تعويم الجنيه في مصر بين المسكنات وتفاقم الأزمات
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
أصدر البنك المركزي المصري في اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية للبنك الأسبوع الماضي؛ بيانا أبرز فيه ما اتخذه من قرارات برفع أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس، والسماح لسعر الصرف بالتحرك وفق آليات السوق. وبرر ذلك بالقضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي في أعقاب إغلاق الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف الموازي.
وفور صدور هذه القرارات انخفض سعر صرف الجنيه المصري في السوق الرسمي بأكثر من 60 في المئة، حيث كان سعر تداوله مقابل الدولار 30.9 جنيه قبل التعويم، ثم تجاوز سعر التداول 54 جنيها يوم التعويم، ثم في نهاية اليوم وصل إلى 50.54 جنيه.
وقرار البنك المركزي بتعويم الجنيه المصري كان متوقعا ولم يكن مفاجئا فهو تحصيل حاصل، حيث إن التعويم لم يرتبط بالإرادة المحلية فقط بل فرضته الإرادة الخارجية ممثلة في صندوق النقد الدولي وروشتته الاستعبادية، والذي أوقف الشريحة الثانية من قرضه الأخير المقدر بثلاثة مليارات دولار حتى الالتزام بإملاءاته وفي مقدمتها التعويم. لذا لم يكن مستغربا أن يصدر قرار التعويم وبعثة الصندوق موجودة في مصر، وبعدها بساعات قليلة أبرمت الحكومة اتفاقا بقيمة 8 مليارات دولار مع الصندوق إضافة إلى قرض إضافي من الصندوق من مليار إلى 1.2 مليار دولار من تمويلات المناخ، حسبما قال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحفي عصر يوم التعويم؛ مع محافظ البنك المركزي حسن عبد الله ورئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر.
إن التعويم في مصر له تبعاته القاتلة؛ من تآكل المدخرات وغلاء الأسعار وزيادة نسبة الفقر بذوبان ما تبقى من الطبقة المتوسطة، وزيادة فاتورة الواردات، وتضاعف قيمة الدين الخارجي عند تقييمه بالعملة المحلية، ولا أمل في زيادة الصادرات في ظل عدم مرونتها وانكماش القطاع الخاص
كما أن مبررات قرار البنك المركزي للتعويم -وإن أخفى الدافع الحقيقي لذلك- هي مبررات يجب أن يعاقب عليها البنك المركزي نفسه، فما هو السبب الذي أدى إلى تراكم الطلب على العملة الصعبة، وأوجد سوقا موازيا لسعر الصرف؟! أليست سياسات البنك المركزي نفسه، وسكوته وتحمله تبعات عنترية بإقامة مشروعات أهلكت العملة الصعبة وفي مقدمتها مشروعا تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية اللذان جلبا المظهرية والخراب في نفس الوقت؟
كما أن رفع سعر الفائدة لن يحقق استقرارا ولن يعالج التضخم الذي جعله البنك المركزي هدفا له في بيانه، ووضع معه مصطلح التنمية المستدامة في جملة مفيدة، فمصر أبعد الدول عنها في ظل هذه السياسة. فرفع سعر الفائدة وإن كان سيسحب كمية سيولة من السوق لا سيما بعد صدور شهادات استثمارية مصرفية في نفس اليوم بفائدة 30 في المئة، فإن هذه السيولة لن تحقق تخفيضا ذا قيمة للتضخم لا سيما مع ارتفاع تكلفة الائتمان وتقييده، وهو ما سوف يعطل حركة الإنتاج التي تعاني عطبا منذ سنوات نتيجة انكماش القطاع الخاص وتمدد العسكرة في جنبات الاقتصاد.
ثم أين الذين تغنوا بمليارات مشروع رأس الحكمة رغم أنها ستتبخر كما تبخر من قبلها، مع تقسيم الدولة المصرية وضرب أمنها القومي في مقتل؟ فإذا كانت الحكومة تتباهى بتلك المليارات، فلماذا اتجهت لتعويم الجنيه؟!
إن التعويم في مصر له تبعاته القاتلة؛ من تآكل المدخرات وغلاء الأسعار وزيادة نسبة الفقر بذوبان ما تبقى من الطبقة المتوسطة، وزيادة فاتورة الواردات، وتضاعف قيمة الدين الخارجي عند تقييمه بالعملة المحلية، ولا أمل في زيادة الصادرات في ظل عدم مرونتها وانكماش القطاع الخاص.
إن التعويم في مصر ما هو إلا حلقة في سلسلة لولب التعويم، الذي من خلاله ستنتقل مصر من أزمة إلى أزمة أكبر بتعويم جديد، حتى باتت دورة التعويم معروفة؛ ديون فبيع أصول وترقيع ديون فتعويم، ثم تمر الكرة مرة أخرى بأزمة أكبر وفقا لتسليم الرقاب لصندوق النقد الدولي، وخراب البلاد وتحميل العباد من الغلاء والفقر جيلا بعد جيل تبعات تلك السياسة التدميرية لمقدرات وموارد البلاد، حتى أن وزير المالية المصري يتباهى بفرص الحصول علـى المزيد من الديون المسكنّة بقوله: إن مصر تتوقع أن يمهد اتفاقها مع صندوق النقد الدولي الطريق أمام تلقي تمويلات خارجية بقيمة 20 مليار دولار.
