"المخلب الحديدي" (The Iron Claw) ليس مجرد فيلم رياضي عن المصارعة في الثمانينيات في الولايات المتحدة الأميركية، أو تراجيديا تستعرض لعنة أقرب إلى المآسي الإغريقية العنيفة، لكنه في جوهره فيلم عن العائلة وديناميكيتها.

يظن الأب نفسه إلها، يدور في فلكه الأبناء وعليهم طاعته وإما خسروا محبته ورضاه، وهو ما يجعل أكثر المشاهد فجيعة ووجعا ليست تلك التي تجري داخل الحلبة وإنما حول منضدة الطعام.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4“الحب المنسي”.. فيلم يقف على حافة الميلودراماlist 2 of 4وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب.. زيلينسكي "الممثل" يظهر بدورين في فيلم واحدlist 3 of 4في فيلم "القصاص".. بعض الضحايا خونة أيضاlist 4 of 4لماذا يصر برشلونة على إظهار ميسي أنه "الرجل السيئ" في فيلم "العودة إلى الكامب نو"؟end of list

The Iron Claw (2023) dir. Sean Durkin pic.twitter.com/SVg2IFGqUj

— cinesthetic. (@TheCinesthetic) March 11, 2024

يحكي العمل عن أسرة فون إريك، وقصة صعودها في عالم مصارعة المحترفين، وسط سنوات من السعي من كافة رجالها لتحقيق حلم الأب بالتربّع على عرش المصارعة والحصول على لقب بطل العالم، ذلك الحلم الطموح المَعيب الذي كُلل بالدم والموت والفقد والكثير من القمع والهزيمة.

تدور الحبكة حول أب امتهن المصارعة بشبابه، لكنه لم ينجح في الحصول على لقب بطل العالم للوزن الثقيل، وهو ما دفعه لتوريث تطلعاته لأولاده، لم يكن حنونا عليهم ولم يرهم صغارا بحاجة إلى رعايته، وإنما مجرد أدوات للوصول إلى ما يصبو إليه وإنقاذه من الحلم الذي يطارده، مُعتقدا أن جعلهم الأقوى لن يلبث أن يجعلهم الأنجح ويحميهم من شرور الدنيا.

لعنة الانتماء لعائلة فون إريك

"التصنيفات يمكن أن تتغير"؛ هكذا يقول الأب علنا لأبنائه خلال تناول الطعام مُعلنا عن تفضيله لابن دون آخر، إذ تعتمد محبته على ما يحققه الابن بعالم المصارعة، مَن فاز أو سار على الدرب هو المفضل، ومن خاب أو تراجع تراجعت أهميته بالتبعية.

ورغم كل القسوة والتعنيف ولعبة "فرّق تسد" التي يلعبها الأب مع أولاده طوال الوقت، لم يتمرد أحدهم عليه أو يخالفوه الرأي يوما؛ حتى مَن لم يحب المصارعة يوما منهم، بل اعتنقوا وجهة نظره واجتهدوا باذلين كل ما يقدرون عليه جسديا ونفسيا وعاطفيا لعلهم ينالون منه نظرة رضا أو إيماءة مُحبة.

وبسبب كل ما جرى لعائلة فون إريك، وهو ما كان قاسيا بالفعل ولا يمكن النجاة من آثاره على المدى القصير أو الطويل، أُشيع عن العائلة أنها محاطة بلعنة بدأت حين قرر الأب الذي عاش لسنوات باسم جاك أدكيسون تغيير لقبه إلى فون إريك، إذ سرعان ما توفي بعدها ابنه الأول في سن صغيرة.

وما لم يكن بالحسبان أن يموت في حياة الأب كافة أولاده تباعا -باستثناء الابن الثاني الذي يشهد القصة بعينيه- وبطرق شديدة الوحشية جمعت بين الانتحار والجرعات المضاعفة من المخدرات وأساليب أخرى من فعل الطبيعة.

بين الواقع والحبكة الدرامية

رغم أن "المخلب الحديدي" ينتمي بالأساس لأفلام السير الذاتية، إلا أن مؤلفه ومخرجه شون دوركين كتب النص بدون جمع بيانات من العائلة أو الاتصال بأي من أفرادها إلا قبل وقت قصير من بدء التصوير، وحرص على كتابة القصة بطريقته الخاصة مع القليل من التصرُّف بحكمة وذكاء دون أن يخل ذلك بالسرد الدرامي.

