هل تستطيع الحكومة اليابانية الجديدة التغلب على التحديات الاقتصادية؟
تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT
تدخل اليابان مرحلة جديدة من السياسة الاقتصادية مع تولي رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي قيادة البلاد كأول امرأة تتقلد هذا المنصب.
وقد تعهدت رئيسة الوزراء تاكايتشي بإنعاش النمو الاقتصادي لليابان من خلال تبني ما أسمته "سياسة مالية استباقية مسؤولة".
تهدف هذه السياسة إلى تحقيق توازن صعب بين توزيع الإنفاق على القطاعات الاستراتيجية، مع الحفاظ على الاستدامة المالية والسيطرة على الدين العام الياباني الكبير جداً.
ويُعد تعزيز النمو مهمة شاقة لبلد يواجه تحديات هيكلية كبيرة وآفاقاً عالمية غير واضحة
ويوضح التحليل الأسبوعي لبنك قطر الوطني أن الأداء الاقتصادي لليابان كان مخيباً للآمال في السنوات الأخيرة.
فبعد الانتعاش الذي أعقب جائحة كوفيد، ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السنوي يتأرجح حول نسبة 0.8% خلال الفترة 2022-2024.
وحقق الاقتصاد الياباني انتعاشاً متواضعاً في العام الحالي، مدعوماً بتزايد الدخل الحقيقي الذي عزز الاستهلاك، وتطبيق تدابير التحفيز المالي، وانخفاض قيمة العملة الذي دعم الصادرات.
ومن المتوقع أن يبلغ النمو في عام 2025 نسبة 1.1%، متجاوزاً متوسط ما قبل جائحة كوفيد البالغ 0.9%.
لكن العوامل المواتية بدأت تضعف مجدداً، وبدأت العوامل المعاكسة تتزايد، مما يؤثر سلباً على التوقعات للعامين المقبلين.
ويري QNB أنه وبالنظر إلى التحديات الكبيرة التي تُثقل كاهل الاقتصاد الياباني، من غير المرجح أن تتمكن الحكومة الجديدة من تغيير مسار تباطؤ النمو. وناقش التحليل العوامل الرئيسية التي تدعم هذا التوقع
ركود الاستهلاكالعامل الأول هو أن ركود الاستهلاك يُمثل عبئاً كبيراً على النمو الاقتصادي، فالاستهلاك يشكل حوالي 60% من الاقتصاد الياباني، وبالتالي فإنه يُعتبر عاملاً رئيسياً في تحديد أدائه. وعلى الرغم من تحسن الاستهلاك هذا العام مقارنة بعام 2024، إلا أنه شهد حالة ركود مؤخراً.
السبب وراء ضعف الاستهلاك هو تآكل القوة الشرائية للأسر نتيجة لارتفاع معدلات التضخم. فبعد عدة أشهر من المكاسب في نهاية العام الماضي، انكمش الدخل الحقيقي للعاملين المعدل حسب الأسعار طوال هذا العام، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر. وإضافة إلى المتغيرات التي تؤثر على الاستهلاك، واصل بنك اليابان عملية تطبيع سياسته النقدية، حيث رفع سعر الفائدة المرجعي إلى 0.5% من مستوى سلبي منخفض للغاية بلغ 0.1%، مما زاد من تكلفة الائتمان للأسر، وقلص الحيز المتاح للسياسة المالية نتيجة لارتفاع تكاليف الديون. ونظراً لأهمية الاستهلاك في الاقتصاد، فإن هذه الاتجاهات السلبية تعيق نمو الاقتصاد الياباني.
العوامل الخارجيةثانياً، انحسرت العوامل الخارجية الداعمة للصادرات، مما يعني تراجع الدعم لنمو الاقتصاد الياباني الذي يتميز بدرجة عالية من التكامل العالمي. بعد فترة من عدم اليقين الاستثنائي بشأن السياسة التجارية الأمريكية خلال الفصل الأول من هذا العام، تم التوصل أخيراً إلى اتفاقية تجارية في شهر يوليو بين اليابان والولايات المتحدة.
وقد حددت الاتفاقية تعريفة جمركية أساسية بنسبة 15% على جميع الواردات اليابانية تقريباً التي تدخل الولايات المتحدة. هذا يُمثل عبئاً كبيراً مقارنة بمتوسط التعريفة الجمركية البالغ 1.5% في العام الماضي. ونظراً لأن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر سوق لصادرات اليابان بعد الصين، حيث تُمثل حوالي 20% من المبيعات الخارجية سنوياً، فإن التعريفات الأمريكية الجديدة تُمثل عائقاً كبيراً أمام المبيعات الخارجية.
التجارة العالميةيزيد التباطؤ المتوقع في التجارة العالمية، في ظل حالة عدم اليقين الشديد بشأن السياسة التجارية والتشرذم الجيوسياسي المستمر، من التشاؤم بشأن الاقتصاد الياباني، حيث تُمثل الصادرات 20% من الناتج المحلي الإجمالي وتُعد محركاً رئيسياً للإنتاج الصناعي. ونظراً لأهميتها لليابان، فإن ضعف آفاق الصادرات يُمثل عقبة كبيرة أمام أدائها الاقتصادي.
في ظل التحديات الكبيرة التي تؤثر على الاقتصاد، ستحاول الحكومة الجديدة اتخاذ تدابير جذرية لتعزيز النمو. في غضون أسابيع من توليها منصبها، كشفت تاكايتشي عن خطة لإطلاق حزمة تحفيز مالي بقيمة 21.3 تريليون ين ياباني (حوالي 135 مليار دولار أمريكي)، وهي أول مبادرة اقتصادية رئيسية لها وإشارة إلى اتجاه السياسة الاقتصادية. تجمع الخطة بين نفقات الأشغال العامة الجديدة، وتدابير دعم الأسر، وحوافز استثمارية مستهدفة للحفاظ على الطلب.
