شيخ الأزهر: نصيب العبد من اسم الله «الغفار» أن يجعل العفو منهج حياة
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الله يغفر الذنوب جميعا ما عدا ذنب واحد وهو الشرك مصداقا لقوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، وقوله تعالى أيضا: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا"، والمراد أسرفوا من كثرة الذنوب، وبما يفيد أن الله سيغفر الذنوب جميعا إلا الشرك، فلا ذنب يعلو على مغفرة الله تعالى.
وأضاف أن من باب الكرم الإلهي أن الله تعالى قد يعفو عن وعيده، مثل الإنذار بالعذاب والعقاب ودخول النار وغيرها، إلا أنه لا يخلف وعده، مثل المذكور في الآية الكريمة "إن الله يغفر الذنوب جميعا"، فهذا وعد والله لا يخلف وعده.
وأوضح فضيلته، في الحلقة الثالثة عشر من برنامج "الإمام الطيب"، ردا على سؤال “ما حكم مرتكب الكبيرة؟”، أن كل الذنوب تغفر ما عدا الشرك في مذهب أهل السنة، أما المعتزلة فيقولون إن مرتكب الكبيرة، التي منها على سبيل المثال القتل والزنا وشرب الخمر وعقوق الوالدين وغيرها، مسلم عاص أو "فاسق" كما أطلقوا عليه، وهو بالنسبة لهم في منزلة بين منزلتين، أما الخوارج فقد كفروا مرتكب الكبيرة إن لم يتب، إلا أن رأي أهل السنة القائل أن أمره بيد الله هو الأعم والأكثر انتشارا وشيوعا.
ولفت إلى أن مرتكب الكبيرة لو مات دون أن يتوب فهو مؤمن وأمره إلى الله تعالى، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه، على خلاف مذهب المعتزلة القائل بأنه في منزلة بين منزلتين وعلى عكس مذهب الخوارج الذي الذي يقول بكفره.
وبين فضيلته أن المعضلة الكبرى هنا تكمن في أن مذهب الخوارج هو الذي يظهر من حين لآخر، لتستخدمه بعض الجماعات المتطرفة في تكفير المسملين العصاة، ومن يرتكبون الكبائر، ثم يحلون دمه، وجميع الحركات المتطرفة والإرهابية التي ظهرت مؤخرا ينطلقون من مبدأ الخوارج هذا، فنجدهم يكفرون المسلمين، بل يكفرون الحكام بحجة أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، وبما يمثل معصية تجعلهم كفارا، وهذا غير صحيح.
وحول نصيب العبد من اسم الله "الغفار"، وكيف ينعكس في حياته اليومية وسلوكياته، أوضح فضيلة الإمام أن نصيب العبد من اسم الله الغفار يكون في غفرانه لأخيه، وعفوه عنه، وصفحه، وأن يعتاد الصفح، ولكي يعتاد على هذا فهو بحاجة إلى التأسي بمواقف نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم، ومنه قوله تعالى "فليعفوا وليصفحوا ألا يحبون أن يغفر الله لهم"، فنحن أيضا مطالبون بأن نغفر لمن أخطأ في حقنا وأن نتعلم الصفح والعفو.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: برنامج الإمام الطيب شيخ الأزهر إن الله
إقرأ أيضاً:
مشروعية الفرح في العيد.. ولتكبّروا الله
قبيل شروق الشمس، وبعد أن بدأت خيوط الضوء تنسج بداية نهار جديد مليء بالفرح، تتحرك خطى المسلمين نحو مصليات العيد، وهم يلبسون أجمل ما عندهم، لا طلبًا للزينة فقط، بل كذلك استجابة لنداء فرحٍ شرّفه الله، ووجوههم تلتمع ببقايا الوضوء، وقلوبهم تمتلئ بالرضا والسكينة والخير، وهم يقبلون على ربهم لتأدية شكره والثناء عليه والتكبير باسمه في صلاة العيد. وفي الوقت الذي تملأ فيه ساحات القرى والمدن بالتكبير، يكون الحجيج في مكة يرجمون الجمرات، ويذبحون الهدي، ويحلقون رؤوسهم، ويتحللون من الإحرام، ويتمّون نسكهم العظيم.
فعيد الأضحى موسم لإظهار السرور، فهو يوم نحر وأكل وشرب وذكر لله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب". فالمسلم يلبس أفضل ما عنده من الثياب، ويتطيب، وينشر البهجة والسرور على كل من يلتقي به.
كما أن التكبير في عيد الأضحى من أعظم الشعائر التي شرعها الإسلام في هذا الموسم المبارك، لما فيه من تعظيم لله تعالى، وتذكير بفضله، وإحياء لروح التوحيد في النفوس، وقد ارتبط التكبير بعيد الأضحى ارتباطًا وثيقًا، حتى صار سمة من سماته، ومظهرًا من مظاهر الفرح المشروع فيه. وأصل مشروعية التكبير في هذا العيد ورد في الكتاب العزيز وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". ويسن التكبير في كل وقت في أيام عيد الأضحى المبارك، ويكون كذلك عقب الصلوات المفروضة، ويبدأ من صلاة فجر يوم العيد، ويستمر إلى عصر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو آخر يوم من أيام التشريق.
