جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-28@01:42:58 GMT

بدرية خلفان.. الشموخ امرأة

تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT

بدرية خلفان.. الشموخ امرأة

 

د. سعيدة بنت خاطر الفارسية

 

لستُ أدري متى أصبحت بدرية خلفان الصديقة الصدوقة المقربة، لكنني أدري كيف أصبحت كذلك، وقد جمعت بيننا وزارة التربية والتعليم في حقل واحد، وجمعت بيننا صفات عديدة لعل أهمها الجرأة والشجاعة في إبداء الرأي، والذي يراه البعض تهورًا لا يليق بالشخصية السويّة، ولعلها الوطنية المصبوبة صبًا في قلبيْنا، ولعلها حُب القومية العربية التي جُبلنا عليها منذ الصغر، وتناساها غيرنا بمهارة المُنغَمِس في البحث عن مصباح علاء الدين لبناء الذات وأطماعها التي لا تنتهي.

عرفتها شخصية فارهة الاعتداد بالنفس، شامخة الثقة، قوية الشكيمة، صلبة الإرادة، وعندما كان كعبها العالي يرن على أرضية مبنى وزارة التربية والتعليم الجديد آنذاك، كان يقول مالا يقوله لسانها من صلابة وثبات، سألت عنها: من هذه المرأة الأنيقة؟ جاءني صوت يهمس من خلفي إنها بدرية خلفان مديرة الامتحانات، وكانت هذه أول معرفة من جانب واحد بالطبع، سمعت عنها الكثير وأن موظفيها يحسبون لها ألف حساب، ويتقيدون حرفياً بتعليماتها الصارمة، ولأنها تتحرى الدقة في عملها، صارت دائرتها مثالا في الانضباط.

فجوة كبيرة كانت بيننا لا أعرف أسبابها، ربما كان الفارق في السن أحد الأسباب، وربما اختلاف التوجهات الشكلية في الظاهر، فأنا شاعرة مُحبّة للأدب، وهي مُحبّة للسياسة وتتبُّع الأحداث، وإن كنت لا أختلف عنها كثيرًا في حُب السياسة، وتتبُّع الأحداث والربط بينها. ورغم المعرفة التي توثقت بيننا لم أعرف هي مواليد كم ولم أسألها عن ذلك، فقد اعتدت على عدم "الحشرية"، ودس أنفي فيما لا يعنيني، واحترام خصوصية الصديق، وكنتُ أكتفي من الصديقة بما تقوله عن نفسها شاكية أو متسلية بالكلام أحيانًا، لكن حكاياتها التي تتسرب منها كانت تعود بي إلى زمن جميل معظم أبطاله من الثائرين ولم أشارك فيه، فقد كان المدُ الناصري مكتسحًا مُعظم الشعوب العربية آنذاك.

وقتها كانت بدرية خلفان الشابة المُقبلة على الحياة ترفع صورة الرئيس المصري جمال عبد الناصر كثائرة تقود الجماهير وتخطب فيهم بحماس الشباب الواعي في البحرين، وتلاقي القمع من الحكومة البحرينية، وبريطانيا المُتخفِّية في وجودها السرِّي هناك، وفي شمال الخليج العربي حيث الكويت- تحديدًا- الناصرية الهوى والانتماء نجد المساندة التامة من الحكومة للمتظاهرين بمختلف أعمارهم ومراحل دراستهم ولا يستثنون أحدًا، فنخرج خلفهم أطفالًا لا نفقه شيئًا ضمن احتجاج كبير وضجيج صاخب نحو أي جهة يوجهنا مُعلمونا إليها خاصة السفارة الأمريكية التي لا تعرف ماذا تفعل مع الصغار خاصة، وذلك لعدم قدرتها على السيطرة والضبط لعبثية حركاتهم أمام أبوابها الحديدية العملاقة. وفي هذه السن المُبكرة كُنّا نشعر بأننا نُخيف أمريكا ونُخيف العالم بأغانينا الثورية وبأحلامنا الوردية التحررية، وأخيرًا أدركتُ ما هو الرابط بيني وبين بدرية خلفان، لكنها هي تخرج بوعيها في ضرورة التحرُّر، ونخرج نحن برغبة من أخرجنا لنكمل صفوف جماهير الطلاب المُحتجة.

