عقب خروج آلاف الشركات من ملفات هيئة الاستثمار.. هل أصبح أثرياء مصر في خطر؟
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
تتواصل شكاوى فقراء المصريين من الفقر المدقع، والغلاء المفجع، وسوء الأحوال، والأزمات غير المسبوقة، بفعل سياسات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، "الخاطئة" وفق مراقبين، لكن يبدو أن الأمر طال حتى أغنياء مصر، وأصحاب الأعمال، وملاك الشركات والمصانع.
ورصد مراقبون مصريون أسماء 143 شركة مصرية كبرى كانت تعمل منذ عقود بالسوق المحلية وتوقفت عن العمل خلال السنوات العشر الماضية، وتم حذفها من ملفات هيئة الاستثمار، مشيرين إلى خطورة الأوضاع.
ووفق بيانات قام بتجميعها، ونشرها، أصحاب حسابات معروفة عبر "فيسبوك"، للمحامي "مجدي أبوعيسى"، والنشطاء "خالد ناصر العربي" و"أم عبدالله الغفاري"، والفنان التشكيلي "سيد هويدي"، والصحفي "حسن بدوي"، فيما تداول متابعون أسماء تلك الشركات على نطاق واسع، مشيرين لخسارة مصر الكبيرة بغلقها.
وأشار البعض إلى أن سياسات إنفاق السيسي، الباذخة، وقراراته غير المدروسة بإنشاء مشروعات غير إنتاجية أهدرت مليارات الجنيهات في بناء أطول وأعرض وأضخم وأفخم مباني في العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها، مؤكدين أنه كان الأولى به صرف جزء من تلك الأموال لتدوير تلك الشركات بدلا من غلقها.
المثير أن غالبية القائمة تضم شركات حكومية أو تابعة لقطاعات وجهات عامة، ولكن في المقابل، والذي يصعب رصده هو توقف آلاف المصانع والشركات وجهات الإنتاج متوسطة القدرة أو صغيرة الإمكانيات، والتي أُغلقت دون أن يدري أحد عنها شيئا، وفق ما أشار إليه الإعلامي المصري المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية محمد السطوحي.
"أرقام كاشفة"
وعلى مدار نحو 39 شهرا متتاليا يواصل نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر الانكماش في أعماله، مع استمرار الأزمات الداخلية للبلاد بفعل شح الدولار، وتراجع قيمة الجنيه، وتغول الدولة والامبراطورية الاقتصادية العملاقة للجيش، والصناديق السيادية، والشركات الخليجية وخاصة الإماراتية على أدوار وأعمال القطاع الخاص المحلي.
وتراجع مؤشر "مديري المشتريات" من (48.1 نقطة) في كانون الثاني/ يناير الماضي إلى (47.1 نقطة) في شباط/ فبراير الماضي، حيث شهدت الشركات المصرية الخاصة غير المنتجة للنفط تدهورا في حجم الطلب، كما انخفضت الطلبات الجديدة بأسرع معدل منذ شهر آذار/ مارس 2023، وتراجع أداء المبيعات المحلية بشكل خاص نتيجة تزايد ضغوط الأسعار.
كما تراجعت الصادرات المصرية خلال العام الماضي بنحو 1.5 بالمئة إلى 35.3 مليار دولار.
وفي 24 أيلول/ سبتمبر 2022، توقع تقرير لموقع "إنتربرايز"، أنه من 85 إلى 90 بالمئة من الشركات المصرية الناشئة مهددة بالانهيار خلال عام، بسبب ظروف السوق الحالية في مصر.
وهو ما أكل في السوق المحلي من رصيد كثير من المصنعين والمصدرين والمستوردين وأصحاب الأعمال والتجار، أو الفئة الموصوفة بأنها من المقتدرين ماليا أو أغنياء ما فوق الطبقة الوسطى، والأقل درجة من المليارديرات وملاك الشركات الكبرى.
"سياسات أهلكت المنتجين"
وهو الأمر الذي أكده مهندس إبراهيم، وهو اسم مستعار لأحد أصحاب المصانع المتوسطة في مدينة العاشر من رمضان، بقوله لـ"عربي21"، إن "سياسات الحكومة مع ملفات العملات الصعبة واستيراد الخامات وقطع الغيار والتصدير أهلكت المنتجين".
