جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-09@02:18:38 GMT

"لا تناطح ثورًا.. ولا تسابق ضأنة"

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT

'لا تناطح ثورًا.. ولا تسابق ضأنة'

 

علي بن سالم كفيتان

خرجتُ بعد صلاة المغرب من جامع الشيخ عمر بن حفيظ الرواس في قلب صلالة الجديدة، لأجد بقية من حكماء ظفار الأولين، رجال يلتئمون في صحن المسجد بين المغرب والعشاء على الدكة الخارجية بمسابحهم اللامعة بالنور، وهيبة وجوههم، ووقارهم الطاغي.

عرفتُ أحدهم فجذبتني خطاي إلى تلك الحلقة المهيبة، سلّمتُ كعادتنا في ظفار قام الجميع، مررتُ أمامهم وأنا استحضر بقية ما سمعته عن مشايخ ظفار ووجهائها، حتى استقر بي الجلوس عند الشيخ الذي أعرفه ويعرفني، فقد كانت لنا صحبة عمل لسنوات، فخبِرته وخبرني، ولا زلنا نحتفظ بذات المودة، رغم جفاء الوصال بيننا.

ففي غالب الأحيان نلتقي في عُرس أو عزاء، ويعاتبني هو وأنا كعادتي استسلم لتقصيري، وهو كعادته يعفو ويصفح. كنت أنوي السلام والمغادرة، لكن الجلسة لا تفوَّت، والأسماء الحاضرة قد لا تجتمع هنا مرة أخرى؛ فحسب الظاهر لي أنه كان حضورًا على هامش مناسبة اجتماعية، وبحكم ما أسمع عن دهاء القوم وحنكتهم في الحياة، جلستُ لاستمع لشيء من حديث الرجال، الذين كنتُ أسمعُ عنهم ولم يجمعني القدر بهم، ودعَّم الموقف إلحاح مُضيِّفِي بينهم، فاستمعتُ وأنصتُّ لحديثٍ من زمنٍ ليس زماننا، لكنه ساهم في صنع واقعنا بكل تأكيد.

الحكمةُ وُلِدَتْ هنا، والهدوء والرزانة نبتتْ مع هؤلاء الرجال، منذ نعومة أظفارهم. حديث هادئ من طرفِ الجلسة، الكلُ يُنصِتُ ولا أحدَ يُقاطع ذلك المتحدث رغم إطالته، ومن ثم يسود صمت رهيب بعد انتهاء حديثه المسهب. من الذي سوف يكون التالي؟ لا أعرف، لكنني رأيتُ شيخًا وقورًا يستأذنُ للحديث، ومن ثم يسترسل حتى يُتِمُ. وهكذا كانت الجلسة عبارة عن تدريب على أصول مجالس الرجال، لا نفاق هنا، ولا نميمة؛ بل كلام عن الزُهد والحكمة، وبعض الأحاديث الشيِّقة عن السلف الصالح في ظفار. وقد كنتُ مدينًا لهم بذِكْر مناقب رجلٍ يقرُب لي، وهذه عادة حميدة في ظفار، فإن حضرتَ قومًا من هذا الطراز، يرحبون بك بأجمل ما تحب من أسماء، ولا يجدون حرجًا في ذكر مناقب أهلك وفضائلهم.

وفي خِضَمِّ تلك الجلسة العامرة، أطلق أحدهم هذا المثل الظفاري الدارج "لا تناطح ثورًا ولا تسابق ضأنًا"، وكانت فرصة ثمينة لتفسير المعني. فحسب ما يبدو الحديث، كان عن التعامل مع المراحل والشخوص، ومتى يمكن الدخول في الأمر، ومتى يُترك؛ فمناطحة الثور مهلكة، لذلك وجب البعد عنه قدر المستطاع؛ لأن مطرقة رأسه قوية، والتعامل معه وخاصةً أثناء هيجانه يكون صعبًا للغاية، بحكم مقدار القوة التي يمتلكها، مقابل مقدار قليل من العقل، فيُصبح مشروعَ قاتلٍ مع سبق الإصرار والترصد، فأوجبت الحكمة تهدأته، والبُعد عن رفساته ونطحاته، بينما سيكون نصيب من دخل في سباق الضأنة أحد الأمرين؛ إما أن يسبقها فيقال سبق ضأنة، أو أن تسبقه هي؛ فيقال سبقته ضأنة! وكلا الأمرين فيهما مسبة؛ فالأحرى بالعاقل ترك هذا النوع من السباقات.

أُذِّن للعشاء وافترقنا قبل اكتمال حديث هذه الثلة من حكماء ظفار ودهاتها، والكلام كان في مضمونه أدبيًا بحتًا، لا يعدو تفسير مثل ظفاري دارج لطالما استخدمه العقلاء للنجاة من مغبة نطحات الثيران وسباق الضأنة الذي أصبح معتادًا في هذا الزمن. تمنَّيتُ أن يقيم والي صلالة برزة يجتمع فيها مع ما تبقى من هؤلاء الرجال مرة أو مرتين في الأسبوع، ويحضرها المحافظ ورئيس البلدية وكبار المسؤولين، ومن أرد من الناس؛ لكي تستمع الأجيال الى حديثٍ لا يُمَل، ورجال صنعتهم الأيام؛ فهم شيوخ عندما يُنادى للمشيخة، وهم يد السخاء والكرم عندما ينتخى العطاء في أبواب الخير، وهم أهل الدهاء والحكمة، عندما تلتأم الحجرة (البرزة) كل هذا الإرث الإنساني الخالد لا زالت بقاياه بيننا، ونحن في أمسِّ الحاجة اليه اليوم قبل غدٍ؛ فالهروب الى الامام لن يُنجينا من منحنيات الطريق وحفرِهِ العميقة، كما إن الاستماع للناس والحوار معهم يُوَلِّد المعرفة، ويساهم في بناء فهمٍ مشتركٍ للواقع؛ حيث لا يمكننا الذهاب بعيدًا إذا مسحنا ما كتبناه بالأمس، لنعيد كتابته اليوم، بأقلامٍ بلا حبرٍ.

