تزايد المخاطر على اقتصاد العالم
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
- ترجمة: قاسم مكي
نحن نعيش في المراحل المبكرة من ثورة تحاول إحلال الجمهورية الأمريكية بدكتاتورية مستبدة. وليس واضحا حتى الآن ما إذا كان دونالد ترامب سينجح في ذلك. لكن ما يريد أن يفعله واضحا ولا يحتاج إلى شرح كما يبدو. فالطريقة التي يحكم بها والتي لا تتقيد بالقانون، ولا تمكِّن الآخرين من التنبؤ بما يفعله، والمعادية للفكر وذات النزعة القومية سيكون لها أعظم الأثر على الولايات المتحدة نفسها.
الوقت مبكر جدا لمعرفة كل العواقب التي ستترتب عن ذلك. لكنه ليس مبكرا جدا للتوصل إلى تكهنات مستنيرة -ترتكز على معلومات- حول بعض الجوانب خصوصا انعدام القدرة على التنبؤ بالسياسات والقرارات؛ بسبب رسوم ترامب الجمركية، وما ينشأ عن ذلك من فقدان للثقة.
هذا الافتقار للثقة كان موضوع مدونة صوتية أدرتُ فيها حوارا مع بول كروجمان مؤخرا. فبدون سياسات يمكن التنبؤ بها لا يمكن لاقتصاد السوق أن يعمل بشكل جيد. وإذا جاء عدم اليقين من القوة المهيمنة لن يعمل اقتصاد العالم ككل على نحو جيد أيضا.
في أحدث تقرير له عن آفاق الاقتصاد العالمي حلل البنك الدولي هذا بالضبط. استنتاجاته حتما غير نهائية، لكن يلزم أن تكون وجهته صحيحة. ينطلق التقرير من الافتراض بأن الرسوم الجمركية السارية في أواخر مايو ستظل كذلك خلال الأفق الزمني لتوقعاته. قد يكون ذلك إفراطا في التفاؤل أو في التشاؤم. لا أحد يعلم؛ ربما حتى ترامب. جاء في التقرير: « في هذا السياق من المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي بشكل ملحوظ إلى معدل يبلغ 2.3% في عام 2025 (أقل بنحو 0.4% من توقعات يناير 2025.) وهذه أبطأ وتيرة له منذ عام 2008 بخلاف سنتين شهدتا انكماشا عالميا واضحا في 2009 و2020. وخلال الفترة 2026- 2027 من المتوقع أن تدفع زيادة في الطلب المحلي نموَّ اقتصاد العالم إلى 2.5%. وهذا معدل ليس كبيرا وأدنى كثيرا من متوسط نمو بلغ 3.1% خلال فترة العقد الذي سبق جائحة كوفيد-19.»
كل هذا سيئ بما يكفي. لكن الاحتمالات السلبية هي الطاغية في الغالب. وهكذا من الممكن أن تقود حالة البلبلة وعدم اليقين التي أوجدتها حرب ترامب التجارية إلى تدهور في التجارة والاستثمار يفوق كثيرا ما هو متوقع. ويقينا سيكون من الصعب الثقة في أية اتفاقيات مفترضة تُعلن الآن. مرة أخرى سيزيد تباطؤ النمو الهشاشةَ الاجتماعية والسياسية والمالية ما سيفاقم الشعور بالمخاطر في الأسواق. وهذا قد يوجد «دوامة تدهور» يزيد فيها ارتفاعُ تكاليف التمويل المخاطر، ويخفِّض النمو. وقد يعجز المقترضون الضعاف سواء في القطاعين الحكومي والخاص عن سداد الديون. حينها ستكون الصدمات التي تنشأ عن كوارث طبيعية أو صراع أكثر ضررا من الناحية الاقتصادية.
يمكن تخيل الجوانب الإيجابية. قد يتم التوصل إلى اتفاقيات تجارية جديدة يتجرأ البعض في الثقة بها. وقد يقود «الوهم الجميل» بقدرات الذكاء الاصطناعي إلى ارتفاع في الإنتاجية العالمية والاستثمار. أيضا قد يهدأ كل شيء. لكن المشكلة أن صدمة ترامب الحالية تأتي بعد ما يقارب عقدين من الصدمات بما في ذلك الأزمة المالية العالمية، والأزمة المالية بمنطقة اليورو، والجائحة، وتضخم ما بعد الجائحة، والحرب الأوكرانية الروسية. ويلزم أن تكون النزعة الفطرية للاستثمار قد ضعفت.
والمؤسف كما كتب اندرميت جيل كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي في مقدمة تقرير البنك «أفقر البلدان هي التي ستكون أكثر تضررا». بحلول عام 2027 سيكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بلدان الدخل المرتفع عند نفس المستوى الذي كان متوقعا تقريبا قبل جائحة كوفيد-19. لكن البلدان النامية ستكون أسوأ حالا؛ حيث تقل مستويات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6%». وباستثناء الصين؛ قد تحتاج هذه البلدان إلى عقدين لاستعادة خسائرها في فترة العشرية الثالثة.
هذا ليس فقط نتيجة للصدمات الأخيرة. هكذا؛ بحسب التقرير «ظل النمو في البلدان النامية يتراجع لثلاثة عقود على التوالي من متوسط 5.9% في العشرية الأولى من هذا القرن إلى 5.1% في العشرية الثانية ثم إلى 3.7% في هذه العشرية الثالثة».