وأضاف: "كما أن منحه الأراضي والمشروعات للأجانب والإماراتيين خاصة، بتيسيرات كبيرة يأكل من رصيد الكثير من المصريين العاملين في ذات المجالات، ويضعهم أمام قيود وصعوبات لا يتحملونها، كما يفقدهم أدوارهم ويضعف فرصهم في الحصول على تلك المشروعات والأراضي".
وأكد أن انحياز الحكومة للمستثمر الأجنبي وصناديق وشركات الدول الخليجية والتغول في المقابل على المستثمر المحلي وزيادة الضغوط عليه، "يضطرنا للخضوع لقرارات تلك الشركات وتوجهاتها في السوق الذي انعدمت فيه المنافسة".
وواصل: "بل يجبرنا على دفع أموال بقيم أكثر لذات الخدمات، وخاصة مع سيطرة تلك الشركات والدول والصناديق على قطاعات مثل السياحة وتشييد الفيلل والكمبوندات والشاليهات"، موضحا أن هذا "يعرض كامل حياتهم الترفيهية بعد الإنتاجية لتحكم المنتج الجديد".
وقال: "إننا كمصنعين نخرج من أزمة بخسارة إلى أزمة أخرى أشد بخسارة أكبر"، مبينا أن "خسارته كانت كبيرة في أعوام 2020 وحتى 2020، مع أزمة كورونا"، ومؤكدا أن "تفاقم أزمة الدولار وعجز الدولة عن توفيره لنا واضطرارنا اللجوء للسوق السوداء دفع الكثيرين منا لتقليل أعماله وعمالته بدلا من الخروج نهائيا من السوق".
وختم بقوله إن "العديد من أصحاب الأعمال الذي كانوا يستوردون بضائعهم وخاماتهم وقطع غيارهم بل وخطوط إنتاجهم من أوروبا تحولوا إلى مصادر أقل جودة وأرخص ثمنا مثل دول آسيا وخاصة الصين والهند، وقام آخرون بتسريح الكثير من العمالة وغلق منشآتهم وتركها فقط على الورق".
وفي السياق، تتوالى شكاوى بعض الأغنياء وبينهم فنانين، من تأثير الغلاء على حياتهم، وفي مصايف الساحل الشمالي، وأسعار شراء الوحدات وإيجارها، وقيم الخدمات والأطعمة، حتى وصلت زجاجة مياه الشرب 200 جنيه، وكوب الشاي 150 جنيه، وصاندوتش برجر بـ375 جنيها، وفاتورة فلافل 1200 جنيها، ما دفع البعض لوصفه بـ"الساحل الشرير".
وأكد البعض أن "الحاجة والفقر وضيق الحال، وصلت لسيدات مصريات فضليات، من أسر عريقة ومحترمة، بأن يسألن الناس بمنتهى الخجل والحزن ودموع صادقة مُهينة... ".
ويشهد الاقتصاد المصري طوال السنوات العشر الماضية من حكم السيسي، أزمات متتالية على وقع أزمة تراجع قيمة عملتها المحلية مقابل العملات الأجنبية، من نحو 7 جنيهات لنحو 47.45 جنيها لكل دولار رسميا، بجانب تفاقم أزمة ديون خارجية بلغت نحو 165 مليار دولار نهاية العام الماضي، في دين له تبعاته ووصل لحوالي 95 بالمئة من الناتج المحلي.
"تسهيلات حكومية.. لمن؟"
تلك الأوضاع تأتي برغم ما تصدره الحكومة المصرية من دعاية حول دورها في دعم المنتج الصغير، ودعم المنتجين، والمصدرين، وأصحاب الاعمال، بل إنها وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، شكًلت "المجلس الأعلى للاستثمار"، برئاسة السيسي، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس المخابرات العامة، والمدير التنفيذي لـ"صندوق مصر السيادي"، وغيرهم.
وفي أيار/ مايو الماضي أصدرت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة قرارات بخفض تكلفة تأسيس الشركات، والحد من القيود المفروضة على التأسيس، وتسهيل تملك الأراضي، وتعزيز الحوكمة والشفافية والحياد، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج، وتخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين.
لكن؛ يبدو أن هدف تلك الخطوات وفق مراقبين، هو تنفيذ توجيهات صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل المؤسسة الدولية، وذلك إلى جانب تحسين موقع مصر في المؤشرات والتصنيفات الدولية الدافعة لجلب الاستثمار، وكذلك مغازلة المستثمرين العرب والأجانب.
