير.

كما أنهم أحكموا التسلط على شعوبهم، لمنعهم حتى من التظاهر والتعبير عن تضامنهم مع أهل غزة، للتنفيس عما في نفوسهم من براكين تغلي.

تربية مثالية

مشكلة هذا الجندي الكريم الذي جاد بروحه، هي نشأته في مؤسسات التعليم الأميركية، التي أكسبته قيمًا ديمقراطية، وأخلاقًا محمودة، بأن يكون إيجابيًا، متعاونًا، متفاعلًا مع المجتمع، مؤمنًا بحقوق الإنسان، وحرياته، واعيًا بفكرة التعايش الإنساني، واحترام الآخر، وأنه من خلال التعاطي مع الآخرين، بمقدوره أن يغير العالم للأحسن.

مع وعي الجندي الأميركي آرون بوشنل بممارسات "الطبقة الحاكمة الأميركية" في حرب غزة.. التي أشار إليها في كلماته الأخيرة، قُبيل الرحيل، والتي اختتمها بـ "فلسطين حرة"، اكتشف أن هذا "البلد" الذي يعيش فيه، ليس بهذه "المثالية" التي تربى ونشأ عليها في المدارس.

وقع الصدمة

بحكم عمله في القوات الجوية؛ عرف وأيقن أن بلاده تمارس الإبادة لـ "بني البشر" الذين تربى على احترام حقوقهم والتعايش معهم. أدرك أنه ليس بمقدوره "تغيير العالم" كما أفهموه صغيرًا، ولا تعديل مسلك حكومته ولا جيشه الداعم جرائمَ الاحتلال الإسرائيلي.

فكانت "الصدمة"، شعور بالقهر والعجز- مثلنا – عن تغيير الواقع.. زاد من وقعها عليه صفاء النفس والقلب لمن كان في عُمره (آرون بوشنل).

هنا قرر الرحيل، مغادرًا الدنيا التي أغرقتها بلاده فتكًا ودمارًا وتقتيلًا في غزة، وغيرها. كان لابد أن يرحل إلى عالم آخر، يخلو من الاحتلال، والإبادة للبشر.

رحيل آرون بوشنل، بهذه الطريقة.. هو انتحار للنُبل والشرف والمروءة والإنسانية الراقية التي يمثلها هذا الرجل الشريف.

فتحيّة للجندي الأميركي آرون بوشنل، والسلام لروحه.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجندی الأمیرکی آرون بوشنل

إقرأ أيضاً:

الحسد.. خالد الجندي يكشف أسرار أنواعه الأربعة وطرق الوقاية منه

كشف الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، عن رؤية شاملة لمفهوم الحسد في الإسلام، موضحًا أن هذا السلوك الإنساني المعقد ليس نوعًا واحدًا، بل أربعة أنواع تتراوح بين المحمود والمذموم، منها ما يقود صاحبه إلى النجاح، ومنها ما يدمّر قلبه ومجتمعه.

وأشار الجندي إلى أن كثيرًا من الناس يفهمون الحسد على أنه شعور سلبي مطلق، بينما في الحقيقة توجد صورة مشرقة منه تُعد من أبواب الخير ووسائل الارتقاء بالنفس.

الغبطة.. الحسد المحمود الذي يرفع صاحبهالتنافس في الخير لا في زوال النعمة

أوضح الشيخ خالد الجندي أن أول هذه الأنواع هو الحسد المحمود أو الغبطة، وهو الشعور الإيجابي الذي يجعل الإنسان يسأل الله مثل النعمة التي يرى غيره عليها، دون أن يتمنى زوالها عنه.
ويقول الداعي: “يا رب بارك له، وارزقني مثلها”.

وأكد أن هذا النوع من الحسد محمود شرعًا؛ لأنه يدفع الإنسان للتنافس في فعل الخيرات، واستشهد الجندي بحديث النبي ﷺ:«لا حسد إلا في اثنتين…» مبينًا أن المقصود بالحسد هنا هو الغبطة وليس تمني زوال النعمة.


 الحسد المذموم.. حين تتحول الرغبة إلى أذى

تمني زوال النعمة وانتقالها إلى الحاسد

انتقل الشيخ الجندي إلى النوع الثاني، وهو الحسد المذموم، الذي يتمنى فيه الإنسان زوال نعمة غيره وانتقالها إليه، كأن يقول: “يا رب خذها منه وادِّهالي”.
وأوضح أن هذا اللون من الحسد يفتح على صاحبه أبوابًا من التعب النفسي والضيق الروحي، وهو باب من أبواب الشر التي نهى عنها الشرع.