هذا التراجع يقتفي أثر التدهور في نمو التجارة العالمية من متوسط 5.1% في العشرية الأولى إلى 4.6% في العشرية الثانية وإلى 2.6% في العشرية الثالثة.
في الأثناء يتراكم الدين. وفي الأجل الطويل لن يفيد أيضا إصرار ترامب على أن التغير المناخي أسطورة (غير حقيقي).
إذن ما الذي ينبغي عمله؟ أولا: تحرير التجارة. ففي حين حررت البلدان النامية تجارتها بقدر كبير في السنوات الأخيرة إلا أن معظمها لديه رسوم جمركية أعلى كثيرا من بلدان الدخل المرتفع.
يمكن أن تنجح السياسة التي تستهدف تعزيز صناعات ناشئة محددة. لكن حين لا يكون لدى البلد نفوذ عالمي يُذكر تظل السياسة الأفضل هي حرية التجارة إلى جانب تبني أفضل السياسات الممكنة لجذب الاستثمار، وتحسين رأس المال البشري، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي. وهذا أكثر أهمية في بيئة رديئة -كما هي الحال الآن- منه في بيئة حميدة ومعافاة. الخيارات أكثر تعقيدا بالنسبة للقوى الأكبر كالصين والاتحاد الأوروبي واليابان والهند وبريطانيا وغيرها. فأولا: هي أيضا بحاجة إلى تحسين سياساتها بأفضل قدر ممكن. كما يلزمها التعاون في محاولة الحفاظ على القواعد الدولية فيما بينها وليس أقلها قواعد التجارة. وتحتاج بعض القوى إلى الإقرار بأن الاختلالات العالمية قضية مهمة حقا على الرغم من أنها لا تتعلق بالسياسة التجارية، ولكن باختلالات في الاقتصاد الكلي العالمي.
هذا ليس كل شيء. فمع تراجع الولايات المتحدة عن دورها التاريخي يجري دفع الآخرين لتولي مواقع المسؤولية الدولية. ويعتمد استمرار التقدم في معالجة تحديات التغير المناخي والتنمية الاقتصادية على هذه القوى. فعلى سبيل المثال من الضروري إيجاد طريقة أفضل لحل مشكلة الإفراط في الديون. وهذا يتطلب التخلي عن الاتجاه الحالي للشكوك المتبادلة بين الدول والتي تتزايد باطراد.
من الممكن بل حتى الراجح أننا نشهد اضمحلال جهود عظيمة لتعزيز عالم أكثر ازدهارا وتعاونا. سيقول بعض الناس مثل هذه النهاية (للجهود) مؤشر على «واقعية» صحية. لكنها ستكون حماقة؛ فنحن نشترك في كوكب واحد، وبالتالي مصائرنا مترابطة. لقد جعلت التقنية الحديثة ذلك أمرا لا مفر منه، ونحن عند نقطة تحول؛ لذلك يجب أن نختار بحكمة.
مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تزايد طلبات الدعم النفسي في إسرائيل بنسبة 350% إثر رد إيران
ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن عدد الإسرائيليين الذين طلبوا الدعم النفسي جراء الرد العسكري الإيراني ارتفع بنسبة 350%.
وقالت الصحيفة -أمس السبت- "تم تسجيل ارتفاع بنسبة 350% في عدد طلبات الدعم النفسي عبر خط المساعدة التابع لجمعية نتال -مركز الصدمات الإسرائيلي-، التي تقدم المساعدة النفسية لضحايا الصدمات الناتجة عن الإرهاب والحرب".
ونقلت الصحيفة عن إفرت شيفروت المديرة العامة للجمعية قولها "تلقينا مكالمات على خطوط المساعدة من جميع أنحاء البلاد، من مواطنين أبلغوا عن نوبات هلع، وتوتر، وارتجاف، وبكاء، وتسارع في ضربات القلب".
وأضافت شيفروت "إن المواطنين تحدثوا عن خروج مشاعرهم عن السيطرة، وخوف من مغادرة الملاجئ، وطلبات للمساعدة في التهدئة والتعامل مع الأطفال، وصعوبة في الانفصال عن متابعة الأخبار".
وبدأت إسرائيل -فجر الجمعة- بدعم ضمني من الولايات المتحدة، هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، سمته "الأسد الصاعد"، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الهجوم استباقي وجاء بتوجيهات من المستوى السياسي، في حين أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن العملية غير المسبوقة تهدف إلى ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، ومصانع الصواريخ الباليستية، والعديد من القدرات العسكرية الأخرى.
إعلانوفي مساء اليوم نفسه، بدأت إيران الرد على الهجوم بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والطائرات المسيّرة، بلغ عدد موجاتها حتى الآن 6، مما أدى -بحسب وسائل إعلام إسرائيلية- إلى مقتل 4 إسرائيليين وإصابة 172 آخرين بجروح متفاوتة، فضلا عن أضرار مادية كبيرة طالت مباني ومركبات.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن حدث خطير جدا في تل أبيب، عقب قصف إيراني استهدف موقعا إستراتيجيا، دون الكشف عن تفاصيل إضافية بسبب الرقابة العسكرية الصارمة وتعليمات التعتيم المفروضة من قبل الجيش.
والهجوم الإسرائيلي الحالي على إيران يعد الأوسع من نوعه، ويمثل انتقالا واضحا من حرب الظل التي كانت تديرها تل أبيب ضد طهران عبر التفجيرات والاغتيالات، إلى صراع عسكري مفتوح يتجاوز ما شهده الشرق الأوسط منذ سنوات.