بمقاييس وحسابات كلاسيكية محضة، ينبغي قراءة مبادرة الهدنة ووقف الحرب التي تقدمت بها حركة حماس، للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر 2023، واندلاع الحرب والعدوان الصهيوني على غزة.
المبادرة الذي لم يتجاوز عمرها ساعات، فجرت أسئلة ملحة، ليس أولها وضع المقاومة، وهل تمثل المبادرة مؤشرا سلبيا على قوتها وقدراتها؟ وليس آخرها الموقف الصهيوني الذي استمرأ اللهو بالمبادرات، ورفضها.
المبادرة باختصار: من ثلاث مراحل، تبدأ بانسحاب قوات الاحتلال من شارعي (الرشيد) و(صلاح الدين) لعودة النازحين ومرور المساعدات. وبدء تبادل الأسرى على أساس 50 أسيرا فلسطينيا، 30 منهم من أصحاب المؤبدات.مقابل الإفراج عن كل مجندة أسيرة حية.. وأن يكون عنوان المرحلة الثانية إعلان وقف دائم لإطلاق النار قبل أي تبادل للجنود الأسرى لديها، ومن ثم البدء في عملية الإعمار الشامل لقطاع غزة وإنهاء الحصار في المرحلة الثالثة للصفقة.
الانطباع الأول الذي يتبادر للذهن، هو أن حماس، تريد أن تعطي دليلا عمليا على أنها تتحلى بمرونة تسمح بالأخذ والرد في شأن الهدن، ومبادرات وقف الحرب، على عكس ما يدعيه الصهاينة، وتلوح به التصريحات الأمريكية الرسمية تلميحا، أو تصريحا. ويفترض أن تمنح هذه (المرونة) لحماس، بمنطق سياسي، ميزة، تزيد من أسهمها على المستويات الرسمية والشعبية على امتداد العالم، أما أن تكون المبادرة إشارة إلى درجة ما من درجات الضعف، أو التراجع، فهذا ما نفاه لنا مصدر رفيع المستوى في حماس، وتؤكده التصريحات العسكرية، والسياسية الصهيونية، ويثبته مستوى العمليات على الأرض، ويدعمه موقف حزب الله في لبنان، والذي بات واضحا للجميع أن إقدامه على فتح حرب موسعة لن يكون إلا إذا باتت حماس والمقاومة الفلسطينية في وضع صعب يتهددها.
أما على المستوى الصهيوني، فعلاوة على أن المبادرة يفترض أن تتسبب لها في حرج، حتى لو تعالت عليه.. فإن من الأهمية بمكان التأكيد على عوامل ضعف حقيقية باتت تسيطر على المشهد والأداء الصهيوني:
الأول: معاناة الصهاينة الحقيقية عسكريا، واقتصاديا، ومجتمعيا، جراء ايتمرار الحرب، وفاعلية عمليات المقاومة الفلسطينية.
الثاني: قلق الصهاينة الحقيقي، من قدرات حزب الله المخفية، والتي أظهر منها النذر اليسر، والكافي بردع الصهاينة، واعترافهم بأن الصدام مع (حزب الله)، سيكون باهظ التكلفة، وأنه سيتهدد مستقبل الكيان فعليا، وأن الحزب بات محصننا ضد التهديد بخراب لبنان، لأن الخراب سيقابله خراب لم يعرفه الكيان من قبل، ولن يتحمله.
ثالثا: الكشف عن امتلاك أنصار الله في اليمن (الحوثيين) لصواريخ فرط صوتية (أسرع من الصوت) قادرة على إصابة أي هدف سواء في الكيان الصهيوني، أو في المحيط، أو في الخليج، ما يعني تهديدا حقيقيا يتخطى الكيان الصهيوني، ويدخل القلق إلى عمق الحسابات الأمريكية الأوروبية، وكيف لا، وهذه القوة، والقدرة الصاروخية معناها أن في حوزة الحوثيين صواريخ تبلغ سرعتها حوالي 8 ماخ (نحو 10 آلاف كلم في الساعة) وقادرة على إجراء مناورات متعددة داخل الغلاف الجوي للأرض وخارجه، للتغلب على جميع أنواع أنظمة الدفاع الجوي، كما تتمتع بدقة متزايدة وسرعة عالية جداً، وقدرة ممتازة على المناورة، بالإضافة إلى القدرة على التخفي واجتياز أنظمة الرادار.. ولا يحتاج المرء هنا إلى كثير من الجهد لكي يتيقن من حزب الله يمتلك مثل هذه القدرة الصاروخية (إشارة السيد حسن نصر الله في أول خطاب له بعد طوفان الأقصى من أن (المقاومة أعدت لحاملات الطائرات الأمريكة والغربية ومنها جيرالد فورد، ما يلزم)، علما بأن هذه الحاملات لا يمكن قصفها إلى بصواريخ (فرط صوتية)، وإذا كان الحوثيون، وحزب الله، يمتلكان هذه القدرات، فمن البديهي أن يكون لدى الحشد الشعبي في العراق مثلها.