ودون أن يكون لها دور فعال في إنقاذ القطاع الخاص المحلي القائم بالفعل، أو دعمه بشكل عادل، بل زيادة الضغوط عليه، بقرارات رفع أسعار الوقود والطاقة بأنواعهما دون توقف.
بل وزيادة الأعباء الضريبية، ورفع قيم الرسوم الحكومية ومقابل الخدمات والاعتمادات الرسمية، والتخبط في القرارات الخاصة بالتصدير والاستيراد وفتح الاعتمادات المستندية، ناهيك عن أزمة توفير العملات الأجنبية.
ويدلل البعض على صدق تلك الرؤية حول اهتمام الحكومة بالمستثمر الخليجي والغربي على حساب المصنع والمنتج المصري، باستمرار إعلان كبار المستثمرين المصريين عن قرارات التوقف عن الدخول في مشروعات جديدة بل والانتقال إلى أسواق أخرى، وهو ما يتمثل بصورة واضحة في تصريحات رجل الأعمال سميح ساويرس، في أيار/ مايو الماضي.
بل إنه وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نقل شقيقه ناصف ساويرس مكتب عائلته مجموعة "NNS" لسوق أبوظبي، فيما دشنت في كانون الأول/ ديسمبر 2022، نجلتي رجل الأعمال الراحل محمد فريد خميس، شركة في بريطانيا وقامتا ببيع صوري لربع أسهم شركة "النساجون الشرقيون" للشركة الجديدة.
وقتها؛ أكد مراقبون أن هذا التوجه، يمثل هروبا من السوق المصرية بسبب تداعيات أزمة شح الدولار، وقيود الدولة على حركة نقل الأموال، وأزمات السوق المحلية.
"وضع مذري للصغار"
وإذا كان هذا هو وضع كبار المستثمرين المصريين، فماذا عن صغارهم، وهي الحالة التي عبر عنها رئيس شركة مصر الدولية لصناعة البلاستيك "ميبكو"، محمد حامد، بقوله لـ"الشرق مع بلومبيرغ" في 31 كانون الثاني/ يناير الماضي، إن خطوط إنتاج شركته تعمل بحوالي 33 بالمئة فقط من طاقتها.
وأرجع السبب، إلى ارتفاع أعباء الإنتاج بنحو 150 بالمئة مع زيادة أسعار الكهرباء، والمحروقات، وارتفاع أسعار المواد الخام، والفوائد البنكية.
وفي ذات التقرير، كشف رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية، محمد المهندس عن إقبال عدد من المصنعين على "الغلق المؤقت"، بسبب عدم استقرار أسعار الخامات.
وأكد عضو اتحاد الصناعات المصرية، محمد البهي، أنه مع مشكلة شح الدولار، ونقص الخامات، هناك اتجاه لبعض المصانع إلى الغلق لعدم قدرتها على الإنتاج، مشيرا لتأثير ذلك على منافسة المنتجات المصرية مع نظيراتها بالخارج.
متحدثون لـ"عربي21"، أكدوا أن سياسات السيسي كما أضرت بفقراء مصر فإنها جعلت أثريائها في خطر، موضحين أن سياساته بدعم المستمرين الأجانب وخاصة الخليجيين ومنحهم التسهيلات والأراضي أكلت من حقوق أصحاب الأعمال من المصريين.
وذهبوا إلى التوقع بأن تؤذن تلك السياسات باختفاء نسبة من تلك الطبقة، كاختفاء طبقة البشوات والبهوات سابقا، في خمسينيات القرن الماضي.
وبعد حركة الضباط في مصر 23 تموز/ يوليو 1952، اختفت طبقة "البهوات" و"الباشوات" التي كانت تسيطر على السلطة والمال والأراضي والأعمال والتجارة، لتنشأ طبقة جديدة في ستينيات القرن الماضي، لتشهد مصر ظهور طبقة جديدة في عصر الانفتاح في عقد السبعينيات، ثم تغول مجموعة رجال أعمال على عصر مبارك، ليضم عصر السيسي رجال أعمال الإمارات والسعودية بجانب المتربحين من نظامه من العسكريين والمقربين منه.
