إشادة برلمانية بـ انطلاق جلسات الحوار الوطني الاقتصادي.. نواب: يعكس الشعور بنبض الشارع.. انفراجة مهمة في سوق النقد المصري
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
برلماني: يقضي على أزمة نقص الدولار والسوق الموازيةبرلمانية: القضايا الأولى للجلسات الاقتصادية المتخصصة تعكس الشعور بنبض الشارعبرلماني: يسعى لوضع حلول عاجلة وزيادة التدفقات الاستثمارية
أشاد عدد من نواب مجلسي الشيوخ والبرلمان بانطلاق جلسات الحوار الوطني الاقتصادي ، مؤكدين أنها ستحدث نقلة نوعية في خفض أسعار السلع والخدمات المقدمة للمواطن المصري لتخفيف وطأة الأزمات الاقتصادية العالمية وماتركته من تأثيرات سلبية على العالم أجمع .
بداية ،أكد النائب محمد البدري، عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، أن انطلاق جلسات الحوار الوطني الاقتصادي، تأتي فى توقيت مهم يواجه فيه الاقتصاد الوطني تحديات كبيرة بسبب الأحداث العالمية التي أثرت على نسبة التضخم وغلاء الأسعار.
وأوضح " البدري" فى تصريحات له اليوم : أن مشاركة الحكومة فى الجلسات المتخصصة للحوار الاقتصادي ، يعزز من توحيد الرؤى والمقترحات من أجل الخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ وفقا للوضع الاقتصادي الراهن.
وأضاف عضو مجلس الشيوخ، أن مناقشات النهوض بالاقتصاد الوطني جاءت بالتزامن مع نجاح الحكومة فى اتمام صفقة الاستثمارات الكبرى بتطوير مدينة رأس الحكمة، مما يسهم فى القضاء على أزمة نقص الدولار والقضاء على السوق الموازية، مشيدا بالاجراءات التي قامت بها الدولة لتذليل العقبات أمام المستثمرين، خلال الفترة الماضية.
وأكد أن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لاجراء حوار وطني اقتصادي عام وشامل، فرصة لمناقشة التحديات الحقيقية للاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن الحوار يضم خبراء ومتخصيين يمكنهم وضع مقترحات وتصورات تسهم فى إحدتاث رخاء اقتصادي خلال الفترة المقبلة .
من جانبه، اعتبرت الدكتورة دينا هلالي، عضو لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي بمجلس الشيوخ، أن بدء الجلسات الاقتصادية المتخصصة بالحوار الوطني بالقضايا العاجلة والتي تمس حياة المواطن في المقام الأول ليتمثل أولها في جلسة غلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم ويعقبها ما موضوعات الاستثمارات والعدالة الاجتماعية، وهو ما يعكس الشعور بنبض الشارع المصري والحرص على الحد من معاناته بالإسراع في طرح حلول وسياسات يمكن أن تسهم في حل الأزمة الراهنة وتحجيم آثار الموجة التضخمية العالمية على الأسرة المصرية البسيطة، لاسيما وأن الجلسات بمشاركة الحكومة والخبراء والمتخصصين.
وأضافت "هلالي"، أن تواجد ممثلين عن الحكومة يمثل ضمانة مهمة للانتقال للتنفيذ في أقرب وقت باعتبار أن الوزراء هم الجهة التنفيذية لتطبيق تلك المقترحات لذلك ستكون الجلسات فرصة لاستنهاض الرؤى والتشابك بين أطراف الحوار حتى التوصل لخارطة تنفيذ واضحة، كما أن أن هناك ارتباط وثيق بين الثلاث قضايا التي طرحت في اليوم الأول بحياة المواطن المعيشية حيث أن مناقشة المعوقات التى تواجه الإنتاج والتصدير وكذلك السياسات النقدية ونقص الدولار والنقد الأجنبى، وإزالتها سيكون لها أثر إيجابي على ضبط السوق ووفرة السلع بكميات كبيرة، كما أنها سيكون لها دور في تحسن مؤشر أداء الاقتصاد المصري والذي ينعكس على حياة المواطن.