ودارت عجلة الزمن وفق السنن الكونية للحياة، وبدأتُ نشر مقالاتي في الجرائد العُمانية، وكانت أم هيثم قارئة مُدهشة تعترض أحيانًا، تصفق حينًا آخر، وتشجع دائمًا... تعمّقت المعرفة بيننا من خلال كتاباتي، لأعرف أن المرأة تحملني داخلها، فهل أنا العصا التي تتوكأ عليها لتهش بها همومًا لا تستطيع أو لا تُريد أن تُعبِّر عنها؟ ربما! وهل كان منصب الزوج عائقًا للعودة إلى ما كانت عليه قبل استقرارها في عُمان؟ ربما!

لقد كانت مُغتربةً مثلي عن مجتمع يُسرف في تحوُّلاته وتقلّباته، وعندما كنتُ آتيها شاكيةً تقول: "اشكري ربك لقد جئتِ والبلد بها وزارة أسمنتية، والشوارع مُمهّدة، والبلد فيها إذاعة وتلفزيون، وبيتك فيه كهرباء وماء حكومي، والبلد فيها سوبر ماركت"! نعم كان فيها سوبر ماركت واحد، معروف بسوبرماركت صابر.

في جلسة أخرى تروي لي حال عُمان عندما عادت مع زوجها، كانت صدمة جعلتها تتساءل كيف تعيش في هذا المكان؟ هل تنكص وتعود من حيث أتت أم كيف التصرف؟ فقررتْ البقاء مع الزوج الحبيب مُتشجعة بمساندة أهله لها، وقررت مواصلة كفاحها مع تغيير الكفاح الثوري إلى كفاح اجتماعي من أجل التغيير ومساندة المرأة العُمانية في مسيرتها التنموية.

بدرية القادمة من القاهرة الزاهِرة المدهِشة في ستينيات القرن الماضي، والتي تموج بعمالقة الفن والثقافة وبإشعاعات جمال عبد الناصر الثورية، جاءت إلى عُمان التي بالكاد تفتح عينها على حياة تتغير ببطء شديد في بداية السبعينيات من القرن العشرين.

رُزِقَت بابنها الوحيد هيثم الذي كان ولا زال حتى وفاتها سُكّر حياتها، والضوء الذي انبثق داخلها، وسلوتها ضد مرارات الحياة، والذي ظلّ مؤنِسها الوحيد حينما تتعكّر الأيام، وكانت تكرر اسم هيثم في معطم جلساتها تقريبًا، وتسافر روحها معه اذا سافر وتعود إذا عاد، ولا تنفرج أساريرها وتمتلئ بالفرح إلّا إذا تكلمت عن هيثم ولدها، ولم تتحدث كثيرًا في أي موضوع ولا عن منغصات العمل وهمومه، خاصة بعد أن رُقّيتْ- كما قالوا لها- كمستشارة في الوزارة، وتركت الدائرة التي كانت تحمل بصمتها وغرست فيها ثمارها المزهرة، والتي كنَّا نطلق عليها اسم إمبراطورية بدرية خلفان.

كافحت الأستاذة بدرية في عملها التربوي، وكانت تخبرني مُفتخرةً: "يكفيني أن اسمي في كل بيت عُماني؛ حيث وقعت على شهادات الطلبة بصفتي مديرة دائرة الامتحانات".

وعندما ودعتنا قبل أيام في 27 فبراير 2024، ظننتُ أنا وغيري أن وزارة التربية والتعليم ستبعث مندوبًا أو مندوبة عنها تُقدِّم واجب العزاء أو تنشر في الجرائد تعزية تليقُ بما قدمته الراحلة التي كانت من الرعيل الأول، مُتحملةً كغيرها من رائدات النهضة الكثير والكثير مما سهّل لنا فيما بعد السير بيُسرٍ في دروب الحياة ومسالكها، أو في أبسط الأحوال تغريدة من وزيرة التربية تنعي فيها الفقيدة، أو من أي وزير سابق للتربية عاصرها وعرف جهودها، لكن لا حياة لمن تنادي في سيح أجرد لا أخضرار فيه.

جاءت التعازي والمقالات من أخوات راقيات في مملكة البحرين، هناك لم ينسوا- نساءً ورجالًا- دور بدرية الإعلامي والثوري في الخمسينيات، لم ينسوا المناداة بالتحرُّر ومشاركة المرأة البحرينية في العمل وصنوف الحياة العامة، وكتب الدكتور الصحفي المثقف حسن مدن مقاله الجميل الكاشف عن مزيد من العطاءات لبدرية بعنوان "بدرية خلفان سيّدة البدايات"، كتبوا عنها وهي التي لم تعش إلّا بضعة سنوات معدودة من سنوات العمر بينهم في البحرين، وتجاهلناها وهي التي قضت معظم سنوات عمرها في خدمة عُمان، فهل تغيب عنا بدرية خلفان امرأة العطاء المُمتد دون وقفة نبل نتذكر فيها مسيرتها وإخلاصها لهذا الوطن وأهله؟ وهل من بيننا من يتسم بالجحود والنكران إلى هذا الحد؟ وهل نحن نقيم في وطنٍ بلا ذاكرة؟!