"هكذا أضر بالجميع"
وفي تعليقه، قال الكاتب والباحث المصري محمد فخري: "بالفعل أدت سياسات السيسي العشوائية والاستغلالية إلى الإضرار بقطاعات عريضة ومختلفة من المجتمع المصري".
فخري، لفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أنه أضر "بداية من المواطن البسيط ومرورا بأصحاب المشروعات متناهية الصغر، ونهاية برجال الأعمال أصحاب المشروعات المتوسطة والكبيرة أحيانا".
وأشار إلى أن "سياسات الاحتكار، والفساد، وتضارب وفشل سياسات الاستثمار والاستيراد والتصدير والنقد الأجنبي، أدت إلى إزاحة قطاع كبير من الأثرياء ونقلهم عنوة إلى طبقات أقل"، موضحا أنه "يمكن لأي مراقب متابعة فيديوهات واستغاثات رجال الأعمال الذين فقدوا استثماراتهم، نتيجة تلك الأسباب".
وأعرب الكاتب والمحلل السياسي المصري، عن أسفه، من أنه "ليس الأمر كما يشاع، فلا يتم دعم المستثمر الأجنبي بشكل مطلق، ولكن فقط جهات ودول وأشخاص بعينهم يرتبطون بمصالح مشبوهة مع أصحاب القرار داخل مصر".
ويرى أن "هذا ما يضاعف حجم الخسارة بالنسبة للمصريين"، مؤكدا أن "التفريط البخس مرتبط بعمولات وشبهات مالية".
وخلص للقول: "في داخل مصر، لا يكفي أن تصبح رجل أعمال ثري، لتشارك في أي من قطاعات الصناعة أو التجارة أو الاستثمار بشكل عام، فقد تم احتكار الأمر لمجموعة محددة ترتبط هي الأخرى بشراكات سرية مع صناع القرار، وفي الأغلب هي مجرد واجهات بأسماء مختلفة".
وختم فخري، حديثه مؤكدا أنه "في ظل هذا المشهد يُصبح من العسير استمرار رجال الأعمال بعيدي الصلة عن دوائر السلطة".
"القادم أسوأ"
وقال السياسي المصري محيي عيسى: "باختصار شديد؛ القادم أسوأ ما دام النظام باقيا فستزداد الأمور سوءا وسينتقل النظام من فشل إلى فشل.
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "هذا النظام نفذ كل رصيده للإصلاح، وخابت كل طرق إصلاحه أو حتى ترقيعه، وهناك حل واحد لبقاء الأمل في إصلاح مصر، لا بديل عنه، وهو زوال هذا النظام بأكمله، وزوال هذه المنظومة الفاسدة بكل المجالات".
وختم بالتأكيد على أهمية "هيكلة معارضة جديدة تحمل برنامجا إصلاحيا شاملا، وتسوق نفسها بتشكيل جبهة شعبية تكون قادرة على الحشد والتضحية".
هل هي مؤامرة؟
وفي وجهة نظر تقول إن هناك مؤامرة مقصودة على الشركات المحلية المصرية العامة والخاصة، لبيع الأولى للمستثمرين ولرجال الأعمال الخليجيين ذي الارتباطات مع مستثمرين إسرائيليين، وتعجيز الشركات الخاصة لصالح الشركات الكبرى التابعة لجهات وأشخاص تابعين للنظام ورأس السلطة.
وهنا لفت الكاتب الصحفي جمال سلطان، إلى اعتراف رئيس مجلس إدارة شركة الكوك الدكتور سيد أحمد الطيب، بأنه جاءته أوامر تقول: "ممنوع الشركة تكسب"، ليتم تصفيتها لاحقا وبيع أراضيها.
كما لفت سلطان، إلى أن شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية (ABUK) حققت أرباحا بلغت 115 بالمئة عام 2021، وإيرادات 8.8 مليار جنيه، وصافي أرباح 5 مليار جنيه، ليقوم السيسي، في العام التالي ببيع الشركة التي تستورد منها إسرائيل بانتظام، إلى الإمارات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصريين السيسي الاقتصاد المصري مصر السيسي القاهرة الاقتصاد المصري المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أصحاب الأعمال رجال الأعمال تلک الشرکات إلى أن
إقرأ أيضاً:
الرئيس التنفيذي لوكالة ترويج الاستثمار: الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطر نمت بنسبة 110 بالمئة في 2024
أكد سعادة الشيخ علي بن الوليد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لوكالة ترويج الاستثمار، أن دولة قطر شهدت نموا كبيرا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام 2024، بتسجيلها 241 مشروعا استثماريا بلغت قيمتها 2.74 مليار دولار، مقارنة بـ115مشروعا في العام 2023، مما يمثل زيادة ملحوظة بنسبة 109.6 في المئة، وهو ما يظهر الثقة المتزايدة لدى المستثمرين في الاقتصاد القطري وتوجهاته الاستراتيجية.
