جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-27@14:22:02 GMT

"لا تناطح ثورًا.. ولا تسابق ضأنة"

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT

'لا تناطح ثورًا.. ولا تسابق ضأنة'

 

علي بن سالم كفيتان

خرجتُ بعد صلاة المغرب من جامع الشيخ عمر بن حفيظ الرواس في قلب صلالة الجديدة، لأجد بقية من حكماء ظفار الأولين، رجال يلتئمون في صحن المسجد بين المغرب والعشاء على الدكة الخارجية بمسابحهم اللامعة بالنور، وهيبة وجوههم، ووقارهم الطاغي.

عرفتُ أحدهم فجذبتني خطاي إلى تلك الحلقة المهيبة، سلّمتُ كعادتنا في ظفار قام الجميع، مررتُ أمامهم وأنا استحضر بقية ما سمعته عن مشايخ ظفار ووجهائها، حتى استقر بي الجلوس عند الشيخ الذي أعرفه ويعرفني، فقد كانت لنا صحبة عمل لسنوات، فخبِرته وخبرني، ولا زلنا نحتفظ بذات المودة، رغم جفاء الوصال بيننا.

ففي غالب الأحيان نلتقي في عُرس أو عزاء، ويعاتبني هو وأنا كعادتي استسلم لتقصيري، وهو كعادته يعفو ويصفح. كنت أنوي السلام والمغادرة، لكن الجلسة لا تفوَّت، والأسماء الحاضرة قد لا تجتمع هنا مرة أخرى؛ فحسب الظاهر لي أنه كان حضورًا على هامش مناسبة اجتماعية، وبحكم ما أسمع عن دهاء القوم وحنكتهم في الحياة، جلستُ لاستمع لشيء من حديث الرجال، الذين كنتُ أسمعُ عنهم ولم يجمعني القدر بهم، ودعَّم الموقف إلحاح مُضيِّفِي بينهم، فاستمعتُ وأنصتُّ لحديثٍ من زمنٍ ليس زماننا، لكنه ساهم في صنع واقعنا بكل تأكيد.

الحكمةُ وُلِدَتْ هنا، والهدوء والرزانة نبتتْ مع هؤلاء الرجال، منذ نعومة أظفارهم. حديث هادئ من طرفِ الجلسة، الكلُ يُنصِتُ ولا أحدَ يُقاطع ذلك المتحدث رغم إطالته، ومن ثم يسود صمت رهيب بعد انتهاء حديثه المسهب. من الذي سوف يكون التالي؟ لا أعرف، لكنني رأيتُ شيخًا وقورًا يستأذنُ للحديث، ومن ثم يسترسل حتى يُتِمُ. وهكذا كانت الجلسة عبارة عن تدريب على أصول مجالس الرجال، لا نفاق هنا، ولا نميمة؛ بل كلام عن الزُهد والحكمة، وبعض الأحاديث الشيِّقة عن السلف الصالح في ظفار. وقد كنتُ مدينًا لهم بذِكْر مناقب رجلٍ يقرُب لي، وهذه عادة حميدة في ظفار، فإن حضرتَ قومًا من هذا الطراز، يرحبون بك بأجمل ما تحب من أسماء، ولا يجدون حرجًا في ذكر مناقب أهلك وفضائلهم.

وفي خِضَمِّ تلك الجلسة العامرة، أطلق أحدهم هذا المثل الظفاري الدارج "لا تناطح ثورًا ولا تسابق ضأنًا"، وكانت فرصة ثمينة لتفسير المعني. فحسب ما يبدو الحديث، كان عن التعامل مع المراحل والشخوص، ومتى يمكن الدخول في الأمر، ومتى يُترك؛ فمناطحة الثور مهلكة، لذلك وجب البعد عنه قدر المستطاع؛ لأن مطرقة رأسه قوية، والتعامل معه وخاصةً أثناء هيجانه يكون صعبًا للغاية، بحكم مقدار القوة التي يمتلكها، مقابل مقدار قليل من العقل، فيُصبح مشروعَ قاتلٍ مع سبق الإصرار والترصد، فأوجبت الحكمة تهدأته، والبُعد عن رفساته ونطحاته، بينما سيكون نصيب من دخل في سباق الضأنة أحد الأمرين؛ إما أن يسبقها فيقال سبق ضأنة، أو أن تسبقه هي؛ فيقال سبقته ضأنة! وكلا الأمرين فيهما مسبة؛ فالأحرى بالعاقل ترك هذا النوع من السباقات.

