الإيثار أعلى درجات السخاء، وأكمل معانى العطاء، قيمة الإيثار، وهى قيمة إسلامية رصينة حثّ عليها الإسلام، ورغّب فيها، ودعا إليها.

والإيثار فى أدق معانيه: هو أن تُقَدِّمَ غيرَك على نفْسِك فى النَّفْعِ والدَّفْعِ، أى فى النفع له، والدفع عنه؛ ولذلك يعود أثر هذا الإيثار على الفرد والمجتمع، أما أثره على الفرد فهو تدريب لك على قيم البذل والعطاء والسخاء والجود والإنفاق وحب الخير، وفى المقابل يقضى على الأنانية والشح والبخل وما شابه هذه الأخلاق المذمومة، قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].

وأما أثره على المجتمع فهو أن الإيثار يرسّخ قيم الحب والرحمة والتكافل والتعاون وفقه الشعور بالآخر وما شابه هذه الأخلاق المحمودة، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2]؛ بما يصنع معه مجتمعاً مترابطاً منسجماً طاهراً يحبُّ بعضُه البعض، وكأنه كالجسد الواحد الذى أراد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يُرَسِّخَه ويغرسَه فينا.

إن الإيثار رحمةٌ من الله (عز وجل) أسكنها قلوبَ المؤمنين.

إن الإيثار يتجلى فى إجابة دعوةٍ مِن أرملة، أو دعوةٍ مِن محتاج، أو دعوةٍ مِن مكروب، أو دعوةٍ مِن مهموم أو مغموم، أو كربة تفرِّجها على مَدينٍ ومعسر.

إن الإيثار هو أن تُحِبَّ لأخيك ما تُحِبُّه لنَفْسِكَ.

إن الإيثار دليل على قيم النُّبل والمروءة والوفاء.

فكم مِن أيدٍ لأهل الإيثار سَخَتْ آناء الليل وأطراف النهار، فغُفِرَت معها ذنوبُ العمر، ومُحِيَت بِها سيئاتٌ وخطيئات!

إن النفس البشرية مبتلاة بالشح، والله عز وجل يقول: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) [النساء: 128]، فهذا التعبير القرآنى المعجز يفيد بأن الشحَّ ملازمٌ للنفس البشرية حَاضِرٌ فيها، فلا يوجد أىُّ تَصَرُّفٍ إلا والشُّحُّ ملازم للنفس البشرية فيه ومعه.

فلو خطر فى بالك مثلاً أنك تريد اليوم أن تتصدق، فإنك سترى الشحَّ حاضراً يقول لك أخِّرْها، فالشح موجود فى القلوب، ولكن بعض الناس يغلب شحَّه وبعضهم يغلبهم الشحًُّ، لذلك حين تتصدق وتنفق وتعطى وتجود فإن التأثير المباشر لذلك هو أنك تغلبت على الشحّ الذى فى قلبك، قال تعالى: (الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل: 18]، فالإيثار له تأثيره الخاص على القلوب؛ لأن كلَّ عَمَلٍ تُقَدِّمُه له وَاردٌ على القلوب، وحين تكونُ من أهل الإيثار، فإن وَارِدَ ذلك على قلبك هو حُبَّ الآخر وإرساء القيم الإنسانية التى تحمل معنى الحب والرحمة والتعاون والإحسان وما شابه هذه الأخلاق والقيم الإنسانية.