على سبيل المثال لم يأت العمل على ذكر الابن الخامس كريس، واكتفى دوركين بتوزيع صفاته وتفاصيل مأساته الخاصة على إخوته، وهو ما برره بمحاولة الحَد من حجم المعاناة التي تظهر على الشاشة والتقليل من كَم الانزعاج وعدم الارتياح التي سيشعر بها الجمهور خلال المشاهدة.

الفيلم الذي كان يمكن أن يصبح عظيما

عُرف عن دوركين بأعماله السابقة تقديم شخصياته عن بُعد وهو ما تكرر هنا أيضا وإن كان "المخلب الحديدي" هو الفيلم الأكثر عاطفية وإنسانية بين ما قدمه حتى الآن، ورغم كل الأحداث القوية التي تهز عالم الأبطال لكننا لا نقترب كثيرا من دواخلهم أو نتعمّق إلى الحقيقة وراء دوافعهم، فقط نرى بعض الشذرات هنا وهناك، في حضن أخوي دافئ أو نظرة عين زائعة أو قرار بإنهاء الحياة فجأة، الأمر الذي جعل المشاهدين يقفون في حيرة من أمرهم بين التعلّق بالعائلة والتعاطف معها وبين السطحية المستفزة التي قُدّمت بها الشخصيات.

وهو ما تسبب بأن يرقص الفيلم بالنهاية على الحبال بين التصنيف كعمل رياضي ملهم وبين الدراما الثقيلة، ومع ذلك فقد حصد الفيلم إيرادات بلغت 42 مليون دولار بينما تم اختياره من قِبل المجلس الوطني للمراجعة ضمن قائمة أفضل 10 أفلام لعام 2023.

كذلك أشاد به النقاد وأعربوا عن إعجابهم بأداء الممثلين وكيف صور دوكين أجواء عالم مصارعة المحترفين في الحلبة بالثمانينات، وحصل على تقييم بلغ 7.7 نقاط وفقا لموقع "آي إم دي بي" (IMDb) الفني.

الاستحسان الأكبر كان من نصيب الممثل زاك إيفرون الذي جسد شخصية ديفيد، إذ نجح إيفرون بتغيير هيئته تماما وظهر بما يليق ببطل مصارعة من الوزن الثقيل، حتى إنه كان من الصعب التعرّف عليه ببعض المشاهد. وبجانب المظهر الخارجي، اجتهد إيفرون للإمساك بتلابيب شخصيته وتجسيد حالة الخواء التي تملّكت منه وتضاعفت مع موت كل شقيق لديه.

This scene in the Iron Claw where he dies and goes to meet his brothers in the afterlife is hands down one of the best scenes I've ever watched in a movie. Emotional and heartwarming. @ZacEfron, Jeremy Allen White, and @HarrisDickinson all did a phenomenal job???????? pic.twitter.com/IdIOZUTL3H

— Kratos (@GoJoeJoeBlue) March 7, 2024

"المخلب الحديدي" فيلم يحمل ثقلا وجوديا حقيقيا ومزعجا على مدار أكثر من الساعتين، وبقدر ما هو مناسب لمحبي رياضة المصارعة، لكنه جدير بالمشاهدة أيضا من مُحبي الدراما.

وذلك لأنه يضرب على وتر حساس يتماس من جهة مع قنبلة الذكورية الموقوتة التي ينشأ عليها الرجال ومفهومهم المغلوط حول الرجولة الحقيقية وربطها بالقوة الجسدية وقدر الإنجازات الملموسة والخارجية، ومن جهة أخرى مع قسوة أن تنتمي لعائلة كبيرة ومع ذلك تظل تشعر بالوحدة والعزلة وأن لا أحد يراك.

الفيلم مقتبس عن قصة حقيقية، إخراج وسيناريو وحوار شون دوركين، وبطولة هولت مكالاني، زاك إيفرون، جيريمي ألين وايت، ستانلي سيمونز، هاريس ديكنسون، مورا تيرني، وليلي جيمس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات وهو ما

إقرأ أيضاً:

في حضرة الجبال.. كيف تحولت متسلقة مغربية إلى أسطورة عالمية؟

وفي حلقة جديدة من بودكاست "مغارب"، الذي يقدمه محمد الرماش، فتحت بشرى دفاتر تجربتها الشخصية، كاشفة عن رحلة بدأت كهواية بسيطة في الطبيعة، قبل أن تتحول إلى مشروع حياة قادها إلى أعلى قمم العالم، وفي مقدمتها قمة إفرست في الهيمالايا.