يري QNB أنه من غير المرجح أن تؤدي حزمة التحفيز الاقتصادي إلى تغيير كبير في اتجاهات النمو. وبالتالي، من المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد الياباني إلى 0.6% سنوياً خلال الفترة 2026-2027، مقارنة بنسبة 1.1% المتوقعة للنمو لهذا العام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: اليابان ساناي تاكايتشي السياسة الاقتصادية
إقرأ أيضاً:
مصر تحقق أعلى معدل نمو اقتصادي في 3 أعوام والصناعة تقود الانتعاش
سجّل الاقتصاد المصري نموًا قدره 5.3% خلال الربع الأول من العام المالي 2025-2026، وهو أعلى معدل يحققه الاقتصاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بحسب التصريحات الصادرة عن رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
ويأتي هذا الأداء في لحظة دقيقة يتقاطع فيها الاقتصاد المحلي مع تحولات إقليمية ودولية متسارعة، ما يجعل القراءة الاقتصادية للنمو الراهن أبعد من مجرد رقم نمو ربع سنوي، بل مؤشر على تحوّل دوري في مسار الاقتصاد المصري.
وفق بيانات الوزارة، جاء تسارع النمو مدعومًا بـتحسّن الأداء الصناعي وارتفاع الطاقة التشغيلية تدريجيًا، وزيادة الاستثمارات العامة المرتبطة بالمشروعات الإنتاجية، وانتعاش القطاعات الخدمية وعلى رأسها الاتصالات والسياحة والنقل، إلى جانب الاستقرار النسبي في سلاسل التوريد العالمية بعد عامين من الاضطرابات.
ويمثل هذا النمو انعكاسًا لتحسّن المزاج الاقتصادي بعد خطوات إصلاحية تصحيحية اتخذتها الحكومة خلال العامين الماضيين، خصوصًا ما يتعلق بإعادة هيكلة أولويات الإنفاق وإعادة توجيه موارد الدولة نحو القطاعات المنتجة.
ويأتي أداء الاقتصاد المصري الجيد على المستوى الدولي في وقت تتعرض فيه العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة لضغوط مزدوجة: ارتفاع تكلفة الاقتراض عالميًا من جهة، وتباطؤ التجارة الدولية من جهة أخرى، وفي ظل بيئة مالية عالمية شديدة التقييد، يُعد وصول دولة بحجم مصر إلى معدل نمو يتجاوز 5% إشارة إلى مرونة الاقتصاد المصري وقدرته على التقاط فرص النمو رغم التحديات الخارجية.
كما أن هذا الأداء ينسجم مع اتجاهات اقتصادات إقليمية أخرى بدأت في تجاوز صدمات الأعوام الماضية، مثل دول الخليج التي تستثمر بكثافة في التنويع الاقتصادي، ودول آسيوية مثل الهند وفيتنام التي تقود موجة جديدة من نمو الأسواق الصاعدة.
لكن ماذا يعني هذا النمو للاقتصاد المصري؟أولًا: الاقتراب من التوازن الجديد في مكونات الاقتصاد، فتسارع النمو يعكس بداية خروج الاقتصاد من مرحلة الانكماش غير الرسمي التي سادت منذ 2022 بفعل التضخم، ونقص النقد الأجنبي، وتباطؤ الواردات، وتُظهر البيانات أن القطاعات القادرة على توليد قيمة مضافة أعلى بدأت تستعيد قدرتها على النمو، ما يشير إلى اقتراب الاقتصاد من توازن جديد قائم على الإنتاج والتصدير.
ثانيًا: تحسّن بيئة الاستقرار الكلي حيث إن عودة النمو إلى مستويات ما قبل الأزمات، ولو جزئيًا، تدعم تخفيف الضغط على سوق العمل، وتحسّن قدرة الدولة على خفض عجز الموازنة، وزيادة إيرادات الحكومة دون زيادة ضرائب.
والأهم هو تعزيز القدرة التفاوضية مع المؤسسات الدولية، فتوقيت إعلان النمو بالغ الأهمية، خاصة في ظل استمرار الحوار بين مصر والمؤسسات الدولية حول وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والتمويل التنموي، فأداء اقتصادي قوي يمنح صانع القرار مساحة أوسع للمناورة عند التفاوض على برامج التمويل أو شروط الدعم.
إن نجاح مصر في الحفاظ على وتيرة نمو مرتفعة خلال الأرباع المقبلة سيعتمد على سرعة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وتحقيق التوازن بين الاستثمارات الحكومية وإتاحة مساحة أكبر للقطاع الخاص.
الأهم أن تحقيق مصر لنمو 5.3% في الربع الأول من العام المالي 2025/2026 يمثل نقطة تحول مهمة تضع الاقتصاد على مسار تعافٍ واضح، وتبعث رسالة طمأنة للأسواق الدولية، لكن القيمة الحقيقية لهذا النمو ستُحدد بمدى قدرة الاقتصاد على تحويله إلى نمو مستدام يدعم القدرة التنافسية للقطاعات الإنتاجية.
اقرأ أيضاًزيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر خلال أيام
ستاندرد آند بورز تتوقع تخفيض البنك المركزي أسعار الفائدة بنسبة 6% وتراجع التضخم لـ 7.8%
المركزي يعدّل تعليمات اجتماعات مجلس الإدارة في البنوك