وقد جاء (أَنَّ سيدَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (رَضىَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخَذَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، فَجَعَلَهَا فِى صُرَّةٍ ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: اذْهَبْ بِهَا إِلَى أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ تَلَكَّأْ سَاعَةً فِى الْبَيْتِ حَتَّى تَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُ بِهَا. فَذَهَبَ بِهَا الْغُلَامُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: اجْعَلْ هَذِهِ فِى بَعْضِ حَاجَتِكَ، فَقَالَ: وَصَلَهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ يَا جَارِيَةُ، اذْهَبِى بِهَذِهِ السَّبْعَةِ إِلَى فُلَانٍ، وَبِهَذِهِ الْخَمْسَةِ إِلَى فُلَانٍ، حَتَّى أَنْفَذَهَا. فَرَجَعَ الْغُلَامُ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أَعَدَّ مِثْلَهَا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَتَلَكَّأْ فِى الْبَيْتِ سَاعَةً حَتَّى تَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: اجْعَلْ هَذِهِ فِى بَعْضِ حَاجَتِكَ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَصَلَهُ، وَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، اذْهَبِى إِلَى بَيْتِ فُلَانٍ بِكَذَا وبئت فُلَانٍ بِكَذَا، فَاطَّلَعَتْ امْرَأَةُ مُعَاذٍ فَقَالَتْ: وَنَحْنُ! وَاللَّهِ مَسَاكِينُ فَأَعْطِنَا. وَلَمْ يَبْقَ فِى الْخِرْقَةِ إِلَّا دِينَارَانِ قَدْ جَاءَ بِهِمَا إِلَيْهَا. فَرَجَعَ الْغُلَامُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ عُمَرُ وَقَالَ: إِنَّهُمْ إِخْوَةٌ! بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) [الزهد والرقائق لابن المبارك].

ولننظر إلى قمة الإيثار الذى يتعلق برحاب ومعيّة النبوة المشرفة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِىِّ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، ثُمَّ سَلْهَا، أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَىَّ، قَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِى فَلَأُوثِرَنَّهُ اليَوْمَ عَلَى نَفْسِى، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قَالَ: لَهُ مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ. [البخارى].

فحققوا القيم الجمالية فى الكون من خلال خلق الإيثار، وكُونوا كالجسد الواحد الذى أشار إليه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى قوله: «مثلُ المؤمنين فى تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى «[مسلم]، والمعنى: أنك ترَى المؤمنين فى تراحُمِهم: بأنْ يرحَمَ بعضُهم بعضاً وغايتهم هى الحق (عز وجل)، لا بسببٍ آخرَ، وتوادِّهم، أى: تواصُلِهم الصانع للمحبَّةِ؛ كالتَّزاوُرِ، والتَّهادى، ورفع الغم أو الكُرَب، وتعاطفِهم بأن يُعينَ بعضُهم بعضاً، كما يُعطَفُ طرَفُ الثَّوبِ عليه ليُقوِّيَه، كمثَل الجسدِ بالنِّسبةِ إلى جميعِ أعضائِه، إذا اشتكى عضوٌ منه تَداعَى له سائرُ جسدِه، أى: دعَا بعضُه بعضاً إلى المشاركةِ بالسَّهرِ؛ لأنَّ الألمَ يمنَعُ النَّومَ، والحُمَّى؛ لأنَّ فقدَ النَّومِ يُثيرِها.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيِّئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت..

اللهم آمين

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: حب الخير للغير م ؤ م ن ین ل غ ل ام

إقرأ أيضاً:

كريمة أبو العينين تكتب: قصف تل أبيب

بومب بومب تل أبيب .. بهذه الكلمات تعج ساحات وسائل الاعلام ومنصات التواصل فهذه الكلمات هى مطلع أغنية غربية تطالب ايران بدك تل ابيب . 

هل أخذتك الدهشة مثلما أخذتني وهل صدقت انه قد جاء اليوم الذى يتغنى فيه الغرب بكلمات تطالب بالقضاء على دولة الاحتلال الصهيونى !!؟؟ كلمات بسيطة مصحوبة بفيديوهات تظهر اثار الدمار الذى خلفه القصف الايرانى على تل ابيب وحيفا وعسقلان وقيسارية والعديد من الاراضى العربية المحتلة ، من يصدح بكلمات الاغنية ينقل اليك من بين طيات صوته المفعم بالقوة مدى فرحة المغنى بما حدث فى اسرائيل وبالدمار الذى كان حكرا على غزة ولبنان وسوريا واليمن بالقصف الاسرائيلى والغرور والصلف الصهيونى.