ولدت بشرى بيبانو في مدينة الرباط، بعيدا عن الجبال، في بيئة عائلية لا علاقة لها بالرياضة أو المغامرة، غير أن المخيمات الصيفية ورحلات المشي في الطبيعة أيقظت لديها شغفا مبكرا بالاكتشاف والارتحال.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الطريق إلى إيفرست بعيون شابين من جنوب لبنانlist 2 of 4جبال تونج إيلي التركية تفتح مدارسها.. تدريبات شاقة لهواة التسلق قبل صعود القممlist 3 of 4سياحة الأماكن الخطرة.. حينما تكون المجازفة غاية السفرlist 4 of 4كيف تحولت البراكين الثائرة من كوارث طبيعية إلى وجهات سياحية؟end of list

تنحدر أصول عائلتها من مراكش، القريبة من الأطلس الكبير، وتقول إن "شيئا ما في الجينات" ربطها بالجبال، رغم أنها لم تعش يوما في المناطق الجبلية، ولم يكن في محيطها من يمارس هذا النوع من الرياضات.

أول احتكاك حقيقي لها بالقمم كان مع جبل توبقال، أعلى قمة في شمال أفريقيا، حين قررت تسلقه دون استعداد يذكر، ومن دون مرشد أو معدات احترافية، في زمن لم تكن فيه رياضات الجبال شائعة في المغرب.

وتستعيد المغامرة المغربية تلك التجربة بوصفها لحظة مفصلية، إذ فتحت لها بابا لم تكن تتخيل العبور منه، وتقول إن الإحساس الذي شعرت به عند بلوغ القمة غيّر نظرتها لذاتها، وأقنعها بأن حدود الإنسان أبعد مما يعتقد.

ورغم أنها كانت تمارس بعض الرياضات مثل الجري والكاراتيه، فإن مسارها الأكاديمي بدا بعيدا تماما عن عالم المغامرة، فقد تخرجت مهندسة دولة في الاتصالات، ثم تابعت دراسات عليا في إدارة الأعمال بكندا، قبل أن تعود للعمل في القطاع العمومي بالمغرب.

متنفس شخصي

لكن تسلق الجبال ظل حاضرا في حياة بشرى بيبانو كمتنفس شخصي تستغله في العطل لزيارة القرى النائية وتسلق القمم المغربية إلى أن بدأ الحلم يتوسع تدريجيا، متجاوزا حدود الأطلس نحو القمم العالمية.

وبعد سنوات، قررت خوض أول تجربة خارج المغرب بتسلق جبل كليمنجارو، أعلى قمة في أفريقيا، برفقة زوجها، لتكون تلك الخطوة مدخلا لاكتشاف مشروع "القمم السبع"، الذي يضم أعلى قمة في كل قارة.

وتقول بشرى إن فكرة إفرست كانت مخيفة في البداية، لكنها آمنت بمبدأ التدرج، معتبرة أن الجرأة لا تعني التهور، بل الاستعداد الطويل والصبر على التراكم البطيء للتجربة.

في هذا المسار، اصطدمت بعقبة التمويل، إذ توضح أن تسلق الجبال، خاصة القمم التي تفوق 8 آلاف متر، مشروع مكلف ماديا، يشمل رخص التسلق، واللوجيستيك، والمرشدين، والأكسجين، إضافة إلى تكاليف السفر.

وتكشف أن رخصة تسلق إفرست وحدها تصل إلى 15 ألف دولار، في حين قد تتجاوز كلفة الرحلة كاملة 50 ألف دولار، سواء نجح المتسلق في بلوغ القمة أم لا.

ورغم هذه الصعوبات، واصلت بشرى بيبانو رحلتها، متنقلة بين قمم العالم، ومتلقية دروسا قاسية في الفشل والتراجع، أبرزها تجربتها الأولى في قمة أكونكاغوا بأميركا الجنوبية، حيث اضطرت للعودة بسبب العواصف والرياح العاتية.