 

الحقد.. المرض القلبي الذي يلتهم صاحبه قبل غيره

تمني زوال النعمة دون الاستفادة منها

أما النوع الثالث فهو الحقد، وهو أشدّ من الحسد المذموم؛ إذ يتمنى صاحبه زوال نعمة المحسود دون أن يستفيد هو منها، كأن يقول: “يا رب تتحرق عربيته”.
وأشار الجندي إلى أن هذا النوع من الحسد يُعد مرضًا نفسيًا وروحيًا خطيرًا، يؤدي إلى تآكل القلب ويُفقد الإنسان سلامه الداخلي.


 

الغل.. الحسد المعكوس الذي يصيب الأغنياءعندما يضيق القلب برؤية نعمة تتكرر لدى الآخرين

وصف الشيخ خالد الجندي النوع الرابع بأنه الأخطر، وهو الغل، وهو صورة من صور الحسد المعكوس التي تتفشى بين الأغنياء.
وفيه يشعر الإنسان بالضيق لأن غيره حصل على نعمة جديدة، حتى لو لم يكن بحاجة إليها، وكأن النعم تُقاس بالمقارنات لا بالرضا.

وبيّن الجندي أن هذا المرض يزول في الجنة، حيث تزول المقارنات ويتقدم الرحمة والرضا على كل شيء.


 

كيف نحمي أنفسنا من الحسد؟

الذكر والتبريك… سلاحان فعّالان

أكد الشيخ خالد الجندي أن الذكر عند رؤية النعم هو من أهم وسائل الوقاية من الحسد، مثل قول:
“ما شاء الله لا قوة إلا بالله” أو “اللهم بارك”.

وبيّن أن المقصود ليس الالتزام بلفظ محدد، بل استحضار الله في لحظة رؤية النعمة.
فالإنسان حين يقول: “بارك الله لك” أو “الله يبارك”، فإنه يجمع بين حفظ النعمة وصون القلب.


 

هل الحسد قدري أم قاتل؟العين قد تُدخل الجمل القدر والرجل القبر

حذّر الجندي من خطورة الحسد، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ:«لو كان لشيء أن يسبق القدر لسبقته العين»،
وبقوله ﷺ:«العين تُدخل الجمل القدر، وتدخل الرجل القبر»، وأوضح أن الحسد قد يكون مميتًا في بعض الأحيان، مؤكدًا أن ثلاثة أرباع من في القبور – مجازًا – كان سبب موتهم الحسد بإذن الله، مستشهدًا بأن الحسد ينازع القدر من شدة تأثيره.


 

الرقية الشرعية… درعٌ واقٍ من الحسد والعينأدعية نبوية ثابتة للوقاية والعلاج

قدّم الشيخ خالد الجندي مجموعة من الأدعية النبوية التي تُعد من أنفع الوسائل لدفع العين والحسد، منها:

"بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك…"

"بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء…"

"أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"

"أذهب البأس رب الناس…"


كما أشار إلى دعاء الشيخ الشعراوي لفك السحر، المبني على قوله تعالى:
«وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ».

 

تهذيب القلوب مفتاح النجاة

اختتم الشيخ خالد الجندي حديثه بالدعوة إلى تهذيب النفس والرفق بنعم الله على الآخرين، مؤكدًا أن الغبطة ترفع صاحبها، بينما الحسد المذموم والحقد والغل يدمّرون الأفراد والمجتمعات، ويحوّلون القلوب إلى ساحات صراع خفي.

 

مقالات مشابهة

  • خالد الجندي يؤكد: الصلاة فريضة لا تسقط مهما بلغت شدة الظروف
  • فعل يقع فيه كثير من الناس أثناء الصلاة يبطلها .. الشيخ خالد الجندي يحذر منه
  • الحسد.. خالد الجندي يكشف أسرار أنواعه الأربعة وطرق الوقاية منه
  • الحرس الوطني الأميركي.. ماهيته ومهامه
  • الذهب يستقر مع ترقب خفض الفائدة من المركزي الأميركي
  • عاجل | مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية خلف الخط الأصفر شرقي مدينة غزة
  • خالد الجندي: الحسد ينازع القدر.. والحل في ترديد ما شاء الله لا قوة إلا بالله
  • خالد الجندي يفسر أنواع الحسد.. ويكشف سر النوع الذي يصيب الأغنياء
  • بإطلالة شبابية.. نادية الجندي تتألق في أحدث ظهور لها
  • ارتفاع مؤشر نازداك الأميركي 600 نقطة