الإسكوا: الحرب في غزة والصراع في السودان يلقيان بثقلهما على الاقتصادات العربية
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
نبهت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) إلى أن استمرار الحرب في أوكرانيا والحرب على غزة والصراع المحتدم في السودان لا يزال يخلق حالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي واقتصادات المنطقة العربية، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو.
الخرطوم ـ التغيير
ورد ذلك في أحدث نسخة من تقرير “مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية”، الذي تصدره (الإسكوا) سنويا.
ومع استقرار أسعار النفط والغاز عند مستويات معتدلة عام 2023، كان من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية ليصل إلى 3.6% العام الحالي و4.2% العام المقبل، غير أن التوقعات الحالية تشير إلى انخفاض الناتج ليكون 3.3% عام 2024، وفقا للتقرير.
وبحسب التقرير، قفزت معدلات الفقر في البلدان العربية منخفضة الدخل وتلك المتضررة من الصراعات من 56% و45% في عام 2019 إلى حوالي 63% و50% العام الماضي. وتهدد الحرب على غزة بإغراق جميع سكان القطاع – أي حوالي 2.3 مليون فلسطيني – في فقر متعدد الأبعاد، سيطال دولة فلسطين بكاملها بالإضافة إلى لبنان.
في هذا السياق، أكد المشرف على فريق إعداد التقرير أحمد مومي أن الوضع في البلدان العربية المتأثرة بالنزاعات لا يزال غير واضح، تطغى عليه تداعيات الحرب على غزة والمخاوف الأمنية والانقسامات السياسية.
وحذر مومي من أن الحرب على غزة تُغرق القطاع في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، عمّت دولة فلسطين بأسرها، حيث يُتوقَع أن يدفع العدد الهائل من القتلى والجرحى والدمار الساحق البلد من 10 إلى 15 عاما إلى الوراء.
أما في البلدان مرتفعة الدخل، فمن المتوقّع أن ينخفض الفقر من 11.4% عام 2019 إلى 10.3% عام 2023 و9.7% العام المقبل. وتتماشى اتجاهات الفقر المتباينة هذه في المنطقة مع تفاقم عدم المساواة، إذ تشير المتوسطات إلى وضع سيء لأكثر من ثلث سكان المنطقة.
التضخم يشكل تحديا
وسلّط تقرير الإسكوا الضوء على معدل التضخم في المنطقة العربية الذي بلغ 12.3% عام 2023، مرجِّحًا أن يكون سببه التأثير السلبي على أسعار المواد الغذائية الأساسية التي تستوردها البلدان العربية، نتيجة توقف مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب من موانئ أوكرانيا.
وعلى الرغم من التوقع بتراجع معدل التضخم إلى حوالي 7.5% عام 2024 و6% عام 2025، يرى المسح أن التضخم لا يزال يمثل تحديا للمنطقة العربية، وأنّ احتواء آثاره السلبية يجب أن يكون من أولويات السياسات النقدية والضريبية في معظم الدول التي تعاني منه.
آفاق قاتمة
وذكر التقرير الأممي أن الصراع المتفاقم في السودان يجعل الآفاق الاقتصادية في المنطقة العربية غير واضحة وقاتمة إلى حد كبير، ويرجّح المسح أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي ليصل إلى سالب 3.8% في المتوسط في الفترة 2023-2025 بسبب ضيق الحيّز المالي في البلدان الأقلّ نموًا والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. ومع ذلك، فمن المتوقّع أن يتحسّن العجز المالي لينخفض من 3.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023 إلى 2.6% في عام 2024 و2.3% في عام 2025.
معدلات البطالة
أما على الصعيد الاجتماعي، فإلى جانب ارتفاع معدلات الفقر، لا تزال المنطقة العربية تسجل أكبر فجوة بين الجنسين بين جميع مناطق العالم، حيث يقدّر التقرير أن الوقت اللازم لسدّ هذه الفجوة يفوق 150 عاما. هذا ويُقدّر معدّل البطالة في المنطقة بحوالي 11.6% في عام 2023، على أن ينخفض بشكل طفيف إلى 11.5% بحلول عام 2024. كذلك، يبلغ المعدل العام لبطالة الشباب حاليا 26.4%، بنسبة 22.2% للشبان و42% للشابات تقريبا، وفقا للتقرير.