أُذِّن للعشاء وافترقنا قبل اكتمال حديث هذه الثلة من حكماء ظفار ودهاتها، والكلام كان في مضمونه أدبيًا بحتًا، لا يعدو تفسير مثل ظفاري دارج لطالما استخدمه العقلاء للنجاة من مغبة نطحات الثيران وسباق الضأنة الذي أصبح معتادًا في هذا الزمن. تمنَّيتُ أن يقيم والي صلالة برزة يجتمع فيها مع ما تبقى من هؤلاء الرجال مرة أو مرتين في الأسبوع، ويحضرها المحافظ ورئيس البلدية وكبار المسؤولين، ومن أرد من الناس؛ لكي تستمع الأجيال الى حديثٍ لا يُمَل، ورجال صنعتهم الأيام؛ فهم شيوخ عندما يُنادى للمشيخة، وهم يد السخاء والكرم عندما ينتخى العطاء في أبواب الخير، وهم أهل الدهاء والحكمة، عندما تلتأم الحجرة (البرزة) كل هذا الإرث الإنساني الخالد لا زالت بقاياه بيننا، ونحن في أمسِّ الحاجة اليه اليوم قبل غدٍ؛ فالهروب الى الامام لن يُنجينا من منحنيات الطريق وحفرِهِ العميقة، كما إن الاستماع للناس والحوار معهم يُوَلِّد المعرفة، ويساهم في بناء فهمٍ مشتركٍ للواقع؛ حيث لا يمكننا الذهاب بعيدًا إذا مسحنا ما كتبناه بالأمس، لنعيد كتابته اليوم، بأقلامٍ بلا حبرٍ.

حفظ الله بلادي.

****************

هذا اللقاء جرى مُصادفةً قبل عدة أعوام، وأعتقد أننا اليوم فقدنا عددًا من هذه القامات العُمانية الخالدة الذكر.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج الزراعات التقليدية في جبال ظفار

صلالة- العُمانية

تنفّذ وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بمحافظة ظفار المرحلة الأولى من برنامج "نُظم الزراعات التقليدية في موسم الخريف (المشاديد)" خلال شهر يونيو الجاري، ضمن جهودها الرامية إلى تعزيز الأمن الغذائي، ودعم المجتمعات الريفية في جبال ظفار.

ويُعنى البرنامج بإحياء نظام "المشاديد" الزراعي التقليدي، الذي يُعد من الممارسات الزراعية التراثية في المحافظة التي تعتمد على مياه الأمطار الموسمية خلال فترة موسم الخريف. ويهدف إلى تمكين الأسر الريفية اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلى جانب نشر الوعي بأسس الزراعة المستدامة.

وأوضح المهندس رضوان بن عبدالله آل إبراهيم، مدير دائرة التنمية الزراعية بالمديرية العامة للثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بمحافظة ظفار، أن المرحلة الأولى من البرنامج تركز على دعم 75 أسرة ريفية موزعة على خمس ولايات زراعية هي: مرباط، وطاقة، وصلالة، ورخيوت، وضلكوت.

وأشار إلى أنه تم توزيع تقاوي محصول اللوبيا مجانًا على الأسر المستفيدة، نظرًا لما يمثله هذا المحصول من قيمة اقتصادية وغذائية، إلى جانب توفير بعض المستلزمات الزراعية الأساسية التي تُمكّن المزارعين من زراعته وإنتاجه بكفاءة.

ويُنتظر أن تُستكمل المرحلة الثانية من البرنامج في عام 2026، استمرارًا لجهود الوزارة في الحفاظ على النظم الزراعية التقليدية وتعزيز التنمية الزراعية المستدامة في محافظة ظفار.

مقالات مشابهة

  • رضوى الشربيني تثير الجدل بتصريح جرئ عن الرجال
  • حديث أمريكي عن انضمام دول جديدة لاتفاقيات التطبيع.. وموجة غضب عربي عقب لوحة استفزازية في تل أبيب
  • ما حكم لبس السلاسل الفضة للرجال؟.. أمين الفتوى يُجيب
  • وطن بلا مخدرات ..فعالية بمحافظة ظفار للتوعية بمخاطر الإدمان
  • مواقف المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك من فلسطين حديث المنصات
  • الرحال البوسني سيناف يصل سلطنة عُمان
  • بعد حديث الرئيس| التعليم العالى: إقبال كبير من الطلاب على الكليات العملية
  • تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج الزراعات التقليدية في جبال ظفار
  • "بلدي ظفار" يناقش تطوير المشروعات التنموية والخدمية
  • أردوغان يلتقي ترامب.. حديث عن إيران وإسرائيل وغزة وأوكرانيا