وقال الرئيس التنفيذي لوكالة ترويج الاستثمار، في حوار مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن معظم المشاريع تتركز في القطاعات الحيوية بالدولة، وعلى رأسها قطاع تجارة التجزئة والجملة بواقع (77 مشروعا)، والخدمات الإدارية والدعم (41 مشروعا).
واستحوذت المشاريع الخضراء الصديقة للبيئة على 74 بالمئة من إجمالي مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يعكس تنامي جاذبية دولة قطر المتزايدة للمستثمرين الدوليين، ويعزى هذا النمو إلى السياسات الاستثمارية المستهدفة، والبيئة الداعمة للأعمال، إلى جانب التزام الدولة بتنويع الاقتصاد تماشيا مع رؤية قطر الوطنية 2030.
وأوضح سعادة الشيخ علي بن الوليد آل ثاني، أن هذا الزخم جاء نتيجة لسلسلة من الإصلاحات السياسية، وتبسيط إجراءات التراخيص، وتعزيز الخدمات الرقمية التي تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال، بما ينسجم مع أهداف التنويع الاقتصادي في استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، كما حققت دولة قطر تقدما ملموسا من خلال عدد من المبادرات الاستراتيجية التي تعزز جاذبية الاستثمار، من أبرزها إطلاق وزارة التجارة والصناعة لاستراتيجية قطر الوطنية للصناعات التحويلية (2024 - 2030)، التي تستهدف تحقيق نمو سنوي بنسبة 3.4 بالمئة في القطاعات غير النفطية، فيما شكل تأسيس المركز الوطني للإحصاء خطوة محورية في تعزيز السياسات القائمة على البيانات وترسيخ مبادئ الشفافية، وهو ما يعد عنصرا أساسيا في بناء بيئة استثمارية تنافسية ومستدامة.
وأشار إلى أن دولة قطر حققت تصنيفات دولية متقدمة تعكس مسارها التصاعدي في التنمية الاقتصادية، حيث ارتقت إلى المرتبة الـ11 عالميا في مؤشر التنافسية العالمي (IMD) للعام 2024، كما أحرزت تقدما ملحوظا في مجالي البنية التحتية والخدمات اللوجستية، باحتلالها المركز الـ14 عالميا في مؤشر كفاءة الخدمات اللوجستية، والمرتبة الـ19 في المؤشر الفرعي للبنية التحتية اللوجستية الصادر عن البنك الدولي. وتؤكد هذه الإنجازات التزام دولة قطر ببناء منظومة استثمارية ديناميكية وجاذبة ترتكز على الابتكار والنمو المستدام.
ولفت إلى أن المشاريع الاستثمارية في العام 2024 أسهمت في توفير 9,348 وظيفة جديدة، بزيادة قدرها 122.7 بالمئة مقارنة بـ4,197 وظيفة في العام 2023. وشملت القطاعات الأكثر مساهمة في خلق فرص العمل الجديدة كلا من تجارة الجملة والتجزئة، والخدمات الإدارية وخدمات الدعم، وخدمات الإقامة والأغذية، بالإضافة إلى قطاع الخدمات التعليمية.
وبين أن هذه الاستثمارات تعكس الالتزام الاستراتيجي لدولة قطر بتنويع اقتصادها، من خلال تعزيز الاستثمارات في القطاعات الرئيسية التي تسهم في تحقيق نمو طويل الأجل وزيادة المرونة الاقتصادية، كما تبرهن على جاذبية البيئة التنظيمية، والبنية التحتية عالمية المستوى الداعمة لتوسع الأعمال.. مشيرا إلى أنه من خلال التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة والمبنية على الابتكار، فإن دولة قطر لا تواصل خلق فرص للاستثمار فحسب، بل تعزز تحولها إلى اقتصاد قائم على المعرفة جاهز للمستقبل، ويأتي هذا التوجه منسجما مع استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، التي تهدف إلى تحقيق متوسط نمو اقتصادي سنوي بنسبة 4 بالمئة، وزيادة إنتاجية العمل، واستقطاب 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بحلول العام 2030،
وأكد أن هذه الجهود أثمرت تقدما لافتا في التصنيفات العالمية، حيث جاءت دولة قطر بالمرتبة الأولى عالميا في مجالي السياسة الضريبية والبنية التحتية الأساسية، وفقا لمؤشر التنافسية IMD للعام 2024، ونالت المركز الثاني في البنية التحتية العامة (مؤشر الابتكار العالمي 2024)، والرابع في تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (مؤشر الاتحاد الدولي للعام 2024).