يجب التركيز على السياسة الهيكلية التي تنهي عسكرة الاقتصاد وتفتح الباب للقطاع الخاص وتعزز الإنتاج والتوظف وفرص العمل، وتلبي احتياجات السوق المحلي من السلع والخدمات، وترشد الواردات وتعزز الصادرات، مع الخروج من نفق التعامل مع صندوق النقد الدولي بجدولة الديون القائمة، لأنه من دخل نفق روشتة الصندوق لن يخرج منها إلا على أنقاض دولة استعبدت مواردها، فكيف الحال الآن والاستعباد امتد لبيع الأصول لدول وضعت يدها على مفاصل الاقتصاد والأمن القومي المصري
إن الآفة الكبرى هي تلك الحكومة التي تنظر للعرَض وتهمل المرض باعتمادها على السياسة النقدية من خلال تعويم أعرج يضع قيودا على بيع العملات الصعبة ويهمل الحماية الاجتماعية، وهو في نهاية المطاف سوف يخلق سوقا موازيا جديدا بعد حين غير طويل، فما أتعس تلك السياسة التي لا هدف لها إلا ترقيع الديون وبيع الأصول!
وإذا كانت الحكومة جادة في حل مشاكلها فيجب عليها أولا إقرار سياسة العدالة برفع المظالم وتبييض السجون من المظلومين وتعويضهم، فالظلم ظلمات والاقتصاد المصري يعيش في تلك الظلمات ولن يخرج منها إلا برفع تلك المظالم، وصدق ابن خلدون حينما قال: "الظلم مؤذن بخراب العمران"، ومن سياسة العدالة أيضا توفير الحماية الاجتماعية للمحتاجين بما يغنيهم عن ذل السؤال.
كما يجب التركيز على السياسة الهيكلية التي تنهي عسكرة الاقتصاد وتفتح الباب للقطاع الخاص وتعزز الإنتاج والتوظف وفرص العمل، وتلبي احتياجات السوق المحلي من السلع والخدمات، وترشد الواردات وتعزز الصادرات، مع الخروج من نفق التعامل مع صندوق النقد الدولي بجدولة الديون القائمة، لأنه من دخل نفق روشتة الصندوق لن يخرج منها إلا على أنقاض دولة استعبدت مواردها، فكيف الحال الآن والاستعباد امتد لبيع الأصول لدول وضعت يدها على مفاصل الاقتصاد والأمن القومي المصري، وتحويل مصر من خزائن الأرض العامرة إلى خزائن الأرض المديونة والمتسولة؟!
twitter.com/drdawaba
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الجنيه الاقتصاد ديون مصر اقتصاد ديون الجنيه أزمات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد الدولی البنک المرکزی سعر الصرف فی مصر
إقرأ أيضاً:
آليات جديدة لـ حوكمة البنوك طبقًا لقانون البنك المركزي .. تفاصيل
وضع قانون البنك المركزى والجهاز المصرفي ، عدة ضوابط لإدارة البنوك وحوكمتها، حيث نص القانون على أن "يكون للبنك المركزى محافظ بدرجة نائب رئيس مجلس الوزراء، يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ويحدد القرار المعاملة المالية له، ويحظر على المحافظ ما يحظر على الوزراء.
ويعامل المحافظ من حيث المعاش معاملة نائب رئيس مجلس الوزراء، ويكون قبول استقالة المحافظ بقرار من رئيس الجمهورية .
ويكون للمحافظ نائبان، يعين كل منهما بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح المحافظ لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، ويحدد القرار المعاملة المالية لهما.
وفي حالة غياب المحافظ أو وجود مانع لديه يحل محله في ممارسة اختصاصاته أقدم النائبين، فإن غاب النائب حل محله النائب الآخر.
كما حدّد قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي آليات دمج البنوك المتعثرة مع بنك آخر .
ونص القانون على أنه للبنك المركزي ، أن يقرر دمج البنك المتعثر مع بنك آخر ، أو نقل ملكية أسهمه أو بعضها إلى مستثمر آخر أو إلى بنك معبری ، وذلك بشرط موافقة البنك الآخر أو البنك المعبری ، وذلك كله طبقاً للقواعد والإجراءات التي يحددها مجلس الإدارة، ويعد قراره في هذا الشأن نافذاً ومنتجا لآثاره القانونية دون التقيد بأحكام القوانين الأخرى .
ويجوز للبنك المركزى لأغراض تطبيق أحكام هذه المادة إصدار أسهم جديدة أو إلغاء الأسهم الحالية للبنك الخاضع للتسوية حال تلاشی كل حقوق الملكية أو بعضها.