وأكدت عضو مجلس الشيوخ، أن انطلاق الجلسات الاقتصادية يسوده حالة من الأجواء الإيجابية بين المشاركين، خاصة وأنها بدأت باجتماع بين مجلس أمناء الحوار الوطني والحكومة والإعلان عن مجموعة تنسيقية مشتركة من الحكومة و"الحوار" لمتابعة تنفيذ مخرجات المرحلة الأولى، وهو ما بعث بانطباع إيجابي وطمأنة تشير إلى أن الدولة المصرية تأخذ بعين الاعتبار الشديد كل مخرجات الحوار الوطني من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي لاقت ترحيبا شديدا وعناية كاملة من الرئيس، وأن هناك حرص على التعاطي مع ما تم طرحه في المرحلة الأولى والتفاعل في المرحلة الثانية للوصول لثمار تنعكس على المجتمع المصري في أقرب وقت.
وقالت "هلالي"، إن الحوار الوطني تجربة وطنية جديدة على المجتمع المصري وكان له أثره الإيجابي في العام الأول لانطلاقة بمد جسور الحوار وتحفيز مختلف الأطراف على طرح رؤيتهم وأفكارهم لدعم الاقتصاد المصري وخدمة صالح الوطن والمواطن، مشددة أن مصر تمتلك من الإمكانات والفرص التي تؤهلها لأن تكون مركز إقليمي مهم للتجارة والاستثمار ولكن مع توافر الآليات التنفيذية المبسطة والمتطورة لزيادة مساهمة للقطاع الخاص وتمكين رواد الأعمال خاصة مع قطع عملية التنمية الاقتصادية فى مصر شوطًا مهمًا، ووضع الأسس الضرورية لانطلاقها.
في سياق متصل، أكد الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، على أهمية جلسات المرحلة الثانية من الحوار الوطني الاقتصادي في وضع حلول عاجلة وناجزة لمشكلات الاقتصاد المصري، خاصة أنها تتزامن مع إنفراجة مهمة في سوق النقد المصري، بعد نجاح الحكومة في إتمام صفقة تنمية رأس الحكمة بالشراكة مع دولة الإمارات، الأمر الذي ساهم في حل أزمة العملة الصعبة، مشيرا إلى أن الحوار الوطني عليه البناء على هذه الصفقة لوضع توصيات من شأنها تعظيم الاستفادة من التدفقات الدولارية للمشروع.
وقال "محسب"، إنه على الحوار الوطني بمشاركة الحكومة وضع خطة للإنفاق العام خلال الفترة المقبلة وتحديد أولوياته، حتى يتثنى لنا الاستفادة من عوائد المشروع في دعم القطاعات الإنتاجية مثل القطاع الصناعي والزراعي، للحفاظ على الأمن الغذائي والصناعي للمصريين، بالإضافة إلى دعم المستوردين حتى يشهد السوق انفراجة حقيقية وهو ما سينعكس بكل تأكيد على السوق المصري، فيشعر المواطن البسيط بالطفرة التى أحدثها المشروع الذي يمثل أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر، مشددا على ضرورة أن يتزامن ذلك مع وجود رقابة مشددة على الأسواق.
وأضاف مقرر لجنة أولويات الاستثمار، أن الحوار الوطني مهتم للغاية برسم فلسفة للاستثمار المباشر على الأراضي المصري، وتذليل كافة العقبات التى تواجه المستثمرين خاصة البيروقراطية، كذلك تقديم اعفاءات وحوافز لهم لتشجيعهم على الاستثمار في مصر كونها واحدة من الوجهات الاستثمارية الواعدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتتضمن فرص استثمار متنوعة يمكن الاستفادة منها، مؤكدا أن صفقة رأس الحكمة هي الأولى من نوعها ولكنها لن تكون الأخيرة فهناك صفقات شراكة آخرى خلال الفترة القادمة وهو ما يؤدى إلى حل جزء كبير من مشاكل مصر الاقتصادية.
وشدد على أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر كأحد ركائز النمو الاقتصادى فى العالم، كونه يسمح بانتقال رؤوس أموال مباشرة إلى سوق الدولة المضيفة له، مما يساهم في توفير مئات الآلاف من فرص العمل ومن ثم حل مشكلة البطالة، بالإضافة إلى دعم القطاع الخاص الوطني، وإتاحة الفرصة أمام الشركات الوطنية للمشاركة في المشروعات خلال فترة التأسيس.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الحوار الوطني الاقتصادي الحوار الوطني الأزمات الاقتصادية الاستثمار الأجنبي مقرر لجنة أولويات الاستثمار الحوار الوطنی الاقتصادی خلال الفترة مجلس الشیوخ وهو ما
إقرأ أيضاً:
عين التينة للفلسطيني صافي صافي: رواية العودة
بعد 77 عاما من اللجوء، تأتي رواية الجيل الثاني كرواية الشعور التعب والناضج، والمتمسكة بحلم العودة؛ ثمة ثقة غريبة عجيبة بتحققها رغم ما يبدو من صعوبة تحقق الحلم.
