عبد الله علي إبراهيم

كانت ليلة أول أمس هي ليلة سهرت فيها مع الشاعر أحمد عبد القادر كرف (1915-1989) المعلم المريخابي القامة. فكنت أريد أن أحشي لقصيدة تاج السر الحسن "أسيا وأفريقيا" في الموضع الذي ذكر فيه معركة ديان بيان فو التي كسر فيها الوطنيون الفيتناميين بقيادة هوشي منه جيش المستعمرين الفرنسيين عام 1954.

وأردت تحشية هذا الذكر بإيراد خبر قصيدة لكرف عن هوشي منه سمعتها من محمد المهدي المجذوب وابن عمي عبد الله الشيخ البشير. ولم أعد أذكر منها غير أن قافيتها هي "منه" من "هوشي منه". وأوسعت النت طولاً وعرضاً بحثاً بلا نتيجة. ثم وجدت في المادة الشحيحة عن الشاعر متعة عزتني عن خيبتي الأساسية. وأول ما لفت نظري قول في سيرته إنه من قرية "الكرفاب" بلد خؤولتي الإزيرقاب. ولم أسمع له ذكراً وسطهم ولا من صفيه عبد الله الشيخ البشير الذي هو من تلك الناحية.
وعرفت عن "شعراء الكتيبة" التي انتسب لها علماً فوق ما استفدته من الشاعر المجذوب وكان أول من كلمني عنهم. وهي جماعة شعراء أكثرها من تتلمذ على الشيخ الطيب السراج. وكانت تجتمع في مكتبة حسن بدري بأم رمان. ووصف أحدهم أشعارهم بالإخوانيات من وهجاء ومراسلات على طريقة "العباسيين المتأخرين ويسود لغتهم الحوشي (الغريب)، والسخرية، وذم الزمان". وزاد بأن جوهر شعرهم "الاكتئاب من روح العصر السياسي ومحاولة الهروب للخلوة والبرية". واذكر هذه الصفة من أحاديثي مع المجذوب. فقال إن "شعراء الكتيبة"، وهكذا عرفوا، كانوا قد عادوا من حقل السياسة بخيبة فجنحوا إلى نهش بعضه البعض في الهجاء المليح.
مما جد علي من علم عن كرف أنه هو من كتب الأبيات المنقوشة على قبر عميد الفن الحاج سرور بأسمرا بأريتريا. وهذا ما جاء في قولهم عن معاوية حسن يسن في الجزء الأول من كتبه عن فن الغناء والموسيقي:
أصبحت أول ما صدحت مغردا
باسم الديار وكنت أبرع من شدا
ولك الروائع من أغانيك التي
مازال يسرى في النفوس لها صدى
يا باعث الفن الأصيل تحية
من شاطئ النيلين يغمرها الندى
تغشى ثراك وتستهل غمامة
تهمي وتسقى بالدموع المرقدا
وذكر الشاعر صديق مدثر تلمذته على يد كرف في لقاء له بالسودانيين في الرياض. وقال إنه كان يرعى ملكة الشعر فيمن توسم فيهم الملكة. واستغربت أن صديق لم يذكر رواية مشهورة عن كرف وأغنيته الذائعة "يا ضنين الوعد". فالمروي عنها عن الكابلي أن كرف لقي الكابلي وأنبه قائلاً إنك يا كابلي وصديق تحدثان امراً في اللغة. فقال له ما تأخذه علينا. قال: تقولون يا "ضنين الوعد" وصحتها "يا ضنيناً بالوعد". وخرجها على حد الفعل المتعدي وغير المتعدي. ولم يدخل التخريج رأسي.
أما ما علق مني عن كرف منذ سمعت قصيدته عن هوشي منه أنه وعر القوافي. وربما هذا لأنه لزّام ما لا يلزم فيها في دلالة تبحره في علم العربية. فرثاه عبد الله الطيب قائلاً:
سقت قبرك الغيمة المرجحنة
يا كرف الخير والموت سنة
واستعاد عبد الله الطيب هنا قولاً قديماً لكرف عنه التزم فيه بحرفي روي وهما النون والهاء:
عطفت فلم ألو عنك الأعنه
وكم ليَ من حَنّة بعد حنه
تولت سنين الصبا الوارفات
ولم تبق إلا العجاف المسنة
فليتني في النصف (هل هي المنصفون؟) الرباب (أصحاب أو الجماعة من عشرة؟)
أغير وحولي الطبول المرنّه
فذرني والمقرفين الغواة
أولي الضغن والعتكات المصنّه
عسى الله يحسر من كيدهم
ويرمي أنوف العبدّى الأقنه
فهم مذ أصابوا الحياة
خساس النفوس ومذ هم أجنه
كان رحمه الله حجة في اللغة غريداً بها. أشجاني القدر القليل عنه في النت ليلاً بطوله.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عبد الله

إقرأ أيضاً:

جوزاف عون لـ الإمام الطيب: الأزهر منارة علمية فتحت أبوابها لكل اللبنانيين.. صور

استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم بمشيخة الأزهر، الرئيس جوزاف عون، رئيس جمهورية لبنان، لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك، والتباحث حول التحديات التي تواجه المنطقة.