أرجو أن لا أكون مُحقّة في تساؤلاتي المريرة!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

هل يجوز أن أصرف مبلغًا من المال من محل الصرافة، بحيث أدفع للصراف شيكًا مصدقًا من البنك، وذلك تجنبًا لخطورة حمل مبالغ كثيرة، ولجعل المعاملة أكثر سلاسة وسرعة؟

وفق ما يراه فقهاء معاصرون، وعلى هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي والمعايير الشرعية، أن الشيك المصدق هو من وسائل الدفع، وسائل السداد الحاضر، نعم، فبناءً على هذا، فلا إشكال في هذه الصورة، لأنه لم يُؤجَّل السداد حينما دُفع بالشيك المصدق، لأنها تُعد -كما قلتَ- من النقد الحاضر، والله تعالى أعلم.

ما حكم أراضي الانتفاع التي تمنحها الحكومة للمواطن تحت مسمى عقد انتفاع طويل؟ ما أحكامها بعد موت صاحبها؟ وهل تنتقل ملكيتها للورثة كلهم، أم لمن كان له يد في تعميرها منهم؟

هذا مرده إلى عقد الانتفاع الموقع بين الطرفين؛ فالأصل أن مثل هذه الشروط تكون مذكورة في هذا العقد، جرى العرف فيما يتعلق بعقود الانتفاع طويلة الآجال أنها تنتقل إلى الورثة، لكن هذه العقود الطويلة اليوم يتحرّج منها الفقهاء، وتتحرج منها المؤسسات الرسمية والخاصة، فلا تُبرم عقود إيجارات أو عقود انتفاع طويلة، والحاصل أن مردّ ذلك إلى ما يكون بين الطرفين، والله تعالى أعلم.

الصفوف عندما يقيم الإمام متراصة مع بعضها، وعندما تنتهي الركعة الأولى تكون فُرَج بسيطة؛ هل تؤثر في الصلاة؟

لا، هذه لا تؤثر، ولكن ينبغي لهم أن يسدوا الخلل، وهذه الفُرَج التي تكون بين المصلين في الصف الواحد، الأصل فيها هو التراصّ، وعدم ترك فجوات، لكن إذا كانت فجوات يسيرة، يعني يُوسّع بعض الناس عند دخولهم في الصلاة أقدامهم، ثم بعد ذلك -بعد قيامهم من السجود- تضيق أقدامهم، فيحصل شيء من الفُرَج بين المصلين، فهذه لا تؤثر، لكن لا ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك، بل ينبغي أن يُضيّقوا هذه الفُرَج، هذا هو الذي دلّت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى أعلم.

ما حكم الدعاء بعد صلاة الفريضة؟ وهل الأولى هو ذكر الله كما جاء في قوله تعالى: «فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم»؟

الدعاء مشروع بعد الصلاة، والدعاء من الذكر، والذكر مشروع بعد الصلاة أيضًا، وقد تقدّم أكثر من جواب في هذه المسألة، وأما الآية الكريمة، فالمقصود منها هو الإتيان بذكر الله تبارك وتعالى في مختلف الأحوال التي يكون عليها المكلّف، فيأتي بالصلاة على وجهها، ولكن بعد انصرافه منها، وبعد انقضاء صلاته، فلا ينبغي له أن يُخلي قلبه ولسانه من ذكر الله تبارك وتعالى، بل عليه أن يُكثر من ذكر الله عز وجل في كل الأحوال التي يكون عليها.

أما أدلة مشروعية الدعاء والذكر بعد الصلاة، بعد الفرائض وأدبار الصلوات، فهذا دلّت عليه أدلة كثيرة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفعل ذلك أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، وأقرّهم عليها، وقد تَقدَّم ذكر هذه الأدلة في مناسبات، يمكن له أن يرجع إليها، والله تعالى أعلم.

انتشر في الآونة الأخيرة تسمية المساجد والجوامع بأسماء الله تعالى الحسنى، كمسجد «التواب» وغيره من الأسماء، ما حكم ذلك؟ وهل يوجد محذور شرعي من ذلك؟

لا يظهر لي محذور شرعي من إضافة المساجد إلى الأسماء الحسنى، فهذه الإضافة هي إضافة تشريف، ربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: «وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا»، فالمساجد بيوت الله في أرضه، وهذه الإضافة كما نص أهل العلم هي إضافة تشريف، لكن هذه الإضافة لا تعني أنه إذا أُريد تسمية مسجد من المساجد باسمٍ مضاف إلى شيء من الأسماء الحسنى ليكون عَلَمًا على ذلك المسجد يُعرف به، أن ذلك ممنوع؛ هذا غير صحيح.