كما ظهر التزام الدولة بريادة الأعمال والابتكار جليا في نتائج مؤشر مراقبة ريادة الأعمال العالمي (2024 - 2025)، حيث حصلت على المركز الأول في نوايا ريادة الأعمال ونشاط الموظفين، والمركز التاسع في فرص إنشاء المشاريع.
وعلى الصعيد الإقليمي، قال سعادة الشيخ علي بن الوليد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لوكالة ترويج الاستثمار، إن دولة قطر تتصدر دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عدد من المؤشرات الرئيسية، من بينها المركز الأول في السياسات تجاه الاستثمار الأجنبي (مؤشر EIU لبيئة الأعمال 2025)، والخدمات المالية (مؤشر الفرص العالمية 2025)، والمرونة الاقتصادية (مؤشر FM Global 2025)، بالإضافة إلى احتلالها المركز الثاني في فرص الأعمال والاستثمار. ويؤكد هذا التقدم في التصنيفات الإقليمية والدولية نجاح استراتيجية التنويع الاقتصادي التي تتبناها الدولة، ويعزز من مكانتها كمركز استثماري عالمي تنافسي وجاذب للمستثمرين.
وبخصوص استراتيجية الوكالة لجذب استثمارات نوعية تساهم في بناء اقتصاد قائم على المعرفة وتطوير القدرات المحلية والفرص الاستثمارية المحددة التي تروج لها الوكالة في "قطاعات النمو"، أوضح سعادة الشيخ علي بن الوليد آل ثاني أن استراتيجية وكالة ترويج الاستثمار تتركز على جذب الاستثمارات النوعية القائمة على المعرفة، بما يتماشى مع أهداف دولة قطر للتنويع الاقتصادي طويلة الأمد.
وقال: "نولي اهتماما خاصا للقطاعات التي تتمتع فيها الدولة بميزة تنافسية واضحة، ويمكن من خلالها توظيف الابتكار، والتكنولوجيا، والاستدامة لخلق قيمة حقيقية للمستثمرين والاقتصاد الوطني. ويعد تطوير الشراكات الاستراتيجية مع مؤسسات عالمية رائدة إحدى الركائز الأساسية لهذه الاستراتيجية، فهذه الشراكات لا تقتصر على خلق الوظائف فحسب، بل تسهم أيضا في نقل المعرفة، وجلب أحدث التقنيات، وتطبيق أفضل الممارسات العالمية في القطاعات الرئيسية".
وأضاف: "على سبيل المثال، تعاونّا مع شركة /إيبردرولا/ لإنشاء مركز عالمي للابتكار في المرافق الرقمية، ومع شركة "مايكروسوفت" لدعم واستقطاب الشركات الناشئة سريعة النمو في مجالات مثل الزراعة، والاستدامة، والتأمين، والتمويل. كما أسفر تعاوننا مع /فلاير لابز/ عن إطلاق أول مركز للذكاء الاصطناعي في مجال النقل على مستوى المنطقة في دولة قطر، بينما يهدف تعاوننا مع شركة /سيمنس/ إلى تطوير بنية تحتية مستدامة في المدن الذكية، والزراعة العمودية، وقطاع النقل. ومن الشراكات الأخرى البارزة أيضا: افتتاح مركز التميز لشركة /إيمرسون/ في مدينة لوسيل، وتقديم خدمات الإنترنت من /ستارلينك/ خلال كأس العالم FIFA قطر 2022، وافتتاح أول مقر إقليمي لاتحاد الشركات الصغيرة والمتوسطة الألماني في الدوحة".