رابعا: يصعب (على الأقل حتى هذه اللحظة) التسليم بان في وسع الصهاينة تنفيذ اجتياح بري لـ (رفح)، فهي مجبرة على التعامل بحذر شديد مع مصر، التي لن تسمح بأي حال من الأحوال بتهديد أمنه االقومي، أو حشرها في زاوية لا مخرج منها إلى بقبول تهجير أهل غزة، فضلا عن أن تقدم الجيش الصهيوني بفرقتين، أو ثلاث لتنفيذ الاجتياح، يعني مخالفة الكيان باتفاقية كامب ديفيد، بما يكفي مصر للخروج من الاتفاقية خروجا سيسبقه، أو يتبعه حشد مصر لجيوشها على الحدود، دون سقوف أو موانع.. كذلك يوجد رادع أمريكي للصهاينة يجب أن يؤخذ بالحسبان، مهما كان تأييد ودعم واشنطون لتل أبيب، وتغطيتها لجرائمها، ومساندتها بالفيتوهات أمام مجلس الأمن.. فللأمريكي حساباته الخاصة التي لا يمكن عقليا، أن يسمح للصهاينة بتجاوزها.. وخلاصة ذلك، هو أن تجريد الصهاينة من ورقة (رفح) يعني فقدانهم لأهم ورقة ضغط في حوزته.
خامسا: ورقة الضغط الثانية في بقايا أوراق الضغط الصهيوني على المقاومة، وعلى أهل غزة، والمقصود هنا (حرمان أهل غزة من الطعام، الدواء، والوقود).. فبغض النظر عن الشبهات التي ينضح بها مشروع الرصيف البحري الذي ستقيمه أمريكا على شواطيء غزة، قبالة (خان يونس)، وبغض النظر عما سيلي هذا المشروع من ترتيبات تستهدفها أمريكا، والكيان الصهيوني، فإن الرصيف البحري، أو المرفأ، يحمل ضمن ما يحمل، رغبة أمريكية اضطرارية على إدخال المساعدات إلى أهل غزة، الأمر الذي يسحب من أوراق الصهاينة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: اسرائيل الاحتلال الاسرائيلي العدوان الاسرائيلي الكيان الصهيوني المقاومة الفلسطينية تهجير الفلسطينيين حركة حماس خان يونس قصف غزة قطاع غزة قوات الاحتلال مبادرة حماس مجزرة جباليا مخطط اسرائيل حزب الله أهل غزة
إقرأ أيضاً:
100 ألف جهاز معاد تدويره... ”دوّر جهازك“ لتمكين الأسر المحتاجة
أطلقت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية النسخة الثانية من مبادرة ”دوّر جهازك“، بالشراكة مع عدد من الجهات الحكومية والخاصة، بهدف تعزيز الاستدامة البيئية وتمكين الأسر المحتاجة من الاستفادة من أجهزة تقنية معاد تأهيلها، في إطار جهود وطنية لتقليل النفايات الإلكترونية وتعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري في المملكة.
وأكدت الهيئة أن هذه المبادرة، التي انطلقت بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، المركز الوطني لإدارة النفايات ”موان“، شركة أرامكو السعودية، مبادرة السعودية الخضراء، الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، جمعية ارتقاء، وعدد من شركات القطاع الخاص، تُعد نموذجًا تكامليًا يجمع بين البعد البيئي والمسؤولية الاجتماعية، من خلال تحويل الأجهزة الإلكترونية غير المستخدمة إلى فرصة رقمية لأسر لا تملك القدرة على اقتناء أدوات تقنية حديثة.مسارين رئيسيين
أخبار متعلقة "الشورى" يدعو لدراسة تحديد مسار يمر عبر الطرق ويربط مناطق المملكةجلسات استشارية لدعم 20 مشروعًا لتمكين الأسر المنتجة في الأحساءالجامعة الإسلامية تطلق مبادرة "حضانة" لدعم الأبحاث العلمية المعاصرةأوضحت الهيئة أن المبادرة تشمل مسارين رئيسيين؛ الأول يُعنى بإتلاف الأجهزة التالفة وإعادة تدوير مكوناتها، مع تخصيص العائدات لدعم المبادرات المجتمعية، في حين يركز المسار الثاني على فحص وصيانة الأجهزة الصالحة وإعادة تأهيلها لتُمنح للأسر المحتاجة، بعد التأكد من إزالة كافة البيانات بما يضمن حماية الخصوصية وعدم إمكانية استرجاع المعلومات.
وخصصت الهيئة منصة إلكترونية توعوية تُمكن الراغبين في التبرع من معرفة خطوات التسليم، ونطاق الأجهزة المشمولة، والتي تشمل الهواتف المتنقلة، الهواتف الثابتة، الأجهزة اللوحية، المودم، الطابعات، والحواسيب المكتبية والمحمولة، بما يسهم في تسهيل عملية المشاركة وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية إعادة التدوير.أدوات رقمية
يأتي إطلاق النسخة الثانية بعد نجاح المبادرة في مرحلتها الأولى عام 2022، حيث جُمعت أكثر من 100 ألف جهاز، بقيمة سوقية تجاوزت 30 مليون ريال، ما انعكس بشكل مباشر على تقليل النفايات الإلكترونية وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، فضلًا عن تمكين آلاف الأسر من أدوات رقمية دعمت تعليم أبنائهم وساهمت في تحسين جودة حياتهم.
وتسعى الهيئة من خلال هذه المبادرة إلى تحقيق أثر مستدام يجمع بين حماية البيئة وتوسيع فرص الوصول الرقمي، باعتبار أن التمكين التقني يمثل ركيزة أساسية في رؤية المملكة 2030، التي تضع الإنسان في قلب التنمية وتسعى لبناء مجتمع رقمي متكامل.
وأكدت الهيئة التزامها بمواصلة تطوير المبادرة وتوسيع نطاقها، بما يعزز من دور المواطن كشريك فاعل في التحول الرقمي والجهود البيئية، مشيرة إلى أن كل جهاز يُعاد تدويره لا يُنقذ البيئة فقط، بل قد يصنع فرقًا في حياة أسرة بأكملها.