ومن قال ذلك فقد تكلّف تخصيصًا بذلك الاسم الذي أُضيف إليه المسجد على ذلك المسجد دون غيره، لا على سبيل الحصر، لا، وإنما هو أيضًا للتعريف، وللتذكير بالمعاني التي يحملها ذلك الاسم، وهو أيضًا موافق للأصل، فإن الأصل أن المساجد بيوت الله، وكما قال ربنا تبارك وتعالى: «وأن المساجد لله»، فإضافتها إليه تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى لا يوجد ما يمنع منه شرعًا.

وإن كان هذا أيضًا لا ينبغي الاقتصار عليه، فيمكن أن تُنسب المساجد إلى الأسماء الحسنى، ويمكن أن تُنسب أيضًا إلى معانٍ مستحسنة من المعاني الشرعية، من المفاهيم والمصطلحات الشرعية، ويمكن أن تُنسب إلى مكان، ويمكن أن تُنسب إلى ما هو حاصل.

صحيح أن إضافة أسماء المساجد إلى أسماء الله تعالى الحسنى لم يكن معهودًا كثيرًا، فلا يحضر الآن أسماء كثيرة في تاريخ المسلمين من هذا النوع، وإن كانت كما تقدم الفقهاء يذكرون أن إضافة المساجد إلى الله تبارك وتعالى هي إضافة تشريف، لكن لا مانع أن تكون هذه الإضافة أيضًا للتعريف، ولكن لا ينبغي الاقتصار عليها، فأسماء الله تعالى الحسنى مهما قيل فيها أسماء محصورة، بينما المساجد والجوامع في الأوطان بالألوف، بل بعشرات الألوف.

فتُراعى أيضًا المعاني المستحسنة التي يُذكّر بها الناس، وتُراعى الأعلام والأئمة، ومن يُراد أن يُعرّف بهم الناس من ذوي الفضل والعلم، وكذلك أيضًا إذا كانت هناك أحداث في تاريخ الأمة، أحداث جليلة، والحاصل أن الفقهاء ذكروا كل هذه الوجوه في تسمية المساجد، أما ما يتعلق بتسميتها بالإضافة إلى أسماء الله تعالى الحسنى، فالصحيح أنه لا مانع من ذلك شرعًا، والله تعالى أعلم.

في قوله تعالى: «لا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسعها»: ما المقصود بهذه الآية؟ وكيف نفرّق بين هذه الآية وبين بعض التكاليف التي قد تبدو صعبة في بعض الأحيان؟ ما معنى «الوُسع»؟

الوُسع يعني الاحتمال، والاستطاعة. كثير من المفسّرين يقولون إن الوُسع هو الطاقة، ولكن رأيتُ أن صاحب الضياء، والواحدي في البسيط يقولون إن الوُسع دون الطاقة؛ لأن الطاقة تعني أقصى درجات الاحتمال، أي: الحدّ الذي لا يُحتمل بعده. ولذلك عبّروا عن الوُسع بأنه دون الطاقة، أي: ما كان محتملاً، وما كان الإنسان مستطيعًا له، فهذا هو معنى الآية الكريمة.

«لا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسعها» أي: إلا ما في طاقتها واحتمالها واستطاعتها. نعم، هذا لا ينفي أن تكون التكاليف الشرعية فيها شيء من الصعوبة؛ فالتكليف يعني الإلزام، وهذا الإلزام فيه قدر من المشقة على نفوس المكلّفين.

لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أنهم لا يستطيعون الإتيان بما أُمروا به، بل إن كتاب الله عز وجل ناطق بأن هذه الشريعة حنيفية سَمْحاء، نُفي عنها الحَرَج، وليس فيها ضيق، وإنما فيها سَعة، ووُسع، واحتمال، وتيسير، وفيها أحكام ميسّرة مُخفّفة مقدورٌ عليها، نعم، هذا هو معنى هذه الآية الكريمة وما أشبهها في كتاب الله عز وجل.

فالمقصود أن ما أمر الله تبارك وتعالى به إنما هو في استطاعة المكلفين، وفي مقدور احتمالهم، وليس مما يتعذر عليهم الإتيان به، وأنهم إذا بلغوا في أدائه حدّ المشقة، فإن الأحكام الشرعية تتوارد عليهم تخفيفًا وتيسيرًا.