جوزاف عون يدعو شيخ الأزهر لزيارة لبنان وإعادة افتتاح المعهد الأزهري في بيروتابنة عبد الرحمن أبو زهرة: مكالمة الرئيس السيسي لوالدى رفعت معنوياته.. خاص

ورحّب فضيلة الإمام الأكبر بالرئيس اللبناني والوفد المرافق له، مؤكدًا أن لبنان يسكن في قلب كل عربي وكل مسلم، ونتابع أخباره بشكل مستمر، ونُقدّر الظروف الصعبة التي جئتم فيها، وندعو الله أن يوفقكم ويعينكم على لمّ الشمل اللبناني، وتحرير الأراضي اللبنانية، والحفاظ على وحدتها»، مشيرًا إلى تميّز لبنان بتنوّعه واحتوائه لمختلف الطوائف، والتحامها.

وأعرب الرئيس اللبناني عن سعادته بهذه الزيارة الأولى له إلى الأزهر الشريف، وتقديره لمواقف فضيلة الإمام الأكبر، مصرحًا: «نتابع رؤيتكم ومواقفكم في خدمة الإنسانية ومكافحة التطرف، والعالم اليوم في أمسِّ الحاجة إلى الحكماء من أمثالكم، ونشكركم على موقفكم النبيل في تيسير أمور الطلاب اللبنانيين في ظلّ الظروف الصعبة التي مرّوا بها، واستقبالهم لاستكمال دراستهم في جامعة الأزهر. وهذا ليس بجديد على الأزهر، المنارة العلمية التي فتحت أبوابها لكل اللبنانيين».

ووجَّه الرئيس اللبناني دعوةً رسمية لفضيلة الإمام الأكبر لزيارة لبنان، وإعادة افتتاح المعهد الأزهري الذي توقّف عن العمل نظرًا للظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان، وقد رحّب شيخ الأزهر بالدعوة الكريمة، مؤكدًا تلبيتها في أقرب فرصة ممكنة، واستعداد الأزهر لإعادة تشغيل المعهد الأزهري في بيروت، وتزويده بمبعوثين أزهريين على أعلى مستوى من العلم والثقافة، بالإضافة إلى ما يحتاجه من كتب ومناهج أزهرية أصيلة.

وتطرّق الحديث خلال اللقاء إلى أهمية «وثيقة الأخوّة الإنسانية» التاريخية، التي وقّعها شيخ الأزهر والبابا فرنسيس، والخطوات العملية التي اتخذها شيخ الأزهر لقيادة المؤسسة الأزهرية في الانفتاح على المؤسسات الدينية والثقافية حول العالم، وسلسلة الوثائق المهمة التي أصدرها الأزهر، والتي لعبت دورًا كبيرًا في إقرار «المواطنة الكاملة»، ورفض مصطلح «الأقليات».

طباعة شارك مشيخة الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر جوزاف عون لبنان

مقالات مشابهة

  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب.. الوجدان الراقي
  • فتاوى تشغل الأذهان.. حكم صلاة العصر قبل المغرب بقليل.. دار الإفتاء تكشف حكم الحج عن المريض غير القادر على السفر
  • هل يجوز الحج عن المريض غير القادر على السفر؟.. الإفتاء تجيب
  • جوزاف عون لـ الإمام الطيب: الأزهر منارة علمية فتحت أبوابها لكل اللبنانيين.. صور
  • الاحتفاء بإرث سيد حجاب الأدبي ضمن برنامج رموز القرية بالدقهلية
  • رباب ممتاز: سنين زواجي من وليد التابعي راحت هدر وكان نفسي أخلف .. فيديو
  • تعيين د.كامل الطيب إدريس عبدالحفيظ رئيسا لمجلس الوزراء
  • فشل ميلان يعيده للسنوات العجاف
  • بيت ثقافة طوخ بالقليوبية ينظم أمسية شعرية بعنوان «عندما يغني البسطاء»
  • السنوات العجاف تلقي بنادي الأفريقي التونسي في مهب الأزمات