في ربط ذكيّ وصادق وإبداعي، ما بين مشاعر الحب الرومانسية وممارسته من جهة، وبين الشعور الوطني الرومانسي تجاه العودة إلى الوطن وممارسة ذلك واقعيا، مضت الرواية في جانبين متوازيين ومتقاطعين كأبدع ما يكون، من خلال علاقة ربطت فلسطيني يعيش في وطنه، وفلسطينية لاجئة تزوره؛ فقد انسجمت تلك العلاقة الرومانسية بينهما، وشعور النوستالجيا إلى الوطن، ثم لتأخذ تحولا فعليا، حيث إنه في ظل ممارسة فعل العودة إلى الوطن، ولو على سبيل الزيارة، تأخذ العلاقة بينهما بُعدا جديدا واقعيا. "لم نعُد نهتم بأضواء المدينة الحديثة، ولا شوارعها المصطنعة...." صفحة 134. إنها إشارة للشعور الطبيعي بين الإنسان ووطنه حين يعود، فهذا هو كنزه وسعادته، ممارسة العودة والمحبة، وكأنهما خُلقا معًا، فلا حب من دون وطن، ما يكشف حداثة المستعمر الواهمة.
إضافة نوعية للأدب الفلسطيني، وللرواية المتعلقة بموضوع اللجوء والعودة، بل لربما من خلال فلسطين، تضيف الرواية للرواية العالمية التي تتعلق بالموضوع نفسه، خاصة لتلك الأجيال التي وُلدت لأسر لاجئة خارج أوطانها المستلبة.
تؤكد الرواية دوما على أنها شكل خاص ومضمون خاص أيضا حتى للكاتب نفسه، وهكذا فإن ما بيننا من سرد روائي يعمّق ما اختبرناه، فكل روائي راوٍ له قصته، وله ما يقوله ويبوح به.
ما الذي سنسرده عما سرده الكاتب على مدار 140 صفحة؛ فالرواية حكاية أيضا، نقرؤها ونرويها للآخرين؟ أما الإجابة فهي سرد ما كان ويكون، سرد مكان وقضية، وسرد أزمنة، وأعمار، وذلك ما خطه الكاتب بشفافية أوحى لنا الكاتب لا لنعبئ الفراغات، بل لنعيش حالة هذا الرجل الذي يصطحب الفلسطينية اللاجئة (الزائرة) إلى مسقط رأس والدها، لا مسقط رأسها، الذي حدث في الشتات.
مفتاح الفهم لهذه الحالة الروائية، هو مفتاح وجودي؛ فما أن يرحل الأب والأم، حتى يرث الأبناء الشعور، شعور الوالدين، (وأفكارهما بالرغم مما كان من نقد سابق). حين يموت الأب اللاجئ بعيدا عن بلده، فإن الابن يتجاوز الحزن العادي إلى الحزن على موته بعيدا عن بيته، ومن ثم إلى فعل ما؛ لكن في ظل الممكنات، فإنه في اللاوعي يَعِد والده (أو جدّه) بأنه سيعمل فعلا كي يعود إلى بلدهم. وهنا فإن الابن يصبح وارث الشعور، وبالتالي فإنه يكبُر بسرعة.
ستيني يقيم في الضفة الغربية من هذا الزمن، لجأت أسرته من فلسطين المحتلة عام 1948، يصطحب ستينية فلسطينية من الزمن نفسه تعيش في الشتات، لجأت أسرتها إلى خارج فلسطين، إلى مسقط رأس والديها، إلى بلدتها الأصلية، بيسان. خلال هذا الاصطحاب، يصطحبنا الراوي -الكاتب الروائي، إلى نتف من الأزمان السابقة، إلى زمن نكبة عام 1948 وما قبلها، مستشرفا مستقبل العودة التي يراها أكيدة دون انفعالات.