وقد نُفي عن هذه الشريعة الحَرَج، والضيق، والشدة، وبُنيت على التيسير، وعلى رفع الحرج، وعلى أن ما أُمر العباد بالتزامه مقدورٌ عليه، مستطاع الإتيان به، وهذا يشمل أصول الشريعة وفروعها، في كل وجوهها، وفي كل أبواب هذه الشريعة الحنيفية السمحاء، والله تعالى أعلم.

ما صحة حديث الرسول عن منكر ونكير في عذاب القبر؟ أعني الحديث الذي ورد فيه: «يأتيه ملكان أسودان أزرقان، يحملانه...» إلى آخره؟

الأحاديث الواردة في الملكين اللذين يأتيان العبد في القبر، هي أحاديث تلقتها الأمة بالقبول. نعم، هي أحاديث صحيحة تلقّتها الأمة بالقبول، وعلى هذا جمهور المسلمين من حيث الإجمال، وأما ما ورد من روايات وأحاديث في كثير من أوصاف الملكين وأسمائهما، ففيها ما هو صحيح، وفيها ما هو حسن، وفيها ما هو ضعيف، وفيها ما هو موضوع.

ولكن هذا لا يغيّر من حقيقة الإيمان بالملكين اللذين يأتيان العبد إذا وُضع في قبره، وأن ذلك ليس مجرد «امتحان» كما يُظن، بل هو من عالم البرزخ، وفي عالم البرزخ، فإن من كان على إيمان وصدق ويقين وحسن إسلام، فإن الملكين يبشّرانه، وإذا كان والعياذ بالله على نفاق أو على كفر بالله تبارك وتعالى، فإنهما يُنذِرانه.

أما ما ورد من تسمية الملكين بـ«منكر» و«نكير»، فالأكثر من أهل العلم على أنه صحيح، وقد وردت هذه التسمية في بعض الروايات، ما ورد من أوصافهما، مثل كونهما «أسودان أزرقان»، فهي رواية وردت عند الترمذي، وبعض أصحاب السنن والمسانيد.

وأما ما ورد في صحيح مسلم، فقد ثبت أنهما ملكان يأتيان العبد إذا وُضع في قبره، ثم انصرف عنه أهله، وإنه ليسمع خَفْق نعالهم، فيأتيه الملكان، فيُقعدانه، فيسألانه.. إلى آخر الحديث، وهذه رواية صحيحة.

وأما تسمية الملكين بـ«منكر ونكير»، فهي روايات كما قلت تلقّاها العلماء بالقبول، وحتى من ضعّف بعض رواياتها، فإنه لم يضعّف الأصل؛ لأن هذه من فروع العقيدة، ويرى أنها قابلة للتأويل، وليس هناك ما يعارضها، ووُجد من المعتزلة من طعن في بعض الروايات، ومنهم من طعن في أن يكون اسما الملكين «منكر» و«نكير»، بحجّة أن أسماء الملائكة يجب أن تكون حسنة.

لكن لا مشاحة في التسمية، فالمقصود بالاسم هنا هو الوصف الذي يعبّر عن المهمة التي يقوم بها الملكان، لا مجرد الاسم في ذاته، والحاصل أن الأكثر من العلماء على قبول هذه الروايات، وأما بعض التفاصيل التي وردت في أوصاف الملكين، ففيها روايات ضعيفة لا يُعتد بها، والله تعالى أعلم.

مقالات مشابهة

  • تدفن أسرار البيوت بموت من فيها!
  • النقلة "Move 37": اللحظة التي تجاوزت فيها الذكاء الاصطناعي الحدود البشرية
  • أمٌّ وولداها غادرا مكان إقامتهم ولم يعودوا... هل من يعرف عنهم شيئاً؟
  • كانسيلو يطمئن الدكة بعد هدف ليوناردو: ما فيها تسلل .. فيديو
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • تعميم أوصاف جثة سيّدة تعرّضت لحادث صدم.. هل من يعرف عنها شيئًا؟
  • 6 عبادات مستحبة في شهر محرم .. الأزهر للفتوى يكشف عنها
  • ليال غادرت منزلها ولم تعد.. هل من يعلم عنها شيئاً؟
  • وزير الدفاع الأمريكي: ضرباتنا التي استهدفت المواقع النووية بإيران كانت مثالية
  • الزعاق للطلاب: استمتعوا بالأشياء التي تمتلكونها ولو كانت بسيطة..فيديو