لم تكن الاغنية وحدها هى من عكست مدى استياء الغرب من اسرائيل وشعبها ولكن تعليقات الغرب والامريكان على مايجرى فى إسرائيل ومباركة معظمهم لما تفعله طهران بتل أبيب ، الفيديوهات القادمة من بلاد العم سام ومن والاه لاتصدق فالكل رافض الحكايات الاسرائيلية وكاره لرواياتهم ، وغير متعاطف مع دموعهم ونحيبهم ، معظم الغرب استيقظ اخيرا من البروباجندا الصهيونية التى وضعت منذ أكثر من سبعة عقود اسس وقواعد التمجيد لكل ماهو يهودى ، ورسخت لمظلومية اليهود وبانهم اهل سلام ولايريدون سوى حمايتهم من دول مجاورة لهم تنتظر لحظة الاقدام عليهم والفتك بهم.

 الغرب ومنذ طوفان الأقصى وماتبعه من أهوال عاشها اهل غزة ومعهم الجنوب اللبنانى والسورى وبعضا من الأهداف والاماكن اليمنية ، الغرب  بعدما رأى بعين رأسه ومابثته منصات التواصل والقنوات الاخبارية الصادقة عما يجرى فى غزة بأيادي امريكوصهيونية بعد ذلك علم ان اليهود خلقوا الدمار والحروب وان الفلسطينيين شعبا مقهورا مظلوما مسلوب الحق وضائع بين صلف الحكومات الاسرائيلية المتتابعة وبين الدعم الامريكى الغربى الاعمى لاسرائيل ابنة امريكا الشرعية او غير الشرعية فكلاهما تملك الحق فى النيل من واشنطن وارغامها على تلبية كافة المطالب والامور .

 من يتابع مايجرى فى الأراضى المحتلة ووجوه الصهاينة وخاصة كبيرهم يستطيع ان يصدق احساسه بان القادم لايحمل خيرا لبنو صهيون بل وربما للمنطقة والعالم كله ، المؤشرات تسير نحو اندلاع حرب عالمية ثالثة لن تترك يابسا أو أخضرا وعلى أقل التقديرات ان لم تحدث حربا فسوف يحدث الأسوأ وهو الكساد الاقتصادى العالمى ومايتبعه من جوع وفقر وارتباك فى كافة انحاء المعمورة ، اليهود يريدون الحروب والاقتتال والفتن والدسائس لانها البيئة الخصبة لهم والتى تزيد من رؤوس اموالهم ونطاق نفوذهم وسيطرتهم لذا نراهم يؤججون المنطقة ويسعون لجر الكل الى آتون حرب تشعل سوق السلاح والعملات وتزيد من أصفارهم البنكية وسيطرتهم الفعلية على البلاد والعباد .

ومع كل التوقعات والاستقراءات وبعد كل مانراه ونشاهده ونقرأه ونسمعه وللحق والشماتة فيما يجرى فى تل ابيب دعونا نستمع ونشاهد اجمل ماقيل من كلمات فى تل ابيب "" بومب بومب تل أبيب".

طباعة شارك بومب بومب تل أبيب تل أبيب الأراضى المحتلة

مقالات مشابهة

  • نائب أمير منطقة الرياض رئيسًا فخريًا لجمعية رحماء الصحية
  • قرار وزاري.. أسامة فخري رئيسا لشؤون المساجد والقرآن الكريم بالأوقاف
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ترجمة على شريط النفس)
  • الدكتور سلطان بن محمد القاسمي يكتب: تِيْهُ الغَرَام
  • أسامة الجندي: علو الهمة سر العظماء وأصحاب النفوس النبيلة
  • ظاظا : رحمة تسعى بكل الطرق لإدخال المساعدات إلى غزة
  • كريمة أبو العينين تكتب: قصف تل أبيب
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (باب الخروج من القمقم… أين)
  • رحمة أحمد فرج تكشف لـ «الأسبوع» تفاصيل مشاركتها في «عهد أنيس»
  • السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي.. قراءة فلسفية جديدة في شخصية الرسول