اللحظة الأصعب

تصف المغامرة المغربية تلك اللحظة بأنها الأصعب في مسيرتها، لكنها كانت أيضا الأكثر تأثيرا، إذ أعادت صياغة علاقتها بالفشل، معتبرة إياه تجربة تعليمية لا هزيمة نهائية، ومقدمة ضرورية للنجاح.

بعد تلك التجربة، أعادت بشرى بناء نفسها جسديا وذهنيا، فركزت على تدريبات القوة وحمل الأثقال، وعلى الإعداد النفسي، قبل أن تعود بعد عامين لتنجح في تسلق القمة نفسها.

وتؤكد أن القوة الذهنية لا تقل أهمية عن اللياقة البدنية، خصوصا في "منطقة الموت" فوق 8 آلاف متر، حيث يقل الأكسجين وتصبح الهلوسة والانهيار الجسدي احتمالا قائما في كل لحظة.

ومن أكثر اللحظات خطورة في مسيرتها، تتذكر بشرى بيبانو حادثة انزلاقها أثناء الهبوط من قمة إفرست في ممر "هيلاري"، بعد أن فقدت الرؤية جزئيا بسبب الأشعة فوق البنفسجية، لكنها نجت بفضل الحبال ورباطة الجأش.

وعندما سُئلت عن الفكرة التي خطرت ببالها في تلك اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت، قالت إن أول ما خطر لها هو أنها قد لا تتمكن من رواية قصتها للناس، وهو ما أثار جدلا حول معنى الأمومة والأنانية.

وتشرح المغامِرة أن الإنسان، في تلك اللحظات القصوى، يتجرد من أدواره الاجتماعية، ويعود إلى جوهره الإنساني، الباحث عن الأثر والبصمة، معتبرة أن الإلهام الذي تزرعه في الآخرين هو رسالتها الأعمق.

أثر حفظ القرآن

وتربط المتسلقة المغربية بين تسلق الجبال وحفظ القرآن الكريم، الذي أتمته في سن متقدمة، مؤكدة أن التقنيات نفسها من صبر وانضباط وتحديد هدف هي التي قادتها للنجاح في المجالين.

وترى أن الجبال ليست تحديا جسديا فقط، بل تجربة روحية أيضا، تقرب الإنسان من الخالق، وتفتح باب التأمل في عظمة الكون، معتبرة رحلاتها نوعا من العبادة والدعوة الصامتة.

وفي مواجهة الأحكام النمطية عن المرأة المسلمة، تؤكد بشرى أن وجودها في الجبال، بحجابها وهويتها، ساهم في كسر كثير من الصور المسبقة، سواء في الغرب أو في البيئات الجبلية العالمية.

وتختم حديثها بالتأكيد على أن الحكمة في الجبال لا تقل أهمية عن الشجاعة، وأن قرار التراجع أحيانا هو أعلى درجات النضج، لأن الوصول إلى القمة لا يجب أن يكون "بأي ثمن".

وبهذا الوعي، تحولت بشرى بيبانو من مهندسة مغربية إلى رمز عالمي، ومن متسلقة قمم إلى صانعة معنى، تثبت أن الجبال ليست حكرا على أحد، وأن الطريق إلى الأسطورة يبدأ بخطوة شجاعة نحو الذات.

Published On 13/12/202513/12/2025|آخر تحديث: 21:17 (توقيت مكة)آخر تحديث: 21:17 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • بالخسارة وبعد 23 عاما.. جون سينا يعتزل المصارعة رسميا
  • غونتر يُنهي مسيرة جون سينا في المصارعة الحرة
  • 27 طــعنة من الأب لـ زوجته ونجلته في الرقبة والبطن والظهر .. تفاصيل
  • بعد 23 عاماً.. أسطورة المصارعة الأمريكية «جون سينا» يودع الحلبات!
  • اعتزال جون سينا بعد مسيرة أسطورية في المصارعة
  • جون سينا يعلن اعتزاله المصارعة الحرة WWE بعد 23 عامًا من الإنجازات
  • في حضرة الجبال.. كيف تحولت متسلقة مغربية إلى أسطورة عالمية؟
  • أحلام تستعرض رشاقتها بفستان ذهبي لافت.. شاهد
  • من البر إلى الابتزاز متى يتحول اعتداء الأبناء على مال والدهم إلى جناية؟
  • عصام عجاج: 750 حالة طلاق باليوم.. و1500 طفل يفقدون ججرعاية الأب