ولم ترد صيغة واحدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل وردت عن الصحابة عدة صيغ، منها: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"، ومنها: "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا"، فكلها صحيحة، ومن المشروع ترديدها.
وقد جاء الحث على هذه الشعيرة المباركة في يوم العيد لما فيها من الفضل العظيم والثواب الجزيل، فهو إحياء لشعيرة من شعائر الله، وقد قال تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب". فهي تعظيم لله تعالى وتوحيده، ورفع ذكره، وهو ما يتناسب مع جو العيد، الذي يذكر المسلم بحقيقة العبودية، وتأليف القلوب حين يجتمع الناس على الذكر، ويسمع التكبير من كل مكان، فتنشرح النفوس ويعمها الإيمان والطمأنينة. كما أنه اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، الذين كانوا يرفعون أصواتهم به في الأسواق والطرقات.
ومن الطقوس الدينية في هذا العيد المبارك ذبح الأضاحي التي تجسد الكثير من المعاني الإيمانية، بالإضافة إلى انسجامها مع أجواء الفرح والأكل والشرب، ففيها استحضار لقصة خليل الله إبراهيم عليه السلام، حين ابتُلي برؤيا ذبح ابنه إسماعيل، فاستجاب لأمر ربه دون تردد، وجاء الفداء من الله بكبش عظيم، ليكون هذا الحدث العظيم أصلًا لشعيرة الأضحية التي يحييها المسلمون كل عام تقربًا إلى الله تعالى.
وفيها مظهر من مظاهر التكافل في المجتمع المسلم، فحين يخرج المسلم من ماله ما يشتري به الأضحية، ثم يهدي جزءًا منها للفقراء، يكون قد حقق توازنًا بين العبادة الفردية والمسؤولية المجتمعية. كما أن العمانيين وغيرهم من المسلمين قد جسدوا مظهرًا من مظاهر التكاتف والتكافل في المجتمع الإسلامي، فأرسلوا أضاحيهم إلى غزة الجريحة وإلى المحتاجين من شعب فلسطين، وذلك أقل ما يمكن أن يقدموا لإخوانهم المستضعفين.
وإذا تأملنا في فكرة الأضحية، ندرك أن الله يربينا عبر هذه الشعيرة على التنازل عن شيء نحبه مثل المال، في سبيل أمر نحبه أكثر وهو الله والامتثال لأمره. والأضحية رغم كونها لحظية في فعلها، إلا أنها تمتد في أثرها إلى عمق الروح، فحين يذبح المسلم أضحيته، يذبح معها شيئًا من أنانيته، وحرصه، وتعلقَه الزائد بالدنيا، فهي تربية على الفداء والبذل، وتزكية للنفس، وتدريب على الإخلاص في النية.
فحين أمر الله إبراهيم عليه السلام بذبح فلذة كبده، لم يكن المقصود من الاختبار هو الدم أو الموت، بل كان المقصود هو الصدق الكامل في العبودية، والخضوع التام لإرادة الله. ولهذا، لما تهيأ إبراهيم للذبح، وفداه الله بذبح عظيم، خلدت القصة في القرآن الكريم كنموذج خالد للتسليم المطلق، حينما قال الله عز وجل:
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) الصافات.
وقد قربه الله منه وجعله خليلًا له لنجاحه في هذا الاختبار والبلاء العظيم.
وقد بيّن الله في كتابه العزيز الهدف من سن هذه الشعيرة العظيمة، فأخبرنا أنه سبحانه لا يحتاج إلى دم الأنعام ولا إلى لحمها، كما قال في محكم كتابه:"لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37).
فقد بيّن الله تعالى أن الهدف من هذه الشعيرة هو التقوى، وتعريف التقوى باختصار هو امتثال أمر الله واجتناب نواهيه، فهو حالة دائمة من الوعي بالله. فإذا لم تثمر الأضحية تقوى، وحياءً من الله، وعزمًا على الطاعة، فإنها تبقى مجرد ممارسة شكلية، وهذا ما يجب أن يراجع فيه كل مسلم نفسه، وهو يقبل على هذه الشعيرة.
كما أن العيد فرصة لصلة الرحم وزيارة الأقارب، ونزع البغضاء والشحناء من النفوس، وإعطاء الهدايا للأطفال، وإدخال السرور والبهجة إلى نفوسهم، وهذا ما يشكل الذاكرة الطفولية لديهم وستبقى محفورة في أذهانهم، فالطفل لا يتذكر تفاصيل خطب العيد، ولا يعي أسرار النسك، لكنه يتذكر جيدًا من أعطاه هدية، ومن ناداه باسمه، ومن ابتسم له وهو يلبس الجديد، ومن وضع في جيبه قطعة حلوى أو أعطاه ريالًا؛ فالطفل الذي يرى والده يوزع اللحم على الفقراء، ويزور الجيران، ويهدي الأرحام، يكبر على أن الإسلام دين رحمة وتكافل، لا دين جمود وعادة.
وقد حرص الإسلام منذ بدايته على جعل الفرح عبادة حين يكون سببًا في إدخال السرور على الآخرين، لا سيما الأطفال، ففي الحديث النبوي الشريف: "من لا يرحم لا يُرحم"، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم". فلنجعل من العيد مظهر فرح وتجديدًا للأمل ونشر الحب والرحمة.