تصل حنان ابنة بيسان البلاد، إلى رام الله، تقيم في فندق صغير برام الله، كل ما يشغلها زيارة بيسان، فقد بدا عليها ليس الزهد في التنقل برام الله بل بالقدس أيضا. في الموعد المحدد تتوجه حنان مع زميلها الراوي من خلال رحلة لخمسين فلسطينيّ يستقلون مركبة الباص، يزورون شمال فلسطين المحتلة عام 1948، من خلال تصاريح الاحتلال. هناك يتعرّضون جميعًا لتحرش مستوطنين كونهم عربًا فلسطينيين، يستقدمون شرطة الاحتلال، ليدور حوار عنصري واعتقال في مكان مظلم لساعات، ولتنتهي الزيارة، بفتح الجرح من جديد. تلك باختصار هي أحداث الرواية.
هل من رمزية هنا؟
ثمة انسجام ما بين شعور الصداقة الملتبسة بمشاعر الحب الرومانسي، بمشاعر الزائرين الملتبسة للوطن السليب وما بين الشعور بوطن الآباء، فهما لم يعيشا فيه فعلا، وبين ممكنات تخيل أنهما يعيشانه ولو من خلال زيارة.
هذا الغموض في الشعور من طرفه وطرفها، وتذكر كيف أنها وقد شعرت بميله العاطفي تجاهها، تطلب منه برفق بأن يكون صديقا، هو غموض إبداعي، حتى إنه وبعد عقدين يبعث لها بأغنية "كن صديقي" لماجدة الرومي.
ثمة صدق أكان ذلك في الشعور العاطفي كونه عرف أن قلبها ليس معه من أربعة عقود، أو في شعور الارتباط بالوطن، حيث لا نجد هنا التكلف في الشعور والتعبير، فاكتفيا بتبادل الحديث، بما يحقق لها فرصة مشاهدة بيسان بلد والديها، ثم لتعود مرة أخرى إلى مكان اللجوء.
في الطريق، يصبح المكان/ الطبيعة مؤنسنا بل إنسانا يرافقهما، وأيضا من دون تكلف شعوري، فلا انفعال بالوطن ولا انفعال بها؛ كون الزمن قد مرّ، فصار العقل حاضرا واقعيا (ربما). وكأننا نحن من يعيش عمرا متقاربا مع الراوي هنا، حين نتنقل في فلسطين عام 1948، نكون مثله في النظر والتأمل والحديث الفكري بيننا. وحتى عندما تحصل المواجهة مع المستوطنين، فإن الراوي وبالرغم من صراحته وسخريته منهم، وقت قدوم شرطة الاحتلال، فإنه يكون واقعيا، لذلك فإن يزهد بالتصعيد.
يتمسك الراوي والزائرة، بالوطن كحلم جميل، ونجده قويا بحتمية العودة، وما حديثه عن ملكية الأراضي إلا تفكير واقعي في التعامل مع عودة اللاجئين إلى الوطن.
وهو لا يرى وطنه إلا الوطن الكامل غير المجزأ (فلسطين التاريخية)، وقد أبدع صافي صافي في شفافية التصوير دون الاضطرار إلى المباشرة، من خلال الحديث عن التقاط صورة لأحد المتجولين (أبو المجد) حول مياه عين التينة، فحين يتحدثان عن تصويره مع فضاء المكان، بحيث يظهر الشخص كاملا غير منقوص، حيث تكون عبارة "أنت مع كامل جسدك ولا ترى تقسيمه" صفحة 54. (ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فقد اخترت عنوان "برتقالة واحدة لفلسطين" لكتابي التجوالي الذي فاز بجائزة ابن بطوطة في الدورة الخامسة، 2007، بدافع رمزي غير مباشر، بأن المتجول في فلسطين التاريخية، لم يكن ليرى فلسطين مجزأة).
وكأن الاحتلال قد قرأ مشاعر المتجولين/ الزائرين لوطنهم السليب، حيث تظهر لغة المحتلين المتعالية والاستشراقية العنصرية (لغة الرجل الأبيض كامل النقاء)، ففي الصفحتين 107 و108 يقصف مشاعر الفلسطينيين من خلال اتهامهم بالفوضى، وإثبات التعالي عليهم؛ كونهم شعب الله المختار، بل ويصل الأمر إلى التهديد باعتقالهم. لقد كانت الزيارة/ السرد، هي إعادة الإطلالة على فلسطين الجرح والقضية التي لم تنته، فلا تكاد تنتهي الصفحات فعلا حتى تبدأ صفحات أخرى؛ فثمة ندبة لا تزول، بل جرح لم يلتئم بعد 7 عقود. تنتهي الزيارة على الأرض فيزيقيًّا، ليستأنفا -ونحن- التفكير في المصير؛ فلم نصل إلى المآلات التي يجب أن تكون، خاصة بعد أن ورثنا حق العودة، بل والشعور والفعل لتحقيقها، ربما محبة منا ووفاء إلى أهلنا الذين رحلوا بعيدا عن بيوتهم.