وفيما يتعلق بقطاعات النمو، أشار إلى أن قطاع التصنيع يعد من أولويات هذه الاستراتيجية، لاسيما في مجالات التصنيع المتقدم والذكي، الذي يسهم في تعزيز القدرات الوطنية وتقوية سلاسل الإمداد، خصوصا في الصناعات الغذائية، والكيماويات، والسلع الصناعية عالية القيمة.
وفي قطاع الخدمات اللوجستية، أكد أن الموقع الاستراتيجي لدولة قطر يمثل، إلى جانب بنيتها التحتية المتطورة والربط العالمي عبر ميناء حمد ومطار حمد الدولي، عامل جذب قوي للشركات الراغبة في إنشاء مراكز توزيع إقليمية، خاصة في مجال الحلول اللوجستية المعتمدة على التكنولوجيا.
كما يعد قطاع السياحة من القطاعات الواعدة، في ظل المكانة العالمية المتنامية لدولة قطر، والبنية التحتية الفندقية المتقدمة، واستضافتها لفعاليات عالمية كبرى، ما يوفر فرصا استثمارية متنوعة ويعزز من مكانتها كوجهة سياحية على مدار العام. وقال: "نسعى من خلال هذه الشراكات العالمية والبيئة الداعمة للأعمال، إلى خلق فرص استثمارية مستدامة تسهم في دعم مسيرة التنويع الاقتصادي، وتعزيز تنافسية دولة قطر على الساحة العالمية".
وأضاف أنه في إطار جهود تسهيل الاستثمار الأجنبي، وتعزيز التواصل مع المستثمرين في دولة قطر، تم إطلاق بوابة "استثمر قطر" كمنصة رقمية متقدمة، ومع تجاوز عدد المستخدمين المسجلين فيها 11 ألف مستخدم حتى الآن، أصبحت البوابة أكثر من مجرد مصدر معلومات، إذ تمثل مركزا ديناميكيا يربط المستثمرين بفرص الأعمال، والمناقصات، والشركاء المحتملين، إلى جانب توفير الدعم المتخصص من فريق علاقات المستثمرين في "استثمر قطر". وتتميز البوابة بخصائص تكاملية، من بينها الرسائل الفورية، والوصول إلى الفرص المتاحة في القطاعين العام والخاص، وذلك بهدف دعم المستثمرين في مختلف مراحل رحلتهم الاستثمارية. وأبرز في هذا الصدد أن من الإنجازات الأخيرة في تطوير المنصة، الشراكة الاستراتيجية مع بنك قطر الوطني QNB، التي من شأنها تعزيز سهولة ممارسة الأعمال في الدولة.
ومن خلال هذا التعاون، بات بإمكان المستثمرين الاستفادة من باقات مصممة خصيصا لهم، وخدمات إدارة الحسابات البنكية، وفتح حسابات بنكية للشركات خلال ثلاثة أيام عمل فقط، شريطة استيفاء متطلبات الامتثال. وتقدم هذه الخدمات الجديدة مباشرة عبر بوابة "استثمر قطر"، التي شهدت مؤخرا تحديثا شاملا تضمن واجهة أكثر سهولة في الاستخدام، بالإضافة إلى مزايا مالية حصرية للأعضاء. "ونحن ملتزمون بمواصلة تطوير قدرات المنصة ضمن برنامج "الوصول إلى قطر" (Access Qatar)، الذي يشمل إطلاق خدمات ومبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز مكانة قطر كوجهة استثمارية جاذبة، وداعمة للاستثمار الأجنبي".
ونوه سعادة الشيخ علي بن الوليد آل ثاني الرئيس التنفيذي لوكالة ترويج الاستثمار، إلى أنه في إطار مهام الوكالة لترسيخ مكانة دولة قطر كوجهة استثمارية رائدة، تركز على استقطاب الاستثمارات النوعية التي تسهم في تحقيق التنويع الاقتصادي والنمو المستدام، بما يتماشى مع استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة.