الوسومالأمم المتحدة الإسكوا الاقتصاد السودان غزةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الإسكوا الاقتصاد السودان غزة
إقرأ أيضاً:
هكذا سرقت الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
أوقفت الحرب الدائرة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023، ضمن ما أوقفت من أوجه الحياة، النشاط الفني والثقافي عامة والغناء الجماعي خاصة. وهكذا فجأة، سرقت طبل الغناء الجماعي، فهجرت عصافيره شجرة الموسيقى السودانية، وتفرقت في المنافي ومدن النزوح، وساد المدينة صمت القبور.
ولكن كيف بدأت الحكاية؟ وكيف ساد هذا اللون من الغناء في السودان؟ قبيل دخول تسعينيات الألفية المنصرمة، نشأ تيار يؤسس لإعادة إحياء "الغناء الجماعي" في جسد الأغنية السودانية الحديثة، وقاد هذا التيار الموسيقي عثمان النو مؤسس فرقة "عقد الجلاد" الغنائية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رحيل أيقونة "سلاي آند ذا فاميلي ستون".. صوت غيّر وجه الموسيقى الأميركيةlist 2 of 2شيرين عبد الوهاب وماجدة الرومي تختتمان مهرجان "موازين" 2025end of listلم تطرح الفكرة آنذاك بديلا للغناء المنفرد قدر ما كانت بعثا جديدا لغناء المجموعات الثقافية الأفريقية الجماعي القديم الذي ساد السودان قبل الهجرات العربية وحتى ما بعدها، وكانت تؤديه تلك القبائل ويغلب عليه طابع الأداء الجماعي.
للغناء الجماعي خصوصية تختلف عن بقية أنماط الفنون الموسيقية، فالعدد المشارك في الأغنية الجماعية أكبر من المعتاد في غناء المُغني المفرد، وتمارين وتدريبات المجموعة الغنائية ذات البناء الموسيقي والتنويعات اللحنية والمقامية المختلفة تستغرق زمنا عزيزا.
لكن بعد نشوب الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني استحالت إمكانية قيام التمارين والعروض الغنائية على المسارح تماما مثلما استحالت الحياة، فحمل الموسيقيون آلاتهم وحناجرهم، وغادروا البلاد لمنافٍ يكتبون فيها أغنيات جديدة تنبذ الحرب.
وقد كشف تقرير للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام ومركز أبحاث الموسيقى السوداني في أواخر 2024 عن مقتل أكثر من 55 من المشتغلين بالغناء والموسيقى خلال عام منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023. وتتراوح أسباب الوفاة بين القتل جراء القصف والاحتجاز والتعذيب والوفاة الطبيعية نتيجة لانعدام الرعاية الصحية.
تتميز الموسيقى الشعبية السودانية بتنوعها وغناها بسبب تعدد القبائل والمجموعات الثقافية، وتقوم موسيقى أهل السودان على السلم الخماسي الذي تتشاركه مع دول جارة كإثيوبيا وأريتريا والصومال وموريتانيا أو ما يعرف بحزام السودان.
إعلانيقول علي إبراهيم الضو، اختصاصي علم موسيقى الشعوب والأستاذ المشارك بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، للجزيرة نت إن "الموسيقى السودانية تتوفر فيها عناصر جمعية كثيرة نسبة لسيطرة النظام النغمي الخماسي الخالي من نصف الدرجة الصوتية على غالبية الثقافات السودانية المتنوعة، فجميعها تربط الأداء الموسيقي الصوتي والآلي بحركة الجسد (الرقص) فيما يخص الغناء في المنطقة الثقافية السودانية. فالأصل في الغناء هو تسهيل حركة الرقص كشكل من أشكال التواصل".
وحول تجربة المجموعات الغنائية الحديثة والمحترفة، يستطرد الضو "تركز المجموعات الغنائية السودانية على القيمة الفنية للأداء كوظيفة مباشرة لتنشيط الفعل الجمعي للمتلقي وتستخدم النصوص الطويلة والحكي المكرر بسبب عنصر الثقافة العربية".
ويضيف: تجربة فرقة "عقد الجلاد" هي الأفضل بالطبع لأن بها خططا وأفكارا واضحة، وذلك بسبب وجود موسيقي محترف مثل عثمان النو كمؤلف موسيقي عقله متفتح جعل من تجربة "عقد الجلاد" قفزة نوعية في الغناء الجماعي الحديث، وأما بقية الفرق فقد كانت ظلالا لـ"عقد الجلاد".