لذلك، فقد كانا يقطعان مسافة الطريق وزمن الزيارة والتجول من خلال استعداء الماضي خاصة تهجير عام 1948، خلال ذلك استدعى تجربة العمل السياسي، فظهر النقد الحزبي والسياسي بشكل عام، والسخرية من الدجالين السياسيين.
كذلك التأمل الجمالي للوطن/ الطبيعة، بل وربط ذلك علميا كونها قد درست علم الحيوان "صفحة "77"، خاصة الحديث عن الحشرات، التي قد تكون لها رمزية ما هنا.
ولعل اختيار الكاتب "عين التينة" ما بين فلسطين وسوريا، بهدف الإيحاء بغموض وطني وقومي، ووجود وحيد الجولاني كدليل، كان موفقا، ولعل تيمة الغموض هنا كان ظاهرة إبداعية مضمونا وشكلا.
كان للرقص الصوفي لمها المقدسية أثر حركي في الإيحاء بصوفية علاقة حنان والراوي بالوطن، بل وبهما معًا. ثمة ربط بين الجولاني والمقدسية، بين التاريخ والجغرافيا والفن.
كان استحضار التاريخ والجغرافيا والعلم والفن، منسجما مع شخصية الراوي وشخصية حنان معًا، من خلال العمر والثقافة، والأهم من خلال الإيمان بحتمية العودة.
وتأكيدا ذكيا على ارتباط الفلسطيني بأرضه، ربط الكاتب من خلال الحوار بين حنان والراوي ما بين الطبيعة والميثولوجيا، في سياق علاقة الفلسطيني بوطنه، تلك العلاقة التي تغيب في علاقة المستوطنين بالمكان.".... وهذه ألوان الزهور ليست من بيئتنا، لقد استوطنت هنا كما زارعوها.." صفحة 134.
ثمة حديث عن ارتباط أهل البلاد بالوطن، وهو الارتباط النفسي الحقيقي، وبين ارتباط الغزاة المستوطنين الواهم وتعرضه للانقطاع عند تغير الظروف. هدوء وعقلانية الراوي هنا تدل على الفلسطيني الواثق بوطنه؛ ففي أكثر من مكان من الرواية يعرّي الكاتب تكلف (واصطناع) مشاعر المستوطنين وسلوكياتهم وأدبياتهم مع فلسطين، "تساءلت عن اللون الأزرق.." صفحة 86"، في سياق فضح الكولينيالية العنصرية التي تلوي عنق الميثولوجيا.
وأخيرا كما بدأنا ننتهي، فإذا كانت علاقة الراوي وحنان، ملتبسة ما بين الصداقة والحب الرومانسي، في فترة الجامعة في آخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات، كذلك في العلاقة مع الوطن السليب الذي توارثا الانتماء له دون العيش فيه، على طول علاقتهما قديما وحديثا، وعلى طول فترة التجول أثناء زيارة بيسان-عين التينة، ففي صفحة 118، نقرأ:
وماذا تسمي علاقتكما؟
قررنا ألا نسميها. دعي الأمور كما هي. عيشي الحياة كما هي.
من خلال ندوة أدرتها مع الكاتب، ذكر صافي صافي أنه أراد من خلال رواية "عين التينة" أن يحسم الرأي في أن من يرى فلسطين من خلال تصريح الاحتلال، فإنه لا يراها فعلا. وهو يذكرنا بما ذكره سعيد س في رواية عائد إلى حيفا حين قال لزوجته صفية: "إنك لا ترينها، إنهم يرونك إياها" ص 12.
رواية روح ونفس وفكر وصراع عبر قصة حب تتم استعادتها، في ظل رغبة حنان باستعادة الوطن رمزيا من خلال الزيارة.
صدرت الرواية عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2025، ووقعت في 140 صفحة.