حفظ الله بلادي.

****************

هذا اللقاء جرى مُصادفةً قبل عدة أعوام، وأعتقد أننا اليوم فقدنا عددًا من هذه القامات العُمانية الخالدة الذكر.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اندماج استراتيجي بين "ظفار للاستثمار" و"خدمة"

مسقط- الرؤية

أعلنت شركة ظفار الدولية للتنمية والاستثمار إتمام اندماج شركة عُمان للاستثمارات والتمويل (خدمة) معها، في خطوة تُعد محطة مفصلية في تكامل الشركات وتوحيد الجهود وتعزيز الامكانيات في سلطنة عُمان.

ويأتي هذا الاندماج بين هاتين الشركتين اللتين تعدان من شركات المساهمة العامة العريقة بالسلطنة، ليرسّخ شراكة استراتيجية تجمع بين القوة المالية والاستثمارية المتينة لظفار للاستثمار والخبرة التشغيلية والابتكارية لخدمة، مما يثمر كياناً موحداً أكثر قدرة على النمو وتمكين الشركات والمواهب وترسيخ الابتكار في المجتمع العُماني.

ومن الأهداف الرئيسية لهذا الاندماج، تطوير بيئة الخدمات المالية المبتكرة التي تقدم عبر منصة خدمة، وتعزيز الحوكمة المؤسسية، وتسريع تبنّي التكنولوجيا، ودعم المبادرات الرامية لازدهار الاقتصاد الوطني بمقاربات حديثة تتماشى مع توجهات رؤية عُمان 2040.

وبهذه المناسبة، قال سعيد بن أحمد صفرار، الرئيس التنفيذي لشركة ظفار الدولية للتنمية والاستثمار: "يقف خلف هذا الاندماج طموح مشترك لبناء مؤسسة أقوى وأكثر مرونة، قادرة على فتح آفاق جديدة للنمو، وبناء القدرات الوطنية، وتعزيز مسيرة التحوّل الرقمي والاقتصادي في السلطنة. فهذا الاندماج ليس مجرد توسّع في الحجم، بل يعكس رؤية واحدة وهدف مشترك، يتمثل في تعزيز محفظتنا الاستثمارية، وتمكين الكفاءات العُمانية، وترسيخ موقع كياننا الجديد كقوة رائدة في مستقبل الخدمات المالية والاستثمارية القائمة على التكنولوجيا في عُمان".

ويواصل الكيان الموحد التزامه الراسخ برعاية وتنمية الكفاءات العُمانية، عبر توفير بيئة مبتكرة تُتيح للمواهب اختبار أفكار جديدة، وتوسيع نطاق المشاريع الواعدة، وتقديم مساهمة فاعلة في تعزيز النمو الاقتصادي للبلاد.

وانطلاقاً من البنية التحتية الرقمية المتطورة لــ "خدمة" – التي تشمل خدمات الفوترة والتحصيل، والمحفظة الإلكترونية، والتحويلات المالية – سيعمل الكيان الجديد على توسيع نطاق خدماته ليشمل حلول التكنولوجيا المالية والخدمات الذكية، حيث يسهم هذا التوسع في تعزيز الشمول المالي، من خلال إتاحة الوصول الآمن والسهل للخدمات المالية لجميع شرائح المجتمع وفي مختلف محافظات السلطنة، كما يسهم هذا الاندماج في مواءمة الأنظمة الإدارية والحوكمة والبنية الرقمية ضمن إطار موحّد، بما يعزّز التكامل بين القوة المالية والابتكار في تقديم الخدمات.

وذكر سعيد بن أحمد صفرار: "ستواصل "خدمة" نموها كمنصة دفع رقمي موثوقة تربط مختلف الخدمات في منظومة واحدة، تشمل خدمات دفع الفواتير وإعادة شحن الرصيد والتحويلات المالية وخدمات التوصيل ونمط الحياة. حيث أن هدفنا الأساسي هو دعم مسيرة عُمان نحو مستقبل تتجذر فيه التكنولوجيا في صميم الحياة اليومية، بحيث تصبح الخدمات الرقمية أسهل وأقرب للجميع".

يشار إلى أنه مع اكتمال هذا  الاندماج، ستتوسع محفظة ظفار الدولية للتنمية والاستثمار المتنوعة لتشمل قطاعات التأمين والبنوك والمدفوعات الرقمية والطاقة والضيافة والتعليم والرعاية الصحية والإنشاءات والصرافة والخدمات ، مع قدرة الشركة على الاضافة النوعية لتعزيز التكامل الرقمي وزيادة القدرات الرأسمالية وتطوير الحلول المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • خطوبة عمر مرموش حديث الجمهور…من هي جيلان الجباس؟
  • بين الكاتب والمكتوبجى
  • بنك ظفار ينجح في جمع 100 مليون ريال عبر إصدار دين ثانوي
  • الجبروت الأمريكي على فنزويلا
  • اندماج استراتيجي بين "ظفار للاستثمار" و"خدمة"
  • إطلاق بطاقة "مال" بـ"ظفار الإسلامي"
  • عندما يتحوّل الملعب إلى وطن (2)
  • الأردن يعزز جهوده الإنسانية لإيصال المساعدات لغزة بمركز لوجستي حديث
  • أستاذ علوم سياسية: إيديكس رسالة ردع عسكري.. ومصر تسابق التحديات بقدرات غير مسبوقة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس…)