عَراب فرقة "عقد الجلاد"عثمان النو، مؤسس فرقة "عقد الجلاد" ورائد فرق الغناء الجماعي الحديثة، تحدث للجزيرة نت حول فكرة عقد الجلاد، قائلا "بدأ حلمي بتكوين فرقة غنائية منذ طفولتي في مدينة ود مدني وسط السودان، فمهنة والدي كمعلم ومدير بالمدارس الوسطى أتاحت لي فرصة التنقل بين مدن السودان المختلفة ومشاهدة ذلك الخليط الثقافي الذي كان له الأثر الكبير لاحقا في اهتمامي بفكرة الغناء الجماعي، في مدينة أبوجبيهة بجنوب كردفان مثلا شاهدت طقوس قبائل النوبة ومصارعتهم ورقصهم، وكيف يحملون مصارعيهم على أكتافهم، شاهدت إكسسواراتهم، وسمعت أغنياتهم التي عادة ما تكون جماعية، كنت أشاهد كل ذلك وأنا طفل جالس على أكتاف أبي".
ويضيف عثمان النو "كانت فلسفتي تكوين مجموعة غنائية تعتمد على الصوت البشري في تقديم المعاملات الهارمونية مع ضرورة وجود صوت منفرد يدخل في بعض المناطق داخل اللحن ليخلق تلوينا، والموسيقى في الأساس تعتمد على التلوين مع ملاحظة أن دور الآلة الموسيقية ثانويا وغير مسيطر".
إعلانغنت "عقد الجلاد" للعديد من الشعراء من داخل السودان وخارجه، ولحنت وغنت رائعة الشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور:
الناس في بلدي يصنعون الحب
كلامهم أنغام ولغوهم بسام
وحين يتقابلون ينطقون بالسلام.. عليكم السلام
فرقة "أور- باب" الغنائيةقبل انفصال جنوب السودان وفي خضم نزوح آلاف الجنوبيين إلى الشمال، تأسست في العام 1987 بالخرطوم فرقة "أور- باب" الغنائية، و"أور- باب" تعني بلغة قبيلة الأنجواك الجنوب سودانية "ابن الطبيعة". تغني الفرقة بما يعرف بعربي جوبا (لغة عربية بعامية سودانية ولسان جنوب سوداني). تحولت الفرقة إلى "أكاديمية أورو- باب للفنون" بجوبا بعد انفصال جنوب السودان عام 2011.
يقول مؤسس ومدير "أور- باب الثقافية" أستيفن أفير أوشيلا -النازح القادم من مناطق الحرب- للجزيرة نت إن فلسفة فرقة "أور- باب" الغنائية هي أولا فتح منبر للشباب النازحين من مختلف القبائل الجنوب سودانية في الخرطوم للتعبير عن أنفسهم موسيقيا وخاصة الأطفال، الأغاني التي تغنت بها الفرقة والتي تحدثت عن الحرب كانت في مجملها تنبذها وتدعو للسلام، مثلا أغنية ماتاكوري (رجاء لا تصيحي ولا تبكي) تتحدث عن طفلة تنتحب بسبب فقدها أباها وأمها في الحرب التي دارت بين الحركة الشعبية الجنوب سودانية والحكومة السودانية في الخرطوم، والتي استمرت من عام 1983 حتى 2005 عندما عقد اتفاق السلام بين الجانبين.
لا تبكي يا فتاة لا تبكي هذه الدنيا سيئة لا تبكي
هذه هي الدنيا الآن لا تبكي
إن تذكرت أيامك الخوالي ستؤلمين قلبك
يقول المثل الأفريقي الشائع "سرقة طَبْل القرية أمرٌ سهل لكنّ العثور على مكان للقرع عليه هو المشكلة"، فالحرب ليست مجرد حدث تاريخي عابر أو مستمر، الحرب تجربة بشرية مريرة. يغني المغنون عادة للسلام لأنهم عرفوه وعاشوا في كنفه، لكن لا أحد يغني للحرب قبل أن يعرفها، فالحرب ذاكرة البدائيين كما أنشد محمود درويش في "بيروت":
الحرب تهدم مسرحيتنا
لنلعب دون نص أو كتاب
والحرب ذاكرة البدائيين والمتحضرين