وقال: "بصفتنا البوابة الرئيسية لحلول الاستثمار الأجنبي في قطر، نقدم مجموعة متكاملة من الخدمات التي ترافق المستثمرين في مختلف مراحل رحلتهم الاستثمارية. نبدأ بمرحلة الاكتشاف، حيث نوفر معلومات سوقية دقيقة ورؤى تنظيمية معمقة، مرورا بمرحلة وصول المستثمر إلى الدولة التي نسهل من خلالها الزيارات الميدانية والتواصل مع الجهات المعنية وأصحاب المصلحة. وفي مرحلة تأسيس الأعمال، نربط المستثمرين بمنصات التراخيص لتسهيل إجراءات مزاولة الأنشطة، في حين تركز خدمات المتابعة مع المستثمرين بعد تأسيس أعمالهم، على ضمان استمرارية الأعمال وتحقيق نموها على المدى الطويل. وإلى جانب هذه الخدمات الأساسية، نعمل على تطوير منظومة الأعمال والاستثمار في الدولة من خلال قسم البحوث والدراسات ودعم السياسات. وبالتعاون مع شركائنا في القطاعين العام والخاص، نسهم في تعزيز التنافسية وتحسين بيئة الأعمال، باعتبارهما من العوامل الجوهرية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة المستدامة".
وفي السياق ذاته، أضاف "نسخر الابتكار الرقمي لتعظيم أثرنا. فبوابة /استثمر قطر/، كما أشرت سابقا، تتيح لأكثر من 11 ألف عضو حالي الوصول إلى الفرص الاستثمارية والمناقصات، والتواصل مع شركاء الأعمال وفريق علاقات المستثمرين. كما أطلقنا مؤخرا روبوت المحادثة الذكي "Ai.SHA"المدعوم بتقنية "جي بي تي GPT" بالتعاون مع شركة مايكروسوفت، لتقديم دعم فوري عند الطلب، مما يعزز سهولة الوصول إلى المعلومات ويمكن المستثمرين من اتخاذ قرارات مبنية على المعرفة".
وضمن إطار الجهود الاستراتيجية الهادفة إلى تعزيز الشفافية ورفع كفاءة رصد وتتبع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دولة قطر، أطلقت وكالة ترويج الاستثمار لوحة بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر في الدولة بالتعاون مع منصة (fDi Markets). وتم تطوير هذه الأداة المبتكرة للتزويد ببيانات دقيقة، محدثة وآنية عن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، بما يسهم في دعم اتخاذ قرارات مستنيرة، وتعزيز النمو الاقتصادي في الدولة.
وتظهر بيانات المرصد أن دولة قطر منذ عام 2017، تمكنت من جذب أكثر من ألف مشروع استثمار أجنبي مباشر، أسهم في خلق أكثر من 73 ألف فرصة عمل، بالإضافة إلى استثمارات رأسمالية تجاوزت 50 مليار دولار أمريكي. وعلاوة على ذلك، نواصل توسيع حضورنا العالمي من خلال المشاركة في مختلف الفعاليات الدولية والأنشطة الترويجية رفيعة المستوى، بهدف إبراز المزايا الاستثمارية لدولة قطر، وتعزيز مكانتها كوجهة جاذبة للاستثمارات والمستهدفة.
وحول تقييم الوكالة لجودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تجذبها، قال: "في وكالة ترويج الاستثمار، نعتمد نهجا استراتيجيا وشاملا في تقييم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مع التركيز على استقطاب الاستثمارات التي تحقق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني، ولا يقتصر تقييمنا على حجم رأس المال الـمستثمر، بل يشمل أيضا مدى مساهمة هذه الاستثمارات في تعزيز القدرات التكنولوجية، ودعم الابتكار، ونقل المعرفة. فعلى سبيل المثال، نستهدف الاستثمارات القادرة على تمكين الصناعات المحلية من تبني تقنيات متقدمة، ورفع مستوى التنافسية، وتحقيق نمو مستدام.. كما تعد فرص العمل عالية الجودة من المحاور الرئيسية في عملية التقييم، حيث نولي اهتماما خاصا بدراسة نوعية الوظائف الـمستحدثة من حيث مستوى المهارات، وفرص التدريب المتاحة، وآفاق التطور المهني. ونهدف من خلال ذلك إلى ضمان مساهمة الاستثمارات الأجنبية في صقل الكفاءات الوطنية وتطويرها، وخلق وظائف مستقبلية ذات قيمة مضافة.
وتشكل الاستدامة ركيزة أساسية في منهجية التقييم، إذ نحرص على جذب الاستثمارات التي تتماشى مع التزام دولة قطر بالتنمية المستدامة والحفاظ على البيئة، ويتم ذلك عبر تقييم الأثر البيئي للمشروعات، وتشجيع تبني التكنولوجيا النظيفة، والممارسات المسؤولة بيئيا".